بقلم جيسون أرون موروغيسو
يقال إن توماس إديسون حمل كرة فولاذية في كل يد في حين كان يستعد للقيلولة. عندما كان رأسه يميل، كانت الكرتان تسقطان، مما يوقظه ويسمح له بالتقاط الأفكار التي راودته في اللحظة التي سبقت النوم مباشرة – وهي فترة اعتقد أنها واحدة من أكثر الأفكار إبداعاً. ولكن هل هناك حقاً أوقات معينة يكون فيها أداء أدمغتنا أفضل؟ وبشكل عام، هل تختلف أنواع التفكير التي نبرع فيها في مراحل مختلفة من حياتنا؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن الجدير أن نسأل كيف يمكننا تحقيق أقصى استفادة من هذه القمم العقلية وندفع قدرات أدمغتنا إلى أقصى حد.
في حين أن طريقة إديسون قد تكون غير تقليدية، فقد اتضح أنه توصل إلى شيء مهم، بحسب ما اكتشفت دلفين أودييت Delphine Oudiette من معهد باريس للدماغ Paris Brain Institute وزملاؤها في عام 2021؛ حيث أعطوا 103 أشخاص محرومين من النوم قليلاً مسألة حسابية يبدو عليها التعقيد، ويمكن حلها باستخدام فكرة إبداعية بسيطة. كان المشاركون الذين استيقظوا بعد النوم مباشرة أكثر احتمالا بثلاث مرات تقريباً لتحقيق القفزة الإبداعية وحل المسألة من أولئك الذين ظلوا مستيقظين طوال التجربة.
قد تساعدك هذه المعلومة إن كنت تبحث عن الإلهام. ولكن إن كنت تحاول تحسين الذاكرة، فإن النوم العميق هو الوقت الذي يقوم فيه دماغك بتلك المهمة الصعبة، وهي وضع ذكريات جديدة طويلة الأمد من تجاربك اليومية. لتحقيق أقصى استفادة من هذا، تحتاج إلى قسط كافٍ من النوم، والذي يتراوح بالنسبة إلى البالغين بين 7 و9 ساعات كل ليلة. إذا كنت من بين العديد من الأشخاص الذين لا يحصلون على القسط الكافي، فإن الحصول على مزيد من النوم هو طريقة بسيطة لتعزيز الذاكرة والتعلم. كما أن ذلك سيحسن الانتباه وصنع القرار والمزاج، بل سيقلل من خطر التدهور المعرفي على المدى الطويل.
على افتراض أنك حصلت على قسط كافٍ من النوم في الليلة السابقة، ماذا يحدث لقوة عقلك على مدار اليوم؟ بشكل عام، يتراجع الأداء المعرفي كلما طال استيقاظك، حيث يتراكم جزيء يسمى الأدينوسين adenosine ويولد «ضغط النوم» Sleep pressure. ونتيجة لذلك، يميل أداؤك إلى اتباع مسار يمكن التنبؤ به: حيث يكون في أعلى مستوياته في الصباح، ويبلغ ذروته عند الظهر تقريباً، ثم يبدأ بالانخفاض، وباستثناء ارتفاع طفيف في فترة ما بعد الظهر، فإنه يستمر بالانحدار حتى يصل وقت النوم. يتغير هذا النمط إلى حد ما من خلال «أنماطنا الزمنية» Chronotypes الفردية. من يتبعون المسار الطبيعي، ويميلون إلى الاستيقاظ في وقت مبكر، فإنهم يتبعون هذا المسار بالشكل الأقرب؛ أما الذين يميلون إلى النوم والاستيقاظ المتأخرين، فإنهم يصل إلى ذروتهم المعرفية في وقت لاحق من اليوم.
إلى جانب هذا الإيقاع اليومي، هناك قمم وقيعان على مدار العمر. على عكس الاعتقاد الشائع، لا ينخفض أداء الدماغ ببساطة من مرحلة البلوغ المبكرة فصاعداً. هناك سلسلة من التجارب أجريت على عشرات الآلاف من الناس، وقد وجدت أنه في حين أن القدرة على حل المشكلات تكون أعلى في العشرينات من العمر، إلا أن المهارات العقلية المهمة الأخرى تنضج لاحقاً. مثلا، تبلغ الذاكرة العاملة Working memory ذروتها عند سن الـ 30 ويكون إدراك العاطفة Emotion perception أعلى ما بين الأربعينات والستينات، في حين تصل قدرات الفهم ومعالجة المعلومات إلى ذروتها عند نحو الـ 50، وتظل مرتفعة لعقود بعد ذلك.
بغض النظر عن الوقت من اليوم أو عن عمرك، لا تزال هناك طريقة للحصول على المزيد من عقلك: حالة التدفق. وهي حالة وصفها عالم النفس المجري الأمريكي ميهاي تشيكسينت ميهايي Mihaly Csikszentmihalyi لأول مرة بأنها «حالة ينغمس فيها الناس في نشاط بحيث لا يبدو أن أي شيء آخر مهم». وبعبارة أخرى، هذا هو التركيز الخالص. وتشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن نشاط شبكة الدماغ المرتبط بحالة التدفق منظم بطريقة فعالة من ناحية استهلاك الطاقة. يقول ريتشارد هاسكي Richard Huskey من جامعة كاليفورنيا University of California، في ديفيس: «ربما يفسر هذا لماذا نشعر كأن التدفق لا يحتاج إلى مجهود».
من المرجح أن يحدث التدفق إذا كنت تقوم بمهمة ذات أهداف واضحة وتغذية راجعة فورية وتوازن بين المهمة ومستوى مهارتك. فعلى الرغم من أن ميل الناس إلى تجربة التدفق يبدو وراثياً بشكل جزئي، إلا أنه قد توجد طرق لتعلمها. واحدة من هذه هي اليقظة الكاملة Mindfulness – وهي الانتباه لأفكارك وأحاسيسك الجسدية. وبالنظر إلى الفوائد المحتملة الأخرى لليقظة التامة، قد تكون أمراً يستحق المحاولة.
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.