خطةٌ لإنقاذ الطبيعة: كيف نحل أزمة التنوع البيولوجي
لقد أتلفنا أنظمة كوكبنا الإيكولوجية لفترةٍ طويلةٍ جداً، لكن قراراتٍ حاسمةً هذا العام قد تكون نقطة التحول التي ستساعدنا على استعادة علاقتنا بالطبيعة
بقلم: غرايام لاوتون
ترجمة: محمد الرفاعي
لقد حاولنا باستمرار تجنب مواجهة هذه المشكلة، لكن ربما مثّل كوفيد-19 نداء الإنذار الأخير. وقال أنطونيو غوتيريش António Guterres، الأمين العام للأمم المتحدة UN، في خطابٍ ألقاه أمام قمة الكوكب الواحد One Planet Summit التي ضمّتْ قادة العالم في باريس في يناير 2021: “يجب أن يكون عام 2021 عام التوفيق بين الإنسانية والطبيعة”. “حتى هذه اللحظة، نحن ندمر كوكبنا. لقد كنا نسيء استغلاله كما لو أنّ لدينا كوكباً احتياطياً”.
الأرقام مُخيبةٌ، كُلّها. فأكثر من 70% من الأراضي الخالية من الجليد تخضع الآن لسيطرة الإنسان وتتدهور تدهوراً متزايداً. ويتجاوزُ حجم البنية التحتية التي صنعها الإنسان كل الكتلة الحيوية. ويُشكلُ البشرُ والحيواناتُ الأليفة أكثر من 90% من كتلة الثدييات على هذا الكوكب. وتهددُ أفعالنا نحو مليون نوعٍ -1 من كل 8 -بالانقراض (انظر: التنوع البيولوجي: تقرير حالة).
حدثَ كل ذلك في طرفة عينٍ من الناحية الجيولوجية. فقد قال غوتيريش في باريس: “إذا قارنتَ تاريخَ الأرض بعامٍ تقويمي، فقد استخدمنا ثُلْثَ مواردها الطبيعية في آخر 0.2 ثانية”.
وبعد عقدٍ ضائعٍ، وتأخّرِ المفاوضات بسبب الوباء لمدة عام، فمن المقرر توقيعُ اتفاقيةٍ دوليةٍ جديدةٍ للحفاظ على التنوع الحيوي في العالم في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام، إضافةً إلى بدء العديد من المبادرات الأخرى أيضاً. وتشيرُ الأدلة إلى أن كوفيد -19، وهو كارثةٌ سببها موقفنا المُزْدَري للطبيعة، قد يكون قد دفعنا إلى تركيز تفكيرنا أخيراً. فالسؤال هو، ما الذي يجب عمله وهل يمكننا عمل ما يكفي قبل فوات الأوان؟
بدأتْ علاقتُنا بالطبيعة تتدهورُ مع بداية الثورة الصناعية، لكنها انحرفتْ انحرافاً كبيراً عن مسارها حين بدأ التسارع العظيم Great Acceleration بعد الحرب العالمية الثانية Second world war. ففي هذه الفترة أدى ازديادُ عدد السكان، والتجارة، والمستوياتُ الأعلى من الرخاء إلى نمو هائلٍ لكل مقاييس تأثير البشرية في كوكب الأرض تقريباً: استخراجُ الموارد، والإنتاجُ الزراعي، وتطوير البنية التحتية، والتلوثُ، وفقدانُ الموائل والتنوع الحيوي.
وكان هذا النهبُ مقامرةً لم تَعُدْ تأتي بثمارٍ منذُ فترة طويلةٍ. وتؤثّر الأراضي مُتَدهورة التربة بالفعل سلباً على رفاهية 3.2 بليون شخص، وتكلّفُ أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي GDP بسبب خسارة المحصول، وتؤدي إلى تدهور الصحة وآثارٍ سلبيةٍ أخرى. وكل هذا سيواصل الازدياد. ففي ورقةٍ بحثيةٍ نُشرتْ مؤخراً في مجلة فرونتير إن كونسيرفاشيون ساينس Frontiers in Conservation Science، حذَّرَتْ مجموعةٌ دوليةٌ من العلماء من أن الكوكب يواجه “مستقبلاً مروعاً من الانقراض الجماعي، وتدهور الصحة، والاضطراباتِ المُناخية … في هذا القرن”.
يقول عالم الأحياء كريستيان سامبر Cristián Samper من جمعية الحفاظ على الحياة البرية Wildlife Conservation Society في نيويورك: “يواجه العالمُ ثلاث أزماتٍ رئيسيةٍ حالياً: فقدانُ التنوع الحيوي، والتغيّر المُناخي، والوباء”. “كلها مترابطةٌ، والعديد منها له الأسباب والحلول نفسها”.
ويقول يوهان روكستروم Johan Rockström من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ Potsdam Institute for Climate Impact Research في ألمانيا: “العلم مثيرٌ جداً”. وفي عام 2009 طور هو وزملاؤه مفهوم “الحدود الكوكبية” Planetary boundaries، والذي يهدفُ إلى تحديد مساحة عملٍ آمنةٍ للبشرية، وتكميم مقدار تجاوزنا لها. ففي تحديث الذكرى السنوية العاشرة في عام 2019، أشاروا إلى أننا قد تجاوزنا بالفعل أربعة حدودٍ من أصل تسعةٍ ـ بما في ذلك، بصورةٍ مهمةٍ جداً، تأثيرنا في التنوع الحيوي. ويقول روكستروم: “لأول مرةٍ، علينا أن نفكر في الخطر الحقيقي المتمثل بزعزعة استقرار الكوكب بكامله”.
“إذا فشلنا في التحرك الآن، فسوف تسألُ الأجيالُ المقبلة، لماذا لم نتحركْ لإنقاذ الأرض في ضوء كل الأدلة العلمية التي لدينا؟” هذا ما يقوله بوب واتسون Bob Watson، الرئيس السابق للهيئة الحكومية الدولية المَعْنيةِ بالتغيّرُ المُناخي والمنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع الحيوي وخدمات الأنظمة الإيكولوجية Intergovernmental Panel on Climate Change and the Intergovernmental Science-Policy Platform on Biodiversity and Ecosystem Services (اختصاراً: IPBES)، وهي هيئةٌ مفوضةٌ من المنظمة UN تقيّمُ أحدث الأبحاث حول التنوع الحيوي.
ليس الأمرُ أننا افتقرنا إلى النوايا الحسنة في الماضي. ففي عام 2010 اجتمعتْ هيئةُ اتفاقية التنوع الحيوي Convention on Biological Diversity -وهي إحدى هيئات منظمة الـ UN الثلاثة المنبثقة عن قمة الأرض Earth Summit في ريو عام 1992، إلى جانب الاتفاقية الإطارية حول التغير المناخي Framework Convention on Climate Change واتفاقية مكافحة تدهور الأراضي Convention to Combat Desertification -في أيشي Aichi، باليابان. ووافقت على 20 هدفاً تخصُ التنوع الحيوي يجب الوفاء بها بحلول عام 2020، ابتداءً من الإلغاء التدريجي للدعم الحكومي للأنشطة التي تضر بالتنوع الحيوي ووصولاً إلى ضمان التنوع المورثي للأنواع النباتية، والحيوانية المزروعة، والبرية. وعندما حلّ عام 2020 كانت النتيجةُ النهائيةُ هي صفر للتنوع الحيوي، و20 للتدمير البيئي.
خذْ هدفاً رئيسياً يخصُ مساحةَ الأرض التي ستُمنَحُ للطبيعة. فقد فرضَ حمايةَ 17% من الأراضي والمياه العذبة، و10% من المحيطات بحلول نهاية عام 2020. ويقول سامبر إن بعض التقدمِ قد أُحْرِزَ، ولكن لم يُحَقَقْ أيٌّ من الهدفين، إذ تبلغ الأرقام الحالية نحو 15% وما يزيد قليلاً على 7.5%. فغالباً ما تُدَارُ تلك المناطق المحمية إدارةً سيئةً، وهي صغيرةٌ جداً، ولا تشملُ التنوع الكامل لبيئات الأرض: يُعتقد أن نحو 42% فقط من أصل 867 نوعاً مستقلاً من الأنظمة الإيكولوجية المصنفة حتى الآن يتمتعُ بالحماية الجيدة.
قال سامبر في قمة باريس: “يخبرنا العلم بأنه يجب علينا توسيع المناطق المحمية لتغطي 30% على الأقل من اليابسة والبحر بحلول عام 2030”. وتهدفُ الآن مجموعةٌ جديدةٌ، تُسمى التحالف العالي الطموح من أجل الطبيعة والناس High Ambition Coalition for Nature and People، تضمُ أكثر من 50 دولةٍ برئاسة مشتركةٍ من فرنسا وكوستاريكا والمملكة المتحدة، إلى الوصول إلى اتفاقٍ دولي على هذا التعهد “30 بحلول الـ 30”.
ما هو أكثر من الحفاظ
بالتوازي مع ذلك، في 5 يونيو -يوم البيئة العالمي World Environment Day -ستُطْلِقُ المنظمة UN ” عقد من إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي” Decade on Ecosystem Restoration. ويقول تيم كريستوفرسن Tim Christophersen من برنامج الأمم المتحدة للبيئة UN Environment Programme (اختصاراً: البرنامج UNEP) الذي سيُنَسِقُ المبادرة: “الهدف الرئيسي هو منع، ووقف، وعكس تدهور الأنظمة الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم”. “لا أكثر ولا أقل. إنها مهمةٌ شاقةٌ إلى حدٍ ما”.
المهمة شاقةٌ بصورةٍ خاصةٍ لأنه بطريقةٍ أو بأخرى، قد فات الأوان بالفعل. ويقول كريستوفرسن: “من الأرخص، بالطبع، الحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية، أو ضمان عدم تدهورها”. “لكننا الآن في مرحلةٍ لم يعد فيها الحفاظ كافياً. نحنُ بحاجةٍ أيضاً إلى الاستثمار بصورةٍ كبيرةٍ في الإعادة التأهيل”.
سيكون إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي مفتاح النجاح أو الفشل خلال العقود المقبلة. وهو يأخذ أشكالاً عديدةً، وذلك اعتماداً على النظام الإيكولوجي ومدى تدهوره. ففي أحد طرفي الطيف، هناك إعادة الطبيعة البرية Rewilding، وهو ما يعني ببساطةٍ الابتعاد عن الطريق والسماح للطبيعة القيامَ بعملها. ويقول الخبير الإيكولوجي بول ليدلي Paul Leadley، من جامعة باريس ساكلاي University of Paris-Saclay في فرنسا، والذي كان مؤلفاً مشاركاً لتقرير التقييم العالمي الصادر عن منصة IPBES لعام 2019 حول التنوع الحيوي وخدمات النظام الإيكولوجي Biodiversity and ecosystem services: “إن قدرة الطبيعة على شفاء نفسها لأمرٌ مدهشٌ”.
أظهرتْ لنا مشروعاتُ إعادة الطبيعة البرية صغيرة النطاق مثل أوستفاأرديربلاسين Oostvaardersplassen في هولندا، حيث سُلِّمَتْ مساحةٌ من الأراضي المستصلحة من البحر Reclaimed polder إلى الطبيعة، الطريقَ نحو النجاح، لكن الطُمُوحَ يجب أن ينمو ـ وهو آخذٌ بالنمو. ففي أوروبا يهدفُ أكبر مشروعٍ إلى ترك نحو 35,000 كم2 من لابلاند Lapland في شمال السويد والنرويج لإعادة الطبيعة البرية. ففي أمريكا الشمالية تهدف وايلدلاند نيتورك Wildlands Network إلى ربط المناطق المحمية بـ “طرقٍ بريةٍ طبيعيةٍ” ، حيث يمكن للحيوانات أن تتجول بحريةٍ عبر كندا والولايات المتحدة والمكسيك.
“كل دولارٍ ننفقه على إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي يعود علينا بما بين ثلاث دولارات أمريكيةٍ و75 دولاراً أمريكياً في المقابل”
على الطرف الآخر من طيف إعادة تأهيل، توجد الهندسة الفَاعِلَةُ لمساحاتٍ طبيعيةٍ كاملةٍ إضافةً إلى زراعةِ الأشجار على نطاقٍ واسعٍ، وإزالةِ الأنواع الغازية Evasive species والبنيةِ التحتية المُدَمِرَةِ مثل السدود، وإعادةِ إدخال الأنواع. وهذا أمرٌ يمكن القيام به. فقد تبنتْ كوريا الجنوبية سياسةَ إعادة تشجيرٍ فاعلةً في خمسينات القرن العشرين بعد الحرب الكورية Korean War. وقد ازدادَ الحجم الإجمالي للأخشاب في غابات البلاد من نحو 64 مليون م3 في عام 1967 إلى 925 مليون م3 في عام 2015، وتُغَطي الغاباتُ الآن نحو ثلثي البلاد. وزرعتْ حركةُ الحزام الأخضر Green Belt Movement، التي أسستها في كينيا وانغاري ماثاي Wangari Maathai الحائزة على جائزة نوبل للسلام، عشراتِ الملايين من الأشجار في جميع أنحاء إفريقيا، وألهمَتْ العديدَ من المشروعات المماثلة.
يقول برناردو ستراسبورغ Bernardo Strassburg ، من المعهد الدولي للاستدامة International Institute for Sustainability في ريو دي جانيرو Rio de Janeiro في البرازيل، إنه على الرغم من وجود إمكانيةٍ عاليةٍ للإعادة التأهيل الفاعل، فإنه قد يحملُ مخاطرَ إذا أُجري بطريقةٍ غير علميةٍ. ويقول: “أي إعادة تأهيل واسعة النطاق يجب أن تكون سليمة إيكولوجياً”. “فالأمر لا يقوم على زراعة الأشجار في كل مكان، لا سيما في الأماكن التي لا تنتمي إليها الأشجار في المقام الأول، مثل الأراضي العشبية أو الأراضي الرطبة. وسيكون ذلك ضاراً بالتنوع الحيوي”. فهناك حاجةٌ إلى حلولٍ مختلفةٍ في أماكن مختلفةٍ (انظر: كيفية إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي).
يعتقد كريستوفرسن أن فكرة وتطبيق الإعادة التأهيل الإيكولوجي على قدر المهمة. “لدينا عقودٌ من الخبرة في مجال الإعادة التأهيل. نحن نعرف ما يكفي. لا نعرفُ كل شيءٍ، وسنكتشفُ المزيد مع تقدمنا. ولكننا نعرف ما يكفي لنبدأ. إنه موقفٌ لا يمكنك فيه أن تجعل المثالية عدواً للجيد”.
الهدف الرئيسي لمبادرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP هو إعادة تأهيل 3.5 مليون كم2 من الأرض خلال العقد المقبل ـ أكبر بقليلٍ من مساحة الهند، أو ما يزيد قليلاً على 2% من مساحة اليابسة في العالم. ويقول ستراسبورغ إن هذا “طَمُوحٌ طموحاً لا يصدق”. “إذا حققنا ذلك، فسيكون ذلك أسرع إعادة تشكيلٍ لسطح [الأرض] بسببنا.” لن يأتي بثمنٍ بخس. فوفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP، تبلغُ التكلفةُ الأولية نحو تريليون دولار، وهذا ليس تغييراً بسيطاً في فترة الركود بعد الجائحة، على الرغم من أنها استثمارٌ بمعدلِ عائدٍ مرتفعٍ (انظر: ماذا تُقَدِمُ الأنظمة الإيكولوجية لنا؟).
هذا الأمر مضمونٌ، نظرياً على الأقل. فقد جَمَعَتْ أنيليس سيويل Annelies Sewell من وكالة التقييم البيئي الهولندية في لاهاي Netherlands Environmental Assessment Agency in The Hague وزملاؤُها التزاماتِ مشروعات الإعادة تأهيل الحالية في 115 دولة، بما في ذلك خططَ زيادةِ المناطق المحمية، وإعادة تأهيل وتحسينِ الغابات والأراضي الزراعية والعشبية، وغير ذلك. ووجدوا أن هذا مجتمعاً يصل إلى نحو 10 ملايين كم2، أي ما يساوي مساحة الصين تقريباً، أو أقل بقليلٍ من 7% من مساحة اليابسة في العالم. وتقول سيويل: “إنه أكثر مما توقعنا… لكن هذا لا يعني أن هناك ما يكفي”.
وقتٌ حرجٌ
قد يساعد الحفاظُ على الأراضي وإعادة تأهيلها على مواجهة العديد من التحديات البيئية، لكن سيويل تقول إنه “لن يحلّها من تلقاء نفسه”. ومن هنا جاءتْ الركيزة الثانية لعام 2021: التفاوض على مجموعةٍ جديدةٍ من أهداف التنوع الحيوي، لتحل محل أهداف أيشي، كي تعمل جنباً إلى جنب مع عقد من إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي. وهذا كلّه يعني أن عشرينات القرن العشرين ستكون الفترة التي ستحدد إن كنّا سننجح أو نفشل. ويقول روكستروم: “هذا هو العقد الحاسم لمستقبل البشرية على الأرض”.
ومن المقرر أن تُناقَشَ هذه الأهدافُ في اجتماعٍ مهمٍ جداً يخص اتفاقية التنوع الحيوي Convention for Biological Diversity (اختصاراً: الاتفاقية CBD)، أُجِّلَ بسبب الوباء، سيُعْقَدُ في وقتٍ لاحقٍ من 2021 في كونمينغ Kunming بالصين. ووفقاً لإليزابيث مريما Elizabeth Mrema، السكرتيرة التنفيذية للاتفاقية CBD، فقد تعلمنا الدروس من أيشي، ويُسْتَثْمَرُ الآن تحالفٌ دولي للمصالح في تفعيل أهداف جديدةٍ (انظر: مقابلة إليزابيث مريما: علينا أن نكون متفائلين بشأن التنوع الحيوي). وتقول مريما إن التكاليف الأولية ستكون أكثر من 700 بليون دولار أمريكي ـ ولكن كما هي الحال بالنسبة إلى إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي، فإنه سيُثْمِرُ منافعَ ضخمةً. وتقول: “كل دولارٍ يُنْفَقُ سيعود علينا بما بين ثلاثة دولارات أمريكية و75 دولاراً أمريكياً من الفوائد الاقتصادية من سلع وخدمات النظام الإيكولوجي”.
على الرغم من فشل آيشي إجمالاً، فإن هناك درساً آخر من العقد الماضي وهو أنه حين تَلتزمُ الحكومات والمجموعات الأخرى بحماية التنوع الحيوي، يمكن أن يحدث التغيير (انظر: عشر قصص نجاحٍ عن الحفاظ عن أنواعٍ عادتْ من حافة الهاوية). وقال ديفيد كوبر David Cooper، نائب السكرتير التنفيذي للاتفاقية CBD، في المنتدى العالمي للتنوع البيولوجي World Biodiversity Forum في يناير 2021: “لا أرغب في تقديم صورةٍ جميلةٍ عن هذا الأمر لأن النتيجة لم تكن رائعة”. “ولكن حيثما اتُخِذَتْ إجراءاتٌ جادةٌ لتقليل معدل إزالة الغابات، وتحسين حالة المسامك، ومنع حالات الانقراض في المواضع التي نعرفُ فيها السبب، على سبيل المثال، فقد أُحْرِزَ تقدمٌ كبير”.
في نهاية المطاف، سيعتمدُ النجاح أو الفشل على التقدم في مجالٍ رئيسي آخر: التغيّر المُناخي. فهذا العام هو وقتٌ حرجٌ هنا أيضاً، وهناك قمةٌ أخرى كبيرةٌ لمنظمة الأمم المتحدة مؤجلةٌ هدفُها رسمُ طريقٍ للمضي قدماً ستُعْقَدُ في نوفمبر 2021 في غلاسكو Glasgow في المملكة المتحدة إذا لم يمنع الوباء ذلك. وسيكون النجاح أو الفشل في غلاسكو وكونمينغ مترابطين. ويقول كوبر: “دون معالجة التغيّر المُناخي، لن يكون من الممكن عكس منحنى فقدان التنوع الحيوي: لن نستطيع التنبؤ بشيءٍ”.
ولكن هذا يعمل بالاتجاهين: إذ ستكون للحفاظِ على التنوع الحيوي وإعادة تأهيل الأنظمة الإيكولوجية آثارٌ إيجابيةٌ غير مباشرةٍ في المُناخ. ويقول ستراسبورغ: “إعادة تأهيل هو واحدٌ من أكثر الأدوات فعاليةٍ من ناحية التكلفة للتخفيف من التغيّر المناخي”. وقد يؤمِّنَ تغييرُ استخدامات الأراضي، وزيادةُ الغطاء النباتي ما يصل إلى ثلث الانخفاض في غازات الدفيئة Greenhouse gases الذي نحتاج إليه.
في نهاية المطاف، تقول مريما إن العقد التالي يجب أن يتمحور حول التآزر، إذ يجب على مبادرات التنوع الحيوي، والجهودِ المبذولة لمكافحة التغيّر المُناخي، والبرامجِ الدولية الأخرى مثل أهداف التنمية المستدامة Sustainable Development Goals لمنظمة الأمم المتحدة أن تتلاقى على الهدف النهائي: الانسجامُ مع الطبيعة بحلول عام 2050.
ولا تزال هناك عقباتٌ ضخمةٌ. ويقول كوبر: “نحن نعلم أن التغييرات اللازمة للانتقال إلى الاستدامةِ ضخمةٌ، ولن تكون سهلةً”. ولكنّ الأصوات الصحيحة قد ارتفعتْ على الأقل. ففي باريس اصطفّتْ شخصياتٌ بارزةٌ بما في ذلك قادة ألمانيا، وكندا، والمملكة المتحدة، ونائب رئيس الوزراء الصيني هان تشنغ Han Zheng، ورؤساء البنك الدولي World Bank والبنك المركزي الأوروبي European Central Bank، ليؤكدوا التزامهم بقضية الحفاظ على الطبيعة. وقال إيمانويل ماكرون Emmanuel Macron، رئيسُ فرنسا والمُنَظِّمُ للقمة: “جدول الأعمال مكتملٌ الآن ونحن جاهزون للعمل”.
من المهم أنه لا يزال هناك وقت، لكنه بالكاد كافٍ، لتحويل الدفة من التسارع العظيم إلى إعادة تأهيل العظيم Great Restoration، وهي حقبةٌ ستتعلم فيها البشرية مرةً أخرى كيف تعيش عيشاً مُستداماً، وفي وئامٍ مع الطبيعة. ويقول ليدلي: “الأمور في حالةٍ يُرْثًى لها، والعمل مطلوبٌ حقاً الآن، لكننا لسنا في موقفٍ كارثي ـ حتى الآن… إذا توجهنا نحو الاستهلاك والإنتاج المستدامَين، وخَصَصنا ما يكفي من المناطق المحمية، وتعاملنا مع التغيّر المُناخي، فلا يوجد سببٌ يمنع أن يكون للتنوع الحيوي مستقبلٌ مشرقٌ. لم نتجاوزْ بعدُ نقطة اللاعودة”.
كيف تعيد تأهيل نظام إيكولوجي
تتنوع أسباب تدهورِ الأنظمة الإيكولوجية الذي تُسَبِبُه الأنشطة البشرية، وكذلك طُرُقُ إعادة تأهيلها
الغابات
ما يُسبب تدهورها: إزالتها لصالح البنى التحتية، والزراعة والرعي؛ الاحتطابُ من أجل الخشب؛ التلوث، وغزو الطفيليات وحرائق الغابات
إعادة تأهيلها: إعادة زراعة الأشجار الأصيلة؛ الحفاظ على النباتات والحيوانات؛ إعادة الطبيعة البرية
المياه العذبة
ما يُسَبِبُ تَدَهورَها: استخراج المياه من أجل الري، والصناعات والمنازل؛ مناجم الرمل والحصى؛ السدود والقنوات وتصريف المياه من أجل الزراعة؛ التلوث بالكيماويات، والبلاستيك، والصرف الصحي
إعادة تأهيلها: ترشيد استخراج المياه والصيد والتنجيم؛ إزالة السدود أو إعادة تصميمها، وإعادة تدفق المياه إلى الأراضي الرطبة؛ معالجة مياه الصرف الصحي
المحيطات والسواحل
ما يُسَبِبُ تَدَهورها: الصيدُ الجائر وتدمير السواحل من أجل تربية الأحياء المائية؛ التلوث بالبلاستيك والمغذيات؛ تصريف مياه الصرف الصحي إليها
إعادة تأهيلها: الصيد المستدام، ومعالجة مياه الصرف، ومكافحة التلوث، وتنظيم وإعادة تأهيل الشعاب المرجانية، وأشجار المانغروف، والأعشاب البحرية
الأراضي العشبية والسافانا
ما يُسَبِبُ تَدَهورها: التحول إلى أراضٍ زراعيةٍ ومراعٍ؛ الرعي الجائر وتعرية التربة Soil erosion، استخراج الموارد غير المستدام؛ الأنواع المُجتاحة
إعادة تأهيلها: إزالة فاعلةٌ للغطاء النباتي الخشبي؛ إعادة زرع الأعشاب الأصيلة، وإعادةُ زراعة الشجيرات والأشجار المحلية؛ إعادة إدخال وحماية الحيوانات الأصيلة
الجبال
ما يُسَبِبُ تَدَهورها: إزالة الغابات للزراعة والسدود والطرق؛ تعرية التربة؛ الكوارث الطبيعية مثل الانهيارات الثلجية، والانهيارات الأرضية، والفيضانات
إعادة تأهيلها: زراعة الأشجار، وتخطيط البنية التحتية تخطيطاً أفضل، واستخدام تقنيات الزراعة منخفضة التأثير مثل الحراجة الزراعية Agroforestry
مستنقعات الخث Peatland
ما يُسَبِبُ تَدَهورها: اجتثاثُ الخث، استنزافها للزراعة، والبنية التحتية، والتنجيم، والتنقيب عن الوقود الأحفوري؛ الحرائقُ، والرعي جائر، والتلوث
إعادة تأهيلها: إعادة الترطيب والحفاظ
الأراضي الزراعية
ما يُسَبِبُ تَدَهورها: الرعي الجائر وتعرية التربة؛ الزراعة الأحادية Monoculture. إزالة السياج النباتي والأشجار. التلوث بالأسمدة والمبيدات
إعادة تأهيلها: تدوير المحاصيل Crop rotation باستخدام محاصيل أكثر تنوعاً، بما في ذلك الأشجار ورعي الماشية في الأراضي الزراعية بعد الحصاد؛ استخدام الأسمدة الطبيعية ومكافحة الآفات
المدن
ما يُسَبِبُ تَدَهورها: التمدد العمراني؛ النفايات والانبعاثات الناتجة من الصناعة وحركة السير والمنازل
إعادة تأهيلها: قوانين تخطيطٍ أكثرُ صرامةً؛ تنظيف المعابر المائية والمواقع الصناعية السابقة؛ غرسُ الأشجار وإنشاء مساحاتٍ خضراء، وأراضٍ رطبةٍ حضرية
ماذا تُقَدِمُ الأنظمة الإيكولوجية لنا
بعيداً عن كونه رفاهيةً لا تستطيعُ الاقتصادات التي تعاني ضائقةً ماليةً تحملها، فإن إنفاق الأموال على إعادة تأهيل الأنظمة الإيكولوجية والحفاظ عليها هو استثمارٌ حكيمٌ. ففي المتوسط، كل دولارٍ أمريكي يُنْفَقُ على استعادة النظام الإيكولوجي يعود بنحو عشرة دولاراتٍ أمريكيةٍ من سلعِ وخدمات النظام الإيكولوجي.
جزءٌ من ذلك هو عائداتٌ ماليةٌ مباشرةٌ، مثل الخشب المستدام، وتحسين المحاصيل الزراعية، وعائدات السياحة الإيكولوجية. ولكن الجزء الأكبر هو الهبات المجانية التي سيتعين على المجتمع أن يدفع للحصول عليها إن أراد الوصول إليها بغير طريقة، مثل الهواء والماء النظيف، وتلقيح النباتات، ومكافحة الآفات، وإعادة تدوير المغذيات، وإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون Carbon sequestration، وتقليل الأمراض التي تنقلها الحيوانات، وزيادة مقاومة الطقس المتطرف، والكوارث الطبيعية.
فَكِّرْ في الأمر على أنه مثلُ بناءِ الطرق والجسور ـ فهي لا تُحققُ عوائد بحد ذاتها، ولكنها تضع الأساس لزيادة النشاط الاقتصادي. ويقول عالم البيئة والدبلوماسي بوب واتسون Bob Watson: “إنها مَنْطِقيةٌ من الناحية الاقتصادية، إذ إنها ذات فوائد تفوق التكاليف بكثير”.
عن هذا المقال
هذا هو المقالُ الأول في سلسلةٍ من خمس مقالاتٍ أُعِدَتْ بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة United Nations Environment Programme وشريكته وكالة غريد-أريندال GRID-Arendal. وتحتفظ نيو ساينتيست New Scientist بالحقوق التحريرية الكاملة والمسؤولية عن المحتوى. وتنظر المقالة الأخيرة في الدور الذي أدته إساءة استخدام الطبيعة في إطلاق العنان لوباء كوفيد -19.
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.