أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
غير مصنف

انفجار كبير ثانٍ؟ فكرة ثورية تعيد كتابة أصول المادة المعتمة

دفع غموض المادة المعتمة الراسخ بعض علماء الفيزياء إلى اقتراح أنها تشكلت في لحظة مميزة من التكوين الكوني، ما قد يغير رؤيتنا للكون المبكر

بقلم ستيوارت كلارك

شغّل الغلاية. اجلس واستمع من كثب إلى فقاعات بخار الماء وهي تتوسع وتتداعى وتتصادم. فقد أجريت للتوّ تجربة تحاكي الانفجار الكبير (العظيم) Big Bang -وهو أصل الكون- وربما تكون قد حلَلت أيضاً لغز كيفية حصول الكون على مادته المعتمة Dark Matter.

حسناً، نوعاً ما. فمن خلال دراسة تصادم الفقاعات على مستوى كوني، يجد الفيزيائيون سبباً للتكهنات حول شرارات جديدة من التخليق الكوني، ويقولون إنه من الممكن في الأسابيع التي تلت الانفجار الكبير أن تكون هناك لحظة تحول ثانية عميقة مماثلة، وإنها ربما ولّدت جسيمات ظل Shadow Particles هائلة تبلغ كتلتها تريليونات المرات كتلة تلك التي تشكل المادة العادية، ويمكن أن تفسر المادة الغامضة وغير المرئية التي يبدو أنها تربط المجرات معاً.

على الرغم من غرابة هذا، فإن مفهوم الانفجار الكبير «المعتم» Dark Big Bang يتماشى عموماً مع ثورة هادئة جارية بالفعل، حيث يعيد علماء الكونيات كتابة ما نعتقد أنه الانفجار الكبير القياسي ليأخذ بالاعتبار تحولات طورية Phase Transitions متعددة ومتمايزة، يخلّف كل منها بصمته على الكون. أضف إلى ذلك، لدينا الآن الأدوات اللازمة لاختبار هذه الفكرة من خلال التمعّن في اللحظات الأولى للكون وفك تشابك التموجات الخافتة التي نتجت من هذه التحولات الأولية العميقة.

إذا وجدنا دليلاً على الانفجار الكبير المعتم بينها، فلن يغير ذلك نظرتنا للكون المبكر فحسب، بل سيقدم أيضاً أدلة جديدة حول طبيعة المادة المعتمة وكيف يمكننا في النهاية كشف هويتها.

نعتقد بوجود المادة المعتمة لأنها تحل العديد من المسائل الفلكية. حيث تدور المجرات الموجودة في عناقيد حول بعضها البعض بسرعة أكبر مما ينبغي، وذلك يشير إلى وجود مصدر آخر للجاذبية في الكون. كذلك، تتشكل المجرات الفردية قبل أوانها وتدور مناطقها الخارجية بسرعة كبيرة. وتشير هذه الملاحظات إلى وجود هالات عملاقة من مادة غير مرئية تربط جاذبيتها الإضافية المجرات والعناقيد معاً. لكن، على الرغم من تقديرنا لوفرة المادة المعتمة بخمسة أضعاف المادة العادية، فإننا لم نحدد قطُّ الجسيمات التي تؤلفها.

للوصول إلى هذا الهدف، بنى الفيزيائيون على مدار 40 عاماً أجهزة كشف متطورة. ومهما كانت جسيمات المادة المعتمة، فالأرض ستعترض بعضها وهي تمخر عباب درب التبانة، ويبحث معظم هذه التجارب عن الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل Weakly Interacting Massive Particles، أو اختصاراً WIMPs. إضافة إلى التفاعل من خلال الجاذبية، فإن هذه الجسيمات الافتراضية ستستشعر أيضاً القوة النووية الضعيفة Weak Nuclear Force، وهي إحدى القوى الأساسية الأربع في الطبيعة. فهذا يعني أن الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، إن وجدت، يجب أن تتفاعل مع النوى الذرية. لذلك، يرصد الفيزيائيون من كثب أحواضاً كبيرة من سائل كثيف، على أمل ظهور وميض منبّهٍ لجسيم مادة معتمة يصطدم بنواة في أحدها. فعلى الرغم من التجارب الإبداعية المستمرة وتوسيع نطاق البحث ليشمل أنواعاً جديدة من المادة المعتمة المحتملة، فقد تجنبتنا المُصادفات السعيدة حتى الآن.

لكن فشلنا في العثور على هذه الجسيمات حتى الآن قد يشير إلى حقيقة مفيدة، حتى وإن كانت غير مريحة، حول طبيعة المادة المعتمة، كما تقول كاثرين فريز Katherine Freese من جامعة تكساس University of Texas في أوستن، فربما لا تستشعر القوة الضعيفة على الإطلاق، وهي الحالة الوحيدة التي تبدي فيها الجاذبية ارتباطاً بالمادة العادية. وقد أُطلق على هذا اسم «سيناريو الكابوس» Nightmare Scenario، إذ إن الجاذبية ضعيفة جداً على مستوى الجسيمات الفردية للدرجة التي يكون فيها اكتشافها شبه مستحيل. ومع ذلك، فقد اعتبرتها فريز سبباً للتفكير مرة أخرى: إذا لم نتمكن من العثور على المادة المعتمة، فربما حان الوقت لإعادة النظر في افتراضاتنا حول كيفية نشوئها، على أمل أن يقدم هذا أفكاراً جديدة حالياً حول كيفية ظهور المادة المعتمة، وتقول: «يفترض الناس دائماً نشوء كل شيء في الوقت ذاته من خلال انفجار كبير واحد، ولكن من يدري حقاً؟».

في فبراير 2023، اقترحت فريز وزميلها مارتن وينكلر Martin Winkler حدوث انفجار كبير ثانٍ في الأسابيع التي تلت الانفجار الكبير الطبيعي. وقد أطلقا عليه اسم الانفجار الكبير «المعتم» على أساس أنه قد ولّد المادة المعتمة في عملية مختلفة عن تلك التي أنتجت الجسيمات والقوى التي نعرفها. قد يبدو هذا منافياً للعقل، ولكن هناك أسباباً وجيهة للاعتقاد أننا أسأنا فهم ما كان يحدث في الكون المبكر، بما في ذلك ما نعنيه بالانفجار الكبير.

ما الانفجار الكبير؟
في الواقع، صاغ هذا المصطلح في عام 1949 معارضٌ لعلم كونيات الانفجار الكبير اسمه فريد هويل Fred Hoyle، على ما يبدو للسخرية من فكرة ظهور كل المادة والطاقة إلى الوجود في لحظة واحدة. يقول مؤيدو هذه الفكرة إن هذه النقطة اللانهائية الكثافة والسخونة قد توسعت تدريجياً إلى الكون الساشع والمتنوع الذي نراه حولنا حالياً. وبالقدر الذي بدا به ذلك غير محتمل لهويل، وجد الفيزيائيون دليلاً حاسماً على الانفجار الكبير في ستينات القرن العشرين. فقد اكتشفوا بحراً من الإشعاع يسمى إشعاع الخلفية الكونية الميكروي Cosmic Microwave Background (اختصارا: الإشعاع CMB)، وهذا لا يمكن تفسيره إلا من خلال الكون الذي يتوسع ويبرد.

لكن سرعان ما أحاطت المشكلات بنموذج الانفجار الكبير، حيث إن درجة حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي متجانسة بشكل لا يصدق في سماء الليل، فمثل الماء البارد الذي ينتشر عبر حمام ساخن، تستغرق الفوتونات، وهي الجسيمات التي تتوسط القوة الكهرومغناطيسية، زمناً لتخرج من إشعاع الخلفية الكونية الميكروي إلى جميع أنحاء الكون. ولكنه لم يمر وقت كافٍ منذ الانفجار الكبير حتى تتساوى المناطق الواقعة على الجانبين المتقابلين من الكون (من حيث درجة الحرارة). لحل هذا اللغز، أضاف الفيزيائيون موجة من التوسع الشديد بعد الانفجار الكبير، تسمى التضخم الكوني Cosmic Inflation للتخفيف من حدة التغيرات في درجات الحرارة.

التضخم الكوني هو تحول طوري، يشبه تحول الطاقة الذي يحدث عندما تحول غلايتك الماء إلى بخار. وقد أدرك الفيزيائيون منذ ذلك الحين أن التحولات الطورية كان من الممكن أن تغير فجأة طبيعة الكون المبكر بعدة طرق أخرى، ويُعتقد أن تحولات كونية مماثلة قد أنشأت جسيمات أساسية من طاقة الزمكان Space-time الفارغ، مثل قطرات الماء التي تتشكل في ضباب كثيف، وفصلت قوى الطبيعة الأربع Four Forces of Nature عن القوة الموحدة التي سبقتها. وفي الوقت نفسه، اقتُرح المزيد من التحولات الطورية المتضاربة لتفسير ألغاز مثل الطاقة المعتمة Dark Energy، وهي القوة المجهولة التي تجعل الكون يتوسع بشكل أسرع وأسرع.

في هذه الأيام، لا يجد معظم علماء الكونيات فائدة تذكر في الفكرة المبهمة المتمثلة بحدوث انفجار كبير في بداية الزمن. وبدلاً من ذلك، ظهرت التحولات الطورية على السطح. «الانفجار الكبير الساخن» Hot Big Bang هو المصطلح الجامع المستخدم الآن لسلسلة معقدة من تحولات الطاقة التي حدثت بعد التضخم. يقول كاي شميتز Kai Schmitz من جامعة مونستر University of Münster في ألمانيا: «لقد حل محل مدرسة علم الكونيات القديمة الخاصة بالانفجار الكبير ما يسمى الآن علم الكونيات التضخمي Inflationary Cosmology، لكن تفاصيل هذه الفترة المبكرة غير المستقرة والمتقلبة لا تزال متاحة». ويستطرد: «لا يزال هناك قدر كبير من الحرية في إعادة تجميع مكونات مختلفة».

ونظراً لهذه الحرية، فإن إضافة فريز ووينكلر لانفجار كبير آخر إلى هذا المزيج – مجازياً مثال تشغيل الغلاية- ربما لا تكون قفزة اليقين العملاقة التي قد تبدو للوهلة الأولى. ويكون الانفجار الكبير المعتم معقولاً لأن الجسيمات التي تنشأ عنه تؤثر فقط في الكون الذي نراه عبر الجاذبية. تقول فريز: «لقد افترضنا أن هناك قطاعين للكون»، أحدهما يولد الجسيمات الموجودة في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات Standard Model of Particle Physics، وهي أفضل نظرية لدينا حالياً عن الجسيمات وتفاعلاتها، والآخر يولد المادة المعتمة.

وفقاً لفريز، ما دام الانفجار الكبير المعتم يحدث خلال شهر من الانفجار الكبير الساخن، فإن تأثيره في بنية المجرات والعناقيد التي نشاهدها حاليا سيكون ضئيلاً. وتقول: «عليك أن تكون متأكداً تماماً من أنك لا تشيع الفوضى بالتطور القياسي لعلم الكونيات».

عندما يتعلق الأمر بأنواع المادة المعتمة التي ستنشأ عن الانفجار الكبير المعتم، تشير حسابات فريز ووينكلر إلى إمكانية تشكيل ثلاثة أنواع مختلفة على الأقل 

من جسيمات المادة المعتمة، جميعها غريبة، ولكن بعضها أكثر غرابة من غيرها. تقول فريز: «إن أثقلها غريبة جداً».

لإنتاج الجسيمات الأكبر كتلةً، يجب أن يكون التحول الطوري مفاجئاً، ما يخلق فقاعات متوسعة تحمل النظام من حالة إلى التي تليها. عندما تصطدم هذه الفقاعات، فإنها تطلق طاقتها. يشبه هذا صوت الصفير الذي تسمعه عندما يبدأ غليان الغلاية وتظهر آلاف الفقاعات الصغيرة. ففي هذا النوع من الانفجار الكبير المعتم، تكون الفقاعات نشطة جداً لدرجة أنه سيكون من الممكن إنتاج جسيمات تبلغ كتلتها 10 تريليون مرة كتلة البروتون. ولعكس الحجم الهائل لجسيمات المادة المعتمة هذه، أطلقت عليها فريز ووينكلر اسم «داركزيلات» Darkzillas – في تلاعب بــ الوحش الياباني الأسطوري.

من ناحية أخرى، إذا كان التحول الطوري تدريجياً، فإن الانفجار الكبير المعتم سينتج جسيمات أخف. النوع الأول من هذه الجسيمات يشبه الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs) التي تبحث عنها تجارب المادة المعتمة التقليدية. ستتفاعل هذه الجسيمات الضخمة المعتمة ضعيفة التفاعل مع الإصدارات المعتمة من قوى الطبيعة، مثل الكهرومغناطيسية المعتمة Dark Electromagnetism، التي تولد فوتونات معتمة Dark Photons. إذا لم تكن هذه القوى المعتمة موجودة، فلن تتمكن الجسيمات الضخمة المعتمة ضعيفة التفاعل من موازنة طاقتها عن طريق امتصاص الفوتونات المعتمة وإصدارها. بدلاً من ذلك، سينتهي بك الأمر مع جسيم يبدو مروعاً من نوع خاص يسمى آكل جنسه المعتم Dark Cannibal. ومن دون أي قوى طبيعية تحافظ على التوازن، فإن هذه الجسيمات ستبتلع بعضها البعض عندما تصطدم. تقول فريز: «تلك بعض الاحتمالات. وربما يكون هناك المزيد».

هذه ليست المرة الأولى التي يُقترح فيها قطاع مخفي من الجسيمات المعتمة. مثلا، طُرحت فكرة الفوتونات المعتمة والنيوترينوات العقيمة Sterile Neutrinos منذ فترة طويلة كمرشحين عن المادة المعتمة التي تستشعر قوة الجاذبية فقط. وقد اقترح العديد من الباحثين مسبقاً نشوء مادة معتمة من خلال تصادم الفقاعات في التحولات الطورية أيضاً. يستخدم آخرون التحولات الطورية لتفسير نشوء المادة المعتمة من الثقوب السوداء الابتدائية Primordial Black holes أو لتفسير ظواهر الغريبة مثل «شذرات الكوارك» Quark Nuggets.

يقول شميتز: «إذا ذهبت إلى موقع خادم ما قبل الطباعة arXiv، فسترى الكثير من الإطروحات الخاصة بالتحولات الطورية. ما يميّز اقتراح فريز ووينكلر هو أن القطاع المعتم لديهما بالغ الظلام»، ما يعني أنه لا يوجد شيء سوى الجاذبية التي تربط بين الجانبين المضيء والمعتم للكون.

ويضيف أن هذا الانفصال في حد ذاته يثير تساؤلات، لأنه من غير الواضح من أين تأتي الطاقة اللازمة لقدح شرارة الانفجار الكبير المعتم. وفقاً لشفرة أوكام Occam’s razor، فإن الفرضيات الأبسط هي الأفضل دائماً. ويتساءل شميتز: «لماذا يكون هناك انفجاران كبيران عندما يكون أحدهما كافيا؟».

في الوقت الحالي، لا تزال الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل المرشح الأساسي للمادة المعتمة، كما يقول تشامكور غاغ Chamkaur Ghag من كلية لندن الجامعية University College London. ويضيف: «من المرجح أن يستغرق الأمر عقداً آخر على الأقل قبل استبعاد الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs) كنظرية مفضلة». ومع ذلك، يظل غاغ متفتح الذهن بشأن البدائل الأكثر غرابة مثل الانفجار الكبير الثاني. ويقول: «في ظاهر الأمر، لا يوجد شيء خاطئ في النظرية. السؤال هو ما إذا كانت تحتوي على الماء وقابلة للاختبار».

تعتقد فريز أن الإجابة هي نعم. وتقول إن تصادم فقاعات تغيرات الطور المرتبطة بالانفجار الكبير المعتم من شأنه أن يخلف بصمة مميزة من التموجات في الزمكان تسمى موجات الجاذبيةGravitational Waves. حتى أنها تقترح أننا قد نكون رأينا هذه التموجات بالفعل.

أُعلن عن أول كشف لموجات الجاذبية في عام 2016 وجرى بواسطة مرصد مقياس التداخل الليزري لكشف موجات الجاذبية Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory (اختصاراً: المرصد لايغو LIGO). ومنذ ذلك الحين، كان هناك أكثر من 100 كشف آخر. ويمكن إرجاع كل منها إلى اصطدام بين جسمين سماويين فائقي الكثافة، مثل الثقوب السوداء Black Holes والنجوم النيوترونية Neutron Stars. ولكن هناك نوعاً آخر من إشارات موجات الجاذبية: همهمة الخلفية Background hum التي تشبه في شكلها إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. يمكن أن ينتج هذا من العديد من تصادمات الثقوب السوداء البعيدة التي لا يمكن تحديدها بشكل منفصل، أو يمكن أن يكون ناجماً عن التحولات الطورية في الكون المبكر.

في يونيو2023، اكتشف علماء الفلك من مرصد نانوهرتز لموجات الجاذبية في أمريكا الشمالية North American Nanohertz Observatory (اختصارا: المرصد NANOGrav) همهمة خلفية موجة الجاذبية. لا تزال الإشارة خافتة جداً بحيث لا يمكن تحديد مصدرها، على الرغم من أن الرهان الآمن هو على اصطدام الثقوب السوداء، نظراً لأننا نعلم بوجودها. ومع ذلك، فإن الانفجار الكبير المعتم هو تفسير بديل موثوق به، وفقاً لفريز التي تقول: «إن موازين [الطاقة] التي نتحدث عنها للانفجار الكبير المعتم مثالية لاصطدامات الفقاعات التي من شأنها أن تعطيك الإشارات التي رصدها مرصد نانوهرتز لموجات الجاذبية». ويقول شميتز، وهو عضو في فريق ائتلاف مرصد نانوهرتز لموجات الجاذبية، إن هناك «إمكانات هائلة» في دراسة جميع أنواع التحولات في مراحل الكون المبكرة، و«لا يمكن استبعاد الانفجار الكبير المعتم بناءً على البيانات الموجودة».

يعمل مرصد نانوهرتز لموجات الجاذبية عن طريق قياس الاضطرابات الطفيفة في الإشارات المنتظمة للنجوم الدوارة Rotating stars التي تسمى النجوم النابضة (البولسارات Pulsars). فالتحليل الدقيق لأوقات وصول هذه الإشارات يمكن أن يكشف عن خصائص خلفية موجة الجاذبية، ما يعطي أدلة على أصلها. إذا ظهرت اختلافات، تسمى تباين الخواص Anisotropies، في همهمة الجاذبية عبر السماء، فهذا يشير إلى أن تصادم الثقوب الخلفية، وليس التحولات الطورية، هو المسؤول. يقول شميتز: «إذا كنا محظوظين، فقد يكون مثل هذا الكشف عن تباين الخواص قاب قوسين أو أدنى، وفي غضون عامين فقط».

البحث عن التضخم الكوني
ومع ذلك، إذا ظلت همهمة موجة الجاذبية موحدة جداً، فمن المحتمل أن تكون إشارة من التحولات الطورية في الكون المبكر، بل ويمكن أن تتكون هذه الإشارة من العديد من التحولات الطورية المختلفة والمتداخلة التي يجب فك تشابكها. يمكن أن يشمل ذلك التضخم، أو التحولات الطورية التي شكلت قوى وجسيمات النموذج القياسي. مثلا، حدث أحد تحولات الطاقة هذه عندما تكثف مجال هيغز Higgs field، الذي يعطي جميع الجسيمات كتلتها. تقول عالمة الكونيات كيارا كابريني Chiara Caprini من جامعة جنيف University of Geneva بسويسرا: «من الممكن أن تكون هناك تحولات طورية أخرى، نحن لا نعرف ما يحدث عند الطاقات الأعلى».

لفهم كل هذا، نحتاج إلى بيانات أكثر دقة عن موجات الجاذبية. يتعاون مرصد نانوهرتز لموجات الجاذبية مع مصفوفات رصد توقيت نبض البولسارات الأخرى حول العالم، مثل مصفوفة الكيلومتر المربع Square Kilometre Array. ومن المقرر إطلاق هوائي مقياس التداخل الليزري الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency’s Laser Interferometer Space Antenna في عام 2037 أيضاً. ستقيس أشعة الليزر المرسلة بين المركبات الفضائية الثلاث التي تحلق في تشكيلة موجات الجاذبية بتفاصيل مذهلة. تقول فريز، إن هذه التلسكوبات معاً يمكنها رصد الإشارات المتوقعة من الانفجار الكبير المعتم، وحتى تحديد ما إذا كانت المادة المعتمة أو الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل هي مرشحات مرجحة للمادة المعتمة. وتستطرد: «علينا أن نراقب البيانات ونرى ما إذا كنا سنحصل على ما هو ملائم».

ومع التركيز على خلفية موجة الجاذبية، توقف عمل علماء الكونيات فجأة. ومع وجود العديد من التحولات الطورية المحتملة المطروحة على الطاولة، عليهم تقديم تنبؤات متماسكة للتعرف إلى قصة أصلنا الأبعد والأكثر عتمة. يبدو هذا العمل مشوّقاً. والجيد أنني قمت للتو بتشغيل الغلاية.

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى