الدلافين تتعاون مع البشر لصيد الأسماك في البرازيل
الثدييات البحرية قد تدرب نظراءَها من البشر
لأكثر من 140 عاماً، شكَّل الصيادون في جنوب شرق البرازيل شراكة غير عادية مع الدلافين المحلية. في مدينة لاغونا الساحلية الصغيرة، ينتظر الرجال أن تسبح الثدييات البحرية متجهة إلى الداخل من بحيرة ضيقة، دافعة أمامها أسماك البوري الفضي Mullet من المحيط الأطلسي إلى المياه الضحلة. بمجرد أن يرصد الصيادون دلفيناً يضرب ذيله ويرفع رأسه ويغطس بعمق، يندفعون إلى الماء بشباكهم.
الآن، تشير دراسة جديدة إلى أن الدلافين هي شركاء راغبة في هذا التعاون. إنهم يولون اهتماماً وثيقاً بالبشر، ويوقِّتون أفعالهم لزيادة كمية ما يصيده البشر. فسايمون إنغرام Simon Ingram، عالم الأحياء البحرية من جامعة بليموث University of Plymouth، الذي درس العلاقة بين البشر والدلافين في البرازيل، لم يشارك في البحث الحالي، يقول إنه قد تكون الحيوانات هي التي ترشد الناس. على مر السنين، كانت الدلافين تُظهر للصيادين «أين يتوقفون، ومتى يستعدون لرمي شباكهم في المياه العكرة، يبدو الأمر كما لو أن الدلافين تدرب البشر»، كما يقول.
لإجراء الدراسة، أجرى موريسيو كانتور Mauricio Cantor، عالِم الإيكولوجيا السلوكية من جامعة ولاية أوريغون Oregon State University في كورفاليس، وزملاؤه مقابلات مع 177 صياداً في لاغونا. كشفت المحادثات عما كانوا يبحثون عنه في شريك صيد الدلافين الجيد، مفضلين الدلافين التعاونية التي وجهتهم بشكل موثوق به إلى سمك البوري. كما سجل الباحثون ما يقرب من 5 آلاف رحلة صيد البوري من 2018 إلى 2019، وللمرة الأولى، تحققوا ما إذا كانت الدلافين تستفيد من هذه الشراكة أيضاً.
يقول كانتور: «علمنا أن الصيادين كانوا يراقبون الدلافين لتحديد موعد رمي شباكهم… لكننا لم نعرف ما إذا كانت الدلافين تنسق سلوكياتها مع الصيادين».
جاء 86 % من صيد الصيادين من «التفاعلات المتزامنة» Synchronous interactions مع الدلافين – أي سلوكيات محددة التوقيت تماماً من قبل كل من الدلافين والبشر أدت إلى اصطياد الأسماك، حسبما أفاد الفريق في 30 يناير 2023 في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences. وكان احتمال أن يصيد الصيادون البوري أكثر احتمالا بسبعة عشر ضعفا عند وجود الدلافين؛ إضافة إلى أنهم يصطادون ما يقرب من أربعة أضعاف عدد الأسماك عندما كانت الدلافين في البحيرة مقارنة بعندما لا توجد الدلافين في البحيرة- ولكن فقط عندما يزامنون إلقاء شباكهم مع إشارات الدلافين.
وجد الفريق أنه بقدر ما كان الصيادون يراقبون الدلافين، كانت الدلافين أيضاً تراقب الصيادين. ويجب على كلا النوعين توقيت أفعالهما بشكل صحيح لصيد الأسماك. وينتظر الناس بشباكهم استعداداً ليقترب الدلفين (بين 12 إلى 4 أمتار). عندما يرى الدلفين صياداً جاهزاً، فإن الثدييات البحرية ستعطي إشارة، عادة يكون ذلك عبارة عن الغوص العميق، فتخبر الصياد أن البوري موجود هناك وحان الوقت لرمي شبكتهم. في بعض الأحيان، قد يستجيب الدلفين أو الصياد بشكل غير صحيح، ولا يصطاد أي منهما الأسماك. ومع ذلك، أفاد العلماء أنه من بين ما يقرب من 3 آلاف محاولة صيد مسجلة، نجح ما يقرب من 46%، مع عمل الدلافين والصيادين بشكل متزامن.
توضح الدراسة «من المقنع أنه عندما يتمكن كلا النوعين من ضبط التوقيت الصحيح»، يصطاد الصيادون المزيد من البوري، وتصدر الدلافين المزيد من أصوات الطنين الطرفي Terminal buzzes – وهي عبارة عن نقرات تحديد الموقع بالصدى تشير إلى عملية صيد ناجحة، كما تقول كلير سبوتيسوود Claire Spottiswoode، عالمة الإيكولوجيا السلوكية من جامعة كيمبريدج University of Cambridge التي لم تشارك في هذا البحث.
لضمان هذه الدقة، يجب على الصيادين فهم إشارات الدلافين، وتعلمها بمرور الوقت، كما يقول كانتور، «فالدلافين تشبه المعلمين تقريباً».
قد يكون مثل هذا التعاون ممكناً فقط لأن كلاًّ من البشر والدلافين من الأنواع المتعاونة، كما تقول ستيفاني كينغ Stephanie King، عالمة الإيكولوجيا السلوكية من جامعة بريستول University of Bristol. وتعتقد أن العلاقة ربما تكون قد تطورت بعد أن لاحظت الدلافين الأكثر جرأة أن الصيادين يلقون الشباك لصيد البوري، واستخدمت ذلك كفرصة لاصطياد المزيد من البوري لأنفسها.
من المعروف أيضاً أن مجموعات أخرى من الدلافين تتعاون مع صيادي البشر، وتدفع بالأسماك نحو الشاطئ أو في شباك قبالة شرق أستراليا وموريتانيا وجنوب شرق آسيا. ولكن هذه الممارسات إما اختفت أو آخذة بالاختفاء.
من المحتمل أن يواجه دلافين لاغونا المصير نفسه إذا استمرت أعداد البوري؛ التي انخفضت خلال العقد الماضي بسبب الصيد الجائر، في الانخفاض، كما يقول كانتور. ولكنه قد تنجو هذه الممارسة من مثل هذا المصير، إذا حددت البرازيل هذه العلاقة بين الدلافين وصيد الأسماك على أنها تراث ثقافي، كما اقترح العلماء. يقول كانتور: «من دون البوري، ستنتهي هذه الشراكة».
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved
بقلم فيرجينيا موريل