أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ثقافة

ربما قضى الطاعون على معظم سكان شمال أوروبا قبل 5,000 عام

تشير أدلة الحمض النووي DNA من مقابر في السويد والدنمارك إلى أن فاشيات طاعون كبيرة كانت السبب وراء تدهور أعداد السكان في العصر الحجري الحديث في شمال أوروبا

بقلم مايكل لو بيج

شهدت ثقافة العصر الحجري الحديث Neolithic في أوروبا التي أنتجت بنى ضخمة مثل ستونهنج Stonehenge تدهورا كبيرا قبل نحو 5,400 عام. حاليا، لدينا أقوى دليل حتى الآن على أن هذا كان بسبب طاعون Plague.

كشفت سلسلة الحمض النووي العتيق Ancient DNA Sequencing لـ 108 أفراد عاشوا في شمال أوروبا في ذلك الوقت أن بكتيريا الطاعون يرسينيا بيستيس Yersinia pestis كانت موجودة في 18 منهم حين ماتوا.

يقول فريدريك سيرسهولم Frederik Seersholm من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen في الدنمارك: «نعتقد أن الطاعون هو ما قتلهم».

قبل نحو 5,400 عام، انخفض عدد سكان أوروبا انخفاضا حادا، بصورة خاصة في المناطق الشمالية. وظل سبب حدوث هذا لغزا لفترة طويلة.

ربما أباد الطاعون سكان أوروبا، مما مكّن سكان السهوب من الهجرة دون مقاومة تذكر

على مدى العقد الماضي، كشفت دراسات الحمض النووي العتيق البشري أن تعداد السكان المحليين لم يتعافَ تعافيا كاملا من التدهور الذي أصابه في العصر الحجري الحديث، بل استبدل بهم إلى حد كبير أشخاص آخرون هاجروا من السهوب الأوراسية. على سبيل المثال، في بريطانيا قبل نحو 4,000 عام، كان أقلّ من 10% من السكان منحدرين من الناس الذين بنوا ستونهنج.

وكشفت هذه الدراسات التي أجريت على البشر القدماء أيضا عن عدة حالات وجدت فيها بكتيريا الطاعون. ويشير هذا إلى تفسير محتمل – ربما أباد الطاعون سكان أوروبا، مما مكّن سكان السهوب من الهجرة دون مقاومة تذكر.

لكن ليس الجميع بمتفقين على ذلك. ففي عام 2021 قال بن كراوس كيورا Ben Krause- Kyora من جامعة كيل Kiel University في ألمانيا إنّه من المتوقع حدوث حالات طاعون متفرقة في بعض الأحيان، وهي ليست دليلا على وجود جائحة Pandemic كبيرة. وكتب هو وزملاؤه أنّه من غير المرجح أن تسبّب هذه الأشكال القديمة من يرسينيا بيستيس حدوث جائحة لأن حمضها النووي DNA يظهر أنها لم تكن تستطيع البقاء على قيد الحياة في البراغيث. لدغات البراغيث المصابة هي الطريقة الرئيسية التي يصاب بها الناس بالطاعون الدبلي Bubonic plague، وهو شكل المرض الذي قتل الناس في الموت الأسود Black Death في العصور الوسطى.

لذلك بادر سيرسهولم وزملاؤه في البحث عن المزيد من الأدلة على جائحة طاعون. دفن الأفراد الـ 108 الذين تمكن فريقه من سلسلة حمضهم النووي في تسعة مقابر في السويد والدنمارك. فقد مات معظمهم قبل ما بين 5,200 و4,900 عام، ويمثلون عدة أجيال من أربع عائلات.

يبدو أنه كانت هناك ثلاث فاشيات Outbreak طاعون منفصلة على مدى هذه الأجيال. وكان سبب الفاشية الأخير سلالة ذات جينات معدلة ربما جعلتها أخطر بكثير.

يقول سيرسهولم: «إنها موجودة في العديد من الأفراد. وهي النسخة نفسها في كل الحالات، وهو بالضبط ما تتوقعه إذا انتشر شيء ما بسرعة كبيرة».

ويقول إن حمض الطاعون النووي عثر عليه بصورة رئيسية في الأسنان، مما يدل على أن البكتيريا دخلت الدم وتسببت في مرض خطير، وربما كانت سبب الوفاة. وفي بعض الحالات، أصيب بالعدوى أفراد وثيقو القرابة، مما يعني انتشار العدوى من شخص لآخر.

ويشير الفريق إلى أن هذا قد يكون نتيجة لإصابة الرئتين باليرسينيا بيستيس وانتشارها عبر القطيرات Droplet، وهو شكل من أشكال المرض معروف بالطاعون الرئوي Pneumonic plague. تشير دراسات حديثة إلى أن البراغيث ليست وحدها ما قد يسبب الطاعون الدبلي، إذ قد يسببه أيضا القمل البشري Human lice، لذلك من الممكن أن تنتشر بكتيريا الطاعون بهذا الطريق.

يقول سيرسهولم: «بالطبع، تجدر الإشارة إلى أن كل هؤلاء الأفراد دفنوا بصورة لائقة، ومن ثمّ لم يكن المجتمع منهارا في ذلك الوقت. إذا كان هناك وباء Epidemic بالفعل، فإننا لا نرى هنا إلّا بداياته».

يبدو أن المقابر الحجرية الضخمة (الجندلية) Megalithic tombs في الفترة التي تلت 4900 عام مضت كانت قد هُجِرت لعدة قرون. ولكن عشرة من الأفراد الذين سلسل حمضهم النووي دفنوا فيها بعد ذلك بكثير، معظمهم بين 4100 إلى 3000 عام مضت. كان أصل هؤلاء الأفراد من السهوب، ولا علاقة لهم بمن بنوا القبور.

يقول سيرسهولم: «إنه استبدال كامل بنسبة 100%. قبل 5000 عام، اختفى بشر العصر الحجري الحديث. والآن نقدم الدليل على أن الطاعون كان منتشرا وعاما في الوقت نفسه تماما».

يقول سيرسهولم إن الباحثين لا يزعمون أن النتائج التي توصلوا إليها نهائية، لكنهم يدعمون الحجة التي تقول إن الطاعون سبّب الانحدار في العصر الحجري الحديث. ويقول: «أود أن أقول إننا أثبتنا بالتأكيد أنّ للطاعون القدرة على الانتشار بين البشر، وأنّ لديه القدرة على قتل عائلة بكاملها مثلا».

ويقرّ كراوس كيورا أن النتائج تظهر أن الطاعون كان منتشرا انتشارا كبيرا في هذا المكان والزمان بالتحديد. ويقول: «علينا مراجعة تفسيرنا السابق بعض الشيء، ولا يمكننا أن نقتصر في حديثنا على الحالات المعزولة».

لكنه يقول إنه لا يوجد دليل على ارتفاع معدل انتشار المرض في مناطق أخرى. ويعتقد أن عمليات الدفن الطبيعية تظهر عدم وجود وباء مميت. «قد تشير النتائج إلى أن عدوى يرسينيا كانت بصورة كبيرة مرضاً مزمناً Chronic disease يستمر لفترة طويلة من الزمن».

وسيبحث سيرسهولم وفريقه الآن عن مزيد من الأدلة في أماكن أخرى في أوروبا. ولكن الطريقة الوحيدة لمعرفة مدى فتك السُلالة المُعدَّلة هي بحسب قوله إعادتها إلى الحياة، وهذا أمر محفوف بالمخاطر.

يقول نيكولاس راسكوفان Nicolás Rascovan من معهد باستور Pasteur Institute في باريس، الذي أشار فريقه في عام 2018 إلى احتمال أنّ الطاعون كان مسؤولا عن انحدار العصر الحجري الحديث بعد العثور عليه في شخصين عاشا في تلك الفترة: «أعتقد أن هذه الدراسة ستقنع العديد من الزملاء الذين كانوا متشككين في عملنا السابق».

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى