انتشار التدخين في العالم
انتشار التدخين في العالم
لقد توقف تناقص عدد مدخني التبغ في الولايات المتحدة، في حين أن
هذا العدد آخذ في التزايد في أجزاء أخرى من العالم. وبشكل رئيسي،
تقع اللائمة في ذلك على التسويق الجائر والتشريعات المتساهلة.
<E .C. بارتيشي> ـ <.D .Th ماكنزي> ـ <W .R شراير>
منذ أوائل الستينات أخذت البحوث الطبية وحملات التوعية الشعبية والتقويمات الحكومية تكشف أخطار دخان التبغ. فكانت النتيجة انخفاضا ملموسا في عدد المدخنين في الولايات المتحدة ـ من ذروة تعادل 41% من السكان إلى المستوى الحالي له، وهو نحو 25%. وعلى الرغم من القرائن العلمية المهمة والتحذيرات المستمرة من المجتمع الطبي فإن هذه النزعة إلى التناقص قد توقفت حاليا، وبقي عدد المدخنين من البالغين ثابتا منذ عام 1990. كما أن تغيرا طفيفا للغاية طرأ على نسبة المدخنين المراهقين في السنوات العشر الماضية. ولعل أكثر ما يثير القلق على المستوى العالمي أن إنتاج السكائر ازداد على مدى العقدين الماضين بنحو 22% وسطيا كل سنة، متقدما على زيادة السكان في العالم التي نسبتها 1.7% وبسبب ازدياد استهلاكها في العالم النامي، فإنه من المتوقع أن يزداد إنتاج السكائر في العالم بما نسبته 2.99% كل سنة خلال التسعينات، حيث تتصدر الصين هذه الدول بقفزات تقدر بنحو 11% في السنة.
ولفهم القوة المحركة للاتجاهات الحديثة في استهلاك التبغ ولاستنباط الاستراتيجيات اللازمة لمقاومة انتشاره يتحتم على المجتمع الطبي توسيع رقابته إلى أبعد من الأفراد المدخنين وقدرة النيكوتين على إحداث الإدمان. وقد ركزت بعض الأعمال الحديثة على صناعة التبغ نفسها. وفي هذا السياق تعتمد معدلات التدخين بشكل كبير على سعر السكائر والإعلانات والتسويق (الترويج) والتصدير. ويتفق الباحثون في الطب الوقائي والصحة العامة على وجوب استكمال البرامج التثقيفية. كما يجب أن تهدف الاستراتيجية الجديدة إلى تنظيم تسويق السكائر وزيادة الضرائب على التبغ وإعادة التفكير في الممارسات التجارية الحالية.
وعلى الرغم من أن الإنسان ربما بدأ باستخدام التبغ خلال الألف الأول قبل الميلاد ـ حسب ما هو منقوش على صخرة مايان، التي تعود إلى ما بين 600 و 900 قبل الميلاد ـ فإن الأطباء لم يبدؤوا الشك بجدية بأن هذا النبات يمكن أن تكون له آثار سيئة حتى مطلع القرن التاسع عشر. لقد أدان الطبيب المعمِّر المشهور <B. روش> التبغ في كتاباته منذ عام 179.8 وعبّر العديد من الأطباء المشهورين في أواخر القرن الثامن عشر عن قلقهم بشأن ظهور بعض المشكلات الصحية المرتبطة بالتبغ. وأشاروا إلى وجود علاقة بين التدخين ومرض الشرايين الإكليلية (التاجية)، بل وأدركوا العلاقة الكامنة بين التدخين السلبي passive smoking (استنشاق الدخان من الهواء) والمشكلات القلبية. كما لاحظوا الترابط بين التدخين وسرطان الشفة والأنف.
وعلى الرغم من أن استعمال التبغ في ذلك القرن كان شائعا نسبيا فإنه لم يتسبب في انتشار الأمراض كما يفعل اليوم؛ لأن المدخنين كانوا في ذلك الوقت يستهلكون كميات قليلة، وغالبا على شكل تبغ الغليون أو السيكار أو المضغ أو السعوط snuff، إذ كان تدخين السيكارة نادرا. وفي عام 1881 تم اكتشاف آلة لف السكائر وتطوير علب الكبريت الآمنة، وكلاهما شجع على التدخين. وحلت السكائر في عام 1945 محل الأشكال الأخرى لاستهلاك التبغ بشكل كبير. وزاد المدخنون استهلاكهم من السكائر من متوسط قدره 40 سيكارة في السنة عام 1880 إلى متوسط قدره 12854 سيكارة في عام 1977، وهذا يعتبر أعلى ما وصل إليه الاستهلاك الأمريكي لكل مدخن.
إن ازدياد استخدام التبغ جعل الآثار الضارة للتدخين أكثر وضوحا، فقد عززت التقارير الطبية في عام 1920 الظنون بوجود روابط بين التبغ والأورام. كما لوحظت لأول مرة في عام 1938 العلاقة مع طول العمر، وذلك عندما أشارت مقالة في مجلة العلم Science إلى أن العمر المتوقَّع للمدخنين أقصر منه لدى غير المدخنين.
وفي عام 1964، أصدر الجراح العام بالولايات المتحدة <L. تيري> وثيقة كانت بمثابة نقطة تحول حقيقية في الصحة العامة. وكان هذا من عمل جهة مستقلة من العلماء وأول إقرار رسمي واسع الانتشار بأن التدخين يسبب السرطان وأمراضا أخرى. وجاء في تقارير عديدة لاحقة لمكتب الجراح العام surgon general’s office أن تدخين السكائر مصدر رئيسي لأمراض يمكن تجنبها وللوفيات المبكرة في الولايات المتحدة. وأدت هذه البيانات إلى العديد من الدراسات التجريبية التي تم فيها تعريض الحيوانات إلى القَطْرانtar والغازات والمكونات الأخرى للتبغ ودخانه.
وتؤكد مراجعة إحصائيات الوفيات وبائية التبغ tobacco epidemic. فمن أصل أكثر من مليوني حالة وفاة في الولايات المتحدة عام 1990 كانت الأمراض المرتبطة بالتدخين سببا في 000 400 حالة منها، وأسهمت في أكثر من ربع حالات الوفيات للذين تتراوح أعمارهم ما بين 35 و 64 سنة. وعند إضافة الوفيات الناجمة عن التدخين السلبي فإن هذا الرقم يصل إلى 000 500 تقريبا. لقد أوضحت دراسة بريطانية جديدة أن نصف عدد المدخنين بشكل منتظم سيموتون بسبب عادتهم هذه. وإحصائيا، فإن كل سيكارة تسلب المدخن المواظب 5.5 دقيقة من حياته.
كما أن التبغ يستنزف المجتمع اقتصاديا، فلقد قدرت جامعة كاليفورنيا ومراكز مكافحة الأمراض (CDC) أن العناية الصحية المقدمة للأمراض المرتبطة بالتدخين كلفت المجتمع (عام 1993) 50 بليون دولار على الأقل أو 2.066 دولار لكل علبة سكائر. ويفوق هذا الرقم، بكثير، متوسط الضريبة الكلية على علبة السكائر، والذي يعادل حاليا نحو 56 سنتا، وهو يعادل تقريبا سعر العلبة الفعلي في الولايات المتحدة . وعلى الرغم من أن إحدى الدراسات التي أجريت عام 1989 اقترحت أن «يدفع المدخنون حصتهم بطريقتهم» حسب المستوى الحالي للرسوم الضريبية (لأنهم يعيشون مدة كافية للمساهمة في الصندوق التقاعدي والضمان الاجتماعي ولكنهم يموتون قبل التمتع بفوائدهما)، فإن تقديرات أحدث تشير إلى عكس ذلك، إذ تبين أن المدخنين يأخذون من المجتمع أكثر بكثير مما يدفعون له كضرائب على التبغ، وذلك حين تؤخذ الآثار السلبية للتدخين بعين الاعتبار.
بل إن التبغ بقتله عددا كبيرا من الناس الذين تتراوح أعمارهم ما بين 35 و 64 يزيد الضياع في الإنتاجية. فإذا أخذنا هذا العامل بالحسبان فإن ما ينفقه رب العمل على عامل مدخن يقارب 960 دولارا سنويا. وقد تزيد الضريبة الكلية على استهلاك التبغ في الدولة على 100 بليون دولار سنويا.
يعدُّ تصدير السكائر، مثل الصنف Gold Coast الذي تسوِّقه الشركة R. J. Reynolds في العاصمة اليمنية صنعاء، إحدى الاستراتيجيات التي تنفذها شركات التبغ لمواجهة انخفاض الاستهلاك في الولايات المتحدة. |
البقاء مدمنا
وقد يكون إدراك الناس الواسع لأخطار التدخين سببا لتراجع التدخين في الولايات المتحدة. ويقدر إحصاء أُجري عام 1993 أن 46 مليونا (25%) من الأمريكيين البالغين يدخنون (24 مليون رجل و 22 مليون امرأة). والتدخين أكثر انتشارا بين بعض الأقليات لا سيما الذكور من السود وسكان أمريكا الأصليون والأسكيمو ومن هم أدنى ثقافة ومن يعيشون دون مستوى الفقر. ولعل أكثر ما يثبط الهمة معرفة أن ستة ملايين مراهق و 000 100 طفل دون الثالثة عشرة من العمر يدخنون.
ومع ذلك، فإن أكثر ما يثير الاهتمام هو البيانات الحديثة من المراكز CDC؛ إذ إنها تشير إلى أن انتشار التدخين بين البالغين ـ الذي يقدر ب25% ـ لم يتبدل في الفترة من عام 1990 حتى عام 1993. كما أن انتشاره بين المراهقين مازال ثابتا منذ عام 1985.
إن الأمثلة بالمقياس العالمي أكثر إنذارا.
فعلى الرغم من أن غالبية الدول المتقدمة قد تحررت من عادة التدخين فإن معدل الانخفاض فيها كان أبطأ مما عليه في الولايات المتحدة. أما في الدول النامية فتشير البيانات إلى ازدياد عدد المدخنين بمعدل 3% في العام. لقد توقّع <R. پيتو> (من جامعة أكسفورد) حدوث زيادة في حالات الوفيات في العالم ـ التي يسهم التدخين فيها ـ من 2.5 مليون حاليا إلى 12 مليونا في عام 20500.
وهناك عدة أسباب للنمط الحالي لاستهلاك السكائر. ففي الولايات المتحدة يُعزى ثبات معدل الانخفاض منذ عام 1990 إلى حروب الأسعار القائمة بين الأصناف الرائجة وأصناف الخصم discount brands. ولسنوات عديدة، حافظت شركات التبغ على هامش ربح مرتفع على الرغم من تضاؤل الاستهلاك؛ لأن المدخنين مستعدون لدفع الأسعار الباهظة لإرضاء توقهم الشديد للتدخين. وهذا الإدمان سمح لشركات التبغ برفع أسعار السكائر من دون أدنى خوف من فقد المبيعات. فخلال الثمانينات، مثلا، فاقت أسعار السكائر معدل التضخم.
لكن الازدياد السريع لشعبية أصناف الخصم جعل السكائر أرخص ثمنا وأسهل منالا. وازدادت حصة هذه الأصناف من 10% عام 1987 إلى 36% عام 1993. إن أصناف الخصم تحقق ربحا قدره 5 سنتات لكل علبة، فيما تربح الأصناف المعروفة 55 سنتا. وقد فرض هذا الاتجاه على الأصناف الرائجة سلسلة من التخفيضات في الأسعار عام 1993، وإذا بقيت هذه التخفيضات فقد يزداد انتشار التدخين في الولايات المتحدة لا سيما بين صغار السن والفئات الفقيرة (التي يعتبر السعر عادة أمرا مهما بالنسبة لها).
|
وعلى الرغم من هذه التخفيضات، فإن شركات السكائر سيبقى لها ـ حتما ـ وجود مالي وسياسي فعال. فلقد وسَّعت أكبر شركتين ـ هما فيليب موريس و <R .J. رينوولدز> ـ وجودهما بشكل كبير في أسواق الاستهلاك خلال الثمانينات وذلك بشراء مؤسسات عديدة كبيرة لا علاقة لها بالتبغ. فمثلا، اشترت فيليب موريس الشركة كرافت وجنرال فوودْس من بين ما اشترت، وتبيع الآن أكثر من 3000 منتج مختلف في الولايات المتحدة. وفي عام 1992 تم تصنيفها كسابع أكبر شركة صناعية في الولايات المتحدة بحجم مبيعات يصل إلى 50 بليون دولار في العام، وفاقت بربحها أي مشروع تجاري أو صناعي في الولايات المتحدة في ذلك العام. وجاء أكثر من نصف الأرباح المقدر بنحو 4.9 بليون دولار من مبيعات السكائر. ولا شك في أن شركات التبغ الكبيرة قادرة على الدخول في حرب أسعار مع المنافسين أصحاب الخصومات، إضافة إلى إيجاد أصناف خاصة بالخصم لديها. وتستطيع الشركات الكبيرة ـ على عكس شركات أصناف الخصم ـ تسويق منتجاتها بشكل قوي داخل البلاد وخارجها.
لقد كانت القيود الحكومية المفروضة على تسويق السكائر في العقود الأخيرة قليلة، وأغلب التنظيمات الحالية اتخذت بعد مدة قصيرة من نشر تقرير مكتب الجراح العام سنة 1964؛ إذ اشترطت هيئة التجارة الفيدرالية عام 1966 أن تحمل كل علب السكائر إشارات تحذيرية وألا يوجَّه إعلان التبغ إلى الأفراد ممن هم دون سن ال25.وفي عام 1967، فرضت هيئة الاتصالات الفيدرالية على محطات التلفزيون والراديو المحلية ـ التي تبث إعلانات للسكائر ـ زيادة بث إعلانات الخدمة العامة التي توضح الآثار الضارة للتبغ. وفي عام 1971، تحوَّل الإعلان نهائيا عن التلفزيون والراديو عندما منع الكونغرس هذه الإعلانات في وسائل الإعلان الإلكترونية. وكنتيجة لذلك، أخذت المجلات والجرائد ولوحات الإعلان هذا الدور.
لقد استفادت المجلات كثيرا من هذا التحول. وزاد دخل بعضها من صناعة التبغ ما قيمته 5.5 مليون دولار في السنة لكل مجلة منها (حسبت على أساس قيمة الدولار عام 1983). فضلا عن ذلك، انخفضت تغطية المسائل الصحية المتعلقة بالتدخين بنسبة 65% في المجلات التي تنشر إعلانات السكائر مقارنة بانخفاض نسبته 29% فقط في الدوريات التي لا تنشر مثل هذه الإعلانات. وفي الواقع، ارتفع استهلاك الفرد للسكائر قليلا خلال السنوات الثلاث التالية للمنع قبل أن يستأنف هبوطه الأول. وينسب العديد من المحللين هذا الاندفاع القصير إلى توقف إعلانات الخدمة العامة، والتي تزامنت مع المنع في وسائل الإعلان الإلكترونية.
أوصت عدة منظمات صحية رئيسية بما فيها الجمعية الطبية الأمريكية بحَظْر الإعلان عن التبغ كليا. وتشيع مثل هذه التشريعات المضادة للتبغ في بعض البلدان المتقدمة. وبحلول منتصف عام 1986، سنّت 55 دولة التشريع اللازم لتقييد الإعلان، حيث قامت 20 دولة منها بالمنع الكامل و15 دولة بمنع جزئي صارم و 20 دولة بمنع معتدل.
كانت الولايات المتحدة متساهلة في تشريعاتها مقارنة بغيرها. إذ إنها ومنذ عام 1971 لم تسنّ شيئا يقيد إعلان السكائر على الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها بعض أعضاء الكونغرس. وبدلا من ذلك أصبح التبغ أكثر المنتجات عرضا في لوحات الإعلان وثاني أكثر المنتجات ترويجا في المجلات. لقد أنفقت شركة فيليب موريس، عام 1989، بليوني دولار على الإعلان ـ أكثر من أي شركة أمريكية أخرى. وازدادت النفقات الكلية للإعلان عن صناعة التبغ من 500 مليون دولار عام 1975 إلى أكثر من خمسة بلايين دولار عام 1992، أي بمقدار أربعة أضعاف وذلك بالسعر الثابت للدولار عام 1975.
وقد ركزت صناعة التبغ أيضا على تشجيع الأحداث الرياضية، إذ ارتفعت نفقات رعاية هذه الأحداث وتوزيع السكائر مجانا والاستراتيجيات الأخرى من ربع ميزانية التسويق عام 1975 إلى ثلثيها عام 1988. واهتمت اهتماما خاصا بالمنافسات المتلفزة بشكل واسع، مثل سباق السيارات الصحراوية ومباريات فرجينيا سلمز للتنس (انسحبت شركة فيليب موريس طوعا من التمويل في عام 1994). وعلى الرغم من منع الإعلان في الوسائل الإلكترونية فإن رعاية هذه المباريات تمنحها فرصة للظهور على الهواء مدة طويلة. فمثلا، خلال تسعين دقيقة لازمة لبث سباق مارلبورو الكبير عام 1989، ظهر اسم مارلبورو على الشاشة أو ذكره المذيعون 5933 مرة لمدة كلية قدرها 46 دقيقة. كان اسم مارلبورو واضحا ومثيرا للاهتمام مدة 18 دقيقة منها، وهذا يعادل إعلانا تجاريا على الهواء تكلفته مليون دولار.
إغراء الناشئة
بدأت جهود التسويق بالتركيز على الأقليات والنساء والأطفال، مما أثار انتقاد الهيئة الطبية بشدة. وكان من نتائج أعمال إحصائية جديدة وجود علاقة بين البدء بالتدخين والشريحة التي يوجَّه إليها الإعلان [انظر ما هو مؤطر في الصفحتين 16 و 17]. ويُعتقد أن الأطفال هم الشريحة الأكثر تأثرا. ومنذ عدة عقود، يُلاحظ أن متوسط السن الذي تبدأ عنده عادةُ التدخين ينخفض، وهو حاليا 14.5 سنة. إن 95 في المئة تقريبا من المدخنين بشكل منتظم بدؤوا التدخين قبل بلوغهم سن الحادية والعشرين.
ومعلوم أن صناعة التبغ تعرف هذه الأرقام وتطوِّر إعلاناتها لإغراء الأطفال والمراهقين. فمثلا كان نموذج إعلان الشركة R. J. Reynolds هو «الجمل جوْ الهرِم»Old Joe Camel، وهو شخصية أفلام الصور المتحركة الذي يكسب الرهان ويقود الدراجات النارية ويصاحب الفتيات الفاتنات وهو يدخن السكائر. لقد أظهرت عدة دراسات بعد ثلاث سنوات من بدء الحملة الإعلامية أن الأطفال والمراهقين يتعرّفون الجملَ جو بسهولة. وأظهرت إحدى الدراسات أن الأطفال في سن السادسة يعرفون هذه الشخصية كمعرفتهم لشخصية ميكي ماوس. كما يتأثر المراهقون بالطريقة نفسها. وأظهرت إحصائية أجريت بين عامي 1988 و 1990 أن نسبة المراهقين المدخنين الذين اشتروا ماركة الجمل زادت من 0.5% إلى 32%. ويقدر أنه في هذه الفترة نفسها قفزت مبيعات سكائر الجمل للقاصرين من 6 ملايين دولار إلى 476 مليون دولار.
كيف يمكن للقاصرين شراء سكائر بهذه السهولة؟ على الرغم من وجود تشريعات في 46 ولاية تمنع بيع السكائر للقاصرين فإن الالتزام بها ضعيف دائما في معظم المجتمعات. كما أن تسع ولايات فقط أوقفت بيع السكائر من الآلات ومنعت 22 ولاية التوزيع الحر للسكائر لصغار السن. لقد اقترح العديد من المشرِّعين والمسؤولين الصحيين ضرورة الحصول على ترخيص لبيع السكائر كما هي الحال في بيع المشروبات الكحولية.
وقد تلجأ صناعة التبغ إلى استراتيجية أكثر مكرا لكسب زبائن جدد وذلك بوساطة تسويق تبغ من دون دخان. إذ يقدَّر أن 7.5 مليون شخص في الولايات المتحدة يستخدمون التبغ بهذه الطريقة مع السعوط (تبغ مقطّع يُمصُّ ولكن لا يُمضغ) وهو الأكثر شعبية. وقد ذكرت مقالة في المجلة Wall Street عام 19944 أن شركات التبغ تعالج منتجاتها من السعوط لزيادة النيكوتين الذي يمكن أن يمتصه الفم. إنه إصرار مرعب لا سيما عند معرفة أن متوسط سن البدء باستخدام السعوط هو تسع سنوات. وتناقش المقالة محاولة الشركات إغراء الشباب بالطعم اللذيذ؛ الأصناف المعتدلة التي تكون فقيرة بالنيكوتين الحر (والنيكوتين الحر هو الصيغة المتوافرة للامتصاص المباشر). وبعد ذلك تَحْمِل هؤلاء الزبائن على استخدام الأصناف الأقوى إحداثا للإدمان الأغنى بالنيكوتين الحر. وعلى الرغم من اعتراف شركات التبغ بأنها قادرة على التحكم في مقدار النيكوتين في المنتج فإنها تنكر فعل ذلك بقصد إدمان الأفراد.
قد يحوّل الإدمان على النيكوتين اليافعين، مثل هذا الصبي الألباني من كوسوفو، إلى مدخنين مواظبين (في الأعلى). صرح مديرو شركات التبغ الكبيرة بعد حلف اليمين أمام لجنة الشهادات في الكونغرس في الشهر 4/1994، بأنهم يعتقدون أن النيكوتين ليس سببا للإدمان (في الأسفل). |
وعلى الرغم من الآثار السامة للتبغ فإن الهيئات المسؤولة بشكل رئيسي عن حماية المستهلك ـ إدارة الأغذية والأدوية FDA وهيئة سلامة المنتجات الاستهلاكية ـ لم تُخضع منتجات التبغ لقواعد الصحة والسلامة المطبقة عادة على المركبات الضارة. وينجم تساهلها على الأغلب عن جهود لوبي lobby صناعة التبغ والذي يعتبر الأقوى حاليا على المستويات الحكومية كافة. ففي عام 19922، تبرعت صناعة التبغ بأكثر من 4.7 مليون دولار للأحزاب الرئيسية، وهذا يمثل ثلاثة أضعاف المقدار المقدم عام 1988. ويرفض عدد قليل من ممثلي الحكومة هذه المساهمات. وفي عام 1989 صدر تقرير يفيد بأنه على مدى عامين قَبِل 420 عضوا من أصل 535 عضوا في الكونغرس و 87 شيخا من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ مساهمات من شركات التبغ في حملاتهم، مما جعل لوبي التبغ من أكثر القوى تأثيرا في الحكومة.
كما شكَّلت شركات التبغ منظمات صناعية لتوجيه المقالات وإعطائها الإجماع. وكمثال على هذه المجموعة معهد التبغ الذي يقوم، باستمرار، بدراسة التدخين لدى الناس، وذلك باستطلاع العلاقة بين التدخين وأمراض البشر. وفي نهاية عام 1986 جاء في مطبوعة لمعهد التبغ: «يعتقد علماء بارزون أن التساؤلات عن العلاقة بين التدخين والصحة لم تُحلّ حتى الآن.»
وقد يتغير تنظيم منتجات التبغ بسبب اتهامات تتضمن أن الصناعة تتلاعب عن قصد بمحتوى السكائر من النيكوتين لزيادة الإدمان، وأنها تتكتم على الدليل الذي يشير إلى المخاطر. وبالنسبة للكثيرين فإن شهادة المديرين التنفيذيين لشركات التبغ أمام الكونغرس عام 1994 ـ التي أعلنوا فيها عن اعتقادهم بأن النيكوتين لا يؤدي إلى الإدمان وبأنه لم يتم البرهان على أن السكائر تسبب السرطان ـ كان يُقصد بها تجنب أي مسؤولية محتملة. وتفكر هيئة الغذاء والدواء حاليا في تنظيم السكائر على أنها إحدى وسائل إعطاء النيكوتين كدواء (الذي يعمل كمنبه أو كمهدئ حسب المقدار المستخدم). وتعتبر المجموعة المهتمة بالصحة قضية هيئة الغذاء والدواء قوية إلى حد تفرض فيه إقرار نوع ما من التشريعات، على الرغم من عدم حماس الكونغرس الجديد لهذه التشريعات. ولا يُعرف بجلاء كيف ستبدِّل القوانين الجديدة السيطرة على التبغ؛ إذ إن تقديم أو بيع مثل هذا المنتج اليوم سيقابل يقينا بالاستنكار، حتى مع اتخاذ المعايير السارية بسلامة المنتَج الاستهلاكي.
الضرائب على التبغ
حالت القوة السياسية لصناعة التبغ دون الزيادات الكبيرة في الضرائب المفروضة على السكائر، مبقية بذلك تكاليف هذه العادة ممكنة الاحتمال. فلقد زادت الضريبة الاتحادية من ثمانية سنتات على العلبة التي تحوي 20 سيكارة عام 1951 إلى 24 سنتا فقط في منتصف عام 1995، أي بزيادة أقل بكثير من معدل التضخم (إذا تم الحساب على أساس التضخم فإن ضريبة عام 1951 تعادل هذه الأيام 40 سنتا تقريبا، أي إن الضريبة تناقصت فعليا.) وبإضافة الضرائب الحكومية والمحلية، فإنه يترتب 56 سنتا لكل علبة سكائر أو 30% من متوسط سعر البيع. إن هذا المقدار أقل بكثير من أمثاله في الدول الصناعية الأخرى.
لقد استخدمت شركات التبغ استراتيجية عرَّفت بها نفسها بأنها «المواطنون ضد ظلم الضرائب» وأنفقت ملايين الدولارات لمحاربة الزيادات الضريبية، مدركة بأن هذه الإنفاقات الكبيرة ضرورية لرد التهديد الموجه للأرباح. فزيادةٌ نسبتها 10% على أسعار السكائر تخفض الاستهلاك بمقدار 4% نتيجة ابتعاد المدخنين الجدد. وقد يكون الانخفاض أكبر بكثير في المجموعات الأكثر حساسية للزيادات المفاجئة في الأسعار مثل المراهقين. ولما كانت غالبية المدخنين تبدأ تدخينها من سن المراهقة فإن إقلاعا كبيرا عن التدخين في هذه السن يهدد جديا مستقبل صناعة التبغ.
لقد أوصت كل من رابطة القلب الأمريكية وجمعية السرطان الأمريكية وجمعية أمراض الرئة الأمريكية بزيادة الضرائب الفيدرالية بمقدار دولارين على كل علبة سكائر. وتعتمد توصيتهم، جزئيا، على بيانات من كندا وكاليفورنيا، حيث أدت الزيادات الحادة في الضرائب على السكائر إلى انخفاض ملموس في الاستهلاك. إن الفوائد الناجمة عن فرض الضرائب المرتفعة على التبغ عديدة. ففي العديد من الولايات خصصت العوائد لحملات التوعية الصحية العامة وللإعلانات المضادة للتدخين والرعاية الصحية للفقراء. كما أن الانخفاض الأخير في متوسط أسعار السكائر يجعل زيادة الضرائب مهمة بشكل خاص، وذلك لمواجهة التسارع المحتمل في الاستهلاك لدى المراهقين. لقد اقترحت عدة قوانين في الكونغرس خلال عامي 1993 و 1994 لزيادة الضريبة الفيدرالية بمقدار دولار واحد على الأقل وذلك إما بمقترحات مستقلة أو كجزء من صفقات إصلاح الرعاية الصحية. لكن لم تلق أي توصية الدعم اللازم لإقرارها.
التأثيرات الطبية لاستهلاك التبغ
إن المركّب الرئيسي الفعال في التبغ هو ذلك المستخلص الزيتي الذي اكتُشف في وقت مبكر من القرن الثامن عشر وسمي نيكوتيانينnicotianine ويسمى الآن نيكوتين. وقد أدرك الباحثون، في عام 19422، أن تدخين أوراق التبغ الجافة هو الوسيلة الأساسية لتناول النيكوتين، كما هي الحال في تدخين الأفيون للحصول على المورفين. لكن النيكوتين ليس سوى أحد عناصر دخان السكائر الذي يحوي أكثر من 4700 مركب كيميائي من ضمنها 43 مادة مسببة للسرطان.
إن تطبيقا مكثفا لدخان التبغ المذاب في الأسيتون على جلد فأر مدة طويلة يحدث أوراما حليمية papilloma أو سرطانات موضعية. وتؤدي سموم دخان السيكارة إلى انكسارات في الدنا DNA في خلايا رئة الإنسان المستنبتة. وتُسرع هذه المسرطنات ـ بشكل كبير ـ معدل الطفرات في الخلايا المنقسمة والتي يمكن أن تؤدي إلى تشكل الورم. ومن سوء حظ المدخنين أنه لم يُكتشف مستوى العتبة للتعرض لهذه السموم. ومن الواضح أن سنوات من تدخين السكائر تزيد بشدة مخاطر حدوث عدد من الظروف المهلكة. فالتدخين ـ إضافة إلى مسؤوليته عن 85% من سرطانات الرئة ـ يسهم في التسبب بسرطانات الفم والبلعوم والحنجرة والمريء والمعدة والبنكرياس والرحم والكلية والحالب والمثانة والقولون. ويُعتقد أن تدخين السكائر يسبب نحو 14% من ابيضاضات الدم و 30% من الحالات الجديدة لسرطان عنق الرحم عند النساء. وهذا كله يعني أن تدخين السكائر مسؤول عن 30% من كل الوفيات بالسرطان، وأنه أهم مسبِّب للسرطان يمكن تجنبه في الولايات المتحدة. كما يزيد التدخين من مخاطر الإصابة بالآفات الوعائية بما في ذلك السكتة الدماغية strokeوالموت المفاجئ والنوبة القلبية وآفات الأوعية المحيطية وأم الدم الأبهرية ortic aneurysm. وتكاد السكائر تكون السبب في 000 180 حالة وفاة بآفات وعائية في الولايات المتحدة عام 1990 . وتخرب عناصر دخان السكائر البطانة الداخلية inner lining للأوعية الدموية، مما قد يؤدي إلى تطور تصلب الشرايين. كما يمكن للسموم تحفيز العناصر السادة للشرايين الإكليلية (التاجية) مشجعة بذلك تشكل الخثرات ومثيرة للتشنجات التي تسدّ الأوعية. وفي هذا المجال، فإن تدخين سيكارة واحدة في اليوم يمكن أن يشوش بشدة جريان الدم إلى القلب لدى المرضى المصابين بداء الشريان الإكليلي مسبقا. كما يعتبر تدخين السكائر السبب الرئيسي لمرض الجهاز التنفسي والموت به في الولايات المتحدة. ففي عام 1990 تسبب التدخين في أكثر من 000 84 حالة وفاة ناتجة من أمراض الجهاز التنفسي لا سيما ذات الرئة penumoniaوانتفاخ الرئة emphysema والالتهابات القصبية (الشُّعَبية) والإنفلونزا. ويطرح التدخين السلبي ـ وهو استنشاق الدخان بشكل غير مباشر (المنبعث من احتراق التبغ بين النفثات) أو من الدخان المطروح من المدخن ـ مخاطر صحية مماثلة. فقد أكد تقرير وكالة حماية البيئة (EPA) عام 19922 هذه المخاطر، لا سيما من التدخين غير المباشر sidestream smoke، الذي يحوي نسبة أكبر من الجزيئات الصغيرة القطر والتي تستقر على الأرجح عميقا في الرئة. واستنادا إلى هذا التقرير، صنفت وكالة حماية البيئة EPA دخان التبغ بيئيا ضمن المجموعة المسرطِنة (A) والتي تشمل الرادون والأسبستوس والزرنيخ والبنزين. وتنجم 000 37 حالة وفاة من أصل 000 53 وفاة سنويا في الولايات المتحدة بسبب التدخين السلبي عن مرض قلبي مرافق. ويتعرض غير المدخن الذي يسكن مع المدخن لعامل خطورة أكبر للموت من مرض القلب الإقفاري ischemic(بنقص التروية) أو احتشاء العضلة القلبيةmyocardial infarction. كما تزداد بحدة مخاطر سرطان الرئة، فتعرض أحد الزوجين من الشريك المدخن يترافق بمخاطر إضافية للإصابة بسرطان الرئة لا تقل عن 30%. وترفع زيادة المقادير اليومية وعدد سنوات التدخين الخطر بشكل ملحوظ، إذ يقفز الرقم إلى 80% إذا كان أحد الزوجين يدخن أربع علب سكائر في اليوم لمدة 20 سنة. وتشير دراسة حديثة إلى أن 17% من حالات سرطان الرئة بين غير المدخنين تعود إلى تعرض كثيف لدخان التبغ أثناء الطفولة والمراهقة. إن للعواقب الصحية للتدخين عند النساء أهمية خاصة بسبب الأثر المؤذي في الإنجاب. ومن سوء الحظ أن النساء اللواتي أعمارهن أقل من 23 سنة هن الشريحة الأسرع ازديادا بين المدخنين في الولايات المتحدة. ويُضعف التدخين الخصوبة ويزيد معدل الإجهاضات العفوية والإملاصات (الأجنة الميتة). ويمكن أن يسبب نزفا زائدا أثناء الحمل مؤديا إلى انخفاض وزن المواليد. فضلا عن ذلك، فإن أطفال المدخنين لا ينمون كأطفال غير المدخنين كما لا يحرزون مستوى التحصيل الثقافي نفسه. ويعد التدخين من الأسباب الرئيسية للأمراض القلبية الوعائية والسكتات الدماغية عند النساء لا سيما إذا كن يستخدمن موانع الحمل الفموية. لقد تجاوز ـ حاليا ـ سرطانُ الرئة سرطانَ الثدي كسبب رئيسي للوفاة بين النساء. ففي عام 1993، زُعم أن هناك 000 56 حالة وفاة من سرطان الرئة في حين لم يتسبب سرطان الثدي إلا في وفاة 000 46 امرأة. كما يواجه كبار السن أذى خاصا من التدخين، فبين هؤلاء الأكبر من 65 سنة تكون معدلات الوفيات الكلية بين المدخنين الدائمين ضعف ما هي عليه بين الأفراد الذين لم يدخنوا قط. وقد لاحظت مقالة نشرت في مجلة التايم عام 1992 أن ثلاث مؤسسات للتأمين تمتلكها شركات التبغ تفرض على المدخنين ضعف القيمة المحددة للتأمين تقريبا. ويترافق التدخين مع أنواع مختلفة من العلل: كالساد cataract وتأخر التئام العظام المكسورة وأمراض اللثة والاستعداد للمرض القرحي وفرط ضغط الدم الشرياني والنزف الدماغي وتجعدات الجلد. واقترحت بعض الدراسات حديثا أن تدخين السكائر يحسِّن أعراض داء ألزايمر Alzheimer.وليس من المستغرب أن يؤثر النيكوتين في هذه الحالة على ضوء أثره القوي في الجملة العصبية المركزية. ومع ذلك، فإن خللا منهجيا يعتري العديد من هذه الدراسات. فضلا عن أن التدخين يمكن أن يزيد مخاطر ألزايمر؛ لأنه يسرِّع أحداث الشيخوخة الطبيعية. ولن تكون السكائر بسمومها العديدة الفعالة الأداة المناسبة للتداوي بالنيكوتين بأي حال من الأحوال، حتى لو ثبت أن هذا المركب مفيد في معالجة داء ألزايمر. إن المقلعين عن هذه العادة سيكسبون الكثير. فبعد سنة، سينخفض معدل الوفيات بأمراض القلب بين هؤلاء إلى الوسط الحسابي للمعدلين المقابلين للمدخنين ولغير المدخنين، وبعد خمس سنوات ينخفض إلى معدل غير المدخنين. وتنخفض خطورة سرطانات الرئة للمدخن إلى النصف خلال خمس سنوات، وتهبط خلال عشر سنوات إلى معدلها عند غير المدخنين. إن لمثل هذه المكاسب معنى إذا تم الإقلاع عن التدخين في الوقت المناسب وقبل أن تظهر الأعراض المهلكة للتبغ. |
البحث عن سوق بين المراهقين
لقد أنفقت شركات التبغ في عام 1992 ـ وهي أحدث سنة تتوافر عنها البيانات ـ ما مقداره خمسة بلايين دولار على السوق الداخلية. ويمثل هذا الرقم زيادة كبيرة مقارنة بميزانية عام 1971 المقدرة بـ 250 مليون دولار، وهي السنة التي مُنع فيها الإعلان عن التبغ في التلفزيون والراديو. وتفهم النفقة الحالية بأنها نحو 75 دولارا لكل شخص بالغ أو 4500 دولار لكل مراهق يصبح مدخنا في ذلك العام. ومن المتوقع أن يُسترد هذا الإنفاق المرتفع ظاهريا لاجتذاب مدخنين جدد على مدى الـ 25 سنة التي سيدخن فيها المراهق.
وتتباهى قيادات شركات التبغ بأن ابتكار استراتيجيات التسويق الجماهيري في النصف الأول من هذا القرن قد عزز صناعتها. أما الآن فتدعي أن إعلاناتها مهيئة فقط لجذب المدخنين المدمنين إلى صنف معين. ولكن المدافعين عن الصحة العامة يصرون على أن مثل هذه الإعلانات تؤدي دورا في الحث على طلبات جديدة وزبائن جدد، ويبدو أن المراهقين هم الهدف الرئيسي. ولاستكشاف هذه المسألة اختبرنا عدة حملات للتسويق أُنجزت على مدى سنوات، ربطنا بينها وبين أعمار المدخنين الذين صرحوا بأنهم بدؤوا عندها عادة التدخين. لقد وجدنا بيانيا أن هناك دليلا مهما على أن مثل هذه الحملات تؤدي إلى زيادة تدخين السكائر بين المراهقين في المجموعة المستهدفة. وقد جمعت الاستطلاعات الوطنية الأعمارَ التي يبدأ الناس عندها بالتدخين. وكان برنامج رأي السكان الحالي (CPS) لعام 1955 أول من سأل المستجوَبين عن هذه المعلومة، ولكن لم يتبق سوى بيانات مختصرة عنها. أدخلت هيئة المسح الصحي الوطنية (NHIS) مع بداية عام 1970 هذا السؤال في بعض الاستطلاعات ثم ضُمت الأجوبة من جميع الاستطلاعات للحصول على عينة تشمل أكثر من 165000 فرد. يمكن تحديد السنة التي بدأ فيها ذلك الشخص التدخين باستخدام عمر المجيب وقت إجراء الاستطلاع والعمر الذي أقر أنه بدأ فيه. وبتقسيم عدد المراهقين (حددت الأعمار بين 12 و 17 سنة) الذين بدؤوا التدخين في مرحلة محددة على العدد الكلي المؤهل أن يبدأ في بداية تلك المرحلة نحصل على معدل بدء التدخين لدى تلك المجموعة. لقد أدت حملات التسويق الجماهيري التي بدأت عام 1880 إلى تضاعف استهلاك التبغ أكثر من ست مرات بحلول عام 1900. ويعود ذلك إلى تضاعف عدد الأفراد المدخنين للسكائر مقارنة بمدخني السيكار والغليون والسعوط وعلك التبغ. وتشمل استراتيجيات التسويق لوحات مرسومة وتوزيعا واسعا للقسائم التي يمكن أن يحصل حاملها على السكائر أو على أنواع الجوائز المختلفة مجانا. وتضع بعض الأصناف صورا نسائية إباحية داخل علب السكائر، مما أثار احتجاج وقلق القيادات الثقافية من تأثيرها المفسد في الأولاد المراهقين. إن 13% من الذكور الذين تم استجوابهم عام 1955 كانوا قد بلغوا المراهقة في الفترة بين 1890 و 1910 وباشروا التدخين في سن الثامنة عشرة، وللمقارنة لم يكن بينهم أي أنثى. وتصبح قوة الإعلان الموجَّه أكثر وضوحا إذا أُخذ بالاعتبار الرجال المولودون بين عامي 1890 و 1899. لقد كان العديد من هؤلاء مراهقين في عام 1912، عندما طرحت الشركة R.J. Reynolds صنف سكائر الجمل بطريقة ثورية. ففي الأشهر التي سبقت الظهور الأول لسكائر الجمل أُمطرت كل مدينة أو قرية في البلاد بملصقات إعلانية. وحسب استطلاع البرنامج CPS في عام 19555، فإن نسبة المدخنين الذكور الذين بدؤوا بعمر 18 سنة قفزت إلى 21.6%، وذلك يعادل زيادة بمقدار الثلثين على هؤلاء المولودين قبل عام 1890.كما عكس معدل البدء بالتدخين حسب الهيئة NHISهذا التغير، إذ ارتفعت نسبة المراهقين الذكور من 2.9% بين عامي 1910 و 1912 إلى 4.9% للفترة ما بين 1918 و 1921. وحتى منتصف العشرينات، لم تسمح العادات الاجتماعية لإعلانات السكائر بالتركيز على السيدات (أجبر تذمر الجمهور عام 1919 على إعلان لشركة لوريلاردز موجه إلى النساء إلى سحبه). لقد صوَّرت لوحة إعلانية في عام 1926 النساء وهن يناشدن مدخني سكائر شيستر فيلد بالقول «انفث بعضها على طريقتي» Blow SomeMy Way. ولكن أنجح الحملات كانت للوكي سترايك التي ناشدت النساء «الفوز بالحظ بدلا من الجمال.» وتُظهر بيانات البرنامج CPS لعام 1955 أن 7% من النساء اللاتي كن مراهقات خلال منتصف 1920 بدأن التدخين في سن 18 مقارنة باثنين في المئة فقط لدى الأجيال السابقة من الإناث المراهقات. ولوحظ أن معدل بدء التدخين حسب بيانات الهيئة NHIS عند الفتيات المراهقات ازداد بثلاثة أمثال، من 0.66% في الفترة 1922-1925 إلى 1.8% في الفترة 1930-1933. وبالمقارنة، ازدادت المعدلات عند الذكور بمقدار قليل فقط. لقد حدثت الزيادة الكبيرة الثانية في بدء المراهقات بالتدخين في نهاية الستينات. ففي عام 1967 روَّجت صناعة التبغ صنفا اسمه”Niche” يستهدف النساء بشكل خاص، كما كان الصنف Virginia Slims الأكثر شعبية. ركزت الملصقات الإعلانية لهذه الحملة على امرأة قوية ومستقلة ولكنها نحيفة جدا. ومن السخرية أنه بالتزامن مع ظهور الحركة النسائية، تضاعف تقريبا بدء التدخين لدى المراهقات، من 3.7% بين عامي 1964 و 1967 إلى 6.2% بين 1972 و1975 (بيانات الهيئة NHIS). أما معدلات بدء التدخين عند المراهقين في الفترة نفسها فبقيت ثابتة. إذًا، وفي أربع حالات متميزة خلال مئة السنة الماضية، أدت حملات تسويق التبغ المتكررة والموجهة إلى اندفاعات مهمة في الطلب من المراهقين فقط في المجموعة المستهدفة. وساعدت عوامل أخرى ـ مثل توفير السكائر مجانا خلال وقت الحرب ورومانتيكية تدخين الممثلين في الأفلام ـ على ترسيخ التدخين في المجتمع. لكن الإعلان كان القوة الساحقة في جذب الزبائن الجدد. وعلى الرغم من أن التشريعات اللاحقة منعت الإعلانات الموجَّهة إلى القاصرين فإن صناعة التبغ تمكنت من بلوغ أهدافها المرسومة. لقد شرعت الشركة R. J. Reynolds في عام 19888 بحملة جديدة مبتكرة تبرز الشخصية الكرتونية الهادئة جدا «الجمل جو.» وتشير البيانات الحديثة الواردة من كاليفورنيا إلى زيادة تسويق سكائر الجمل بين الناشئين وانتشارها بين المراهقين، بعد أن تراجعت في الثمانينات. ومن المتوقع أن تظهر الاستطلاعات المستقبلية قفزة في معدلات البدء بالتدخين بين المراهقين مترافقة مع اندفاع هذه الحملة. <P .J. پيرس> ـ <A .E. جيلپين> باحثان في برنامج الوقاية من السرطان ومراقبته في جامعة كاليفورنيا بسان دييكو. |
التصدير لاصطياد زبائن جدد
حتى لو نجحت القيود المشددة على التسويق والرسوم الضريبية المرتفعة في تخفيض تدخين التبغ في الولايات المتحدة فإن لدى الصناعة وسائل أخرى لمقاومة الفقد في العائدات، كالتصدير. فعلى الرغم من تراجع الاستهلاك المحلي الكلي للسكائر في الولايات المتحدة لأكثر من عقد فإن الإنتاج ظل ثابتا نتيجة الزيادة المطردة للتصدير الخارجي. لقد قفز تصدير السكائر من 8% من الإنتاج عام 1984 إلى 30% عام 1994. ويزيد الآن تصدير أوراق التبغ غير المصنَّعة على 34% من الإنتاج. وتتصدر الولايات المتحدة الآن الدول التي تصدِّر التبغ وتسيطر على أسواق الدول النامية التي لا يوجد فيها سوى قيود قليلة على الإعلان أو التعريف بالمنتج.
لقد تعرضت الشركات الست العالمية الكبيرة للتبغ (ثلاث منها مقرها في الولايات المتحدة والأخرى في المملكة المتحدة) لمقاومة ضعيفة في سعيها لكسب موطئ قدم لها في الدول النامية. وغالبا ما تأتي المنافسة من الشركات التي تديرها الحكومة فقط والتي لديها هامش إعلان بسيط. ويرى الكثيرون أن إدخال الإعلان الغربي إلى الدول النامية قام بأكثر من مجرد نقل حصة السوق الموجودة إلى الشركات العالمية. ففي هونغ كونغ مثلا، يدخن حاليا 1% من النساء فقط، ولكن الإعلان من قبل الشركات العالمية استهدف النساء بشكل أساسي، وهذا يشير بوضوح إلى أن الشركات تحاول جاهدة كسب سوق جديدة. إن مثل هذا الاستثمار يوازي التصدير المشين للأفيون من بريطانيا إلى الصين عام 1830.
لقد قال <J. ماسون> عام 1990، الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الصحة في عهد الرئيس جورج بوش في المؤتمر العالمي السابع حول التبغ والصحة في مدينة بيرث بأستراليا: «إنه سلوك لا أخلاقي أن تقوم شركات التبغ العالمية الجبارة بتوزيع سمومها (على البلدان الأخرى)، لا سيما وأنها تستهدف البلدان الأقل نموا، إنهم يناورون بقوانيننا التجارية الحرة ويصدرون سياسات، ضاغطين بها على وكلاء شركاتهم في العالم لإبقاء أسواق البلدان الأخرى مفتوحة لمنتجاتها ـ بل وإجبارها على ذلك في بعض الحالات.»
لقد ظلت حكومة الولايات المتحدة مهمِلة مثل هذه المطالب بشكل لافت للنظر. ولعل أحد أسباب هذا التراخي أنه في عام 1990 حققت الولايات المتحدة فائضا تجاريا قدره 4.2 بليون دولار من صادرات التبغ ـ يعادل 35% من كل الفوائض التجارية من الزراعة. وقد قال نائب الرئيس دان كويل في العام نفسه في مؤتمر صحفي بكارولينا الشمالية: «إن المجتمع الأمريكي ككل يدخن أقل، ويجب أن نفكر في التصدير وفي فتح الأسواق وكسر الحواجز بدلا من إقامة تَعْرفات جديدة وحصص جديدة والتفكير في أمور من هذا القبيل.»
إن معظم الممارسات التجارية العدوانية لشركات التبغ قد نظمت بموجب الفصل 301 من قانون التجارة لعام 1974. ولقد طالب موظفو الصحة العامة الكونغرسَ مرارا بإعادة تقويم هذا القانون وممارسات تجارة التبغ الحالية، ولكن أعضاء الكونغرس فشلوا في اتخاذ أي إجراء. وأكثر من ذلك تساءل الكثيرون عن الفرق بين معايير الصحة المطبقة على التبغ المستهلك محليا والتبغ المصدَّر. إذ لا توجد تشريعات في الولايات المتحدة تفرض كتابة محتوى القطران أو الإعلان عن منتجات التبغ المصدرة إلى الدول النامية. ومن السخرية بالفعل أن تصدِّر الولايات المتحدة السكائر بحرية إلى دول مثل كولومبيا في حين ينفق الجانبان مبالغ هائلة لمنع تجارة الكوكائين الذي يتسبب في عدد أقل من الوفيات.
لا يمكن المبالغة بمدى علاقة التبغ بالأمراض والوفيات في أنحاء العالم. فتدخين السكائر يحتل في الولايات المتحدة المرتبة الأولى كسبب يمكن تجنبه للوفاة المبكرة، ومع ذلك فإنه يتمتع بتسامح استثنائي بين الأمريكيين. وعلى المستوى العالمي فإن انتشار التدخين يتطلب إما رفضا يصعب فهمه أو تجاهلا للمخاطر الصحية لاستخدام التبغ.
ولهذه الأسباب فإن العقبات التي تواجه الحملات المضادة للتدخين هائلة. ومن الواضح أنه من وجهة نظر الصحة العامة فإن خطة المعركة يجب أن تؤكد أهمية برامج التدخل التي تستهدف الأطفال والمراهقين بشكل خاص. وتتضمن هذه الخطط زيادة التنظيم الحكومي لإعلانات التبغ، وفرض القيود على إمكانية حصول القاصرين على السكائر، والضرائب المرتفعة على التبغ، ودعم رفع قضايا للضرر الشخصي ضد صناعة التبغ، وتقديم الدعم الحكومي للتحول من محاصيل التبغ إلى نباتات أخرى، وفرض القيود المشددة على التدخين في مناطق العمل والأمكنة العامة. ويجب أن تتضافر جهود المواطنين المهتمين وموظفي الصحة العامة وممثلي الحكومة ومقدمي الرعاية الصحية لإقرار استراتيجية متعددة الأساليب للسيطرة على هذا الوباء العالي.
المؤلفون
C. Bartecchi – Th. Mackenzie – R. Schrier
ساعد بارتيشي على إقامة عيادة كولورادو الجنوبية في بيبلو، وهو أستاذ السريريات في قسم الطب الباطني بالكلية. وماكنزي طبيب عام باطني في قسم دنفر للصحة والمشافي ومدرس في قسم الطب الباطني بمركز العلوم الصحية في جامعة كولورادو. أما شراير فهو أستاذ ورئيس لقسم الطب الباطني في كلية الطب بجامعة كولورادو.
مراجع للاستزادة
SMOKING AND HEALTH: REPORT OF THE ADVISORY COMMITTEE TO THE SURGEON GENERAL OF THE PUBLIC HEALTH SERVICE. PHS Publication No. 1103, 1964.
THE WORLDWIDE SMOKING EPIDEMIC: TOBACCO TRADE, USE AND CONTROL. William C. Scott et al. in Journal of the American Medical Association, Vol. 263, No. 24, pages 3312-3318; June 27, 1990.
TOBACCO, BIOLOGY AND POLITICS. Stanton A. Glantz. Health Edco, Waco, Tex., 1992.
THE HUMAN COSTS OF TOBACCO USE. C. E. Bartecchi, T, D, MacKenzie and R. W. Schrier in New England Journal of Medicine, Vol. 330, No. 13, pages 907-912; March 31, 1994, and Vol. 330, No. 14,
pages 975-980; April 7, 1994.
Scientific American, May 1995