أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةعلم الأعصاب

التخدير العام: عندما تقع أخطاء في التخدير

بقلم: فيليب بول

ترجمة: د. عبدالرحمن سوالمه

صار التخدير العام الآن روتينيًا وآمنًا جدًا، ولكن في عدد قليل من الحالات، يمكن للمشكلات أن تظهر. نظرة سريعة على ما يمكن أن يحصل من أخطاء، ومن هم الأكثر عرضة لها.

استخدم التخدير العام بشكل روتيني في الجراحة منذ خمسينيات القرن الماضي، ويعتبر الآن إجراءً آمنًا جدًا، على الرغم مع أن تفاصيل آلية عمله لا تزال غير مفهومةً فهمًا كاملًا. تقدر نسبة الموت جراء عملية التخدير بنحو 1 من كل 100000. أما المضاعفات الأكثر شيوعًا فهي طفيفة، وتشمل الغثيان وآلام الحلق والصداع والخلط والتشويش . هناك نسبة من التجربة والخطأ في عملية إيجاد الجرعة المناسبة لكل مريض، وذلك بحسب ما يقول نيكولاوس غرافينشتاين Nikolaus Gravenstein من كلية الطب College of Medicine في جامعة فلوريدا University of Florida ويقول: «نحن ننظر إلى الاستجابة لنرى إذا ما كانت قريبة من المقدار المتوقع، أو إذا كانت أكثر أو أقل، ثم نعدل الجرعة بناء على ذلك.» ويمكنك أن تتتبّع أثر التخدير باستخدام تقنية تسمى مراقبة الدليل ثنائية النطاق Bispectral index monitoring، الذي يقيس العديد من المتغيرات في الدماغ، ولكن هذا أمر مكلف ولا يستخدم إلا في الحالات الخطرة.

ويقول غرافينشتاين أن هناك احتمال دائم لحدوث فشل في المعدات أو خطأ بشري، كأن ينسى المرء إعادة ملأ خزان الدواء بعد أن ينفد.

ولكن الجينات قد تلعب دورًا في استجابتنا للأدوية المخدرة؛ فالأشخاص المصابون بمتلازمة داون قد يكونون معرضين بشكل خاص لمضاعفات الأدوية المخدرة، وهناك العديد من الأمراض الجينية النادرة التي تزيد من احتمال حدوث المشكلات من مثل إنسداد مجرى التنفس وأمراض القلب والكبد والكلية.

ويقول ميرلين بتلر Merlin Butler من المركز الطبي بجامعة كانساس Kansas University Medical Center إن المشكلات قد تنتج عن الأنواع المتباينة من الجينات التي تصنع الإنزيمات المسؤولة عن تكسير أنواع محددة من الأدوية، التي يبلغ عددها قرابة الستين جينًا. ويقول: «إذا كان للشخص جسم سريع الاستقلاب أو إذا كان بطيء الاستقلاب لأدوية من مثل الأدوية المخدرة، يمكن أن تصير هذه الأدوية سامة لهم مما يقود إلى آثار جانبية خطيرة.» وبسبب أن مثل هذه الحالات الجينية نادرة جدًا، فإنها لا تفحص بشكل روتيني للكشف عنها قبل عملية التخدير، ولكن هذا قد يتغير مستقبلًا لأن الفحص الشخصي للصيغة الجينية Personalized genetic profiling يصير شيئًا فشيئًا أمرًا روتينيًا في الطب.

ويقول غرافينشتاين إن أغلب هذه المضاعفات الكبيرة لا ترتبط بحقيقة أننا لا نفهم الآلية الجزيئية للتخدير. ويقول: «ومع ذلك فإنه من الواضح أننا كلما فهمنا الآليات الجزيئية أفضل، زادت مقدرتنا على تصميم أدوية أفضل لتستهدف هذه الآليات.»

عندما يفشل التخدير 

يعتبر التخدير في الجراحة أمرًا روتينيًا وآمنًا، ولكن بعض المشكلات قد تنشأ في القليل من الحالات.

الضرر العصبي

يصاب نحو 1 من كل 5000 شخص تعرضوا للتخدير بضرر مستديم في بعض الأعصاب الطرفية، وغالبًا ما يكون ذلك في اليدين أو القدمين، ويصاب نحو 1 من 2000 مريض بضرر مؤقت في الأعصاب. ويمكن أن يحصل ذلك في إحدى حالتين، إما أن يصاب العصب خلال العملية نفسها، أو أن يحصل الضرر بسبب أن العصب قد مُدِّد وضُغِط عندما كان الشخص مستلقيًا في وضعية غريبة لفترة طويلة. إذا ما كان المرء مستيقظًا، سيجعله ذلك غير مرتاح وسيتحرك طبيعيًا لتخفيف الضغط. أما عندما يكون تحت تأثير المخدر فإن هذا الخيار لا يكون متاحا.

الهذيان

يصحو بعض الناس من التخدير بعد العملية في حالة من الارتباك والهذيان. وهذا شائع بشكل خاص في المرضى الأكبر سنًا أو الأشخاص الذين يأخذون بعض الأدوية كمضادات الاكتئاب، ولكن ذلك عادة ما ينحسر خلال يوم أو اثنين. وفي العديد من الحالات يمكن منع هذه المشكلات. تشير بعض الأبحاث إلى أن استخدام نسبة أقل من الدواء المخدر يمكن أن تقلل من خطر الهذيان بعد العملية.

الاستيقاظ في منتصف العملية

ربما أحد أهم المشكلات المقلقة هي اليقظة المفاجئة، وهي أن يستيقظ المريض في منتصف العملية إذا لم يحصل على نسبة كافية من المخدر. ومع ذلك، قد لا يكون ذلك بالسوء الذي يبدو عليه؛ فأغلب المرضى الذين يعانون هذه المشكلة لا يشعرون بأي ألم، ولكن العديد منهم يتذكرون أنهم كانوا في غرفة الجراحة. وغالبًا ما تحدث هذه الحوادث قبل أو بعد العملية.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن لهذا الأمر أن يكون أمرًا مقلقًا. ومثال على ذلك، فريدريك لويد Fredrik Lloyd، وهو شاعر يعيش الآن في أوسلو، والذي خضع لعدة عمليات في قدمه ومعدته في مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال في لندن.

وإحدى هذه العمليات محفورة في ذاكرته، ويقول عنها: «صحوت فجأة ووقفت على قدميّ خلال العملية. وكنت مستيقظًا واعيًا، وكان هناك شخص ما يقطع جسدي.»

ويكمل: «أتذكر الجدران الخضراء، والتي عُلِّقت عليها كل أنواع المعدات.

وأتذكر المناشير الكبيرة، والمثاقب، والكماشات وغيرها من المعدات. بدأ الشخص الذي كان يقطع جسدي بإخبار شخص ما إلى جانب الطاولة شيئًا ما، صائحًا عليه… لا بد وأني فقدت الوعي ثانية. ولم أشعر بأي ألم.»

من المقدر أن واحدًا أو اثنين من كل ألف مريض يعانون درجة معينة من اليقظة عندما يكونون تحت التخدير العام. وبعضهم، بخلاف لويد، يجدون أنفسهم مشلولين ولا يستطيعون التعبير عن حالتهم. ومن حسن الحظ أن هذا لا يبقى لأكثر من دقائق معدودة، ولكن بعض الأشخاص الذين يستيقظون خلال العملية يعانون فيما بعد حالة نفسية اسمها «الكرب التالي للصدمة» Post-traumatic stress.

الموت 

الغالبية العظمى من حالات الوفاة التي تحدث في التخدير العام لا يكون سببها الدواء المخدر ذاته، ولكنها مع ذلك قد تحدث. وفي حالات نادرة جدًا (في 1 من كل 20000 مريض) يمكن أن تحدث للأشخاص تفاعلات الحساسية للأدوية. وقد يسبب ذلك الموت في خمسة في المئة من هؤلاء الأشخاص، مع أن الغالبية العظمى يشفون شفاءً تامًا.

والذي يغلب على حالات الأشخاص الذين يتوفون أن يكون سبب الوفاة هو المرض الذي كانت الجراحة تهدف إلى علاجه، ويكون سبب الموت في حالات نادرة جدًا أخطاء يقترفها الفريق الطبي ولا يدركها في الوقت المناسب. وربما كانت أشهر الحالات في السنوات القليلة الماضية هي حالة الكوميدية الأمريكية جوان ريفرز Joan Rivers، التي ماتت خلال عملية أجريت على حلقها. وتشير الفحوصات على هذه الحالة إلى أن الخطأ كان على الأرجح خطأً بشريًا، وليس نتيجة جانبية من نواتج التخدير، مما سبّب موتها.

فيليب بال Philip Ball كاتب يقيم في لندن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى