الضغط على أعصاب السرطان طريقة مدهشة لتثبيط السرطانات
طريقة للتخفيف من الألم تكشف عن نقطة ضعف السرطانات، ويمكنها أن تتيح لنا إيقاف المرض عن طريق تعطيل الأعصاب التي تسمح لها بالانتشار
يعيش دافيد مارتينيز David Martinez حياةً مؤلمة بسبب التهاب البنكرياس الذي أصابه، وهو حالة يصير فيها البنكرياس ملتهبا بشدة. وخلال الأشهر الخمسة الماضية تلقى مارتينيز ثلاث حَقْنات من المخدرات الموضعية، تلقاها في الأعصاب الموجودة في بطنه من أجل تخفيف معاناته، ولكن مفعول الدواء يخف تدريجيا في نهاية المطاف ليعود بعدها الألم.
ومارتينيز في الحادية والأربعين من العمر، وقد كان يعمل سابقا على تشغيل آلة رافعة في باسكو واشنطن. ولم تكن إصابته بالتهاب البنكرياس كافية لتنغص حياته على ما يبدو، بل إنه مصاب بما يحمله على القلق أكثر وأكثر. ويمثل الالتهاب المزمن للبنكرياس عاملَ اختطار كبيرا لحدوث السرطان في البنكرياس، ويقول مارتينيز: “أخاف أن يكون ذلك هو ما يحصل.”
ولكن، ماذا لو كان بإمكان حقن المواد المسكنة التي يتلقاها أن تقوم بأكثر من مجرد تسكين الألم، ماذا لو كانت تستطيع منع السرطان أيضا؟ في الأوساط العلمية هناك دلائل جديدة تجعلنا نعيد التفكير في الطريقة التي يغزو فيها السرطان أجسامنا؛ ويبدو أن استهداف الخلايا العصبية قد يكون طريقة ناجحة لمحاربة الأورام، بل وحتى منعها من التكون في المقام الأول. بل إن البعض يظن أن التركيز على الأعصاب قد يكون القطعة الناقصة في أحجية حربنا ضد السرطان، وكما يرى غوستافو أيالا Gustavo Ayala، من مركز العلوم الصحية Health Science Center التابع لجامعة تكساس University of Texas في هيوستن: “إن لم تتخلص من مشكلة الأعصاب، فلن تستطيع الشفاء من السرطان.”
وبالنسبة إليه كجراح في مجال السرطانات، فمن المحبط أن تكتشف خلال العملية أنك متأخر جدا، وأن المرض نشر لتوه جذوره القاتلة لأبعد من المدى الذي تستطيع استئصاله فيه. ولكن، قبل 30 سنة، أدرك جراح سرطانات البنكرياس كيث ليليمو Keith Lillemoe أنه حتى ولو لم يستطع إزالة كل النسيج السرطاني، يمكنه على الأقل أن يقلل من الألم الذي يشعر به المرضى؛ وذلك عن طريق حقن الكحول في الأعصاب المحيطة بالأورام البنكرياسية التي تضغط على البطن والعمود الفقري، ويمكنه بذلك تدمير الألياف التي تحمل إشارات الألم إلى الدماغ.
وفي نهايات الثمانينات اختبر ليليمو وزملاؤه في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في بالتيمور بماريلاند، هذه التقنية على 137 مريضا مصابين بسرطان بنكرياس غير قابل للعلاج بالجراحة. وكانت النتائج واضحة؛ فقد شعر أولئك الذين حُقنوا بالكحول بألم أقل من الذين حصلوا على العلاج الغُفل Placebo، لكنَّ هناك نتيجة أخرى مفاجئة، وهي أن الأشخاص الذين تلقوا هذا العلاج عاشوا فترة أطول.
وفي المعدل، عاش الذين تلقوا العلاج على الأقل لثلاثة أشهر أطول من الذين تلقوا العلاج الغُفل، وعلى جودة أفضل للحياة. ويقول بيتر ستاتس Peter Staats، وهو مختص بالألم وساعد على تحليل البيانات: “كان ذلك أثرا مبهرا.”
وكأغلب الأطباء في ذلك الوقت، افترض ستاتس أن هؤلاء المرضى عاشوا أطول لأن تقليل الألم رفع من مزاجهم وسمح لهم بأن يكونوا أكثر نشاطا و من ثم أن يكونوا أكثر قدرة على تحمل جلسات أكثر من العلاج الكيميائي أو العلاج بالأشعة. ولكن هذه لم تكن بالضرورة الصورة الكاملة.
لطالما عرف الجهاز العصبي بأنه يؤدي دورا حاسما في نشر السرطان، كما يمكن للخلايا الورمية أن تغزو الأعصاب المحيطة به، وأن ترتحل عبر الطريق الكهربائي السريع للجسم، ما يتيح لها أن تنشر بذورها من جديد في مناطق بعيدة. وهذا هو السبب الذي يفسر كون السرطانات أكثر عدوانية ويفسر انتشارها، وغالبا ما ينتهي بها المطاف بأن تنتشر وصولا إلى المركز الرئيسي في الجهاز العصبي: ألا وهو الدماغ.
يقول هوبرت هوندرمارك Hubert Hondermarck، وهو عالم ببيولوجيا السرطانات من جامعة نيوكاسل University of Newcastle بأستراليا: “ولكن الأعصاب تكون مجرد متفرجة غير فاعلة في هذه الأحداث.” فقد اعتاد الناس على الاعتقاد أن الأعصاب بكل بساطة توفر طرقا من أجل السرطانات لتسافر عبرها. أما في الوقت الحاضر، فقد صار من الواضح أن تأثير الأعصاب لا يقتصر على أن الأورام تحاول اختراقها من أجل تسريع انتشارها، بل إن الأعصاب تُسرِّع من نمو السرطانات كذلك. يقول هوندرمارك: “هذه طريق باتجاهين.”
فمن المعروف أن المختصين ببيولوجيا الأورام أهملوا دور الجهاز العصبي لفترة طويلة، وهو ما قد يفسر سبب قلة علاجات السرطانات التي تزيل المرض بشكل فاعل.
الطب الدقيق Precision medicine
ولكن، أليس من المؤكد أن تعطيل الأعصاب مؤذٍ؟ تؤدي أعصابنا الكثير من المهام الأساسية، ومن ثم لو كان لك أن تعطل إرسال الإشارات في الأعصاب بشكل غير انتقائي، يمكن أن ينتج من ذلك بعض المخاطر الحقيقية؛ فعلى سبيل المثال، الأعصاب الحسية هي ذلك النوع من الأعصاب الذي يسمح لنا أن نشعر بالأشياء، كما أنها ترسل للعضلات إشارات من أجل أن تستجيب، وتعطيل هذه الأعصاب عبر الجسم كله (وهو ما قامت به بعض التجارب السابقة التي أجريت باستخدام مسكنات ألم تجريبية) يجعل الأشخاص غير قادرين على الإحساس بحرارة الحروق بشكل فاعل، وهي مشكلة كبيرة بالنسبة إلى أي شخص يحب الحمامات الساخنة أو تناول الشاي.
وهذا هو السبب الذي دفع بليليمو ليستخدم حقنات موضعية للكحول في تجاربه. ولكن الكحول، مثلها مثل أي عامل يُثبِّط عمل الأعصاب، يميل إلى أن يدمر كل الأعصاب بشكل عشوائي، علما بأن الأعصاب ليست كلها تساهم في السرطانات. والأعصاب التي نعلم أن لها علاقة بنمو السرطانات يغلب عليها أن تكون خارج الدماغ والحبل الشوكي، أي إنها تقع في الجهاز العصبي الطرفي، والذي يتكون بدوره من جهازين فرعيين: أحدهما يعمل على التحكم بالحركة والآخر ينظم الوظائف اللاإرادية. وكلا هذين الجهازين الفرعيين يساهم في تطور الأورام، ولكن بشكل مختلف بحسب نوع السرطان.
ففي سرطان البنكرياس، على سبيل المثال، تمتلئ الأورام بالأعصاب الحسية. ويقول بريان دافيس Brian Davis، وهو اختصاصي بالآلام وبيولوجيا السرطان من جامعة بيتسبيرغ University of Pittsburgh في بنسلفانيا: “يمكن لتحفيز هذه الأعصاب الحسية أن يقود إلى الالتهاب.” والالتهاب هو الذي يظن أنه يخلق ظروفا مؤدية لترسيخ الأورام. و من ثم، فإن تقطيع الأعصاب الحسية في هذا الورم أو تدميرها بأي شكل قد يؤدي إلى فرق كبير. وبالنسبة إلى مارتينيز، فإن هذا قد يمنع التهاب البنكرياس من أن يؤدي إلى ورم أبدا.
أما في سرطان البروستاتا، فإن الأعصاب التي يجب أن نُلقي لها بالا ليست الأعصاب الحسية، بل هي الأعصاب الموجودة في الجهاز العصبي اللاإرادي (المستقل) Autonomic nervous system. وهذا الجهاز له وظيفتان متعاكستان: أن يرخي الجسم، متيحا لنا أن نستريح ونهضم الطعام، وكذلك أن ينظم استجابة الجسم للمحاربة أو الفرار في حالات الخطر، وذلك، على سبيل المثال، عن طريق تحفيز القلب ليزيد من معدل نبضه.
وفي الفئران المصابة بسرطان البروستاتا، تكون للوظيفتين المختلفتين للجهاز العصبي المستقل آثار مختلفة في تنظيم نمو الورم، وذلك بحسب كلير ماغنون Claire Magnon، وهي اختصاصية ببيولوجيا السرطان في لجنة الطاقات البديلة والطاقة الذرية بفرنسا French Alternative Energies and Atomic Energy Commission بالقرب من باريس، وتقول إن الجهاز الذي ينظم استجابة المحاربة أو الفرار Fight-or-flight response هو الذي “يتحكم في بدء [السرطان]، والآخر يتحكم في الانتشار.”
قد يكون هذا التمييز ذا فائدة؛ إذ إن الأطباء يسعون إلى استخدام أدوية تستهدف الأعصاب من أجل علاج مرضى السرطان. فعلى سبيل المثال، يمكن لحاصرات المستقبلات بيتا Beta-blockers أن تنظم نبض القلب، وهذا هو السبب الذي يجعلها توصف بشكل روتيني للأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم والمشكلات القلبية الوعائية الأخرى. وتعمل هذه الأدوية عن طريق استهداف المستقبلات المتعلقة باستجابات المحاربة أو الفرار، و من ثم فهي من المحتمل أن تكون ذات فائدة في علاج المراحل الأولى في تقدم السرطان، وذلك بحسب ما تقول ماغنون. وأما بالنسبة إلى مرض كامل، فإن الأدوية التي تعطل عمل الأعصاب المسؤولة عن استرخاء الجسم قد تكون أكثر نجاعة. وتقول ماغنون: “هذا أمر مثير، ويشكل بداية عصر جديد في أبحاث السرطانات.”
وجاء دعم هذه الفكرة، القائلة إن إيقاف عمل الأعصاب قد يوقف السرطان، من دراسات الرصد Observational studies؛ فالأشخاص الذين يتناولون أدوية من مثل حاصرات المستقبلات بيتا بشكل منتظم، وهي الأدوية التي تعرقل عمل بعض أجزاء الجهاز العصبي، غالبا ما يكون عندهم مستويات أقل من السرطان. وهذه الفكرة تدعمها أبحاث المختبرات التي تظهر أن الخلط ما بين العصبونات مع خلايا السرطان في أطباق المختبر يسرع من نمو السرطان.
وأما أول دليل حقيقي على وجود علاقة بيولوجية سببية بينهما، فقد جاء عام 2013 من مختبر باول فرينيت Paul Frenette في كلية طب آلبرت آينشتاين Albert Einstein College of Medicine في البرونكس بنيويورك، عندما حقنت ماغنون مادة كيميائية تقتل الأعصاب في فئران كان العلماء زرعوا فيها أوراما بروستاتية بشرية. وقد أوقفت هذه المادة تقدم السرطان. كما أن الخدش الجراحي للأعصاب Surgically nicking the nerves كان له الأثر نفسه. ويقول فرينيت: “لم نتوقع أيا من ذلك”. وقد كان يظن أن هذه الطريقة قد تقلل من انتشار السرطان عبر الجسم، وذلك عن طريق قطع طريقها عبر الجهاز العصبي. ولكن بدلا من ذلك، فقد أوقفت نمو الورم في البروستاتا.
ومن ثم هل يمكن أن ينطبق هذا الأثر على البشر؟ مع أن بعض السرطانات تظهر نسبا قليلة من التسرب عن طريق الأعصاب (من مثل سرطان الغدة الدرقية)، ولكن كمبدأ عام، فإن هذه الطريقة قد يكون لها العديد من التطبيقات. ويقول تيموثي وانغ Timothy Wang من المركز الطبي Medical Center في جامعة كولمبيا Columbia University في نيويورك: “تجد أنه في السرطانات كلِّها تقريبا هناك زيادة في الأعصاب، ويمكن أن تثبت أن العديد من هذه الأعصاب يحفز نمو الورم، وأن الأورام تفرز مواد تستجلب الأعصاب لها.”
“قتل الأعصاب أوقف تقدم سرطان البروستاتا”
التركيز الحالي ينصب على الاستراتيجيات التي قد تحسن من العلاجات الحالية. وقد أظهرت الأبحاث المجراة على الفئران أنه، وحتى بعد ظهور السرطان، فإن قطع الأعصاب يمكن أن يجعل الورم أكثر تأثُّرا بالعلاج الكيميائي والعلاجات الأخرى. والمهمة الآن تتمثل بالتأكد ما إذا كانت هذه النتائج نتطبق علينا نحن البشر أم لا. يقول هوندرمارك: “كل هذه الخيارات الآن مطروحة على الطاولة.”
وبالنسبة إلى سرطان البروستاتا، فإن إزالة الأعصاب أو تدميرها لن يكون أمرا شائعا، لأنها ستجعل الرجال عاجزين جنسيا ومصابين بسلس البول. وهذا كان الثمن الذي يدفع من أجل علاج المرض في الأيام السابقة، أما الآن فإن الجراحين يمكنهم في العادة أن يزيلوا بروستاتا الرجل من دون التأثير في الأعصاب التي تتحكم في الانتصاب وبوظيفة المثانة.
ولكن السم المعروف بـ “سُمِّ الوشيقية” Botulinum toxin والذي يوقف عمل الأعصاب، والمعروف تجاريا بـ “بوتوكس” Botox، يمكنه أن يعطينا حلا لهذه المشكلة. وعن طريق منع إفراز المرسال الكيميائي المطلوب من أجل نقل الإشارات من الخلايا العصبية للعضلات. يمكن للبوتوكس أن يسبب شللا موضعيا، وهذا هو السبب الذي يجعل البوتوكس ذا استخدام شائع من أجل تمليس التجاعيد في الوجه أو من أجل علاج الحالات المرتبطة بزيادة فعالية للعضلات.
قبل سنوات مضت، قام أيالا بدراسة صغيرة على الرجال المصابين بسرطان محدود الانتشار (متوضِّع)، والذين كانوا على وشك إزالة غدد البروستاتا لديهم جراحيا. وقبل الجراحة، قام بحقن البوتوكس مباشرة في أحد فصَّيْ البروستاتا، وحقن في الفص الآخر محلولا ملحيا، مع تجنب أي كمية قد تفيض وتؤثر في الأعصاب المحيطة التي تتحكم في الوظائف الجنسية والبولية. وبعد شهر، عندما أزال الرجال غدد البروتسات جراحيا، عاين أيالا الأنسجة. وكان الأثر واضحا: كانت الخلايا السرطانية في مرحلة اضمحلال، ولكن ذلك كان يقتصر فقط على الجانب الذي حُقن بالسّم العصبي.
يمكن كذلك لأنواع أخرى من الحقن أن تكون فاعلة أيضا. ولهذا يفحص دافيس وزميلته في جامعة بيتسبرغ جامي سالومان Jani Saloman مركبا كيميائيا اسمه ريزينيفيراتوكسين Resiniferatoxin على سرطان البنكرياس في الفئران. وهذا المركب (ريزينيفيراتوكسين) موجود في نبتة شبيهة بالصبار في دولة المغرب، ويشبه في مفعوله المكون الفعال في الفلفل الحار، ولكنه أكثر فعالية منه في تثبيط العصبونات الحسية بألف مرة. وبخلاف الكحول، فإنه يفعل ذلك دون التأثير في بقية الجهاز العصبي. ووفقا لسالمون، فإن هذه المادة بما أنها تسبب إزالة التحسس في الأعصاب المحيطة بالبنكرياس، يمكن لحقنة واحدة منها أن تصيد عصفورين بحجر واحد: أن تبطئ نمو السرطان وتجعل من العلاجات الكيميائية والعلاجات بالإشعاع علاجات أكثر فعالية، وكذلك أن توقف الألم الفظيع.
وهناك أدوية أخرى لا تزال قيد التطوير؛ ففي السنة الماضية على سبيل المثال، بين وانغ كيف أن هناك دواء إذا ما أعطي جنبا إلى جنب مع العلاج الكيميائي، فإنه يحجب المُستقبِلات التي تستخدمها الخلايا السرطانية والأعصاب من أجل التواصل، ويمكنه أن يقلل من نمو الورم في الفئران المصابة بسرطان المعدة. والآن، يُختبر هذا الدواء على البشر. وفي الشهر الفائت، اكتشف فريق تقوده ميشيل مونجو Michelle Monje في جامعة ستانفورد Stanford University بكاليفورنيا دواء يمكنه أن يمنع العصبونات في الدماغ أن تفرز عوامل تحفز السرطانات في الأنسجة المحيطة، كابحين بذلك من نمو الأورام الدماغية التي تظهر عند الأطفال في عينات من الفئران.
كما يحاول بعض الباحثين تعديل استخدام حاصرات المستقبلات بيتا؛ فقد عاين فريق من معهد هيرشي للسرطان Hershey Cancer Institute في جامعة ولاية بينسيلفانيا سجلات مرضى تعود إلى 15 سنة في المستشفى التابع لهم، ووجدوا أن نحو نصف الأشخاص الذين كانوا مصابين بالورم الميلانيني Melanoma والذين كانوا يأخذون حاصرات المستقبلات بيتا (لمشكلات القلب طبعا) دخلوا في هدأة طويلة للمرض لسنوات تلت العلاج المناعي. وتقول إليزابيث ريباسكي Elizabith Repasky من معهد روسويل بارك للسرطان Roswell Park Cancer Institute في بوفالو بنيويورك، والتي ساعدت على هذا المشروع: “كان الأثر في فترة الحياة أكثر أثر رأيته في حياتي.” وقد أظهر ريباسكي مؤخرا أن استخدام حاصرات المستقبلات بيتا يمكن أن تجعل العلاج المناعي أكثر فعالية ضد السرطان في الفئران. والآن تخطط هي وفريقها للقيام بتجارب لرؤية إن كان بمقدورهم القيام بالمثل في الأشخاص الذين يتلقون العلاج المناعي لعلاج سرطان الثدي أو الجلد. وفي مكان آخر، يقيِّم باحثون آخرون ما إذا كان بمقدور حاصرات المستقبلات بيتا أن تجعل من العلاج الكيميائي أو الجراحة أكثر فعالية ضد سرطانات المبيض أو البروستاتا أو الأنواع الأخرى من السرطانات.
منع التقدم No way through
يظن وانغ أنها ليست إلا مسألة وقت حتى تصير العلاجات الحاصرة لعمل الأعصاب جزءا اعتياديا من علاجات السرطان. ويقول: “ستكون لها استخدامات أوسع بكثير، أكثر من أغلب طرق الطب الدقيق التي يعمل عليها الآخرون الآن بحماس.”
وكأغلب علاجات السرطان، كلما كان استخدام استراتيجيات تعطيل الأعصاب في مرحلة أبكر من تطور المرض، كان احتمال فعاليتها أكبر؛ فعندما ينشأ السرطان، تعيد الأعصاب تنظيم البيئة الخلوية لتسمح بنمو الورم، ومن ثم لو لم تكن هناك أعصاب، لا يكون هناك إعادة تنظيم. ويقول فرينيت: “بشكل أساسي، نقوم بحجب هذه المرحلة الانتقالية الأولى.”
ومن المؤكد أن منع ترسيخ السرطان على الإطلاق هو الهدف النهائي. فهل يمكننا فعل ذلك عن طريق التخلص من الأعصاب حتى قبل أن يبدأ السرطان بالتشكل؟ يقول آندرو ريم Andrew Rhim من مركز إم دي أندرسون للسرطان MD Anderson Cancer Center في جامعة تكساس في هيوستون إن هذه الاستراتيجية ليست استراتيجية نافعة جدا إلا إذا كنت تعلم مسبقا أنك من المؤكد تقريبا أنك ستصاب بالسرطان. ولكنه يضيف: “سيكون من المنطقي استخدام هذه الاستراتيجية كاستراتيجية وقائية للمرضى الذين يملكون احتمالية كبيرة للإصابة بالسرطان.”
وقد تكون النساء اللاتي يحملن جينات تجعلهن أكثر احتمالا للإصابة بسرطان الثدي والمبيض هن المرشحات الأُوائل لهذه الاستراتيجية. واليوم، أكثر من نصف النساء الحاملات لأنواع من جين BRCA يخترن أن يُزِلن أثداءهن أو مبايضهن، ومن أجل أولئك اللاتي يواجهن هذا التدخل العلاجي القاسي، فإن إزالة الأعصاب أو تعطيلها قد يكون بديلا أقل بَضعا Less invasive.
# “إن كنت في خطر من الإصابة، يمكن إيقاف المرض قبل أن يرسخ جذوره”
يمكن لمثل هذه الاستراتيجية الوقائية أن تستخدم في الأشخاص الذين تحتمل إصابتهم بسرطان البنكرياس، وهو سرطان مميت بشكل خاص، ويصعب الكشف عنه مبكرا. ولا تنشأ أورام البنكرياس في العادة حتى يصير المرء في متوسط الأربعينات من العمر أو أكثر. وإن كنت تعلم أنك تحمل صفة وراثية تجعلك عالي العرضة لهذا السرطان، يمكنك أن تحصل على علاج موجه خصيصا لتدمير الأعصاب الحسية فقط في البنكرياس، أي إنك توقف المرض قبل أن يرسخ جذوره. وتقول سولومون: “لا تحس بالبنكرياس أصلا، ومن ثم لن تفقد أي وظيفة حسّيّة مهمة.”
يمكن لحلول جذرية من هذا النوع أن توفر راحة البال أيضا للأشخاص الشبيهين بمارتينيز. ومع أنه لا يملك تاريخا عائليا من الإصابة سرطان البنكرياس، إلا أن التهاب البنكرياس وعمر مارتينيز يزيدان من خطر الإصابة به.
هذه المعرفة الحديثة التي حصلنا عليها، والقائلة إن الأعصاب تؤدي دورا في تطور المرض، تساهم في إعادة كتابة فهمنا للمرض، وقد تسبب نقلة ثورية في العلاج. وفي الوقت الحالي، بالنسبة إلى مارتينيز والآخرين الذين يعيشون حالة مشابهة، هناك راحة في معرفة أن الجهود التي تبذل من أجل تخفيف الألم اليوم قد تقلل من خطر الإصابة بالسرطان غدا. ويقول: “آمل بأن يكون هذا شيئا يساهم في مساعدتي.”