بقلم: كلير ويلسن
ترجمة: حازم محمود فرج
للمرة الأولى تـُطوِّر أعضاء بنكرياس الفئران داخل أجسام جرذان، وذلك باستخدام خَلاَيا جَزِيْرِيَّة Islet cells لمعالجة داء السكري عند الفئران. وهذا يعزز الآمال بإمكانية صنع أعضاء بشرية داخل أجسام الخنازير.
قد تصبح قوائم انتظار زراعة الأعضاء البشرية شيئاً من الماضي إذا استطعنا إيجاد طريقة لصنع أعضاء بشرية في أجسام حيوانات أخرى. فقد أصبح ممكناً الآن صنع عضو بنكرياس فأر Mouse داخل حسم جرذ Rat -وهي خطوة أولى نحو مخزون جاهز من الأعضاء للزراعة.
وعندما زُرعت أجزاء صغيرة من هذه الأعضاء في فئران مصابة بداء السكري، تمكنت من علاج المرض. ويبعث هذا الاكتشاف الأمل بأنه إذا احتاج أحدهم إلى كبد جديدة، على سبيل المثال، فقد صار بوسعه الحصول على عضوه الحقيقي الخاص به المُصَنَّع داخل جزء معين من جسم جنين خنزير صغير وفق تصميم خاص، وذلك ضمن مدة عام من تقديم عينة صغيرة من جلده. وتمثل الخنازير والنعاج أفضل الحيوانات المرشحة لهذه العمليات، وذلك لأن أعضاء أجسامها تشبه أعضاء أجسامنا حجماً.
إذ تتوفر أعضاء المتبرعين اليوم بأعداد ضئيلة. ويموت ما نسبته 3 % تقريباً فقط من الناس بطريقة تجعل أجسامهم صالحة للتبرع بأعضاء بشرية. وفي المملكة المتحدة، نرى أن ثلث المرضى الذين هم بحاجة إلى عمليات زرع أعضاء ينتظر مدةً تزيد على سنتين وهم بحالة صحية مزرية، ويموت 1 من كل 10 منهم وهم على قوائم الانتظار.
لقد دفع هذا النقص مراكز الأبحاث على العمل على صنع أعضاء بشرية في المختبرات. يشتمل العديد من هذه الطرق على أبحاث الخلايا الجذعية التي يمكن تحفيزها لصنع معظم أنواع الأنسجة، وذلك باستخدام محاليل مختلفة من العناصر الكيميائية المحفزة والجزيئات التي تطلق الإشارات الضرورية. لكن صنع أعضاء كبيرة ذات بنى معقدة ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى مصدر تغذيتها عبر الدم، قد أثبت صعوبة البالغة.
وبدلاً من ذلك، قام هيروميتسو ناكاوتشي Hiromitsu Nakauchi -من جامعة طوكيو University of Tokyo في اليابان وفريقه -باستخدام أجنة جرذان كحواضن حية. فقد بدؤوا بإجراء تعديلات وراثية على الجرذان الأُم بحيث لا تكون ذريتها قادرة على صنع أعضاء بنكرياس خاصة بها. وبعد عدة أيام من الحمل قاموا بحقن خلايا جذعية من فأر في أجنة جرذان صغيرة كانت تنمو بصورة طبيعية باستثناء أن البنكرياس فيها كان يتكوّن في معظمه من خلايا فئران.
وعندما بلغت هذه الجرذان سن النضج، نزع الفريقُ أجهزةً البنكرياس منها وزرعوا مجموعات من هذه الخلايا البنكرياسية في داخل فئران مصابة بداء السكري. وأدت هذه المجموعات الخلوية، أو الخلايا الجزيرية Islets، إلى إعادة مستويات غلوكوز الدم لدى الفئران المريضة إلى المستوى الطبيعي لمدة زادت على العام (Nature, DOI:10.1038/nature21070).
وهذه هي المرة الأولى التي تنجح فيها عملية إنتاج أعضاء من أنواع حية مختلفة بمعالجة حالة طبية مرضية. ويقول ناكاوتشي: “لقد أثبتت العملية أن هذه الخلايا الجزيرية البنكرياسيّة Pancreatic islets يجب أن تكون ناجحة جداً.”
مع ذلك، هذا لا يعني أن تحقيق الأمر ذاته مع أعضاء كاملة بين البشر والخنازير هو أمر وشيك، إذ إن الفريق استخدم مجموعات من الخلايا، بدلاً من زرع أعضاء بنكرياس كاملة، وذلك بصورة جزئية لأن العملية سهلة نسبياً.
وفيما نعلم أن درجة التشابه بين أجسام البشر والخنازير هي أقل من مثيلتها بين الجرذان والفئران، فقد يتعرض العضو المنتج، أو النامي، إلى هجوم من قبل نظام المناعة في جسم الخنزير. وقد وجد الفريق أن مجموعات الخلايا احتوت على بعض خلايا الجرذان من أنسجة أخرى، لكن جهاز مناعة الفأر بدا وكأنه يقتلها دون أن يؤذي خلايا البنكرياس. لكن هذا ربما يبدو أكثر خطورة إذا زرع عضو كبير كامل.
لقد استخدمت هذه الطريقة لمعالجة فئران مصابة بداء السكري، لكن البشر يمكن معالجتهم من هذا المرض باستخدام الإنسولين. ولذا فإن هذه الطريقة ربما تكون أكثر أهمية لمعالجة أمراض أخرى. وإن المرضى الذين يعانون ضعفا في قلوبهم وأكبادهم و رئاتهم هم في حاجة ماسة لأعضاء جديدة، كما يقول ناكاوتشي.
وحتى الآن، تمكن فريقه من تعديل الجرذان بحيث لا يمكنها إنتاج الكبد فيها، ولذلك يجب أن يصبح ممكناً إنتاج خلايا كبد فأر صالحة للزراعة بطريقة مشابهة لطريقة خلايا البنكرياس الجزيرية. لكن من المرجح أن يكون تعديل الجرذان بحيث لا يكون لها قلب أمر أكثر صعوبة، كما يقول.
وهناك أيضاً الجوانب الأخلاقية: فهذه الطريقة تنطوي على زرع خلايا بشرية داخل أجنة خنازير، ولذا، فإن الخنازير البالغة ربما تحتفظ ببعض من الخلايا الدماغية البشرية. فهل يعني هذا أننا يجب أن نمنح تلك الخنازير اعتباراً أخلاقياً أكثر؟ سيكون على خبراء السلوكيات الأخلاقية أن يتعاطوا مع شؤون كهذه، وكما يقول برنهارد هيرينغ Bernhard Hering من جامعة مينيسوتا University of Minnesota: “نحن نعبر خطاً حاسماً هنا. ولكن الأبحاث المُثيرة تطرح دوماً بأسئلة جديدة.”
ربما يكون الباحثون قادرين على تجنب إنتاج أدمغة هجينة من بشر وخنازير، وذلك باستخدام خلايا جذعية بشرية عُدِّلت وراثياً بحيث لا تكون قادرة على صنع أنسجة دماغية.