بقلم: هيلين تومسون
ترجمة: د. أحمد شوقي
في يناير 2020 جرب ملايين البشر حمية فيغانية Vegan diet (نباتية صرفة) بناء على دعوة منظمة فيغانيواري Veganuary ؛ ولكن هل يتمكن فيغانيو المدى القصير، أو لبعض الوقت، من جني الفوائد الصحية والبيئية لهذه الممارسة؟ وضعت مجلة نيوسيانتست New Scientist ذلك موضع الاختبار.
يناير هو الوقت من العام الذي يشهد تأجيل الكثير منّا لما اعتادوا عليه إلى وقت آخر . وتُنحّي الحلوى بأدب، وتكتظ صالات الملاعب بمنظمين جدد. فـفي هذا العام، من المقدر أن مليون شخص على الأقل قاموا بما هو أكثر تحديًا: تناول حمية فيغانية طوال الشهر.
اختر أن تحذو حذوهم وسيمكنك أن تنسى شطيرة اللحم الشهية ، وأن تودع البيض المخفوق، ولن يكون هنالك المزيد من الحليب في قهوتك. وهذا تحدٍّ يصعب التقليل من شأنه. و لكن الأمر جدير بالتجربة: إذ تشير الأدلة إلى أن الفيغانية، إذا ما نفذت بدقة، تكون جيدة لصحتك وعظيمة للكوكب.
لعل ذلك يفسر التوجه المتنامي نحو حمية فيغانية لبعض الوقت، وفيغانيواري Veganuary [لفظة مركبة بمعني يناير بحمية نباتية صرفة] مجرد أحد أمثلته، وتكتسب حمية فيغان إلى ما قبل السادسة مساءً (VB6) شعبية في الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى كوسيلة لفقدان الوزن. وتحظى حملة أيام الاثنين بلا لحم Meat-free Mondays أيضا بالانتشار، مع تزايد المطاعم التي تعرض خيارات فيغانية وكذلك نباتية .Vegerarian ويقول توني فرنيللي Toni Vernelli من منظمة فيغانيواري Veganuary الخيرية بالمملكة المتحدة:
« فكرة ألا تتناول اللحم إطلاقًا مرة أخرى هي فكرة غير محتملة لمعظم الناس». أما الحمية الفيغانية لبعض الوقت؛ فهي أكثر سهولة ومن المؤكد أنها تحقق قدرًا من الفوائد.
أو هل الأمر كذلك بالفعل؟ من الممكن ألا يحصل بعض من يندفع لفترة قصيرة نحو حمية فيغانية على التوازن الضروري من العناصر الغذائية. ومع نقص الخبرة في إعداد الوجبات الفيغانية، فـمن السهل اللجوء إلى الأكلات سابقة التجهيز؛ مما قد يُضيّع الإيجابيات المأمولة. هل يمكن حقًا أن تكون فيغانيًا بشكل عارض وتظل تجني الفوائد؟
التجربة
لاستكشاف الأمر، شكلنا فريقًا من برنامج الماشية والبيئة والناس Livestock Environment and People (اختصارًا: البرنامج LEAP) من جامعة أكسفورد University of Oxford ليجري تجربة أولية حافظ بها فريق من 19 موظفًا في نيوسيانتست على دفتر يوميات يسجلون فيه بصرامة ما أكلوه لمدة 15 يومًا، حيث تناولوا حميتهم الاعتيادية في الأسبوع الأول والتزموا بالفيغانية في الثاني. وقد استخدمنا التطبيق المسمى صديق لياقتي My Fitness Pal لمتابعة الحمية بالتفصيل. وأغلب أفراد المجموعة كانوا يتناولون جميع أنواع اللحوم، لكن ثلاثة منهم يعتمدون على الأسماكPescatarians، وثلاثة آخرون نباتيون مما أعطانا لمحة عن الفوائد المختلفة لتبديل الحمية في المجموعات المختلفة.
وبعد ذلك، حلل باحثو البرنامج LEAP يومياتنا لمعرفة الآثار المترتبة على البيئة وتغذيتنا، إن الأمر يحتاج إلى الكثير من البحث للتأكد مما توصلنا إليه، ولكن، على حد علمنا، هذه هي الدراسة الأولى من نوعها، التي تتضمن يوميات غذائية حقيقية لأناس مارسوا الفيغانية بحرص وعناية.
شرح متطوعونا الـ19 ما شعروا به قبل أن يكونوا فيغانيين وما حصل لهم خلال التجربة. فقد انتهى الأمر ببعضهم إلى اكتساب عادات فيغانية استمرت حتى بعد نهاية التجربة.
«كان علي ألا أتناول الألبان عندما كنت أُرضِع طفلي ، وقد أصابني ذلك بالهلع واضطررت إلى إجراء تعديل غذائي كلي. عشت حينئذ على حليب جوز الهند، والآن يبدو أن التخلي عن الألبان صار أسهل بكثير».
«أنا فضولي، و أتساءل كيف سأبقى على قيد الحياة».
«كنت نباتيًا في الماضي، من المحتمل أن أتناول اللحوم الآن مرة أو مرتين أسبوعيًا وبكميات صغيرة. ولكنني أستهلك كميات هائلة من الألبان والبيض».
«توقعت أن أفتقد أكل اللحوم والجبن – لم أفعل. وتوقعت أن أشعر بالتعب وأن أكون أقل حيوية – لكن الأمر كان عكس ذلك».
«وجدت قرار أن تكون نباتيًا أمرًا ميسورًا، لذا فكرت في أن التحول إلى فيغاني يشبهه من السهولة، لقد كنت مخطئاً».
«من الصعب تجنب المنتجات الحيوانية. فبعض الأشياء التي افترضت أنها فيغانية لم تكن كذلك، من السهل أن تنسى أن منتجًا كالمعكرونة يحتوي على البيض».
«لقد اكتسبت عادة إعداد شطائر فيغانية وتعلقت بها».
«أحاول الآن أن أقلل من تناول الأسماك والألبان عما كنت أفعل من قبل. لذلك، فإنني أستخدم حليبًا غير حيواني وألتزم إلى حد ما بالحمية الفيغانية ما قبل السادسة مساء VB6».
«لقد بقيت فيغانيًا في الواقع، هذا الأمر أسهل مما نتوقع، فقط غير طريقة تفكيرك مما لا تستطيع أكله إلى ما تستطيع».
ترغب نيوسيانتيست في شكر كل أفراد البرنامج LEAP الذين ضحوا بوقتهم من أجل العمل في هذا المشروع.
إنقاذ البيئة
بقلم: أليسون جورج Alison George
«أتناول اللحوم معظم الأيام. وأتوق إلى شريحة لحم جيدة الطهو في نهاية الأسبوع ولا أتصور الحياة من دون الزبادي والحليب والجبن». فهذه كانت كلمات أحد المتطوعين مباشرة قبل تجربتنا الفيغانية. ومواجهة حقيقة البقاء دون لحوم أو ألبان يمكن أن تكون شاقة. ولكن إذا كنت مهتمًا بأزمة المناخ، فإن المنتجات الحيوانية هي أحد الأشياء الرئيسية التي قد يتخلى عنها الأفراد للمساعدة.
من حيث المبدأ، ليس من الصعب أن نرى أنّ الفيغانية أفضل حمية بالنسبة إلى الكوكب من الحميات الأخرى. وإذا كنت نباتيًا، هذا يكون أكفأ بكثير من أن تأخذ نباتًا لتطعم به حيوانًا، يكوّن منه أنسجة ويتجشأ غازات الدفيئة Greenhouse gases حين يجتر، ومن ثم يأكل الحيوان. ويقول Richael Clark، من البرنامج LEAP:« تُستخدم كمية كبيرة من المحاصيل لتغذية الحيوانات. فهذا أمر غير فعال>>. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على منتجات الألبان. ففي الواقع، نجد أن الجبن عادة ما تكون لها بصمة كربونية Carbon fooprint أعلى من الوزن المساوي من لحم الخروف.
مع ذلك، حساب بصمة الكربون للغذاء ليس أمرًا سهلا. وأغلب تقديراتنا لتقييم آثار عاداتنا الغذائية تبدأ بحميات افتراضية . وبـمجرد أن يجمع الباحثون قائمة من الأغذية، يُقدّرون كل الانبعاثات الكربونية المرتبطة بإنتاج كل منها، مع احتساب استخدام الأسمدة والمبيدات والأرض والوقود. حينئذ، يمكن أن تُستخدم هذه المعلومات لحساب الأثر البيئي الكلي Total environmental impact لهذا الغذاء.
و ثاني أكسيد الكربون CO2ليس غاز الدفيئة الوحيد الذي ينبعث من هذه العمليات. هنالك أيضًا الميثان، الذي يعد أقوى بـ 25ضعفًا – حتى وإن كانت دورة حياته في الغلاف الجوي أقصر – وكذلك أكسيد النتروز Nitrous oxide، الأقوى مما يقرب من 300 ضعف. وتميل الدراسات إلى ضم هذه الغازات سويًا كوحدات معادلة لثاني أكسيد الكربون (CO2 e)، أي كمية CO2 اللازمة للتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري Greenhouse effect.
وواحدة من أكثر دراسات هذه النوعية شمولية أجريت في 2018 بواسطة جوزيف بور Joseph Poore من جامعة أكسفورد وتوماس نيميك Thomas Nemecek من مركز الأبحاث أغروسكوب Agroscope research centre في زيوريخ بسويسرا. فقد اطلعا على بيانات من 119 دولة تضم منتجات تمثل %55 من السعرات الحرارية يستهلكها الإنسان. وقد أظهرت الدراسة أن الأثر البيئي لكل الأغذية كان أكبر مما اعْتقَد فيما قبل، وخصوصًا المنتجات الحيوانية.
تساهم اللحوم والألبان في 60 % من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة من الزراعة، بينما تمدنا بنسبة 18 % فقط من السعرات الحرارية. ويقول بور: <<لقد حسبنا أن الاستغناء عن المنتجات الحيوانية قد يقلل من انبعاثات غازات الدفيئة للأنظمة الغذائية بنسبة 49 %. وهذا يمثل خفضًا في التكلفة>>. ففي عام 2016 توصلت دراسة عن تحليل اليوميات الغذائية Food diaries لعدد 153 إيطاليًا بالغًا إلى استنتاج مشابه: كانت للفيغانيين بصمة كربونية غذائية أقل بنسبة 34 %عن تلك التي لآكلي اللحوم. هل يمكن أن تدعم تجربتنا على “الفيغانيين لبعض الوقت” ذلك؟
بشكل عام، نعم في المتوسط، كان هنالك انخفاض بنسبة 53 % لانبعاثات غازات الدفيئة عندما تناول المشاركون حمية نباتية خالصة مقارنة بحميتهم المعتادة (انظر: نباتات من أجل الكوكب).
نباتات من أجل الكوكب
تكون الأمور أكثر إثارة عندما تنظر مثلا إلى الفروق في وفورات الكربون بين آكلي اللحوم الذين صاروا فيغانيين والنباتيين الذين حذوا حذوهم. إذ لم تجد الدراسة التي تضمنت 153 إيطاليّا فرقًا في البصمة الكربونية للحمية النباتية والفيغانية. وتقول فرانشسكا سكازينا Francesta Scazgina من جامعة بارما University of Parma بإيطاليا، والتي أجرت الدراسة: «لعل التفسير المحتمل أن المواد الغذائية النباتية غير المعالجة Unprocessed تحل عادة محل المواد الغذائية الحيوانية في الحميات النباتية والفيغانية في الدراسات الافتراضية، في حين تتميز الحميات النباتية الحقيقية ببدائل عالية التجهيز من اللحوم والألبان».
غير أن متطوعينا النباتيين الثلاثة خفّضوا بصمتهم الكربونية الغذائية بنسبة42 % في المتوسط؛ مما يشير إلى أن حدوث وفورات كربونية جدية هو أمر محتمل. وهذا الجانب من نتائجنا ربما لا يكون أساسًا لاستنتاجات شاملة لأنها تتعلق بثلاثة أفراد فقط، لكنها مثيرة الاهتمام على أي حال. وعلى حد قول كلارك: «نحن لا ندرك مقدار ما قد يحدث من فرق في الواقع».
ولوضع الأمر في المنظور العام، قدرتُ -أنا- ما قد يوفره كل فرد من آكلي اللحوم في مجموعتنا من كربون إذا ما تناول حمية فيغانية لمدة شهر:80 كيلوغرامًا من ثاني أكسيد الكربون CO2. وهذا يعادل التخلي عن رحلة بالسيارة لمسافة 400 كيلومترٍ أو الطيران المسافة 800 كيلومترٍ، أي ما يعادل المسافة بين سويسرا ولندن. وكان من الممكن لكل نباتي أن يوفر أيضًا كمية معينة من الكربون إذا تناول حمية فيغانية لمدة شهر؛ مما يوفر نحو 40 كيلوغرامًا من الكربون أو ما يعادل القيادة لمسافة 200 كيلومترٍ.
لقد كنت من آكلي الأسماك لسنين عديدة وافترضت أن البصمة الكربونية لحميتي ستكون على الجانب الأدنى، لكنني ذُهلت باكتشاف أن التخلي عن الأسماك والألبان قد خفضها إلى النصف.
في المجمل، يشكل إنتاج الغذاء قرابة الربع من بصمتنا الكربونية، لذلك فإن التقليل من استهلاك المنتجات الحيوانية هو إحدى الطرق الرئيسية لتخفيض بصمتي الخاصة. ومع ذلك، وعلى الرغم من حبي لمذاق البرغر النباتي والتوفو والعدس، إلا أنني لا أظن أنني أستطيع الالتزام بأن أكون فيغانية طوال الوقت، أساسًا لما يسببه ذلك من إزعاج للآخرين الذين أشاركهم الطعام. ولكن من المؤكد أنني سأفكر في حمية فيغانية إذا ما تعلق الأمر بإعداد غدائي للعمل.
وهذا لا يعني القول إن الأغذية ذات الأساس النباتي لا تضر بالبيئة. وقد نظرت دراستنا إلى البصمة الغذائية لحمياتنا فقط، لكن إنتاج الغذاء يتسبب في تدهور البيئة بطرق أخرى، ليس أقلها استهلاك المياه واستغلال الأراضي. وقد وجدت دراسة بور أن إنتاج المكسرات والبازلاء يحتاج إلى مياه أكثر من إنتاج وزن مماثل من اللحم البقري. ويحتاج اللوز خاصة إلى كميات كبيرة من المبيدات والأسمدة. كما أزيلت مساحات كبيرة من غابات آسيا وأمريكا الجنوبية لزراعة نخيل جوز الهند لإنتاج الزيوت النباتية .
ومع ذلك، حتى أقل البروتينات الحيوانية تأثيرًا مثل الدواجن والألبان هي أكثر إضرارًا في المجمل من البروتينات النباتية كالبقول والمكسرات. ويصدق هذا أيضا على الألبان نباتية الأصل التي تُحضّر من الصويا أو الشوفان أو الأرز وما سواها. لذا يقول بور: «حتى إذا ما استطعنا تقليل أثر كل البروتينات الحيوانية إلى حده الأدنى، سيظل من الأفضل للبيئة أن نتوقف عن أكل اللحوم كمصدر للبروتين».
إحدى الفوائد المحتملة من التحول إلى حمية “فيغانية لبعض الوقت” أن ذلك يؤثر في عاداتهم حتى بعد عودتهم إلى الغذاء المتنوع. فهناك أدلة على أن الامتناع لفترة عن تناول المنتجات الحيوانية يُحدث تغييرات بعيدة المدى. ففي بحث غير منشور أجرته شركة الاستشارات كانتار Kantar على إيصالات مشتريات السوبرماركت لما يزيد على 600 شخص في المملكة المتحدة، كانوا قد تركوا تناول اللحوم خلال يناير 2018، أنهم بعد عام قللوا من شراء اللحوم والبيض (على الرغم من زيادة طفيفة في استهلاك الحليب والجبن).
ماذا عن موظفينا المشاركين في التجربة؟ هل ألهمتهم تجربتهم للفيغانية أم جعلتهم يسرعون بعدها إلى أقرب مطعم لتناول شرائح اللحم؟ أظهر استقصاء غير رسمي بعد شهرين من تجربتنا أن الكثير منهم قد عاد إلى حد كبير إلى عاداته الغذائية السابقة، ولكن كانت هناك آثار باقية لصالح الكوكب، كما تظهر الاقتباسات المنتشرة عبر هذه الصفحات.
في المستقبل، قد يكون من الأسهل خفض بصمة حميتنا الكربونية، وذلك بظهور أغذية جديدة تتخطى الحاجة إلى المزرعة والحقل. وبدائل الحليب قد تُنتج باستخدام الخميرة، واللحم الحقيقي قد ينتج باستخدام تقنيات زراعة الأنسجة، والبروتينات طيبة المذاق قد تُنتج أيضًا من الهواء باستخدام البكتيريا التي تمتص ثاني أكسيد الكربون أثناء نموها. وهذه الطرق يمكنها – نظريًا- أن تنتج اللحوم والألبان ببصمة كربونية أقل تلك المصنوعة من النباتات. ولا يمكنك تخيل أن تكون فيغانيًا، يوما ما ربما لا تضطر إلى ذلك.
تعزيز التغذية؟
بقلم: هيلين تومسون Helen Thomson
عندما كنت أمضغ ثالث وجباتي الفيغانية الجاهزة في الأسبوع ، الأضلاع (الريش) المشوية والمصنوع من بروتين القمح (غلطة ليست فيغانية تماما)، جال في خاطري أنني ربما لم أفعل ذلك بالشكل الـصحيح، فـقد افترضت أن يكون المرء فيغانيا، ولو لفترة قصيرة، يعني تناول حمية صحية بدرجة أكبر. وهذا، في نهاية الأمر، ما تدعيه الدراسات على الحميات”الفيغانية طوال الوقت”. و الحمية ذات الأصل النباتي قد تساعد على إنقاص الوزن، وأن تخفض كوليسترولك، وتقلل من خطر إصابتك ببعض السرطانات، بل قد تضيف بضع سنوات إلى عمرك. ولكن يبدو أنه كان من الممكن جدا تناول وجبات غير صحية – ابتلعت الأضلاع وتساءلت كيف وجد الآخرون الأمر.
لاستجلاء هذا الأمر، تفحصت كريستينا ستيوارت Cristina Stewart ، الباحثة من البرنامج LEAP، بدقة يومياتنا بالتفصيل. فحسبت مجموع العناصر الغذائية التي نتناولها يوميا لتعرف أي نسبة من السعرات التي حصلنا عليها من أي نوع من الأغذية. وقد بدا واضحًا على الفور أن حمياتنا قد تغيرت بشكل كبير. ففي الأسبوع الفيغاني، استهلكنا سعرات ودهونًا مشبعة أقل، وكذلك كربوهيدرات وكوليسترول أقل، بينما زادت كمية الألياف زيادة كبيرة (انظر: استراحة خضرية).
استراحة خضرية
نظرنا أيضًا إلى مختلف التغيرات في المدخول الغذائي الذي جربه آكلو اللحوم، آكلو الأسماك والنباتيون عندما تحولوا إلى الحمية الفيغانية. وهذه النتائج لا يجب أن تؤخذ على علاّتها نظرًا لقلة عدد الأشخاص المشاركين في التجربة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمغذيات الصغرى . Micronutrients ولكنها، مع ذلك، تحتوي على بعض الإشارات المثيرة للاهتمام عن مدى نجاح متطوعينا.
هذه الأخبار تبدو جيدة . ففي القرن العشرين اكتشف الباحثون رابطًا بين الكوليسترول العالي وتصلب الشرايين المسبب للنوبات القلبية، وعلى الرغم من أننا نعلم الآن أن بعض أنواع الكوليسترول ضارة، وبعضها الآخر يساعد على بناء النسيج العضلي وينظف فعليًا جدران الشرايين، إلا أن الأطباء لا يزالون يميلون إلى الحفاظ على مستوى منخفض من الكوليسترول الكلي.
وإضافة إلى ذلك، فقد ثبت أن تقليل تناول الدهون المشبعة يرتبط ارتباطًا شديدًا بتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب وسرطانات الرئة القولون والثدي، إلا أن النقطة المهمة هنا هي ما الذي أحللته محل الدهون. وإذا ما استبدلتها بكربوهيدرات مثل الخبز الأبيض ومنتجات الألبان قليلة الدهون، فسيقل احتمال حصولك على فوائ ، وربما يرجع ذلك إلى زيادة مدخول Intake السكر. ولكن، إذا بدلتها بمنتجات نباتية كالخضراوات الورقية والفاصوليا والشوفان، فستزداد الفوائد الصحية التي تتحصل عليها زيادة كبيرة.
كانت للأسبوع الفيغاني فائدة أخرى، إذ تعزَّز استهلاك الألياف من قرابة 21 غرامًا يوميًا إلى نحو 30 غرامًا، وهوالكمية الموصى باستهلاكها يوميًا في المملكة المتحدة. فقد استبدلت مجموعتنا باللحم أغذية غنية بالألياف مثل الفاصوليا والعدس والحبوب الكاملة والخضراوات. ويمكن للأغذية عالية الألياف أن تقلل من مخاطر داء السكري من النوع الثاني، والأمراض القلبية وسرطان القولون، وذلك بتعجيل مرور المسرطنات عبر الأمعاء وبتغذية «البكتيريا المفيدة». وهنالك أدلة جديدة تقترح أن الحمية عالية الألياف قد تساعد على منع العدوى وتحسين المزاج والذاكرة.
ولكن، هل يمكن لأسبوع من الطعام الفيغاني أن يحدث أي فرق؟ من المحتمل ألاّ يحدث أي فَرق، إذا ما كان مجرد أسبوع، كما تقول كارين بابير Karen Papier عضوة في فريق البرنامج LEAP . نحن نعلم أن الأمر يستلزم أكثر من أسبوع لتغير مؤشر كتلة الجسم BMI وضغط الدم، على سبيل المثال. وتردف قائلة: «مع ذلك، كانت معظم التغييرات إيجابية حقًا، وشبيهة بالتغيرات الغذائية التي نراها لدى متّبعي “الحمية الفيغانية طويلة المدى”. ويقترح ذلك بأن الممارسة المنتظمة للفيغانية قد تضعك على الطريق الصحيح إلى حصول على فوائد صحية بعيدة المدى.
إلى هذا الحد، يبدو الأمر صحيًا تماما. ولكن اللحوم، الأسماك والألبان تمدنا بعناصر غذائية أساسية ومن دون هذه المكونات، فإن توفير جميع احتياجاتك الغذائية تستلزم مجهودًا. فعلى سبيل المثال، يوصى بأن تشكل البروتينات 10 إلى 15 %من حميتنا. ومن دون ذلك، قد نعاني هزال العضلات، وأن نجد صعوبة في مقاومة العدوى، وأن نتعرض بدرجة أكبر لخطر ارتفاع ضغط الدم.
أغلب أَكَلة اللحوم في العالم الغربي يحصلون على الكثير من البروتينات، لكن الحصول على كمية البروتين الضرورية أكثر تعقيدًا بالنسبة إلى الفيغانيين. وتعرف بروتينات اللحم بـ «البروتينات الكاملة»، لأنها تتحلل إلى جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي لا يستطيع الجسم إنتاجها بنفسه. وبعض بروتينات الخضراوات مثل التي توجد في الصويا والغلوتين توفي الغرض نفسه، لكن تلك الآتية من الحبوب الكاملة Whole grains والبقوليات Legumes تكون أصعب في الهضم، وفي بعض الأحيان يفتقد الأرز والمكسرات وبعض الحبوب إلى بعض الأحماض الأمينية تمامًا. ومع ذلك، تشير ستيوارت إلى أن المشاركين قد حصلوا على الكمية الموصى بها من البروتين وتشير إلى أنه طالما تتناول بروتينات نباتية الأصل من مصادر متنوعة فليس هناك ما يدعو إلى القلق.
حدث أيضًا نقص في مدخول الكالسيوم، وهذا قد يؤدي إلى هشاشة العظام، وتسوس الأسنان، وإعتام عدسة العين Cataracts والإجهاد. وهناك قلق محتمل آخر يتعلق بأحماض أوميغا3- الدهنية، التي تحافظ على خلايانا وجهازنا الدوري في أفضل حالة. وعلى الرغم من أنه لم يكن بالإمكان تحديد ذلك من سجل يومياتنا الغذائية، فمـن دون اللحم يعاني الفيغانيون نقصًا في هذه الأحماض الدهنية. وعلى الرغم من أنهم قد يحصلون عليها من بذور الشيا والكتان، وبعض المكسرات والخضراوات الورقية، إلا أنهم غالبًا ما يتناولون المكملات الغذائية لضمان استيفائها. كذلك، فإن الفيتامين B12 مهم لصحتنا أيضا – إذ يحتمل أن يحمينا من السكتة الدماغية- ولأن البكتيريا تُنتجه في الحيوانات، فليس على متنوعي التغذية Omnivores أن يفكروا في أمره كثيرا. ويحتاج الفيغانيون إلى تناول حبوب الإفطار المعزّزة بالفيتامينات والخميرة الغذائية للحصول على ما يلزمهم.
«لم يعد الكثيرون ينظرون إلى الفيغانية كنهج يؤخذ كله أو يترك كله»
الكولين Choline أيضا عنصر غذائي مهم بالنسبة إلى صحة الدماغ، خصوصًا في الأجنة النامية، لكنه يوجد أساسًا في اللحم البقري والبيض والسمك. وتشير إما دربشاير Emma Derbyshire ، من الشركة الاستشارية نيوترشونال انسايت (تبصرات التغذية) Nutritional Insight، إلى أن الدراسات الاستقصائية في كثير من الدول الأوروبية أظهرت أن مدخولنا من الكولين لا يصل إلى المستويات الموصى بها، الأمر الذي يدعو إلى القلق في ضوء التوجهات المتزايدة نحو الحميات النباتية.
هنالك طرق للحصول على جميع هذه العناصر في الحمية الفيغانية، وهذا ما ستعرفه بالخبرة. وهذا بالضبط ما كنا نفتقد إليه في مجموعتنا من” الفيغانيين لبعض الوقت”. وقد أظهر استطلاع مبدئي أن فريقنا المتباين كان على وعي بأنهم سيحتاجون إلى البحث عن بدائل لبعض العناصر الغذائية، لكنهم لم ينشغلوا كثيرًا بهذا الأمر. وقد عبر عن ذلك أحد المشاركين بقوله: «كنت على وعي بأن الحصول على بروتين كافٍ هو مشكلةٌ للفيغانيين، لكن لما لم يكن هذا تغييرًا دائمًا في أسلوب حياتي، لم أبذل قصارى جهدي لعمل التغييرات الغذائية اللازمة».
ووفقا لبابير، ربما لا يهتم” الفيغانيون لبعض الوقت” في حميتهم بقدر اهتمام “الفيغانيين طوال الوقت”، لكن ذلك ربما لا يمثل مشكلة لأنه من المحتمل أن يستوفوا أي عنصر مفقود في الأيام غير الفيغانية. ولكن المشكلة هي أنه مع تزايد شعبية الفيغانية، تتزايد كذلك شعبية الوجبات الفيغانية الجاهزة – مثل الأضلاع المشوية التي تناولتها – والتنويعات الفيغانية من الوجبات غير الصحية . ومثل تنويعاتها غير الفيغانية، قد تكون فيها نسبة عالية من السكر والملح.
في وقت سابق من عام 2020، تحدث روجر وايتسايد Roger Whiteside، الرئيس التنفيذي لسلسلة مخابز غريغس Greggs في المملكة المتحدة، التي لاقت لفائف نقانقها الفيغانية نجاحًا كبيرًا، معترفًا بأنه اتبع قواعد الفيغانية لفوائدها الصحية، لكنه قال إنه يجد صعوبة في طهي الطعام من المكونات الأساسية. إذ قال: «يا حبذا لو كان لدي الوقت للطهي، ولكن لا يتاح لي ذلك، لذلك لا بد لي من الأشياء السريعة والسهلة». وكما أن كثيرًا من” الفيغانيين لبعض الوقت” من مجموعتنا قالوا إنهم أيضًا اتجهوا بسرعة إلى الوجبات السريعة، غير الصحية الجاهزة بدلًا من بذل الجهد ليعثروا على وصفات جديدة يطهونها في منازلهم.
لا تلقى” الفيغانية لبعض الوقت” قبولاً من الجميع. ففي حين تؤكد الجمعية الفيغانية Vegan Society على أن خفض استهلاك المنتجات الحيوانية قد يحقق الكثير من الفوائد الإيجابية، إلا أن، دومينيكا بياسيكا Dominika Piasecka، المتحدثة باسم الجمعية الخيرية،تقول إن الفيغانية قناعة أخلاقية عميقة الجذور بخطيئة قتل الحيوانات واستغلالها . وتضيف قائلة: «إنها ليست شيئا يمكن أن يفعله الناس لبعض الوقت».
مدفوعون إلى حد كبير بالفوائد الصحية والبيئية، لم يعد كثير من الناس يرون المشكلة على أنها إما الكل أو لا شيء. وإذا كنت أحد من يفكرون في أن تكون شبه فيغانيي Vegan-ish، يمكنك أن تطمئن إلى ما لذلك من فوائد صحية محتملة – خاصة إذا ما كنت منتبهًا لما قد تفتقده في حميتك.
وبابير تعتقد أن تناول طعام فيغاني مرن Flex-vegan من المحتم أن يكون أمرًا جيدا. «إذا كنت تفعل ذلك لمدة يوم كل أسبوع أو شهر كل عام، بمرور الوقت ستكون قد استهلكت كميات أقل من منتجات اللحوم، مما قد تكون له آثار صحية مفيدة». وتشير تجربتنا الصغيرة إلى أن كونك “فيغانيّا لبعض الوقت” قد يؤدي إلى تغييرات غير متوقعة على المدى الطويل. وقال الكثير من المشاركين في تجربتنا أن الأمر انتهى بهم إلى مزيد من التفكير فيما يأكلون، وهل يجدر بهم أن يقللوا استهلاكهم من اللحوم أو، كما في قال أحدهم: «على الأقل توقفت عن وضع الجبنة على كل شيء».
الفيغانية أكثر من أن تكون حمية غذائية، فهي مبنية غالبا على اعتقاد عميق بأنه من الخطأ استغلال الحيوانات بأي شكل من الأشكال. ومع ذلك، يضع الناس حدودًا مختلفة لممارساتهم. وبعضٌ من الفيغانيية يتحاشون ارتداء الجلود والحرير والصوف. أما وعسل النحل؛ فيثير الجدل لأن بعض الفيغانيين يعتبرونه استغلالا. وبعض الفيغانيين يتحاشون الغذاء الذي ينمو على منتجات حيوانية، مثل فطر عش الغراب الذي ينمو على سماد من مخلفات الدجاج. ومع ذلك، يذهب فيغانيون الصدفتين Bivalvegan إلى أنه من المعقول تناول المحار وبلح البحر على اعتبار أنها لا تشعر بألم. في تجربتنا امتنع المتطوعون عن تناول أي منتجات حيوانية، بما في ذلك جميع اللحوم والأسماك والألبان وعسل النحل، ولكن لم يكن من المتوقع أن نتقيد بنمط الحياة بأكمله.
* هيلين ثومسون Helen Thomson مؤلفة ومتخصصة بالصحافة العلمية، ومستشارة بنيوسيانتست ومن أشهر مؤلفاتها كتاب «ما لا يمكن تصديقه: رحلة غير عادية في أمخاخ غريبة».
* أليسون جورج Alison George محررة بنيوسيانتست، وعملت كباحثة متخصصة بـالكيمياء الحيوية في الدراسات البيئية الخاصة بمسوح القطب الجنوبي.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.