أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
غير مصنف

اللاتعود: كيف تخدع عقلك لاكتشاف المزيد من الفرح في الحياة

تعلم حيلة نفسية للتغلب على ميل عقلك إلى التوقف عن ملاحظة الأشياء يمكن أن يساعدك على حب ملابسك القديمة، وملاحظة آثار تغير المناخ وإصلاح التحيزات بين الجنسين، كما تقول عالمة الأعصاب تالي شاروت

بقلم أليسون فلود 

تخيل القفز في بركة سباحة. ستكون باردة، أليس كذلك؟ ولكن بعد ذلك ببضع دقائق، ستعتاد على درجة الحرارة. أو ماذا عن المشي في غرفة مليئة بدخان السجائر. شعور مقرف، لكنك لو بقيت لبعض الوقت؛ لتوقفت عن ملاحظته.

هذا هو التعود Habituation؛ وهي قدرة الدماغ على التوقف عن الاهتمام بأشياء معينة. ولا ينحصر التعود على التصورات الحسية فقط. كما أنه السبب أيضاً في فقدان الملابس الجديدة أو المنزل الجديد بريقه بمرور الوقت. كما أنه لا ينطبق فقط على الأشياء الجيدة؛ حيث يمكن أن يفسر سبب بقاء الناس في علاقات سيئة، وعدم اعتراضنا على حقيقة أن معظم الرؤساء التنفيذيين هم من الذكور، وتوقفنا عن ملاحظة الضباب الدخاني Smog الذي يجتاح مدننا.

التعود هو عملية عصبية أساسية مهمة لتطورنا، تساعدنا على التكيف بسرعة مع بيئاتنا حتى نكون مستعدين للأشياء الجديدة والمفيدة أو المخاطر التي قد تهددنا. ولكن هناك فوائد لرؤية الأشياء التي اعتدنا عليها رؤية جديدة جديد أو «اللاتعود» (إزالة التعود) Dishabituating – كما تصفه تالي شاروت Tali Sharot وكاس آر. سنستاين Cass R. Sunstein في كتابهما انظر مرة أخرى: القدرة على ملاحظة ما كان دائماً أمامك Look Again: The power of noticine what was always there.

وهنا تتحدث شاروت، أستاذة علم الأعصاب المعرفي Cognitive neuroscience من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، مع مجلة نيو ساينتست مخبرة إياها كيف يمكن لتعلمنا اللاتعوّد أن يحسن من سعادتنا، وزيادة وعينا بالمعلومات الخاطئة، وحتى مساعدتنا على مكافحة تغير المناخ.

أليسون فلود: لماذا طورنا دماغاً يقوم بالتعود؟
تالي شاروت: يهتم الدماغ بما هو جديد، وليس بما كان موجوداً دائماً. من المنطقي تطورياً التوقف عن الاستجابة للأشياء التي كانت موجودة دائماً أو التي تتغير تدريجياً جداً، حتى نتمكن من الاستعداد للشيء التالي الذي سيأتي. ولكن مثل أي شيء في التطور، فإن تلك الأشياء التي قد تكون جيدة بالنسبة إلينا بشكل عام يمكن أن يكون لها أيضاً تأثير سلبي.

في الكتاب، تتحدثين عن كيف يمكن أن نكون معتادين على أن يكذب الناس علينا – وعلى المعلومات المضللة. أخبريني المزيد عن هذا.
هناك تأثير معروف في علم النفس يسمى تأثير الحقيقة الوهمية Illusory truth effect، وهو في الأساس أنه عندما تسمع شيئاً أكثر من مرة، فمن المرجح أن تصدقه. أحد أسباب ذلك هو أنه عندما يواجه الدماغ أي شيء مرة أخرى، فإنه يستجيب له بشكل أقل. في المرة الأولى التي تسمع فيها جزءاً من المعلومات، فإنك تقوم بمعالجتها حقاً – على سبيل المثال، «قلب الروبيان في رأسه». عندما تسمعها لأول مرة، فأنت تفكر حقاً في الجملة، وتتخيل القلب في الرأس. لكن في المرة الثانية التي أقول فيها ذلك، لن يضطر عقلك إلى معالجته بعد الآن ومن ثم فهو لا يستجيب له. يصير أمراً مألوفاً، ونحن معتادون على فكرة أنه إذا كان هناك شيء مألوف، فمن المحتمل أن يكون صحيحاً.

عادة ما تكون لدينا إشارةُ مفاجأةٍ Surprise signal في دماغنا تشير إلى أن شيئاً ما غير صحيح. ولكن إذا تم تقليل إشارة المفاجأة هذه أو إلغاؤها، ويمكن أن يكون ذلك فقط لأننا سمعنا شيئاً أكثر من مرة، فلن نكون مستعدين للنظر إلى الأشياء بعناية والشك في صحتها.

عندما كذبوا، كانت هناك استجابة قوية في اللوزة الدماغية Amygdala، وهو الجزء الدماغي المهم لردود الفعل العاطفية

هل يمكنك أن تتعود على كذبك، إذا كنت تفعل ذلك كثيراً؟
كنتُ جزءاً من فريق نشر دراسة في عام 2016، حيث أظهرنا أنه عندما يحصل الناس على فرصة للكذب على حساب شخص آخر لتحقيق مكاسبهم الخاصة، فإنهم يبدؤون بأكاذيب قليلة حقاً. ولكن مع مرور الوقت، يعتادون على هذا، ثم يكذبون أكثر فأكثر. أثناء قيامهم بذلك، سجلنا نشاط دماغهم. في البداية، عندما كذبوا، كانت هناك استجابة قوية في اللوزة الدماغية Amygdala، وهو الجزء الدماغي المهم لردود الفعل العاطفية. نحن نعلم أن الناس يعتقدون أن الكذب أمر سيء، لذلك من المنطقي أن يشعر الناس بالسوء عندما يكذبون. لديهم ردة فعل عاطفي سلبي قوي.

لكن اللوزة الدماغية تتعود بمرور الوقت استجابة للمحفزات Stimuli نفسها. ويعتبر هذا تعوداً عاطفياً. لذلك عندما كذب الناس في المرة التالي، كانت هناك استجابة أقل، وهلم جرا. عادة ما يكون أحد أسباب عدم كذبنا هو شعورنا بالسوء حيال ذلك، ولكن كلما فعلنا ذلك أكثر، قل شعورنا بالسوء.

هل تجعلنا وسائل التواصل الاجتماعي نتعود على صور الأشياء الفظيعة، مثل الحرب؟
أعتقد أنه كذلك، وهو أمر مثير للقلق. كما غيرت وسائل التواصل الاجتماعي تماماً ما نعتبره خطاباً مقبولاً. هذه مشكلة تحتاج إلى حل على مستوى أعلى، بما في ذلك التنظيمات والتغييرات في هيكل المنصات، وليس على المستوى الفردي.

هل نتعود أيضاً على التلوث بسبب ظاهرة التعود؟
الأمثلة الأساسية على التعود هي الأشياء الإدراكية، مثل ما نراه وما نسمعه وما نشعر به. هناك دراسة رائعة عُرِضت فيها على الأشخاص صور بمستويات مختلفة من الضباب الدخاني وطُلب إليهم القول ما إذا كانت الصور ضبابية أم لا. ما وجدوه هو أن الأشخاص الذين عاشوا في لوس أنجلوس، واحدة من أكثر المناطق الملوثة في الولايات المتحدة، كانوا أقل قدرة على اكتشاف الضباب الدخاني، مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في أماكن ذات هواء نقي، مثل وايومينغ. فهذه أيضاً مشكلة في اكتشاف عواقب تغير المناخ، لأن تغير المناخ بطيء جداً لدرجة أن الناس يعتادون عليه.

هل من الممكن التغلب على التعود؟
يمكنك اللاتعود من نفسك من خلال إخراج نفسك من البيئة، لأنه عندما تعود سترى ذلك بعيون جديدة، سواء كان ذلك على بعد بضعة أيام من المنزل، أم إجراء تغييرات على روتينك، أم تجربة مهارة جديدة. فقد بدأت بأخذ دورات في مجال مختلف عن مجال عملي. أعمل على مشروعات مختلفة في صناعات مختلفة وفي مجالات مختلفة. من خلال تنويع حياتك، من المرجح أن يزداد لديك اللاتعود، مما يعني تعلم أشياء جديدة، ولكن أيضاً رؤية الأشياء الموجودة بالفعل بطريقة جديدة. في الأساس، أي استراحات نأخذها من الناس، أو البيئات، ستزيل التعود لدينا.

لذلك حتى فترات الراحة الصغيرة يمكن أن تساعد؟
إنه أمر غير بديهي جداً من بعض النواحي، لأنه عندما تستمتع، لا تريد الحصول على فترات راحة. ولكن في إحدى التجارب، سأل الباحثون الناس إن كانوا يريدون الاستماع إلى أغنية كاملة من البداية إلى النهاية دون مقاطعات، أو مع مقاطعات. قال الجميع تقريباً: «لا أريد مقاطعات». ولكن بعد ذلك انتهى الأمر بالناس الذين أخذوا فترات راحة بالاستمتاع بالأغنية أكثر من غيرهم. هذا ليس شيئاً نتنبأ به بشكل حدسي. ولكن بالنسبة إلى أي شيء جيد، يكون جيداً حقاً في البداية ثم يتضاءل الفرح لأننا تعودنا. ولكن إذا أخذت استراحة ثم عدت لما كنت عليه، سيزداد الفرح مرة أخرى. 

وفي السياق نفسه، قد يكون الحصول على إجازات أقصر أفضل من الحصول على إجازة طويلة واحدة. وقد وجدنا أن 43 ساعة هي الفترة المناسبة للوصول لأسعد نقطة. وبعد تلك الفترة، تبدأ السعادة بالانخفاض.

كيف يمكننا منع أنفسنا من التعود على شيء مهم مثل تلوث الهواء أو تغير المناخ؟
هذا أمر صعب لأن هناك أشياء يمكنك القيام بها على المدى القصير، مثل أنه قد يكون من المثير للاهتمام وضع بعض غرف الهواء النظيفة في جميع أنحاء المدينة، حيث تذهب إلى الغرفة ثم عندما تخرج، تكون ربما لم تتعود على جودة الهواء وتكون قادراً على إدراك الضباب الدخاني. ومع ذلك، أعتقد أنه من خلال إدراك أننا لا نستطيع إدراك تغير المناخ، يجب أن يجعلنا ذلك نعتمد حقاً على البيانات، أليس كذلك؟ يمكن لمشاعرنا أن تخدعنا. لذلك نحن بحاجة إلى الوثوق بالقياسات وما تخبرنا به.

بالحديث عن القياسات، كتبتِ أن سعادة النساء التي أبلغن عنها بأنفسهن قد انخفضت بالفعل، في الوقت الذي تحققت فيه مكاسب من حيث المساواة في الحقوق. ما علاقة التعود في هذا الموضوع؟
في خمسينات وستينات القرن العشرين، قبل أن تحقق حركة حقوق المرأة بالفعل العديد من المكاسب، أبلغت النساء في الولايات المتحدة عن مستويات أعلى من السعادة والثقة بالنفس أكثر من النساء في الولايات المتحدة الآن. هذا مفاجئ لأنه يبدو أنه مع اكتسابنا للمساواة، صرنا في الواقع أقل سعادة. يمكن تفسير ذلك جزئيَا بالتعود وكيف يؤثر في توقعاتنا. في ذلك الوقت، تعودت النساء على الوضع الراهن: لم يتوقعن الحصول على وظائف عالية المستوى، ولم يتوقعن امتلاك ثروتهن الخاصة. في الوقت الحاضر، نتوقع ذلك، وقيل لنا إنه يمكننا القيام بذلك. ولكن، بالطبع، هذا ليس صحيحاً تماماً لأن هناك الكثير من العقبات.

لذلك نعتقد أننا يجب أن نحصل على وظيفة جيدة مثل زميلنا الذكر، لكننا لا نحقق ذلك في الواقع. وهذا يخلق ما نسميه خطأ التنبؤ السلبي Nsegative prediction error في علم الأعصاب؛ وهو في الأساس الفرق بين ما نتوقعه والنتيجة التي تحصل.

عندما لا تكون النتيجة جيدة مثل التوقعات، يكون هناك خطأ تنبؤ سلبي، ويرتبط ذلك بالمزاج السلبي. لكن المزاج السلبي ليس بالضرورة أمراً سيئاً. إنه يشير إلى أن الواقع ليس جيداً كما كنت أتوقعه. ولذا أحتاج إلى التصرف، أحتاج إلى تغييره.

نحن نعيش في عالم ممتلئ بالتحيز والتمييز. كيف يمكن أن نحقق اللاتعود بحيث يصير هناك تغيير؟
لنقل، على سبيل المثال، أنك تصعدين على متن طائرة والطيار ذكر. هذا ليس مفاجئاً لأننا غالباً ما نرى أن الطيارين ذكور. لذلك لا يوجد خطأ في التنبؤ، ومن ثم لا نتفاعل. وليس هذا فحسب، بل إن دماغنا يستنتج تلقائياً سبب كون الأمر على ما هو عليه؛ وهو أن الذكور ربما يكونون أفضل في استخدام المعدات الكبيرة. ولأننا نستنتج هذا الشيء الذي ليس صحيحاً بالضرورة، فإننا نستخدم تلك الاستدلالات لاتخاذ قرارات يمكن أن تزيد الأمور سوءاً. فعلى سبيل المثال، نحن نوظف طيارين، وبسبب هذا الاستنتاج، سيكون من المرجح أن نوظف الذكر.

الحل هنا هو جعل هذه التناقضات بارزة وإظهار كيف أنها ليست عقلانية. هناك أستاذة في جامعة برينستون Princeton University تدعى يائيل نيف Yael Niv. وقد وضعت قائمة بجميع المؤتمرات في مجال علم الأعصاب وبجانب كل منها اسم المنظمين وعدد المتحدثين والمتحدثات في المؤتمر وما نسبة الذكور والإناث في هذا المجال المحدد.

لنفترض أن هناك مؤتمراً حول الطب النفسي الحوسبي وأن نسبة الأشخاص في هذا المجال هي 60 إلى 40 في العموم، ولكن نسبتهم في المؤتمر هم ثمانية ذكور واثنتين من الإناث. هذا يشير إلى أن النسبة في المؤتمر لا تعكس النسبة العامة مما يسلط الضوء عليها، كما أن هذا يستلزم المساءلة لأن اسم منظمي هذه المؤتمرات معروف. لا أحد يريد أن يرتبط بمثل هذا التمييز. وهكذا يتم تحفيز الناس على عدم حدوث ذلك.

تبدو نيف وكأنها ما يمكن وصفه بأنه «رائدة اللاتعوّد». هل بعض الناس أقل عرضة للتعود من غيرهم؟
لا شك في أن الناس يتفاوتون. والمثير للاهتمام هو أن هناك نتائج تشير إلى أن الأفراد الأبطأ في التعود هم في الواقع أكثر إبداعاً. فإذا كنت أبطأ في التعود، فأنت تتميز بيقظة أعلى، ويستجيب دماغك لمزيد من الأصوات، مزيد من الصور، لمزيد من أجزاء المعلومات. وهؤلاء الأفراد هم الذين يميلون إلى الحصول على مخرجات أكثر إبداعاً.

هل يمكن لمجرد إدراك حقيقة أننا نتعود أن يحدث فرقاً؟
نعم يمكن ذلك – وآمل بأن يحفز الناس على تجربة أشياء جديدة واغتنام المزيد من الفرص، الكبيرة منها والصغيرة.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى