كيف خرّبنا دورة الماء ولم يعد بإمكاننا الاعتماد على هطول الأمطار
كنا نظن أن دورة الماء على الأرض قادرة على الصمود أمام التدخل البشري، لكن تحليلا حديثا يظهر أن إمداداتنا من المياه في النباتات والتربة الشديدة الأهمية لتوليد هطول الأمطار منخفضة بصورة خطيرة. وهنا ما يجب علينا فعله لإصلاح الضررٍ
أسافر كثيرا من أجل العمل، وفي كلّ مكان أقصده أجد الناس يتحدثون عن المطر. كنت في أوغندا في نوفمبر الماضي (2023) وسمعت تأففا بسبب عدم حلول موسم الأمطار. وفي ألبانيا، في شهر مارس، قرأت عن خطط لتصدير المياه إلى إيطاليا التي ضربها الجفاف. زرت المملكة العربية السعودية في يونيو الماضي، وقيل لي عن هطول وابل غزير غير متوقع في الصحراء.
من السهل أن نهزّ أكتافنا غير مبالين بكلّ هذا. ففي نهاية المطاف، نحن نعلم بالفعل أن التغيّر المناخي Climate change يصيب الطقس بالاضطراب. وسوف يهطل المطر في النهاية لأن الماء متجدد بصورة لا نهائية. إذ يهطل من السماء على هيئة مطر، هطولا متفاوتا لكن يمكن التعويل عليه. أليس كذلك؟
إن الإجابة بصورة متزايدة هي: لا. يقول يوهان روكستروم Johan Rockström من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ Potsdam Institute for Climate Impact Research في ألمانيا: «لقد سمحنا لأنفسنا بالاعتقاد أن المياه هي ببساطة شيء يعود كلّ عام، وأن هناك دورة مياه مستقرة ويمكننا التعويل عليها». لكنّ هذا يتغيّر بسبب النشاط البشري. «يجب أن ندرك أننا – يا إلهي – في الواقع لم نعد قادرين على الثقة بالمصدر بعد الآن».
هذا ليس بثّا مبهما للذعر. إذ أجرى روكستروم حديثا تحليلا جديا لأنظمة مياهنا وخلص إلى أنها معطوبة. إذاً، ما مدى سوء الضرر؟ وهل هناك أي شيء يمكننا فعله بوصفنا أفرادا أو مجتمعا؟ عموما، الإجابات هي أن الضرر عميق، لكنه لا يزال – بالكاد – قابلا للإصلاح.
الدورة الهيدرولوجيّة هي نظام معقد ومترابط يدوّر المياه العذبة بين الأنهار، والبحيرات، والأراضي الرطبة، والمياه الجوفية، والجليد، وبخار الماء في الغلاف الجوي، والسحب والهطول Precipitation. لقد كانت مستقرة جدا في الهولوسين Holocene، أي الـ 11700 عاما الماضي، والتي سمحت خلالها الظروف المناخية المعتدلة للبشر بالازدهار. ولكن علماء الجيولوجيا على أعتاب إعلان أننا الآن في عصر Epoch جيولوجي جديد متأثر بالبشر يسمى الأنثروبوسين Anthropocene. أحد أوجه تأثيرنا هو امتصاصنا مياه النظام بصورة متزايدة إلى أن جفّفناه، إذ صرنا نستخرج المزيد من المياه للزراعة، والصناعة، وللاستخدام في منازلنا. وحتى وقت قريب، كانت الدورة الهيدرولوجيّة قادرة على التكيّف، لكنّ هناك أدلّة على أن مياه الصنابير على وشك أن تنقطع.
أدركت الأمم المتحدة United Nations الأزمة التي تلوح في الأفق فعقدت في مارس مؤتمرا للمياه في نيويورك، وهو ليس إلّا المؤتمر الثاني في تاريخها. كان الأول في عام 1977، في مار دل بلاتا Mar del Plata في الأرجنتين، اتفقت فيه 118 دولة على ضرورة توفير إمدادات شاملة من المياه والصرف الصحي بحلول عام 1990. يقول بابلو بيريسيارتوا Pablo Bereciartua رئيس الشراكة العالمية للمياه Global Water Partnership، وهي شبكة تضمّ آلاف الوكالات المعنية بالمياه: «نحن الآن في عام 2023 ونعلم إلى أيّ مدى مازلنا بعيدين عن ذلك».
لكن الأمر أسوأ من ذلك. الكلمة التي ترددت على شفاه الجميع في مؤتمر هذا العام كانت «الأزمة». فلا يقتصر الأمر على افتقار بليوني شخص إلى القدرة الكافية على الحصول على المياه النظيفة، بل إن الدورة الهيدرولوجيّة بكاملها قد رميت خارج نطاق راحتها بسبب الضربة المزدوجة المتمثلة في التغيّر المناخي Climate change وتدهور الأراضي Land degradation. بعض الأماكن تزداد رطوبة، وبعضها يزداد جفافا. والنتيجة النهائية هي أن توزيع هطول الأمطار المستقرّ إلى حدّ كبير الذي تطوّر فيه البشر وازدهروا لم يعد موجودا. وقال الدبلوماسي المجري تشابا كوروشي Csaba Kőrösi، رئيس الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في المؤتمر: «ببساطة، لم يعد هناك ما يكفي من المياه العذبة».
حدود كوكبية
في عام 2009، راد روكستروم، الذي كان آنذاك في معهد ستوكهولم للبيئة Stockholm Environment Institute في السويد، وآخرون دراسة مفهوم «الحدود الكواكبيّة» Planetary boundaries وهي تسعة أنظمة دعم حياة عالمية يجب أن نحافظ عليها ضمن حدود معينة لتظلّ الأرض صالحة للعيش. كان استخدام المياه العذبة أحدها، وخلص روكستروم وزملاؤه إلى أنّه – على عكس التغيّر المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، ودورة النتروجين – لا يزال ضمن الحدود الآمنة. ووضعوا حدود الاستهلاك بما لا يزيد على 4,000 كم3 من المياه العذبة سنويا، وقالوا إن الاستهلاك الفعلي يبلغ 2,600 كم3 سنويا. ولكنّهم نبّهوا إلى أنّه إن ظلّت الأمور على ما هي عليه، فإننا سنقترب من الحدود بحلول منتصف القرن. وراجعوا هذا الوضع في عام 2019 وخلصوا مرة أخرى إلى أنّ استخدام المياه العذبة كان ضمن الحدود الآمنة.
لكن الوضع الآن اتخذ منعطفا دراميا. لم يأخذ تحليل الحدود الكوكبيّة الأصلي في الاعتبار إلّا استخراج المياه العذبة. وفي ورقة بحثية جديدة، أجرى روكستروم وزملاؤه تحليلا أكثر تفصيلا استنادا إلى الاكتشافات العلميّة الجديدة. أنشؤوا حديّن جديدين للمياه العذبة: تغيّر تدفق المياه السطحية واستخراج المياه الجوفية. الأول أساسي للتنوع البيولوجي للمياه العذبة، ومياه الشرب، ومصايد الأسماك التي يعتمد عليها الملايين من الناس؛ والثاني يسهم في التدفقات في أنظمة الأنهار والمحافظة على الأراضي الرطبة والنباتات.
نحن نخترق كلا الحديّن. بالنسبة إلى تغيّر التدفق، كانت الحدود التي وضعوها له هي 20% انخفاضا أو زيادة على التدفق الطبيعي. يقول ستيوارت بون Stuart Bunn، المؤلف المشارك للورقة البحثية من معهد أستراليان ريفرز Australian Rivers Institute في جامعة جريفيث Griffith University في بريزبان Brisbane: «ما إن نبدأ تغيير أنظمة التدفق بأكثر من 20 %، نبدأ رؤية تأثير كبير في أنظمة المياه العذبة والخدمات الأساسية التي تقدمها للبشر». على الصعيد العالمي، نحن ضمن الحدود، لكنّ ثلث مساحات اليابسة، التي يعيش فيها نصف سكان العالم، قد تخطّت هذه الحدود.
والوضع بالنسبة إلى المياه الجوفية أسوأ. الحدود التي وضعها لها الباحثون هي الاستخراج الذي لا يتجاوز التجديد. ووفقا لهذا الحساب، فإن 47% من أحواض المياه الجوفية في العالم آخذة بالاضمحلال. وهذا يكفي لدفعنا خارج الحدود العالمية. أشير مؤخرا إلى أن البشرية استخرجت الكثير من المياه الجوفية إلى درجة أن محور الكوكب تغيّر. فلا تزال المياه موجودة، لكنّه أعيد توزيعها من أسفل سطح الأرض إلى فوقه، مما سبّب تحرّك القطبين بنحو 80 سم.
الماء الأخضر
وقد صار هذا الاستنتاج أكثر إثارة للقلق بعد دراسة منفصلة، أجراها أيضا روكستروم وزملاؤه ونشرت في 2022. وطرحت حدودا كوكبية جديدة تسمى المياه الخضراء Green water. يشير هذا المصطلح إلى الرطوبة الموجودة في التربة والغلاف الجوي، والتي تشكل نحو ثلثي المياه العذبة على الأرض. أمّا المياه السطحية مثل تلك الموجودة في الأنهار والبحيرات والخزانات؛ فتصنف على أنّها مياه زرقاء Blue water، وتصنّف طبقات المياه الجوفية ضمنها أيضا.
المياه الخضراء هي شريان الحياة لدورة الماء. يقول روكستروم: «إنّها تمدّ جميع عمليات إنتاج الكتلة الحيوية على الأرض بالطاقة، وتؤمّن الأمن الغذائي، كما أنها الأساس لأجزاء كبيرة من سبل العيش والتنمية الاقتصادية». مصدر نحو نصف الأمطار الهاطلة هو تنفيس بخار الماء الأخضر من الأشجار والنباتات الأخرى في الغلاف الجوي، وهي عملية تسمى النتح Transpiration. غالبا ما ينتقل البخار لمسافات طويلة في الغلاف الجوي قبل أن يتساقط في النهاية على هيئة مطر. مثلا، مصدر بعض الأمطار في المملكة المتحدة هو غابات وسط أوروبا.
المعيار الذي وضعه روكستروم وزملاؤه لتقييم هذا المورد الثمين والمهمل منذ فترة طويلة هو النسبة المئوية من الأراضي الخالية من الجليد التي تنحرف فيها رطوبة التربة في أجزاء الأرض التي نجد فيها جذور النباتات انحرافا كبيرا عن الخط القاعدي الطبيعي لشهر كامل. رطوبة التربة مؤشر جيد على حالة المياه الخضراء لأنها تتأثر تأثّرا مباشرا بالتغيّرات في العمليتين الأساسيتين لدورة الماء، هطول الأمطار والتبخر. وحسبوا أيضا أنّه إنْ اكتسبت أكثر من 10% من الأراضي الخالية من الجليد كمية فائضة من رطوبة التربة أو خسرتها فإننا سنتخطى حدود المياه الخضراء.
يشير تقدير روكستروم وزملاؤه، المستند إلى بيانات رطوبة التربة الموجودة مسبقا، إلى تجاوز 18% من الأراضي الخالية من الجليد لهذه الحدود، مما يعني أنه جرى «تجاوزها تجاوزا كبيرا».
ويقول روكستروم إن هذا يرجع إلى التغيّر المناخي، وإلى التغيرات في استخدام الأراضي أيضا. ويقول: «عندما تزال الغابات، نخسر تدفق المياه الخضراء». ففي منطقة الأمازون البرازيلية مثلا، أدّى فقدان الأشجار إلى انخفاض كبير في كمية بخار الماء التي تدخل الغلاف الجوي، مما أدى إلى تقليل هطول الأمطار في جميع أنحاء المنطقة. إنّ إزالة الغابات في حوض نهر الكونغو تحرم نيجيريا ودولا أخرى في غرب إفريقيا من مواسم الأمطار التي كان يعتمد عليها فيما مضى. وتحدث أشياء مماثلة في معظم أنحاء العالم، إذ تزال غابات أنظمة إيكولوجيّة كانت سليمة سابقا وتتدهور. يقول روكستروم إنّه بجمع كلّ هذا فإننا نواجه أزمة مياه عالمية ذات نطاق جديد بالكامل. «إننا نجازف بمخاطر مهولة فيما يتعلق بمستقبل الحضارة».
يبدو، إذاً، أنّ علينا أن ننخرط في إعادة معايرة شاملة للطريقة التي نستخدم بها المياه. تساءلت إلى أي مدى يقع اللوم على استخدامنا الشخصي للمياه في هذه الأزمة. لمعرفة ذلك، قرّرت أن ألقي نظرة على بصمتي المائية.
أعيش وحدي في لندن، ووفقا لفاتورة مورّد المياه، أستخدم 110 لترا يوميا في المتوسط. وهذا أقل من المعتاد بالنسبة إلى منزل يقطنه شخص واحد، الذي يبلغ 150 لترا في اليوم. لكنّه مع ذلك يبدو رقما هائلا يساوي نحو نصف حوض استحمام. ربما أشرب 2 لترا يوميا وأستخدم 30 إلى 40 لترا أخرى في الحمام (نعم، لقد قستها). ومصدر القسم الأكبر تشغيل غسّالة الملابس، وغسّالة الأطباق، وشطف المرحاض، وريّ الحديقة في فصل الصيف الذي يزداد لهيبا.
البصمة المائية
هذا ليس إلّا استخدامي المباشر للمياه. إذ نستخدم جميعنا كميات ضخمة من المياه استخداما غير مباشر، بمعنى أنّ كلّ شيء نستخدمه ونشتريه تقريبا – من الأغذية إلى الملابس والتغليف الذي تغلّف به – يتطلب الماء لإنتاجه. وفقا لروكستروم، إن أخذنا الاستخدام غير المباشر والمباشر فإنّ الشخص العادي يحتاج إلى 3,000 لتر يوميا لتوفير احتياجاته الأساسية. ويعادل ذلك 1,200م3 للفرد سنويا، وهو ما يكفي لملء ثلاثة أحواض سباحة يبلغ طول كلّ منها 25 متراً.
قدّرت حاصل استهلاكي عبر الإنترنت باستخدام حاسبة البصمة المائية الموسّعة Extended Water Footprint Calculator التي أنشأتها شبكة البصمة المائية Water Footprint Network، وهي تعاون بين شركات ومؤسسات وأفراد. اكتشفت أنني أستخدم نحو 430م3 سنويا، أو 1180 لترا يوميا. وهذا الرقم منخفض إلى حدّ ما، لكنني لا آكل اللحوم، وأبتعد عن منتجات الألبان، وليست لدي سيارة لأغسلها.
إلى حدّ كبير، أكبر مكونات بصمتي المائية من الأغذية التي أشتريها: 30م3 سنويا من الخضروات، و61م3 من الفاكهة، وكمية صادمة من القهوة تعادل 153م3. أنا لا أشرب نصف حوض سباحة من القهوة سنويا – بل نصف لتر يوميا على الأكثر – لكنّ هذا المحصول ذو استهلاك عال للمياه. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن فنجان القهوة القياسي الذي تبلغ سعته 125 مل يتطلّب 140 لترا من الماء لإنتاجه. لم تكن لدي أدنى فكرة. كنت أرمي بكيس من حبوب القهوة في عربة السوبر ماركت دون أيّ تفكير. قد تصدمك معرفة بصمتك المائية، لكنّها على الأقل توفّر فرصة للتغيير (انظر: كيف تخفّض بصمتك المائية). إذا تحوّلت إلى الشاي، فإن هذا الجزء من بصمتي سينخفض بنسبة 53%. لكنني أفضّل القهوة كثيرا.
أعتقد أن إحجامي عن استبدال الشاي بالقهوة يجعلني جزءا مما يقول روكستروم إنّه المشكلة الأساسية في علاقتنا بالمياه. ويقول إن العالم اعتاد على استغلالها وكأنّها مورد لا نهائي فعليا. «إنّه من المدهش أنّه سمح للعالم الحديث بطريقة أو بأخرى الحصول على المياه مجانا واعتبارها أمرا مفروغا منه».
إن الإجراء الذي يتعين علينا اتخاذه لتصحيح هذا الأمر يتجاوز الخيارات الشخصية. نحتاج أيضا إلى تغييرات منهجية ـ وبسرعة. يقول هينك أوفينك Henk Ovink، المبعوث الهولندي الخاص لشؤون المياه الدولية: «لقد خرّبنا الدورة الهيدرولوجيّة. والآن علينا إصلاحها مرّة أخرى. ومن الممكن القيام بذلك».
تشمل الحلول الأكثر وضوحا معالجة إزالة الغابات وإبقاء الاحترار العالمي على أدنى حدّ ممكن. لكن وفقا لتقرير صادر عن لجنة شكّلت حديثا وروكستروم عضو فيها، اسمها اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه Global Commission on the Economics of Water، هناك خطوة حاسمة أخرى هي اعتبار المياه منفعة عامة عالمية لا سلعة وطنية يمكن التكسّب منها أو التنازع عليها. ومع ذلك، فإن الكلام أسهل من الفعل. تقول عضوة اللجنة ماريانا مازوكاتو Mariana Mazzucato من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London: «الواقع هو أنّه ليس لدينا اقتصاد مناسب للمنفعة العامة».
إدخال المياه الخضراء في الحسابات مكان جيد لنبدأ منه. يقول روكستروم: «في السياسة المائية، لا نميل إلّا إلى التركيز على المياه الزرقاء». ستسمح إضافة المياه الخضراء للبلدان المجاورة بالاتفاق على كيفية المشاركة في تدبير هطول الأمطار المشترك، كما تفعل غالبا بالمياه الزرقاء.
الزراعة مستهلك هائل للمياه، إذ تمثل نحو 75% من الاستخدام العالمي. وتقول عضوة اللجنة إنغوزي أوكونجو إيويالا Ngozi Okonjo-Iweala، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية World Trade Organization، إنّ ذلك مدفوع جزئيا بأكثر من 500 بليون دولار سنويا من الإعانات التي تؤدي إلى الإنتاج والاستهلاك المفرطين للمنتجات عالية الاستهلاك للمياه في المناطق التي تعاني شحّ المياه. وتقول إن التجارة العالمية يمكن أن تمدّ يد المساعدة، وذلك بزراعة المحاصيل المتعطشة في البلدان الرطبة والمحاصيل التي تتحمل الجفاف في البلدان الأكثر جفافا، ثم تصديرها.
يقول عضو اللجنة تارمان شانموغاراتنام Tharman Shanmugaratnam، الذي كان حتى وقت قريب كبير الوزراء في سنغافورة – وهي إحدى أكثر الدول التي تعاني شح المياه Water-stressed – إنّ الاستثمار في أنظمة الريّ الذكية يمكن أن يقلّل استخدام المياه الزراعية بصورة هائلة، ويغطي هذا الاستثمار تكاليفه في غضون عام إلى ثلاثة أعوام. وكذلك الأمر في استخدام المياه في الصناعة والتعدين. تقول مازوكاتو: «نحن بحاجة إلى الابتكار فيما يتعلق بإعادة تدوير مياه الصرف الصناعي. إننا نهدر كمية ضخمة من المياه في الطريقة التي نجري بها الصناعة».
كما أن إمدادات المياه المنزلية تهدر إهدارا ضخما، وليس بسبب التسريب فقط. فالمملكة المتحدة، مثلا، لديها بصورة أساسية نظام صرف صحي مختلط يجمع مياه الأمطار والنفايات البشرية ويعالجهما مع بعضهما بعضا. يقول آندي ميتشل Andy Mitchell الرئيس التنفيذي لشركة تايدواي Tideway، وهي شركة مياه تعمل على بناء «شبكة الصرف الصحي الفائقة» الجديدة في لندن: «من الجنون أن نأخذ مياه الأمطار الجيدة جدا، ونخلطها عمدا مع مياه الصرف الصحي، ونبذل قدرا كبيرا من الجهد لنقلها إلى مكان ما، ونصرف طاقة لفصلها مرة أخرى، ثم نشطف مراحيضنا بالمياه العذبة». ويقول إن المطلوب هو إنشاء بنية تحتية جديدة بالكامل لمعالجة مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي معالجة منفصلة، واستخدام «المياه الرمادية» Grey water من غسّالات الملابس والأطباق لشطف المراحيض، لكن ذلك سيستغرق عقودا من الزمن.
ومع ذلك، فإن هذا التحسّن في الكفاءة لن يكون إلّا كقطرة في محيط ما لم نعمل على إصلاح المشكلات الأساسية. يقول روكستروم: «إذا كنت تريد أن تضمن أنّ لديك مياها لتعمل بها بكفاءة، فعليك تأمين المصدر، ولتأمين المصدر يجب تدبّر أمور المناخ والطبيعة».
كيف تخفّض بصمتك المائية
هل تريد تقليل استهلاكك للمياه؟ هناك تغييرات يمكنك إجراؤها على طريقة استخدامك المباشر للمياه في المنزل، مثل تركيب خزّان مياه أمطار إذا كانت لديك حديقة، أو إغلاق الصنبور حين تنظّف أسنانك. لكن ربما سيدهشك أنّه يمكنك تحقيق تأثير أكبر بكثير بتغيير عاداتك الاستهلاكية.
خذ الموضة. القطن محصول متعطش للماء بصورة خاصة: إذ يتطلب إنتاج بنطال جينز نحو 7,500 لترا. الابتعاد عن الموضة السريعة أو شراء المنتجات المستعملة توفير كبير للمياه.
التغييرات الغذائية يمكن أن تكون ذات تأثير كبير أيضا. بعض الأغذية التي تتطلب الكثير من الماء لإنتاجها ليست مفاجئة (انظر: أعلى 10 أدناه). من البديهي أن الحيوانات تشرب الكثير من الماء أثناء تربيتها، لذلك فمن المنطقي أن يكون للحوم بصمة مائية واسعة. لكنني لم أفكر من قبل في كمية المياه اللازمة لزراعة الكماليات مثل القهوة والشوكولاتة والفانيليا. إن تقليل استهلاكنا لهذه الأغذية الأكثر تعطّشا يمكن أن يمثّل تقدّما كبيرا.
بقلم غرايام لاوتون
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.