التحليل الجنائي للصور الرقمية
التحليل الجنائي للصور الرقمية(*)
جعلت البرمجياتُ الحديثة العبثَ بالصور الفوتوغرافية أكثر
سهولة، كما جعلت كشفه أصعب من أي وقت مضى، إلاّ
أن هذه التقانة توفِّر أيضا طرائق جديدة لكشف الصور المزيَّفة.
<هاني فَريد>
مفاهيم مفتاحية
الصور الفوتوغرافية المزيَّفة، المنتَجة بواسطة برمجيات تجارية قوية، تظهر باستمرار محفِّزة حقلا جديدا للتحليل الجنائي للصور الرقمية. يمكن كشف الكثير من الصور المزيَّفة بسبب شذوذات الإنارة، ومنها بقع الضوء المنعكس عن مُقَل عيون الأشخاص. تستطيع الخوارزميات أن تكتشف إنْ كانت الصورة تحتوي رقعا «مستنسخة»، أو إنْ كانت لا تتمتع بالخصائص الرياضياتية للصورة الرقمية الخام. محررو ساينتفيك أمريكان |
إن التاريخ حافل بمخلَّفات العبث بالصور الفوتوغرافية. فصور <ستالين> و<ماو> و<هتلر> و<موسوليني> و<كاسترو> و<بريجينيف> قد عُبِث بها، بدءا بإظهارهم في وضعيات أكثر بطولية، وانتهاء بمحو صور الأعداء أو قوارير الجعة. ففي عهد <ستالين>، كان تزييف الصور يحتاج إلى ساعات طويلة من العمل المضني داخل غرفة مظلمة؛ أما اليوم، فمن السهل على أي شخص لديه حاسوب أن ينتج صورا مزيفة يمكن أن يكون كشفها شديد الصعوبة.
إنه نادرا ما يمر شهر واحد من دون أن تظهر في الأخبار صورة مزيفة اكتُشفت حديثا. ففي الشهر 2/2008 مثلا، كُشف النقاب عن صورة تبين أنها مزيَّفة، بعد أن كانت قد حازت إحدى الجوائز، وفيها يظهر قطيع من ظباء التيبت المهددة بالانقراض وهو غير مكترث بمرور قطار سريع بالقرب منه. وكانت الصورة قد نُشِرت في مئات الصحف الصينية في منتصف عام 2006 بعد الافتتاح الوطني الحاشد لخط السكة الحديدية الذي أثار جدلا كبيرا. ولاحظ بعض الأشخاص فورا وجود مفارقات غريبة في الصورة، من قبيل أن بعض الظباء كانت حوامل من دون أن يكون ثمة صغار بينها، خلافا للحال الذي يجب أن يكون في ذلك الوقت من العام عندما بدأ القطار بتسيير رحلاته. وظهرت الشكوك إلى العلن أخيرا عندما عُرضت الصورة في عام 2008 في أحد أنفاق بكين، وقد بدت فيها عيوب أخرى كالخط الفاصل بين صورتين ألصقتا معا. واستقال المصور <L. وايكينگ> ورئيس تحرير الصحيفة. واعتذرت وكالات الأنباء الحكومية الصينية بسبب نشر الصورة، ووعدت بحذف جميع الصور الفوتوغرافية التي يمتلكها <ليو> من قواعد بياناتها.
في تلك الحالة، وعلى غرار العديد من أكثر أمثلة الصور المزيَّفة انتشارا في الإعلام، كَشفَ الزيفَ أشخاصٌ سريعو الملاحظة تفحصوا نسخة عن الصورة بحثا عن عيب فيها. ولكن هناك حالات أخرى كثيرة يكون فيها تفحُّص الصورة بالعين المجردة غير كاف لإثبات وجود العبث. لذا يجب اللجوء إلى طرائق حاسوبية أكثر تقنية، أي إلى التحقيق الجنائي في الصور الرقمية.
غالبا ما يُطلب إليَّ أن أصادق على أصالة صور وذلك لمصلحة أسواق إعلامية وهيئات فرض القانون والمحاكم والمواطنين. إن كل صورة يُطلب تحليلُها تمثِّل تحديا فريدا وتتطلب طرائق مختلفة. على سبيل المثال، استخدمتُ تقنية لكشف شذوذات الإضاءة في صورة كان يُعتقد أنها مركبة من صورتين مختلفتين. وفي مناسبة أخرى، عندما عُرضت عليَّ صورة سمكة قُدِّمت إلى مسابقة لصيد السمك على الإنترنت، بحثتُ فيها عن عنصورات (پكسلات)(1)مصطنعة تنشأ عن تغيير حجم الصورة. وأظهرَت شذوذات في صورة نجمت عن ضغطها وفق الطريقة JPEG (وهي مصاغة رقمية قياسية)، وجود عبث في إحدى لقطات شاشة حاسوبية، وهذا وفَّر دليلا في خلاف على حقوق ملكية برمجية.
ونظرا لما تبينه هذه الأمثلة ولتنوُّع الصور وأوجه العبث بها، فإن التحليل الجنائي للصور يستفيد من وجود طيف واسع من أدوات التحليل. وخلال السنوات الخمس الماضية، قمت مع زملائي وطلبتي، إضافة إلى عدد قليل من الباحثين، بتطوير تشكيلة من الطرائق التي تهدف إلى كشف العبث بالصور الرقمية. وكان نهجنا لابتكار كل أداة ينطلق من فهم الخصائص الإحصائية أو الهندسية للصورة التي تعرضت للتغيير بنوع معين من العبث. ومن ثمَّ كنا نطوِّر خوارزمية رياضياتية لكشف تلك الشذوذات. وتصف المؤطَّرات الواردة في الصفحات التالية خمسا من تقنيات التحليل الجنائي تلك.
جرى تعديل هذه الصورة في أمكنة عدة يمكن كشفها باستخدام تقنيات التحليل الجنائي الرقمي المذكورة في الصفحات التالية. والتعديلات مبينة في الصفحة الأخيرة. |
ويمكن لإثبات كون الصورة أصيلة أو لا أن يحدِّد إنْ كان شخص ما سوف يدخل السجن أو إنْ كان اكتشاف علمي مُدّعى يمثِّل في حقل من الحقول تقدُّما ثوريا أو غشا جبانا يترك وصمة عار على الحقل برمَّته. ويمكن للصور المزيَّفة أن تؤثر في نتائج الانتخابات، على غرار ما يُعتقد أنه قد حصل حين هزيمة السناتور <M. تايدينگز> في عام 1950 بعد أن نُشرت صورة مزيَّفة له تُظهره وهو يتحدث إلى زعيم الحزب الشيوعي الأمريكي <E. براودر>. وفي السنوات الأخيرة، شهدت الإعلانات السياسية عددا مذهلا من الصور التي عُبث بها، مثل القصاصة المُحرِجة المأخوذة من إحدى الصحف، والتي وزِّعت على الإنترنت في أوائل عام 2004، وفيها يظهر <J. كيري> مع <J. فوندا> على المنصة خلال مظاهرة احتجاج على حرب فيتنام في عام 1970. لقد بات من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نعرف أن العين يمكن أن تصدِّق ما تراه.
حيثما يقع نظرك(**)
تبرز مسألة الصور المزيَّفة في كثير من الحالات ذات المضامين المختلفة. لم يكن <ليو> أول مصور صحافي يفقد وظيفته وتُحذف أعماله من قواعد البيانات بسبب تزييف رقمي. فالمصور اللبناني المستقل <عدنان الحاجّ> أنتج لوكالة رويترز للأنباء طوال عقد من الزمن صورا لافتة عن النزاعات في الشرق الأوسط، لكنْ في الشهر 8/2006 نشرت رويترز صورة من أعماله كان العبث بها واضحا. فقد أظهرت الصورة مدينة بيروت، بعد تعرُّضها لقصف إسرائيلي، مع بعض سحب الدخان الهائلة التي كان من الواضح أنها قد أضيفت إليها.
[الإضاءة] تحت ضوء مختلف(***) يمكن للصور المركبة المؤلفة من أجزاء مأخوذة من صور فوتوغرافية مختلفة أن تُبدي فروقا دقيقة في ظروف الإضاءة التي جرى فيها أصلا تصوير كل شخص أو جسم. إن هذه الفروق غالبا ما تغيب عن الملاحظة بالعين المجرَّدة. بالنسبة إلى صورة كالتي في اليسار، تستطيع أن تقدِّر اتجاه مصدر الضوء الساقط على كل شخص أو جسم (الأسهم). وطريقتنا تقوم على حقيقة بسيطة مفادها أن كمية الضوء التي تسقط على سطح معين تعتمد على التوجُّه النسبي للسطح وعلى اتجاه مصدر الضوء. فالكرة مثلا تحصل على أكبر كمية من الإضاءة في الجانب المواجه للضوء، وعلى أقل كمية في الجانب الآخر، مع تدرُّج للظل على سطحها وفقا للزاوية بين السطح واتجاه الضوء في كل نقطة.
لاستنتاج اتجاه مصدر الضوء، يجب أن تعرف التوجُّه الموضعي للسطح. لكنْ من الصعب تحديد هذا التوجُّه في معظم مواضع الجسم في الصورة. والاستثناء الوحيد هو الخط المحيط بالسطح، حيث يكون الاتجاه متعامدا مع الخط المحيط (الأسهم الحمراء في الأعلى). بقياس السطوع والتوجُّه في نقاط متعددة من الخط المحيط، تُخمِّن خوارزميتنا اتجاه مصدر الضوء.
في هذه الصورة، لا يتطابق اتجاه مصدر الضوء الساقط على رجال الشرطة مع اتجاه الضوء الساقط على البطات (الأسهم). لذا علينا تحليل عناصر أخرى للتيقُّن من أن البطات هي التي أضيفت إلى الصورة.
. H. F |
وكانت صحيفة لوس أنجلس تايمز قد طردت المصور <B. والسكي> في عام2003 بعد أن تبيَّن لها أن صورة التقطها في العراق، وظهرت في الصفحة الأولى من الصحيفة، كانت مركَّبة من عناصر من صورتين مختلفتين دمجتا معا لإحداث مفعول مأساوي أشد. فقد انتبه محرِّر دقيق الملاحظة يعمل في صحيفة أخرى إلى أشخاص ظهروا في الصورة أكثر من مرة، وذلك أثناء تفحُّصها بحثا عن أصدقاء له يعيشون في العراق. وعلى نحو مماثل، أدَّت أغلفة عُبِث بها في مجلة تايم (لقطة معدلة لوجه <O.J . سمبسون> في عام 1994) ومجلة نيوزويك (رأس <M. ستيوارت> على جسم امرأة أنحف في عام 2005) إلى جدل واستهجان.
[الأشكال] العينان والوضعية(****) بما أن للعينين شكلين متوافقين، فإنهما يمكن أن تكونا مفيدتين في تقدير إنْ كانت الصورة قد عُدِّلت. إن قزحيتي عيني الشخص دائريتان في الواقع، لكنهما تبدوان أكثر تفلطحا مع استدارة العين نحو الجانبين، أو نحو الأعلى أو الأسفل (a). لذا يمكن تقريب الكيفية التي سوف تنظر بها العينان في الصورة بتعقب أشعة الضوء المنطلقة منهما باتجاه نقطة تدعى مركز الكَامِرَة (b). إن الصورة تتشكل حيث تعبر الأشعة مستوي التصوير (الأزرق). وسوف تكون نقطة الكامرة الرئيسية(2)، أي نقطة التقاء مستوي التصوير مع الشعاع الذي تُوجَّه الكامرة نحوه، بالقرب من مركز الصورة الفوتوغرافية.
تستخدم مجموعتي شكلَيْ قزحيتي عينَي الشخص في الصورة للاستدلال على توجُّه عينيه بالنسبة إلى الكامرة، ومن ثمَّ على مكان نقطة الكامرة الرئيسية (c). إن النقطة الرئيسية البعيدة عن المركز، أو الأشخاص ذوي النقاط الرئيسية الشاذة، هي أدلة على العبث (d). وتعمل خوارزميتنا أيضا مع الأجسام الأخرى إذا كانت أشكالها معروفة، كعجلتي السيارة. لكن هذه التقنية محدودة، لأن التحليل يعتمد على القياس الدقيق لشكلَيْ قزحيتَي عينَي الشخص، المختلفتين قليلا. وقد وجدتُ مع مساعدِيَّ أن بإمكاننا أن نعطي تقديرا موثوقا للفروق الكبيرة في الكامرة، كتلك التي تحصل عندما يتحرك الشخص من أحد جوانب الصورة إلى وسطها. لكنْ من الصعب الجزم إنْ كان الشخص قد تحرَّك مسافة أقل من ذلك بكثير. . H. F |
وهزَّت فضائح الصور المزيَّفة المجتمع العلمي أيضا. فقد أوردت المقالة السيئة الصيت، الخاصة ببحثٍ عن الخلايا الجذعية والتي أعدها <S.W. هوانگ> وزملاؤه في الجامعة الوطنية في سيول ونشرتها مجلة ساينس في عام 2005، تقريرا عن 11 مستعمرة من الخلايا الجذعية ادَّعى الفريق أنه قام بصنعها. لكن تحقيقا مستقلا في القضية خلص إلى أن تسعا من تلك المستعمرات كانت مزيَّفة وتتضمن صورا مركبة من مستعمرتين أصيلتين. ويعتقد <M. روسّنر> أن خُمْس المخطوطات المقبولة للنشر، عندما كان مديرا لتحرير المجلة Journal of CellBiology، احتوت على شكل وجب إعادة رسمه بسبب تدخُّل فيه غير ملائم.
[البقع البرَّاقة] بريق العينين الواشي(*****) تنعكس أضواء المحيط عن العين لتشكِّل نقاطا بيضاء صغيرة تدعى البقع البرَّاقة(3). ويعطينا شكل ولون وموقع هذه البقع معلومات لا بأس بها عن الإضاءة.
في عام 2006 اتصل بي محرِّر صور بشأن صورة لنجوم برنامج معبود الجماهير(4) كان من المخطَّط نشرها في مجلته (في الأعلى). لقد كانت البقع البرَّاقة فيها واضحة الاختلاف (الصور الصغيرة).
يدل موقع البقعة البرَّاقة على موقع مصدر الضوء (في اليسار العلوي). ومع تحرُّك التوجُّه نحو مصدر الضوء (السهم الأصفر) من اليسار إلى اليمين، فإن البقع البرَّاقة تحذو حذوه. لقد كانت البقع البرَّاقة في صورة معبود الجماهير على درجة من الشذوذ جعلت المعاينة البصرية وحدها كافية للاستدلال على وجود عبث في الصورة. لكن هناك حالات كثيرة تحتاج إلى تحليل رياضياتي. فتحديد موضع الضوء بدقة يقتضي الأخذ في الحسبان شكل العين وتوجُّهها بالنسبة إلى الكامرة والضوء. إن للتوجُّه أهمية، لأن العينين ليستا كرويتين تماما. فغلاف القزحية الشفاف، الذي يسمَّى القرنية، يكون ناتئا. لذا نمذجناه في برمجياتنا بكُرة مركزها منزاح عن مركز بياض العين المسمَّى الصُّلبة (في اليمين العلوي).
تقوم خوارزميتنا بحساب توجُّه عيني الشخص انطلاقا من شكلَيْ قزحيتي العينين في الصورة. ومن هذه المعلومة، ومن مواضع البقع البرَّاقة، يُخمِّن البرنامج اتجاه الضوء. إنه لمن المحتمل جدا أن تكون صورة ممثلي معبود الجماهير (الاتجاهات المبينة بنقاط حمراء على كرات خضراء) مركَّبة من ثلاث صور فوتوغرافية على الأقل. .H. F |
إن مسألة أصالة الصور يمكن أن تنطوي على عدد هائل من القضايا القانونية، ومنها قضايا تتضمن مواد إعلامية دَعَرية(5) وهمية حول الأطفال. ففي عام 2002، أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قرارا يمنح الحماية القانونية للصور الحاسوبية التي يظهر فيها قاصر وهمي في وضعية خليعة، ناقضة بذلك بنودا من قانون عام 1996 الذي وسَّع مفعول القوانين الفدرالية، التي تحظر الإعلام الجنسي المتضمن دعارة الأطفال، ليشمل مثل هذا النوع من الصور. وفي إحدى المحاكمات التي جرت في «أوهايو» في عام 2006، تقدم الدفاع بحجة مفادها أنه إذا لم تستطع الولاية إثبات أن الصور التي ضُبطت في حاسوب المتهم حقيقية، اعتُبر امتلاكه لهذه الصور غير مخالف للقانون. وقد أدليتُ بشهادتي في هذه القضية بطلب من المدعي العام وزوَّدت المحلَّفين بمعلومات عن إمكانات ومحدوديات التقانة الحديثة لمعالجة الصور، وقدمت لهم نتائج تحليل للصور استُخدِمت فيه تقنيات تميِّز بين الصور المولَّدة بواسطة الحاسوب والصور الحقيقية. وهكذا باءت بالفشل الحجة التي قدمها الدفاع لإثبات أن الصور لم تكن حقيقية.
[التكرار] نشر المستنسخات(******) الاستنساخ (أي نسخ منطقة من الصورة ولصقها في مكان آخر منها) هو نمط فعَّال وشائع جدا في العبث بالصور. أُخذت هذه الصورة من إعلان تلفزيوني استخدمته حمْلة إعادة انتخاب <جورج بوش الابن> في أواخر عام 2004. إن العثور على مناطق مستنسخة، بالبحث الحاسوبي الشامل عن كل عنصورة (پكسل) في الصورة ضمن كافة المناطق التي يمكن أن تكون مكررة، شيء غير عملي، لأنها يمكن أن تأخذ أي شكل وأن تقع في أي مكان من الصورة. فعدد المقارنات التي يجب القيام بها هائل جدا، إضافة إلى أن عددا لا يحصى من المناطق الصغيرة يمكن أن يكون متطابقا بمحض الصدفة («تطابقات كاذبة»). وقد قام فريقي بتطوير تقنية أكثر فعالية تطبَّق على مجموعات صغيرة من العنصورات، تتكوَّن عادة من مربعات تحوي 6 x 6 عنصورة (الصورة الصغيرة). لكل مجموعة من هذه العنصورات، تَحسب الخوارزمية مقدارا يميِّز ألوان ال36 عنصورة في تلك المجموعة، ثم تَستخدم هذا المقدار لترتيب جميع المجموعات في سلسلة تحتوي على مجموعات (متماثلة ومتشابهة جدا) قريبة من بعضها. أخيرا، يبحث البرنامج عن المجموعات المتطابقة، واحدة تلو أخرى، ويحاول أن «ينمِّي» منها مناطق متماثلة أكبر. إن هذه الخوارزمية، بتعاملها مع المجموعات، تقلِّص جدا عدد التطابقات الكاذبة التي يجب تفحُصها وإهمالها. لدى تطبيق تلك الخوارزمية على الصورة المأخوذة من الإعلان السياسي، كُشفت ثلاث مناطق متطابقة فيها (الحمراء والزرقاء والخضراء). . H. F |
[تنقيح الصور] بصمات الكَامِرَة(*******) نادرا ما يُخلِّف تنقيح الصور(6) الرقمي أثرا مرئيا. ونظرا إلى أن للتنقيح عدة أنماط، فقد أردت أن أطوِّر خوارزمية قادرة على كشف أي تعديل للصورة. إن التقنية التي أوجدتها مجموعتي تعتمد على خاصية تتعلَّق بكيفية عمل جميع الكامرات الرقمية تقريبا. تُصفُّ مُحِسَّات الكامرة الرقمية في شبكة متعامدة من العنصورات، حيث تكشف كل عنصورة كثافة الضوء ضمن نطاقِ طولِ موجةٍ قريب من لون واحد فقط، وذلك بفضل صفيفة من مرشحات الألوان التي تتوضَّع فوق شبكة المُحِسَّات الرقمية. إن أكثر المرشحات استخداما، وهي صفيفة باير(7)، تحتوي على مرشحات حمراء وخضراء وزرقاء مرتبة وفق ما هو مبين في اليسار. لذا تكون لكل عنصورة في البيانات الخام قناة لونية واحدة فقط من بين القنوات الثلاث اللازمة لتحديد العنصورة في الصورة الرقمية. وتُملأ البيانات الناقصة، إما بواسطة معالج في الكامرة نفسها، أو بواسطة برمجيات تفسِّر البيانات الخام التي تعطيها الكامرة، بعملية استكمال داخلي(8) من العنصورات المجاورة، وهي إجراء يُعرف بإزالة الفسيفساء.(9) وأبسط طريقة لفعل ذلك هي أخذ وسطي القيم المجاورة، لكنْ ثمة خوارزميات أخرى أكثر تطوُّرا تُستخدم أيضا للحصول على نتائج أفضل. ومع ذلك، مهما كان نوع الخوارزمية المطبقة لإزالة الفسيفساء، فإن عنصورات الصورة الرقمية النهائية سوف تكون مترابطة مع العنصورات المجاورة لها. لذا، إذا لم تكن الترابطات بين عنصورات الصورة متوافقة مع الكامرة التي يُدَّعى أنها استُخدمت لالتقاط الصورة، تكون الصورة قد خضعت للتنقيح بطريقة ما.
تبحث خوارزمية مجموعتي عن هذه الترابطات الدورية في الصورة الرقمية، وهي قادرة على اكتشاف الانحرافات عنها. فإذا كانت الترابطات معدومة في منطقة صغيرة، فإنه من المحتمل جدا أن تكون بعض التغييرات الموضعية قد أُدخِلت هناك. وقد تنعدم الترابطات تماما إذا أُدخلت تغييرات في كل الصورة، مثلما يحصل عند تغيير حجمها أو ضغطها بالطريقة JPEG. إن خوارزميتنا تستطيع كشف تغييرات كتلك التي أجرتها وكالة رويترز في صورة نشرتها لاجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2005 (في اليمين)، حيث عُدِّل تباين لوحة الكتابة لتحسين القدرة على قراءتها. ومن مساوئ هذه التقنية أنه لا يمكن تطبيقها بشكل مفيد إلا على صورة رقمية يُدَّعى أنها أصيلة. فالنسخة المطبوعة المأخوذة من ماسحscanner، على سبيل المثال، يمكن أن تحتوي على ترابطات جديدة يفرضها الماسح نفسه. . H. F |
ومع ذلك، فقد خلصت عدة أحكام محلية وفدرالية إلى أنه، نظرا إلى كون الصور الحاسوبية على درجة عالية من التعقيد، يجب ألاَّ يُطلب إلى المحلَّفين التمييز بين الصور الحقيقية وتلك الوهمية. وشكَّك قاضٍ فدرالي واحد على الأقل حتى في قدرة الشهود الخبراء على القيام بمثل هذا التحديد. فهل يمكن أن نثق إذنْ بالتصوير الرقمي إذا ما قُدِّم دليلا في قاعة المحكمة؟
سباق تسلح(********)
إن طرائق كشف التزييف التي نُوقشت في المؤطَّرات تنطوي على إمكان استعادة مستوى معين من الثقة بالصور الفوتوغرافية. لكن الأمر شبه المؤكد هو أنه كلما استمررنا بتطوير البرمجيات التي تكشف تزوير الصور، نشط المزوِّرون لإيجاد سبل تخدع كل خوارزمية، ووجدوا بين أيديهم برمجيات معالجة صور أكثر تطوُّرا كانت قد أعدَّت أساسا لغايات مشروعة. ومع أن بعض أدوات التحليل الجنائي قد لا تكون منيعة تماما على الخداع ـ لأنه من السهل مثلا كتابة برنامج لاستعادة الترابطات الصحيحة بين العنصورات التي يتوقع وجودها في الصورة الأولية ـ فإن هناك أدوات أخرى سوف يكون من الصعب الالتفاف حولها وسوف يكون مستواها فوق مستوى المستخدم العادي بكثير. إن التقنيات المذكورة في المؤطَّرات الثلاثة الأولى تستفيد من الإنارة المعقدة الدقيقة ومن الخصائص الهندسية لتكوين الصورة التي تمثِّل تحديا لعملية تصحيحها، باستخدام برمجيات تحرير(10) الصور الشائعة.
تعديلات الصورة الأولى: تشير البقع البرَّاقة الشاذة (في الأسفل) إلى أن الدرَّاجَيْن اللذين في المقدمة لم يُصوَّرا معا. فاتجاه مصدر الضوء (الأسهم) الساقط على وجه الفتاة يتعارض مع ذاك الخاص بجسمها وبالدرَّاجين الآخرين. ولصنبور إطفاء الحريق المضاف إلى الصورة أيضا اتجاه آخر لمصدر الضوء. أما الشجيرات المستنسخة والعشب وحافة الطريق 1 فتغطي الدرَّاجين في الخلفية. ويمكن لترابطات العنصورات المخرَّبة أن تكشف أن ثمة مناطق حُذفت منها الشعارات 2 وأن خوذة الفتاة قد زُيِّفت 3 فقد نُسخت تلك الخوذة عن خوذة الرجل وأُعيد تلوينها أيضا. أما الصورة الأصلية فيمكن أن تُرى في الموقعwww.SciAm.com/jun2008. |
وعلى غرار ما يحدث في لعبة السپام(11) والسپام المضاد، والفيروس والفيروس المضاد وفي الأنشطة الإجرامية عموما، فإن سباق تسلح بين المعتدي والمحلِّل الجنائي بات حتميا. ولكن حقل التحليل الجنائي للصور سوف يواصل سعيه ليجعل التزوير الذي يتعذر اكتشافه أكثر صعوبة وأكثر استهلاكا للوقت (لكنْ ليس مستحيلا).
صحيحٌ إن ميدان التحليل الجنائي للصور الرقمية لا يزال في بداياته نسبيا، إلا أن دُور النشر العلمي ومزوِّدي الأخبار والمحاكم قد بدأت بقبول التحليل الجنائي لإثبات أصالة مادة الإعلام الرقمية. ومع تطوُّر هذا الميدان خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، فإنني أتوقَّع أن يصبح استخدام التحليل الجنائي للصور إجراءً معتادا شأنه شأن التحليل الجنائي المادي. وآمل لهذه التقانة الجديدة، ولما يرافقها من سياسات وقوانين معقولة، أن تساعدنا على مواجهة التحديات التي يفرضها العصر الرقمي المفعم بالإثارة والمربك أحيانا.
المؤلف
Hany Farid
عمل مع هيئات قانونية أمريكية، ومع عدد كبير من الزبائن الآخرين، على كشف الصور المزوَّرة. وهو أستاذ متميز في علوم الحاسوب ورئيس مشارك لعلوم الحاسوب في كلية دارتموث، و<فريد> مرتبط أيضا بمعهد دراسات التقانة الأمنية في دارتموث.
مراجع للاستزادة
(*) DIGITAL IMAGE FORENSICS
(**) Everywhere You Look
(***) IN A DIFFERENT LIGHT
(****) EYES AND POSITION
(*****) TELLTALE TWINKLES
(******) SEND IN THE CLONES
(*******) CAMERA FINGERPRINTS
(********) Arms Race
(1) pixel عنصورة: نحت من عنصرـ صورة. (التحرير)
(2) principal point: موقع في الكامرة يتقاطع فيه محور العدسة البصري مع مستوي التصوير. (التحرير)
(3) specular highlights
(4) American idol، هو برنامج أمريكي مشابه للبرنامج سوبر ستار.
(5) pornographic دَعَرية.
(6) retouching: الكلمة الدارجة في العامية العربية مقابل هذه الكلمة هي «روتشة» التي تمثل تعريبا للفظ الإنكليزي.
(7) Bayer array: صفيفة ترشيح ضوئي للألوان: الأحمر والأخضر والأزرق (RGB)، التي تمثل المركبات الأساسية للألوان الأخرى في الصورة الفيديوية. وقد سُمِّيت الصفيفة باسم مخترعها Bryce E. Bayer.
(8)Interpolation
(9) demosaicing (التحرير)
(10) editing
(11) spam، أي البريد الإلكتروني الإعلاني غير المرغوب فيه. (التحرير)