أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياء

مصادم الهادرونات الكبير وجد أنّ هيغز يعمل بشكل مثالي – و ذلك مشكلة

كُنَّا نتوقع ذلك، ولكنه أدى إلى تعقيد اللغز. فقد أكد عدد كبير من النتائج الجديدة في مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider (اختصارا: المصادم  LHC) في سيرن CERN بالقرب من جنيف بسويسرا، أنّ بوزون هيغز Higgs Boson يعطي بالفعل كل الجسيمات الأساسية الأخرى كتلةً.

وقد رصدت القياسات الجديدة، من خلال التعاون بين الكشّاف أطلس ATLAS والكشّاف سي أم أس CMS، عمليات الجسيمات التي ينتج فيها هيغز، الذي اكتُشف في  سيرن في عام 2012، جنبا إلى جنب مع كل من الكوارك القمي Top Quark ومكافئه ضديد المادة Antimatter، وهو ضديد الكوارك القمّيّ Top Antiquark.

وقد تَبِع ذلك في أعقاب الاكتشاف من خلال كلا التعاونين لتحلل بوزون هيغز مباشرة إلى لبتونات التاو Tau Leptons: أبناء عمومة الإلكترون Electron الأثقل.

إنّ التفاعلات بين الهيغز والكوارك القمي ذات أهمية خاصة، إذ إنّ الكوارك القمي هو الجسيم الأساسي الأكثر ضخامة. إذ يبلغ 172 غيغا إلكترون فولت GeV مما يُقزّم بذلك طاقة كتلة هيغز التي تبلغ 125 غيغا إلكترون فولت. أيًّا كان ما يفعله هيغز، فإنه يفعل ذلك مع الكوارك القمي. ويقول فابيو سيروتي Fabio Cerutti من فريق التعاون في الكشّاف ATLAS: “وهذا هو ما يدفع السببَ في ما هو الكون عليه،” ويضيف: ” لكن من المحير حقًا أننا لا نفهم سبب الكتلة الكبيرة جدًا للكوارك القمي.”

وتُشير النتائج الجديدة إلى وجود مستوى التفاعل نفسه بين هيغز والكوارك القمي كما تنبأ به النموذج القياسي (المعياري) Standard Model، وهو أفضل وصف لنا لكيفية تفاعل الجسيمات والقوى. ونتائج اللبتون تاو Tau lepton منسجمة على نحو مماثل. ومعا يُقدّمان أول إشارة مباشرة إلى أنّ التفاعلات مع بوزون هيغز تُفسِّر السبب في أنّ الفيرميونات Fermions، وهي فئة الجسيمات التي تشمل الكواركات Quarks واللبتونات Leptons التي تشكل المادة، لديها تلك الكتل.

النموذج القياسي يسود  Standard Model reigns    

يمكن أن يساعد فهم آلية هيغز على نحو أفضل على تفسير استقرار وبنية المادة من حولنا. كما تُفسّر الاختلافات الدقيقة في كتل الكواركات العلوية  quarkUp والسفلية quark Down سبب كون النيوترونات Neutrons  داخل النواة الذرية Atomic Nucleus أثقلَ من البروتونات Protons، ومن ثم كيف يمكن أن تتكون النوى والذرات المستقرة.

“هذا يعني أنّ النيوترونات تتحلل إلى البروتونات ولكن ليس العكس، لكي يظهر الهيدروجين وكل الأنوية الأخرى للوجود،” كما يقول غافن سلام Gavin Salam، الباحث النظري في سيرن . وبالمثل، تُحدّد كتلة الإلكترون حجم الذرات Atoms، وهكذا تحدد كيفية عمل الكيمياء.

والعمليات المقاسة نادرة بشكل لا يصدق، وكان على كل من الكشّاف ATLAS والكشّاف CMS تحليل مجموعات البيانات التي تراكمت على مدى خمس سنوات لتحقيق الرقم المعياري الذهبي اللازمة لتأكيد الأهمية الإحصائية statistical significance، أي ما يعادل فرصة أقل من واحد في المليون والتي توصلت إليها النتائج عن طريق الصدفة وحدها.

وتُمثل قياسات الكوارك القميّة بشكل خاص انتصارًا جديدًا حلوًا ومُرًّا للنموذج القياسي، كما يقول جون بتروورث Jon Butterworth من جامعة يونيفرستي كوليدج لندن University College London، وهو عضو من فريق بحث الكشّاف ATLAS. “إنها واحدة من العمليات المرجعية التي كنا نتوقع رؤيتها كجزء من فحص سلامة النموذج القياسي،” كما يقول، ويضيف: “وهذه الصحة جيدة بشكل بغيض.”

بغيض، لأننا نعلم أنّ النموذج القياسي ليس نظرية كاملة للمادة. فهو يترك الأسئلة الأساسية مفتوحة مثل تكوين المادة المُعتمة Dark Matter، وهي المادة التي تُشير القياسات الكونية على أنها داخلة في تكوين أكثر من ثلثي كل المادة، وسبب هيمنة المادة على ما يبدو على ضديد المادة في الكون المادي. ويقول بتروورث: “في كل مرة نرى شيئًا يتوافق مع النموذج القياسي، فإنّ هذا يعني أننا لا نعرف الإجابات”. ويُضيف: “أي انحراف سيكون دليلاً، ونحن نريد أدلة.”

لا أثر للتناظر الفائق No signs of supersymmetry

كذلك لا تُفسّر النتائج أي غموض حاسم ضمن حدود النموذج القياسي مثل: لماذا كتلة هيغز منخفضة للغاية. ففي النموذج القياسي، تقوم التفاعلات مع الجسيمات الموجودة – أعلى كل الكواركات القمية – بتضخيم كتلة هيغز. وفي الواقع، فإنّ كتلة هيغز منخفضة عند أدنى مستوى – أي أنها منخفضة لدرجة أنّ الكون الذي تساعد على بنائه يبدو أنه يقع على الحد الفاصل للاستقرار.

وإحدى الطرق لتجنب هذا التباين هي اقتراح وجود عدد كبير من الجسيمات “فائقة التناسق” Supersymmetric، واحدة مقابل كل جسيم موجود، بحيث تؤدي تفاعلاتها مع هيغز إلى إلغاء الجسيمات المعروفة. ومعظم هذه الجسيمات تكون ذات كتلة أكبر بكثير من شريكاتها التقليدية، لذا يصعب الحصول على دليل يُشير إليها. وباستثناء الكوارك القمي، الذي يُتَّوقع أن يمتلك شريكه فائق التناظر الكتلة نفسها تقريبا.

وإذا كان هذا الجُسَيْم موجودًا، فستتوقع أن يكون له تأثير متقلّب في كيفية إنتاج الكواركات القمية جنبًا إلى جنب مع بوزونات هيغز. ولا حتى مثقال ذرة. إذ لا يزال من السابق لأوانه القول على هذا الأساس إن التناظر الفائق هو الحل، كما يقول بتروورث: ” لكن، في كل مرة نرى شيئًا كهذا، فإنّه يجعل الأمر أقل احتمالا.”

هناك بند للخروج من هذا المأزق: على الرغم من أنّ هذه القياسات قد أثبتت وجود التأثير بما لا يدع مجالا للشك، فإنّ معدل إنتاج هيغز مع اثنين من الكواركات القميّة يتوافق مع النموذج القياسي فقط في حدود 20 في المئة. وهذا يتماشى مع ما تتوقعه باعتبار أنها عينة صغيرة من الأحداث المستخدمة لإجراء القياس.

والأمل بأن تشهد القياسات المستقبلية الدقيقة انحرافات صغيرة عن تنبؤات النموذج القياسي التي تشير إلى وجود جسيمات أثقل أو إلى تأثيرات أخرى غير معروفة. ويقول سيروتي “نحن لا نرى سوى جزء من اللغز، والجزء الذي نراه يبدو كالنموذج القياسي.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى