الاختلافات الجنسية التي تؤثر في قوّة جهازك المناعي
هناك اختلافات بين الجنسَين تعطيك ميزةً أو عيباً حين يتعلق الأمر بخطر الإصابة بأمراض مختلفةٍ، بما في ذلك السرطان وأمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد أو التهاب المفاصل الروماتويدي
إن المفهوم المُسمى «إنفلونزا الرجل» – وهو فكرة أن الرجال يبالغون في أعراضهم حين يعانون نزلة بردٍ – نكتةٌ قديمةٌ. لكن حين ظهر كوفيد-19، وجب علينا أن نلقي نظرةً جادةً على الفروق بين الجنسين في كيفية استجابة البشر للعدوى. فكونك ذكراً كان عامل خطرٍ للإصابة بأعراض أكثر شدةً لفيروس كورونا: ففي إنجلترا في عام 2020، كان الرجال أكثر عرضةً للوفاة بسبب كوفيد-19 بنسبة 60% من النساء. احتمال أن يُشَخَصَ الرجالُ بالسلّ Tuberculosis أكبر بضعفين تقريباً، واحتمال تعرضهم للوفاة بسبب الإنفلونزا أعلى بقليلٍ. فهل يعطيك جنسُك ميزةً أم عيباً حين يتعلق الأمر بالمناعة؟
قد تكون هناك عدة أسبابٍ للاختلافات المناعية بين الجنسين. منها اكتشافنا في الأعوام الأخيرة أن هرمون الإستروجين Oestrogen، وهو هرمون الجنس الأنثوي الرئيسي، يُحَفِزُ نشاط الجهاز المناعي بصورةٍ عامةٍ. أما نظيره الذكري الرئيسي، التستوستيرون Testosterone، فيضعفُه. لكن هناك عوامل أخرى ذات تأثيرٍ أيضاً.
الجنس محكومٌ بالحمض النووي DNA الذي يكون محزوماً في 23 زوجاً من الكروموسومات Chromosome. لدى معظم النساء كروموسوما X، أمّا معظم الرجال فلديهم كروموسوم X واحد وكروموسوم Y واحد. لكي لا يكون في الخلايا بأجسام الإناث نسختا جيناتٍ لكروموسوم X قيد التشغيل، يُعَطَّلُ أحد كروموسومي X في كل خليةٍ غالباً.
يُحَدَدُ كروموسوم X الذي سيُعَطَلُ بصورةٍ عشوائيةٍ حين يكون عمر الأجنة بضعة أسابيع. لذلك، فإن جميع الأنسجة في جسم الأنثى فسيفساء، إذ تستخدم نصفُ خلاياها كروموسوم X الموروث من الأم، وتستخدم البقيةُ النصفَ الموروث من الأب. نظراً لتوضع العديد من الجينات المشاركة في الجهاز المناعي على الكروموسوم X، فإن هذا يعني أن لدى أجسام الإناث ضعفَي التباين الجيني الذي يمكنها استخدامُه حين تُحَارِبُ العدوى. يقول شارون مولَم Shäron Moalem، وهو باحثٌ متخصصٌ بالجينات في نيويورك: «تتمتع النساء بتنوعٍ أوسع حين يتعلق الأمر بالجينات الفردية».
أمراض المناعة الذاتية
إضافةً إلى ذلك، لا يوقَفُ تشغيل جميع الجينات الموجودة على كروموسوم X المُعَطَل، إذ تبقى بعض جينات الجهاز المناعي فعالةً على كلا كروموسومَي X – بما في ذلك جينٌ يُسمى المُسْتَقْبِل الشبيه بالتول 7 (Toll-like receptor 7) (اختصاراً: المُسْتَقْبِل TLR7)، والذي يساعد الخلايا على اكتشاف الفيروسات. هذا يعني أن لدى معظم النساء ضعف كمية المُسْتَقْبِل TLR7 في جهازهنّ المناعي.
لكنّ امتلاك استجابةٍ مناعيةٍ أقوى هو سيفٌ ذو حدين: قد يُفَسِر سبب كون النساء أكثر عرضةً للإصابة بأمراض المناعة الذاتية Autoimmune disease، مثل التصلب المتعدد Multiple sclerosis والتهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid arthritis، وفيهما يبدأ الجسم اعتبار خلاياه خَطِرةً فيهاجمها.
يقول مولَم إنّ أحد العوامل الأخرى التي قد تسهم في زيادة خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية هو أنّ آليات كبح المناعة الذاتية تعمل بصورةٍ أقل جودةً في أجسام الإناث. في الأجنة، يجب «تدريب» الخلايا المناعية على التعرّف إلى خلايا الجسم. وبما أنّ معظم خلايا النساء فسيفساءٌ من مجموعتين من الخلايا المختلفة جينياً، فقد تكون عملية التدريب هذه أقل كفاءةً.
من ناحيةٍ أخرى، فإن ميل النساء الكبيرَ إلى التأثر بمشكلات المناعة الذاتية يساعدهن حين يتعلق الأمر بالسرطان Cancer، والذي ينشأ حين تبدأ الخلايا التكاثرَ خارج نطاق السيطرة. ويُعتقد أن الجهاز المناعي يدمّر العديد من الأورام قبل أن تكبر إلى درجة أن تُلاحَظ. من المرجح أن تهاجم الخلايا المناعيةُ التي لم تُدَرَّبْ جيداً على التعرّف إلى خلايا الجسم هذه الخلايا حين يبدأ تغيّر شكلها عن الشكل الطبيعي، وهو تغيّرٌ يطرأ على الخلايا الورمية.
هناك أيضاً تفسيراتٌ سلوكية لإصابة النساء بسرطاناتٍ أقل من الرجال، فالرجال مثلاً يدخنون ويشربون أكثر – لكن مولِم يقول إننا ركّزنا تركيزاً كبيراً على هذه العوامل الاجتماعية إلى درجة أننا أغفلنا سابقاً الاختلافات الجنسية المناعية. «كلما درسنا الأمر أكثر، اكتشفنا أكثر».
بقلم كلير ويسلون
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC