حقيقة الصنف الجديد من أدوية ألزهايمر
تم الترحيب بثلاثة أدوية معتمدة لمرض ألزهايمر باعتبارها طفرة في علاج المرض... ما مقدار فاعليتها، وما المخاطر والأعراض االجانبية التي تصاحبها؟
بقلم غريس وايد
في أوائل يوليو 2024، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration (اختصارًا: الإدارة FDA) على علاج يسمى دونانيماب Donanemab للأشخاص الذين يعانون مرض ألزهايمر (تنطق آلزايمر) في مرحلة مبكرة. وهو ثاني الأدوية التي ثبت أنها تبطئ تطور الحالة، وثالث الأدوية المعتمدة من الإدارة FDA التي تزيل بروتينات الأميلويد Amyloid proteins التي تتراكم في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر.
كما أن موافقة إدارة الغذاء والدواء على ثلاثة أدوية جديدة، وهي: دونانيماب وليكانيماب Lecanemab وأدوكانوماب Aducanumab، فيما يزيد قليلًا على ثلاث سنوات، دفعت البعض إلى إعلان قفزة إلى الأمام في علاج مرض ألزهايمر. كما وافقت اليابان وكوريا الجنوبية والصين وهونغ كونغ أيضًا على ليكانيماب، في حين وافقت الإمارات العربية المتحدة على أدوكانوماب.
دونانيماب وليكانيماب هما أول دوائين استطاعا الحد من تقدم المرض؛ حيث كانت العلاجات السابقة تحاول فقط مواجهة الأعراض، مثل فقدان الذاكرة. ولكن العلاجات الجديدة تدور حولها الخلافات، ولا تزال المخاوف قائمة بشأن سلامتها. في 26 يوليو 2024، أوصت هيئة استشارية للاتحاد الأوروبي بعدم الموافقة على ليكانيماب، مشيرة إلى مخاطره.
تستخدم كل هذه الأدوية أجسامًا مضادة Antibodies مُصمَّمة لاستهداف بروتينات الأميلويد وإزالتها من الدماغ. يُعتقد أن اللويحات Plaques التي تشكلها هذه البروتينات مهمة جدًّا في دفع تقدم مرض ألزهايمر، وهي فكرة تعرف بفرضية الأميلويد The amyloid hypothesis. ومع ذلك، ليس هناك تأكيد أنها سبب المرض؛ مما أثار مخاوف من أننا نمضي قدمًا في الأدوية التي تستهدف الأميلويدات قبل أن نعرف – على وجه اليقين – أنها السبب وراء المرض.
بدأ السباق لتطوير أدوية إزالة الأميلويد عندما أظهرت دراسة تاريخية في عام 1999 أن إزالة لويحات الأميلويد عكست العجز المعرفي في القوارض
بدأ السباق لتطوير أدوية إزالة الأميلويد عندما أظهرت دراسة تاريخية في عام 1999 أن إزالة لويحات الأميلويد عكست العجز المعرفي Cognitive deficits في القوارض. ومع ذلك، بعد عقدين من الزمن، فشلت جميع الأدوية المرشحة في المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية (السريرية) (انظر: «مراحل التجارب الإكلينيكية»). وهو ما أثار شكوكًا جدية حولها كعلاج لمرض ألزهايمر، ومن ثم حول فرضية الأميلويد.
تَجارِب عقار أدوكانوماب
كان أحد هذه الأدوية أدوكانوماب، الذي صنعته شركة بيوجين Biogen الأمريكية. في عام 2015، أطلقت الشركة تجربتين إكلينيكيتين للمرحلة الثالثة، مع ما يقرب من 3,300 شخص يعانون مرضَ ألزهايمر، في مرحلة مبكرة، ولويحات أميلويد في أدمغتهم. أشارت النتائج المبكرة إلى أن الدواء لم يكن له تأثير يذكر: على الرغم من أن إحدى التجربتين أظهرت أن الوظائف المعرفية تنخفض بمعدل أبطأ بنسبة 20% تقريبًا لدى أولئك الذين يتناولون جرعة عالية من الدواء، مقارنةً بأولئك الذين يتناولون العلاج الوهمي (الغُفْل Placebo)، إلا أن التجربة الثانية لم تجد فرقًا.
أوقفت بيوجين التجارب في عام 2019، ولكن بعد سبعة أشهر، تراجعت عن ذلك؛ حيث قالت الشركة إن تحليلًا جديدًا أُجري على النتائج طويلة الأمد من التجربة الثانية أشار إلى أن أدوكانوماب أدى في الواقع إلى إبطاء التدهور المعرفي. في عام 2020، قدمت بيوجين الدواء للموافقة عليه.
لكن العديد من الخبراء كانوا قلقين، خاصة بالنظر إلى مخاطر الدواء؛ حيث عانى نحو %40 من المشاركين الذين يتناولون أدوكانوماب آثارًا جانبية خطيرة، تُعرف باسم الشذوذات التصويرية المرتبطة بالأميلويد Amyloid-related imaging abnormalities (اختصارًا: الشذوذات ARIA)؛ حيث يتسرب السائل من الأوعية الدموية في الدماغ. أغلب حالات الشذوذات ARIA لا تكون مصحوبة بأعراض، وتَشفى من تلقاء نفسها، ولكن بعضها يمكن أن يؤدي إلى الصداع أو التشنجات أو حتى الموت. تم الإبلاغ عن أربع وفيات مرتبطة بالأدوكانوماب، لكن بيوجين قالت في بيان لها إن أيًّا من الوفيات الإحدى عشرة – خلال تجارب المرحلة الثالثة – لم تعزَ إلى الدواء. لم تستجب بيوجين لطلب التعليق على الآثار الجانبية للأدوكانوماب.
في عام 2020، أوصت لجنة استشارية للإدارة FDA بعدم الموافقة على الدواء. ولكن في عام 2021، منحت إدارة الغذاء والدواء الموافقة، مشيرة إلى قدرتها على إزالة لويحات الأميلويد بشكل واضح. وقالت الإدارة FDA – في بيان – إن الدواء «من المرجح – بشكل معقول – أن تكون له فائدة إكلينيكية للمرضى»، لكن التجارب أظهرت نتائج مختلطة. أدى القرار المثير للجدل إلى إجراء تحقيق حكومي وزرع مزيد من الشكوك حول فرضية الأميلويد والأدوية التي تستند إليها. أعلنت بيوجين في وقت سابق من هذا العام أنها ستوقف أدوكانوماب. يقول جيمس نوبل James Noble، من جامعة كولومبيا Columbia University في نيويورك: «كان الأمر فوضويًا جدًّا في النهاية، ومع الأسف، نتج عنه كثير من عدم اليقين ونقص الحماس لتطوير ووصف أدوكانوماب».
دونانيماب وليكانيماب يجلبان أملًا جديدًا
منذ ذلك الحين، خفف عقاران آخران لإزالة الأميلويد من بعض الشكوك المتبقية التي صحبت أدوكانوماب. الأول هو ليكانيماب، تصنعه شركة الأدوية اليابانية إيساي Eisai. في تجربة إكلينيكية أجريت عام 2022 على ما يقارب 1,800 شخص مصابين بمرض ألزهايمر في مرحلة مبكرة، وعندهم دليل على وجود صفائج الأميلويد، فإن أولئك الذين أُعطوا ليكانيماب صار معدل التدهور المعرفي لديهم أبطأ بـ27%، بعد 18 شهرًا، مقارنة بأولئك الذين أُعطوا دواءً وهميًا. وهذا يترجم إلى فرق يبلغ 0.5 نقطة تقريبًا على مقياس معرفي مكون من 18 نقطة.
على الرغم من أن ذلك قد يبدو صغيرًا، فإن الاستطلاعات تظهر أن له تأثيرات مهمة. وجدت دراسة أجريت عام 2023 أن الانخفاض في نوعية الحياة تباطأ بنحو 50% لدى الأشخاص الذين يتناولون دواء ليكانيماب، مقارنةً بأولئك الذين يتناولون دواءً وهميًا. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يثبت فيها أن دواءً بإمكانه إبطاء تطور مرض ألزهايمر.
الدواء الآخر الوحيد الذي له تأثيرات مماثلة هو دونانيماب من شركة الأدوية الأمريكية ليلي Lilly. في دراسة أجريت عام 2023 على أكثر من 1,700 شخص يعانون مرض ألزهايمر في مرحلة مبكرة، أبطأ دونانيماب التدهور المعرفي بنسبة %30 تقريبًا. تعطي هذه النتائج مجتمعة الأدلة الأقوى حتى الآن على فرضية الأميلويد. ولكنها توضح أيضًا أن هناك عمليات أخرى تتسبب في المرض.
يقول نوبل: «الوعد الذي كنا نحاول الوفاء به – في هذا المجال – تحقق أخيرًا. توفر هذه الأدوية أفضل فرصة لإبطاء شيء لا نمتلك علاجات أخرى جيدة له».
ما الدواء الأكثر فعالية ضد مرض ألزهايمر؟
لم تقارن أي تجربة دونانيماب وليكانيماب كلًّا منهما بالآخر؛ لذلك من المستحيل تحديد ما إذا كان أحدهما أكثر فعالية من الآخر. ومع ذلك، يقول نوبل إن دونانيماب قد يكون أكثر فعالية قليلًا؛ بناءً على نتائج التجارب الإكلينيكية. ومع ذلك، قد يكون هذا بسبب الاختلافات في التجارب، وليس الأدوية، كما يقول ستيفن هيرش Steven Hersch، من شركة إيساي.
على سبيل المثال، كانت نسبة المشاركين الذين يعانون مرحلة متقدمة من المرض في تجربة دونانيماب أكبر منهم في تجربة ليكانيماب. هذا
يعني أنهم ربما عانوا معدلًا أسرع من التدهور؛ مما يجعل تأثيرات دونانيماب أكثر وضوحًا، بحسب ما يقول هيرش.
قد تكون هناك أيضًا اختلافات في الآثار الجانبية بين الأدوية. في التجارب الإكلينيكية، طور ما يقرب من 37% من الأشخاص الذين يتناولون دونانيماب الشذوذات ARIA مقارنة بـ15% من الأشخاص في مجموعة المقارنة. في تجربة ليكانيماب، كان الشيء نفسه ينطبق على أقل من 22% من المشاركين الذين يتناولون الدواء، مقارنة بما يقرب من 10% من مجموعة المقارنة.
معظم حالات الشذوذات ARIA لم تسبب مضاعفات خطرة. لكن نحو 6% ممن هم في مجموعة دونانيماب أصيبوا بنزيف حاد في الدماغ، مما أسهم في وفاة ثلاثة مشاركين، وفقًا لمتحدث باسم ليلي. ما يقرب من 3% من الذين أعطوا ليكانيماب أصيبوا بنزف حاد في الدماغ. فقد توفي ثلاثة مشاركين يتناولون الليكانيماب أيضًا أثناء التجربة، على الرغم من أن إيساي تقول إن هذه الحالات لا يمكن أن تعزى إلى الدواء. يقول متحدث باسم إيساي إن أربع وفيات خلال مرحلة ممتدة من التجربة الإكلينيكية ربما كانت مرتبطة بالعقار.
مخاطر وعيوب أدوية مرض ألزهايمر الجديدة
يقول نوبل: «بالتأكيد، هناك مخاطر مرتبطة بهذه الأدوية». تشير الأدلة إلى أن الأشخاص الذين لديهم تباين جيني يعرف بــــــ APOE4، والذي يعد أحد أقوى عوامل الخطر الوراثية لمرض الزهايمر، هم أكثر عرضة لخطر حدوث نزف شديد في الدماغ. يقول نوبل إن الأطباء قد يرغبون بالتفكير في الاختبارات الجينية قبل البدء في تناول هذه الأدوية.
في نهاية المطاف، يؤدي كل من ليكانيماب ودونانيماب إلى تغييرات متواضعة فقط في الوظائف المعرفية، ويتشابهان في المخاطر والفوائد. يقول نوبل: «بعض الناس غير مرتاحين للمخاطر بالنظر إلى الفائدة المتواضعة نسبيًا. آخرون هم أول من يتشجع ويقولون، إذا كان في إمكانه فعل أي شيء بالنسبة لي، فأنا أريد أن أبدأه الآن». لكن الوصول إلى الأدوية ليس بسيطًا أو رخيصًا. وهي تُعطى وريديًا، ويستغرق هذا وقتًا طويلًا، ومسحًا منتظمًا للدماغ، على الرغم من أن إيساي قد طورت شكلًا قابلًا للحقن من ليكانيماب.
تختلف الأدوية قليلًا في كيفية عملها. فبينما يزيل دونانيماب اللويحات فقط، يقوم ليكانيماب بذلك أيضًا، ولكنه يستهدف أيضًا بروتينات الأميلويد التي لم تتراكم بعد؛ لذلك يمكن للناس التوقف عن استخدام دونانيماب بمجرد أن تُظهر الفحوصات أنه لم تعد لديهم لويحات، ولكن ينصح الأشخاص الذين يتناولون ليكانيماب بمواصلة استخدامه. تبلغ تكلفة إمدادات عامٍ من عقار ليكانيماب 26,500 دولار، في حين تبلغ تكلفة عقار دونانيماب 32,000 دولار.
نظرًا لأن ليكانيماب يستهدف بروتينات الأميلويد غير المرتبطة؛ فقد يكون مفيدًا في علاج الأشخاص في مرحلة مبكرة من المرض، قبل أن تبدأ اللويحات في التكوُّن. يقول هيرش إن الدراسات التي تبحث في هذا الأمر جارية حاليًا، ويجب أن تنتهي في عام 2027.
يقول نوبل: «هذه ليست أدوية مثالية. إنها ليست علاجًا. لكنها تغير قواعد اللعبة من حيث إنها أعطتنا الأمل في إحداث تأثير في المرض بطرق لم نكن نمتلكها من قبل».
مراحل التجربة الإكلينيكية
يجب على شركات الأدوية إثبات أن الدواء آمن وفعال، من أجل الحصول على ترخيصه. يفعلون ذلك عن طريق اختبار الدواء في عدة مراحل من التجارب الإكلينيكية (السريرية). تشمل تجارب المرحلة الأولى ما بين 20 و100 شخص يعانون المرض الذي يتم علاجه. والغرض منها هو اختبار سلامة الدواء، وتحديد الجرعة المناسبة.
أما تجارب المرحلة الثانية؛ فعادة ما تشمل عدة مئات من الأشخاص؛ مما يجعلهم عينة كبيرة – بما يكفي – لبدء تقييم فعالية الدواء، كما أنها توفر بيانات إضافية عن أي آثار جانبية.
وتجارب المرحلة الثالثة عادة ما تكون الخطوة النهائية قبل تقديم الدواء للمراجعة التنظيمية. يمكن أن تشمل عدة آلاف من الأشخاص، وتوضح ما إذا كان العلاج ناجحًا أم لا. كما يتيح حجمها تحديد الآثار الجانبية النادرة، أو المخاطر طويلة الأجل التي ربما لم تُكتشَف في التجارب الأصغر.
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC