أحد تيارات المحيط الحيوية هل هو على بُعد عقود ليس إلّا من انهيارٍ كارثي؟
تشير دراستان إلى أن دورة الانعكاس الجنوبي الأطلسي قد تنهار بحلول منتصف القرن فتعيث في المناخ فساداً، لكن مثل هذه التنبؤات موضع خلافٍ
بقلم ماديلين كاف
ربما يكون فيلم عام 2004 اليوم بعد غد The Day After Tomorrow قد أجاز لنفسه فنياً أريحيةً في علم المُناخ، لكنه كان مصيباً في شيءٍ واحدٍ. وقد يؤدي التغيّر المُناخي Climate change بالفعل إلى انهيار تيارات المحيط العالمية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرةٍ.
عندما أُنْتِجَ فيلم هوليوود الذي حطّم الأرقام القياسية لبيع التذاكر، لم يكن الباحثون يعرفون سوى القليل نسبياً عن حالة دورة الانعكاس الجنوبي الأطلسي Atlantic meridional overturning circulation (اختصاراً: الدورة AMOC)، وهو نظامٌ محيطي ينقل المياه الدافئة والمغذيات حول المحيط الأطلسي Atlantic Ocean.
لكن كانت هناك مخاوف من أن يؤدي ذوبان الصفائح الجليدية إلى إضعاف هذا التيار الحيوي، بل حتى إلى انهياره، إذا دخلت كمياتٌ كبيرةٌ من المياه العذبة إلى شمال المحيط الأطلسي من ذوبان الصفائح الجليدية.
لم تبدأ المراقبة المستمرة للدورة AMOC إلا عام 2004. قبل ذلك، كان على الباحثين أن يتدبروا أمورهم بالنمذجات المناخية المتاحة، والبيانات غير المباشرة (البديلة) Proxy data، وقياساتٍ متفرقةٍ من العالم الواقعي. اعتقد معظم الناس أن انهيار الدورة AMOC كان احتمالاً بعيداً، ومن المؤكد أنّه لم يكن من المتوقع حدوثه في القرن الحادي والعشرين.
لكن ذلك قد تغير. وتشير دراسةٌ جديدةٌ أجراها رينيه فان ويستن René van Westen من جامعة أوتريخت Utrecht University في هولندا وزملاؤه إلى أن الدورة AMOC قد تتجه نحو الانهيار بين عامي 2037 و2064، مع متوسطٍ يُقدّر بعام 2050.
وقد يؤدي انهيار الدورة AMOC إلى ارتفاعٍ سريعٍ في مستوى سطح البحر في أمريكا الشمالية، وانخفاضٍ مفاجئٍ وحادٍ في درجات الحرارة في معظم أنحاء شمال أوروبا، واضطرابٍ خطيرٍ في الرياح الموسمية Monsoon في أنحاء آسيا.
عَمَلُ فان ويستن وفريقه هو الدراسة الثانية في العامين الماضيين التي تنبأت بانهيار الدورة AMOC في منتصف القرن، والدراسة التي قبلها أجراها بيتر وسوزان ديتلفسن Peter and Susanne Ditlevsen في عام 2023، وكلاهما من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen.
وتستخدم كلتا الدراستيْن ما تُسمى إشارات الإنذار المبكر Early warning signal (اختصاراً: الإشارات EWS) دليلاً لتقدير مستقبل الدورة AMOC. ومن هذه العوامل درجات حرارة البحر ومحتوى الملح في المحيط، ويُعزى جزئياً سبب استخدامها لكون عمر السجلّ التاريخي الفعلي لقوة الدورة AMOC لا يتجاوز الـ 20 عاماً، وهو بذلك ليس طويلاً بما يكفي لفرز الإشارة Signal من الضوضاء Noise.
تقدّم الإشارات (EWS) بديلاً لنماذج المُناخ، التي استقلّت منذ فترةٍ طويلةٍ احتمال انهيار الدورة AMOC، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها لا تشمل بصورةٍ كاملةٍ تأثير المياه الذائبة التي تدخل المحيط من الغطاء الجليدي في غرينلاند Greenland.
استخدمَتْ دراسة ديتلفسن درجات حرارة سطح البحر التاريخية بمثابة بياناتٍ غير مباشرةٍ (بديلةٍ) لقوة الدورة AMOC. أمّا دراسة فريق فان ويستن، والتي لمّا تخضع لمراجعة الأقران، فحلّلَت بيانات الملوحة التاريخية من المحيط الأطلسي إلى جانب نتائج عمليات محاكاةٍ حاسوبيةٍ تفصيليةٍ أجراها باحثون في وقتٍ سابقٍ من هذا العام.
وتوصّلَتْ الدراستان إلى تنبؤاتٍ متشابهةٍ جداً. فهل يعني هذا أن انهيار الدورة AMOC يبدو أعلى احتمالاً في هذا القرن؟ الجواب بحسب فان ويستن هو نعم. ويقول إن بحث فريقه «يشكّك فعلاً في وجهة نظر» تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصاراً: الهيئة IPCC) الأحدث حول هذا الموضوع في عام 2019، والذي صنّف احتمال انهيار الدورة AMOC قبل عام 2100 بأنه «مستبعدٌ جداً».
يقول: «قبل خمسة أعوامٍ، كان المجتمع العلمي المختص يعتبر الدورة AMOC مرنةً جداً في ظلّ التغيّر المُناخي. والآن تحوّل بالكامل [إلى وجهة النظر] القائلة إن الدورة AMOC هي عنصر تحوّلٍ Tipping element، وسيصل إلى نقطة التحول في وقتٍ ما في القرن الحادي والعشرين إن لم تُتَخَذ المزيد من تدابير التخفيف».
يقول ستيفان رامستورف Stefan Rahmstorf من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المُناخ Potsdam Institute for Climate Impact Research في ألمانيا إنّ هناك الآن ما يكفي من البيانات الواقعية لإثبات أن الدورة AMOC قد ضعفَت بالفعل في العقود الأخيرة. ويقول: «في رأيي، ليس هناك شكٌ فعلي في أنّ الدورة AMOC كانت تتباطأ».
ويقول أيضاً إن انهيار الدورة AMOC قبل نهاية القرن يبدو أعلى احتمالاً مما كان يُعْتَقد في البداية. يقول: «كنت أعتقد، حتى أعوامٍ قليلةٍ مضت، أن احتمال انهيار الدورة AMOC في هذا القرن أقل من 10%، تماماً مثل الهيئة IPCC». «أمّا الآن فأعتقد أنها أعلى من 10%، وذلك في ضوء الأبحاث التي أُجريت في الأعوام الخمس الماضية أو نحو ذلك».
لكنّه يشكك في الأبحاث التي تدعي قدرتها على التنبؤ بالوقت الذي قد يحدث فيه الانهيار، ويرجع ذلك جزئياً إلى وجود قدرٍ كبيرٍ من عدم اليقين Uncertainty في استخدام بيانات الإشارات EWS للتنبؤ بسلوك الدورة AMOC المستقبلي. ويقول: «المشكلة هي أن هذه الدراسات لا تزال تتوصل إلى نطاقاتٍ كبيرةٍ جداً من عدم اليقين بشأن مكان نقطة التحول هذه».
يقضي سانغ كي لي Sang-Ki Lee من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي National Oceanic and Atmospheric Administration في الولايات المتحدة وقته في فحص بيانات مراقبة المحيطات لاكتشاف التغيّرات في الدورة AMOC. ويقول إنّه وزملاؤه «مدركون تماماً» لما تقدمه دراساتٌ حديثةٌ رفيعة المستوى من تنبؤٍ بانهيار الدورة AMOC، لكنه يقول إنّ بعض الأبحاث تعتمد اعتماداً كبيراً على النمذجة الإحصائية بلا ارتباطٍ تقريباً بظروف العالم الواقعي. يقول: «لست من معجبي سيناريو يوم الكوارث الكبرى المتمثل في انهيار الدورة AMOC».
وعلى نحو مماثل، صار نيكلاس بورز Niklas Boers، وهو أيضاً من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، يشعر بالاستياء على نحو متزايدٍ إزاء الجهود التي يبذلها الآخرون للتنبؤ بموعد انهيار الدورة AMOC. ويصرّ على أن النمذجات المناخية ليست على درجةٍ كافيةٍ من الدقة حتى الآن، وأن البيانات التاريخية ليست على مستوىً كافٍ من الثقة يمكّن الباحثين من تقديم مثل هذه التنبؤات بتيقنٍ.
يقول: «إن الادعاء بأننا قادرون على التنبؤ بموعد حدوث التحوّل يعطينا إحساساً زائفاً جداً بالأمان، واليقين، بأننا نفهم النظام فعلاً بما يكفي لفعل شيءٍ كهذا. وهذا غيرٌ صحيح على الإطلاق».
ويقول: «في ظل عدم اليقين الهائل هذا، يجب أن نكون أكثر حذراً، وأن نكون أكثر تقييداً بشأن انبعاثات الغازات الدفيئة Greenhouse gas في المستقبل».
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.