الأسباب غير المتوقعة التي تجعل طفولة البشر طويلة بصورة غير اعتيادية
لردح من الزمن، كان سبب كون فترة الطفولة مطوّلة جدّاً غامضاً، لكنّ فيضاً من الاكتشافات الآركيولوجية يشير الآن إلى تفسير مثير للاهتمام بقلم مايكل مارشال
بقلم مايكل مارشال
كنت سأبدأ هذه المقالة بطريقة أخرى. لكنّ ذلك كان قبل أن تتدخل ابنتي البالغة من العمر عشرة أعوام. في الواقع، كنت قد بدأت الكتابة حين قفزت إليّ وحاولت خداعي. عرضت أن تراهنني بمبلغ 10 جنيهات إسترلينية على أنها تستطيع أن تجعل قلم رصاص عاديا يكتب باللون الأحمر. ولكن لسوء حظّ رائدة الأعمال الناشئة، رفضت الرهان: كانت ثقتها متّقدة، لذا ظننت أن لديها شيئا ما في جعبتها. ولكنني سمحت لها بالكشف عن خدعتها. أخذت قلم الرصاص وكتبت عبارة «باللون الأحمر». بعد ذلك ضحكت وانطلقت لتحاول خداع أمّها.
لدى طفلتنا الصغيرة المشرقة بالبهجة آراء بكلّ شيء بدْءاً من ألعاب الفيديو والرياضة إلى الكتب. إنها تتعلم أساسيات الجبر والبرمجة، ومعرفتها بأخبار المغنية الشهيرة تايلور سويفت Taylor Swift تفوق معرفتي بمراحل. ومع ذلك، وعلى الرغم من كلّ هذه المعرفة، إلا أنّه لا تزال أمامها أعوام قبل أن تصل إلى سنّ الرشد. إذا عاشت عمرا وسطيا، فستقضي ربعَه قاصرة.
تقليديا، لم يُولِ علماء حفريات الإنسان سوى القليل من الاهتمام للأطفال، لكن بدأ هذا يتغير الآن
الطفولة البشرية الطويلة هي أمر غير مألوف أبدا. فلا يوجد حيوان آخر من الرئيسيات Primate يقضي الكثير من الوقت حتى يصير بالغا. على مدار تطور نوعنا، جنبا إلى جنب مع التغيرات الجسمية الأوضح، تطاولت فترة الطفولة كثيرا. تقليديا، لم يُولِ علماء حفريات الإنسان سوى القليل من الاهتمام للأطفال، لكن بدأ هذا يتغير الآن. وأدّى فيض من الاكتشافات المثيرة للاهتمام في الأعوام القليلة الماضية إلى بناء صورة عن الطفولة البشرية: متى توسّعت هذه المرحلة الحياتية التي تبدو بلا جدوى، ولماذا كانت طويلة جدا، وبماذا تورط أطفال ما قبل التاريخ. لا تلقي هذه النتائج الضوء على زاوية معتمة للتطور الإنسان فحسب، بل تكشف أيضا عن سبب أهمية الطفولة.
إنّ تعريف الطفولة صعب بصورة تدعو للاستغراب. تقول إبريل نويل April Nowell، من جامعة فيكتوريا University of Victoria في كندا ومؤلفة كتاب النشأة في العصر الجليدي Growing Up In The Ice Age: «إنّها أمر أساسي وصعب في الوقت نفسه». غالبا ما تستخدم المجتمعات الغربية مقياسا زمنيا مباشرا: مثلا، نصير بالغين قانونيا في عيد ميلادنا الثامن عشر. ولكن هذا أبعد ما يكون عن مفهوم عام. تقول نويل: «في كثير من المجتمعات، يعتمد هذا الانتقال بين الطفل والبالغ على ما إذا كانت لدى شخص ما مهارات معينة أو شخصية معينة أو قدرات معينة».
إنّ تعريف الطفولة بالاعتماد على واسمات Marker النمو البيولوجية للنمو إشكالي أيضا. مثلا، ينضج معظمنا جنسيا قبل الـ 18 عاما بوقت طويل، ومع ذلك يستمر نمونا لوقت طويل. تقول برينا هاسيت Brenna Hassett من جامعة سنترال لانكشاير University of Central Lancashire في المملكة المتحدة: «تكتمل هياكلنا العظمية بعمر 25 عاما تقريبا». إضافة إلى النمو الجسمي، الطفولة هي أيضا، بصورة حاسمة، وقت للنمو العقلي وللتعلم واللّعب. وفي أبسط صورها، الطفولة هي الفترة التي نعتمد فيها على البالغين لتوفير الغذاء والضروريات الأخرى. تقول هاسيت: «بالنسبة إلي، الطفولة هي الفترة التي يستثمر فيها الآخرون فيك».
ومع ذلك، بغضّ النظر عن الطريقة التي تقيس بها طفولة البشر، فإنّ طولها استثنائي – حتى حين يقارن بأقرب أقربائنا، القردة العليا Great Ape، التي تتمتع جميعها بطفولة طويلة أيضا. وتشبّهنا هاسيت بالحيتان مقوسة الرأس Bowhead whale، التي لا تصل إلى مرحلة البلوغ الجنسي إلّا بعمر 25 عاما تقريبا. ولكنّها غالبا ما تعيش لأكثر من 200 عام، في حين نادرا ما يصل البشر إلى 100 عام. تقول هاسيت: «إننا تعيش ربع حياتنا يافعين». وهذه النسبة من العمر طويلة طولا غير عادي.
والأمر لا يقتصر على المدة. فطفولة البشر تختلف أيضا نوعيا. يعتقد علماء الرئيسيات أن النسانيس (السعادين) Monkeys والقردة Apes تمرّ بثلاث مراحل: الرضيع Infant واليافع Juvenile والبالغ Adult، ويقضي الرضع معظم وقتهم متشبثين بأمهاتهم أمّا اليافعون فيتحركون بحرية أكبر. في المقابل، لدى البشر خمس مراحل حسب قول نويل: الرضيع، والطفل Child، واليافع، والمراهق Adolescent، والبالغ. وتقول: «إنّ الطفولة والمراهقة هما مرحلتان جديدتان في تاريخ حياة البشر أُدرِجتا في هذا النمط النموذجي للرئيسيات». تستمر مرحلة الطفولة من الفطام حتى ظهور أول ضرس رحى دائمة Permanent molar (بين عمر 2 و6 سنوات تقريبا). فالمراهقون قادرون جسميّاً على التكاثر، لكنّ نضجهم الجسمي والعقلي لم يكتمل. فعلى الرغم من وجود أدلة الآن تشير إلى أن الشمبانزي تعتريه مثلنا طفرة في النمو Growth spurt في المراهقة، إلّا أنّه من الواضح أن تاريخ الحياة البشرية قد أعيد تشكيله بصورة جذرية. متى حصل هذا؟
تطور الطفولة
تمتد قصة تطور الإنسان لنحو سبعة ملايين عام. مع الأسف، لا يعرف أقدم الهومينين (أشباه البشر) Hominin إلا من حفنة من الأحافير Fossil، لذلك فمعلوماتنا عن طفولتهم قليلة أو معدومة. يقول فيليب غونز Philipp Gunz من معهد ماكس بلانك لعلم البشر التطوري Max Planck Institute for Evolutionary Anthropology في لايبزيغ Leipzig في ألمانيا: «إنّه سجل أحفوري متقطع». لم نبدأ بالحصول على عينات كافية لقول شيء ذي أهمية إلّا مع أسترالوبيثكس Australopithecus الذي عاش في إفريقيا قبل نحو 4 ملايين إلى مليوني عام. في دراسة أجريت عام 2020، مسح غونز وزملاؤه جماجم ثمانية أسترالوبيثكس أفارينيسيس Australopithecus afarensis عمرها أكثر من ثلاثة ملايين عام. ووجدوا أن أدمغة الصغار كانت أصغر من أدمغة الشمبانزي الحديث من العمر نفسه، أمّا أدمغة البالغين فأكبر قليلا من أدمغة الشمبانزي البالغ. يقول غونز: «لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا نمت أدمغتهم لفترة أطول من الزمن». لذلك يبدو أن مرحلة الطفولة كانت بالفعل تتطاول إلى حد ما قبل أكثر من ثلاثة ملايين عام.
ظهر جنسنا Genus الإنسان Homo – قبل ما بين ثلاثة ملايين و مليوني عام. موقارنة بالهومنين، كانت لدى أوائل جنس الإنسان دماغ أكبر بكثير ولم يمشوا إلّا منتصبين. فقد صنعوا الأدوات الحجرية واستخدموها وتناولوا حمية أوسع، اشتملت على اللحوم. لكن، هل كانت طفولتهم أيضا أطول من الهومنين؟
لا يزال هناك بعض الجدل، لكن الدليل الأوضح يأتي من صغير من نوع الهومو إركتوس (الإنسان المنتصب) Homo erectus بالقرب من بحيرة توركانا Turkana في كينيا. عاش توركانا، المعروف أيضا بــ صبي ناريوكوتوم Nariokotome Boy، قبل نحو 1.6 مليون عام. ويبدو أن عمره كان نحو 8 أعوام حين نَفَقَ. تقول هاسيت إنّ دماغه يشير إلى معدّل نُموٍ أسرع من معدل نمو الإنسان الحديث Modern human، «لكنه يسلك مسارا مختلفا عن الأسترالوبيثيسينات (القردة الجنوبية) Australopithecine السابقة». والآثار المترتبة على ذلك واضحة. تقول نويل: «عندما تصل إلى الإنسان المنتصب، قبل نحو مليوني عام، تجد استطالة كبيرة في مرحلة الطفولة». إضافة إلى ذلك، تشير أنماط النمو في مرحلة الطفولة إلى ظهور مرحلتي الطفل والمراهق.
تطور نوعنا، هومو سابينس (الإنسان العاقل) Homo sapiens، قبل نحو 300 ألف عام. نتبع النمط نفسه المكون من خمس مراحل الذي اتبعه الإنسان الأقدم، لكن «بصورة أبطأ وأكثر استطالة» بحسب قول نويل. يقول غونز إنّ استطالة فترة الطفولة ربما تطوّر تدريجيا على مدى ملايين الأعوام، أو ربما كانت هناك طفرات سريعة تلتها فترات من الركود. لكن من دون المزيد من الأحافير، لا توجد طريقة لمعرفة ذلك. ومع ذلك، يمكننا أن نتساءل: لماذا حدث ذلك؟
تركّز إحدى الأفكار التي نوقشت باستفاضة على صعوبة الولادة البشرية. ومقارنة بالقردة الأخرى، فإن الولادة البشرية مؤلمة وخطيرة جدّاً. يعزى هذا إلى وقفتنا على قدمين، مما أدى إلى تضيّق الورك، إلى جانب تطور أدمغة أكبر. ببساطة، يُدفع جسم كبير عبر ثقب صغير. في عام 2022، أظهرت تسلا مونسون Tesla Monson، من جامعة ويسترن واشنطن Western Washington University في واشنطن، وزملاؤها أن الحمل بدأ يتغير قبل ستة ملايين عام. تقول مونسون: «ظلّ الأطفال يكبرون أكثر وأكثر، وكبرت أدمغتهم معهم». ونتيجة لذلك، تحتّم أن يولد أطفال البشر وهم لا يزالون ضعافا وقبل أن يكتمل تطورهم. تقول نويل: «نتحدث دائما عن العام الأول بعد الولادة وكأنه حمل ثان تقريبا».
ومع ذلك، فإنّ هذا وحده لا يمكن أن يفسّر تطوّر فترات الطفولة الأطول. ما إن يولد الأطفال، يصير بمقدورهم النمو، لذلك يمكنهم من الناحية النظرية أن يتطوروا بسرعة إلى مرحلة البلوغ. ولكن ليس هذا ما يحدث. وهذا يعني أنّ علينا النظر إلى ما هو أبعد من الولادة، إلى أطفال ما قبل التاريخ: كيف عاشوا وماذا كانوا يفعلون. أهمل الآركيولوجيون فعل ذلك، ولم يتغير الأمر إلّا في الأعوام القليلة الماضية. في الواقع، كانوا ينظرون في كثير من الأحيان إلى الأطفال باعتبارهم مصدر إزعاج يتسببون في فوضى في القطع الأثرية المهمة بسبب لعبهم بها. تقول نويل: «لم نكن نفكر في حياة هؤلاء الأطفال». وهذا يتغير الآن. ومع توسع تصورنا عن طفولة ما قبل التاريخ، يتوسع أيضا فهمنا لسبب أهمية هذه المرحلة من الحياة.
أطفال العصر الحجري
خذ هذه اللوحة الساحرة. في كهف باسورا Bàsura في إيطاليا، تكشف آثار الأقدام وغيرها من الآثار عمّا يبدو تماما نزهة عائلية قبل 14 ألف عام. كان هناك خمسة أشخاص: رجل وامرأة، ومراهق وطفلان، أصغرهم يبلغ من العمر نحو ثلاثة أعوام. ساروا حُفاة، وأضاءوا طريقهم باستخدام العصي المشتعلة، وتعمقوا في الكهف. في مرحلة ما، يبدو أن الصغيرين جَمَعا الطين من الأرض ولطّخاه على الصواعد Stalagmite. تقول نويل: «ربما كان يوما مُمطراً في العصر الحجري القديم Palaeolithic، فانطلقوا يستكشفون».
ربما كان هؤلاء الأطفال يظهرون أيضا رغبة إبداعية – لأننا نعلم أنه حتى الأطفال الصغار جدا كانوا يشاركون في تشكيل الفن. تفحّصت دراسة أجريت عام 2022 الطبعات Stencil اليدوية (الروسمة) المرسومة على جدران الكهوف في العصر الحجري Stone Age في أوروبا. كان بعضها صغيرا جدا لدرجة أنّه لا بد من أنّ من صنعها كان طفلا، تلقى المساعدة. ربما كان لفن ما قبل التاريخ معنى بالنسبة إلى الأشخاص الذين أنتجوه، لكن في بعض الأحيان كان من الممكن أن يشكل من أجل المتعة فحسب. وهناك الكثير من الأدلة الأركيولوجية الأخرى التي تشير إلى أن المرح والألعاب كانت لفترة طويلة جزءا من الطفولة.
في لوجيري باسي Laugerie-Basse في فرنسا، مثلا، عثر علماء الآثار على قرص عظمي يرجع تاريخه إلى ما بين 11 ألف و18 ألف عام مضت. توجد على كلا الجانبين صورة غزال في وضعين مختلفين، ويوجد ثقب في المنتصف يمكن تمرير خيط من خلاله. تشير نويل وزملاؤها إلى أنّه إذا فتل الخيط ثم أطلق، فإنّ القرص سيدور، مما يخلق خداعا بصريا بأن الغزال يتحرك، مثل كرّاسة قلب الصور المعدّة للأطفال. وربما كانت اللويحات التي تشبه طائر البوم من العصر البرونزي Bronze Age في إسبانيا ألعاباً للأطفال. من المحتمل أن معظم الألعاب المبكرة كانت مصنوعة من مواد سريعة التلف مثل الخشب، لذا تعفنت. ولكنه لا يزال من الممكن رؤية أشكال أخرى من اللعب. ففي لو روزيل Le Rozel في فرنسا، هناك آثار أقدام لأطفال نياندرتال Neanderthal يركضون في الأنحاء، كما لو كانوا يلعبون لعبة كالمطاردة.
إن عقودا من الأبحاث لا تترك مجالا للشك في أنّ للّعب غرضا جديا، فهو وسيلة لتعلّم مهارات بدنية ونفسية واجتماعية جديدة. وفي عصور ما قبل التاريخ، ربما كان له دور إضافي جعله ذا أهمية فاصلة بالنسبة إلى أسلافنا. إذ يتزامن ظهور بعض الألعاب في السجل الآركيولوجي مع ابتكارات تكنولوجية، مثل العجلة والنسيج، مما قد يشير إلى أن لعب الأطفال ألهم بعض الاختراعات البشرية الرئيسية.
كان على أطفال ما قبل التاريخ تعلّم مهارات البقاء على قيد الحياة. تفحّصت دراسة نشرت في عام 2022 الباحثين عن الطعام Forager الصغار في 28 مجتمعا حديثا، فوجدت أنّ الأطفال يتعلمون بسهولة جمع الفاكهة والمحار، لكنّ استغلال الموارد مثل الدرنات والطرائد لا يتقن إلّا حتى مرحلة المراهقة أو البلوغ. وخلص الباحثون إلى أن هذا يدعم فكرة أن الطفولة الطويلة تطورت بوصفها فترة لتعلّم المهارات المعقدة للبحث عن الطعام. ويدعم هذا أيضا أدلة على صناعة الأدوات في مواقع العصر الحجري، حيث اختلطت القطع الآركيولوجية التي صنعها أصحاب الخبرة في تشذيب الصوان بجهود الهواة – مما يشير إلى أن الأطفال كانوا يحاولون صُنعها بأيديهم.
الصورة العامة هي أن أطفال ما قبل التاريخ عاشوا حياة غنية ومعقدة، زاخرة بالأنشطة المختلفة، وكانوا دائما يتعلمون ويستكشفون، وتضيف مونسون: «تعلموا كيفية التعامل مع المواقف الاجتماعية المعقدة، إلى جانب اكتساب المهارات الأساسية وكلّ ما يجعلنا قادرين على التصرف بوصفنا بشرا في هذا العالم».
هذه المرحلة الطويلة من التعلم ذات فوائد جليّة للأطفال. ومن المثير للاهتمام أنها قد تشكّل أيضا المجتمعات التي يعيشون فيها. تقول نويل: «مع نمو الأطفال، يتغير الأشخاص الذين يختارون التعلم منهم». في مجتمعات الصيد والجمع، يبدأ الأطفال بالتعلّم من والديهم، لكن حين يدخلون مرحلة المراهقة، يبدؤون بالبحث عن بالغين آخرين – وخاصة أولئك الذين يعتبرونهم مبتكرين. ومن ثَمّ قد يكون المراهقون بمثابة عماد عملية انتشار الابتكارات. وتقول: «لا تنقل كلّ المعرفة من جيل إلى جيل. أعتقد أن الأطفال والمراهقين مُهمِّون بصورة خاصة في تحديد ما سينقلونه إلى المستقبل».
في الواقع، ربما أدّى الصغار دورا أكبر في عصور ما قبل التاريخ، لأنّه كان هناك الكثير منهم. أشارت مراجعة أجريت عام 2008 إلى أن الأطفال شكّلوا ما بين 40 إلى 65% من السكان، وهي نسبة أعلى بكثير مما هي عليه الآن. تقول نويل: «ربما كان الأطفال فئة سكانية رئيسية في ضمان استمرارية المجتمع كلّه».
من المغري أن نتساءل عَمَّا إذا كان بإمكان الآباء المعاصرين تعلّم أي شيء من أسلافنا (انظر: التربية القديمة في هذا العصر، أدناه). لكنّ نويل تعتقد أن البحث الأخير يحمل درساً أدقّ. وتقول: «إنّه يغير الطريقة التي نرى بها الأطفال ومساهماتهم في مجتمعاتهم». فهناك فكرة شائعة مفادها أن الأطفال مجرد أوعية فارغة يجب أن نملأها بالمعرفة. وتشير إلى أنّ هذا خطأ فادح. «لقد كانت لدى الأطفال دائما الإرادة. قدّم الأطفال دائماً مساهمات مهمة في الرفاهية العامة لمجتمعاتهم. ولهم دور في تشكيل الاتجاه الذي تتجه إليه مجتمعاتنا في المستقبل».
التربية القديمة في هذا العصر
لقد كان أطفال البشر يربّون لفترة طويلة جدا. فهل يمكننا أن نتعلم أي شيء من الآباء في عصور ما قبل التاريخ عن كيفية تربية أطفالنا؟
تقول برينا هاسيت من جامعة سنترال لانكشاير في المملكة المتحدة، ومؤلفة كتاب نشأة الإنسان Growing Up Human: «إنّ الإنترنت والعالم مملوء بالأشخاص الذين يخبرونك بكيفية التربية القديمة». فهناك رسائل حول الطريقة المثالية لحمل الطفل، ومدى الحرية التي يجب أن تمنحها لأطفالك وماذا تطعمهم – وكلّها مستمدة من دراسات الآركيولوجية. لكنّ هاسيت تقول إنّ الهدف من هذه الدراسات لم يكن قطُّ أن تكون تقديم نصيحة حول التربية.
وتقول إنّ الواقع هو أن البشر يتميزون بقدرة هائلة على التكيّف. ما كان تربية صائبة قبل 100 ألف عام حين كنّا جميعا صيادين وجامعين ليس بالضرورة صائباً في مجتمع زراعي مع إنترنت عالمي ومشكلة التضليل Disinformation.
تقول هاسيت: «رسالتي ستكون: كفاكم قلقا بشأن كيفية نوم أطفالكم أو حملهم. لا توجد طريقة تطورية صحيحة واحدة. نحن نتغير باستمرار».
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.