أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةبيولوجيا

كيف يتنامى الجهاز المناعي؟

كيف يتنامى الجهاز المناعي؟

تحدد إشارات وراثية وبيئية مصير الخلايا

المناعية أثناء تمايزها إلى عدد كبير من السلالات

الوظيفية التي تتعرف المستضدات الغريبة وتقاوم الغزاة.

  <L.I.وايزمان> ـ <D.M.كوپر>

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N10_H02_004302.jpg

تتأهب الخلية البائية لمغادرة مكان إنتاجها في نقي العظم ودخول الوعاء الدموي. وتنضج الخلايا المناعية في التوتة ونقي العظم، لتجوب بعدها في الجسم والأعضاء اللمفانية كالطحال والعقد اللمفية.

 

هذه المنظومة الكبيرة المدهشة من الخلايا ذات التآثر (التفاعل) البارع deftlyinteracting cells ـ والتي تحمي الجسم من الميكروبات (الأحياء المجهرية) والڤيروسات الغازية ـ تنحدر من عدد قليل من الخلايا الطليعية precursor cells، التي تبدأ في الظهور نحو الأسبوع التاسع من الإخصاب conception. ومنذ تلك اللحظة تبدأ الخلايا المناعية حلقة متكررة من التنامي المستمر. إن الخلايا الجذعية stem cells التي يعتمد عليها جهاز المناعة immune system، توالد نفسها لتعطي العديد من السلالات (الأنسال) lineages، مثل الخلايا البائية B cellsوالبلعميات macrophages والخلايا التائية القاتلة killer T cells والخلايا التائية المساعدة helper والخلايا التائية الالتهابية inflammatory، وغيرها.

 

والخلايا المناعية ليست معزولة في حيز واحد، أو تنتظم على هيئة عضو واحد؛ فبدلا من ذلك، فإنها توجد على هيئة كيانات لها قدرة كامنة على الحركة، وغير مرتبطة بالخلايا الأخرى، وهذه الخاصية ليست حاسمة فقط لوظيفتها، وإنما هي هبة للباحثين، حيث يمكنهم عزل الخلايا المناعية بصورة نقية نسبيا، وفي مراحل تمايزها كافة. وهكذا يمكن للذين يجرون التجارب أن يحددوا خصائص الخلايا، ويبنوا «أشجار نسبها» أو سلالاتها.

 

وتخدم المعلومات المستقاة بهذه الطريقة علماء البيولوجيا الذين يحاولون فهم الموضوع الرئيس المتمثل بكيفية تنامي الخلايا وتمايزها، تلك السيرورة (الحَدَث) التي تبدأ بالبيضة المُخْصَبَة وتبلغ ذروتها في كائنٍ حيٍّ بالغٍ شديدِ التعقيد. والأهم من ذلك على المدى القريب، هو أن هذه المعرفة تتيح احتمالات علاج الأمراض العديدة التي يمكن أن تنشأ إما عن فشل خلايا المناعة في أن تتنامى تناميًّا سويًّا في الجنين، أو عن انحرافها عن طراز النمو الخاص بها لاحقًا في أثناء الحياة.

 

يكاد الفهم الحالي لكيفية تنامي المكونات المتنوعة للجهاز المناعي يتناقص كليًّا تقريبًا مع معتقدات الباحثين قبل ثلاثة عقود فقط. فنحن نعلم اليوم بأن جميع الخلايا المناعية تنشأ عن عدد محدود من الخلايا السليفةprogenitor في نقي (نخاع) العظم والتوتة thymus. لقد اعتقد العلماء في فترة ما قبل الستينات، بأن الخلايا المناعية المختلفة التي يتطلبها حدوث الاستجابة المناعية إنما تُنتَج موضعيًّا في الأعضاء اللمفانية lymphoid organs: مثل الطحال spleen، والزائدةappendix، والعقد اللمفية lymph nodes المنتشرة في مختلف أنحاء الجسم. وقد أخذ هذا الاعتقاد يتغير بتأثير التجارب المجراة على الحيوانات، والملاحظات السريرية حول الخلل الوظيفي dysfunction في الجهاز المناعي.

 

ولربما كان إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناگازاكي، واحدا من أقدم الأحداث المحورية التي أدت إلى تشكل النظريات الحديثة حول أصل خلايا المناعة. فقد مات في الأيام 10 إلى 15 التي تلت الانفجارين، الكثير ممن تعرضوا للإشعاعات، بسبب النزف الداخلي internal bleeding أو الخَمَج(1) infection. إن التجارب التي أجريت على الحيوانات لاستكشاف ما حصل لهؤلاء المصابين، أظهرت أن تشعيع irradiation كامل الجسم يقتل الخلايا المولدة للذراري في الأعضاء المشكلة للدم وفي الأعضاء اللمفانية. ومن دون الخلايا المسؤولة عن تجلط الدم clotting أو عن مقاومة الغزاة يموت الجسم.

 

وقد وجد الباحثون أنه يمكن معالجة متلازمة الإشعاع radiation syndromeبحقن كمية صغيرة من خلايا نقي العظم المأخوذة من مانحٍ (متبرع) مثيل وراثيًّاgenetically identical donor. ودلت التجارب اللاحقة على أن الدم بأكمله وكذلك جهاز المناعة لدى الفئران التي شُفيت من الإشعاع، إنما اشتقا من خلايا المانحين. ويمكن لجزء من نقي العظم الذي أعيد بناؤه في هذه الفئران المعالَجة بالإشعاع، أن تُنقذ بدورها فئرانا أخرى تعرضت للإشعاع. وكان من الواضح أن نقي العظم يحتوي على خلايا قادرة في آن واحد على التمايز إلى السلالات المختلفة لخلايا الدم، وعلى استيلاد نفسها.

 

لقد اكتشف علماء المناعة في وقت مبكر جدا، أن بعض خلايا نقي العظم قادرة على إعطاء نتاجات progeny  ذات أنماط خلوية متنوعة ـ إنما ليس بالضرورة الأنماط كلها. ويمكن تعريف هذه الخلايا الآباء بخصائصها الفردية، وكذلك بسمات سلالاتها (تسمى الخلايا كلها المتحدرة عن خلية طليعية واحدة بالنسيلة clone). ويستطيع الباحثون إنماء خلايا تنتمي لنسائل متنوعة في مزارع للحصول، في كل مرحلة من مراحل التمايز، على عدد من الخلايا كافٍ للتحليل.

 

وفي عام 1961 اكتشف كل من <A.E.ماك كالوش> و <E.J.تيل> (من معهد أونتاريو للسرطان في تورنتو) دليلا على أن خلية واحدة من النوع المناسب تستطيع ـ نظريا ـ إعادة بناء الجملة الدموية بأكملها. إذ قاما بحقن خلايا نقي (نخاع) العظم في فئران مشعَّعة، ولاحظا ظهور انتفاخات متعددة على طحال الكثير من هذه الفئران. لقد احتوى كل من هذه الانتفاخات على عدد من الأنماط الخلوية المتميزة، وأثبت هذان الباحثان وزملاؤهما أن الخلايا كلها الموجودة في انتفاخ معين تحدرت من سليفة progenitor واحدة. واقترحا وجود مجموعة من خلايا نادرة نسبيا ـ الخلايا الجذعية المكونة للدم hematopoietic ـ تستطيع أن تتوالد، وبوسعها أيضا أن تولد أنماط خلايا الدم الأخرى كافة.

 

وتلا اكتشاف الدور الحاسم لخلايا نقي العظم اكتشافٌ لا يقل عنه أهمية، ألا وهو دور التوتة. حيث عَرَّض استئصال هذه الغدة عند الفئران الوليدة تنامي الخلايا اللمفاوية lymphocytes  للخطر في أنحاء الجسم كافة [الخلايا اللمفاوية هي خلايا دم بيض، تهاجم البكتيريا (الجراثيم) وغيرها من المواد الغريبة]. كما عانت الفئران ـ التي أزيلت منها التوتة ـ عوزًا مناعيا وخيمًا استمر طوال حياتها.

 

وفي مجموعة تجارب أخرى مهمة، قام الباحثون باستئصال عضو لمفاني يدعى جراب فابريشيوس bursa of Fabricius من الدجاج (يقوم الجراب في الدجاج بالدور نفسه الذي يقوم به نقي العظم في الإنسان)، إلا أن اللمفاويات المتأثرة هذه المرة كانت من سلالة مغايرة لتلك التي تأثرت باستئصال التوتة، فقد توقف هنا إنتاج الخلايا اللمفاوية التي تنضج لتصبح خلايا پَلْزَمِيّة (پلزميات) plasma cells تنتج الأضداد؛ ونتيجة لذلك فقد أظهر هذا الدجاج المعالج  نمطا مختلفا من العوز المناعي.

 

وقدمت الملاحظاتُ السريرية الدلائلَ التكميلية على وجود نوعين متميزين من السلالات اللمفانية، ففي بعض الأطفال نمت التوتة نموًّا سويًّا، في حين كان هناك خلل وظيفي في نقي العظم. ومع أنه كانت هناك خلايا لمفاوية في النسج المحيطية peripheral tissues  لهؤلاء الأطفال، غير أنهم كانوا يعانون عوزًا ولاديا في الخلايا الپلزمية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأطفال المولودين من دون توتة، ولكن لديهم نقي عظمٍ سوي، أنتجوا خلايا پلزمية على الرغم من أن عدد الخلايا اللمفاوية كان ضئيلا.

 

كما كشفت الدراسات على الخباثات اللمفانية lymphoid maligancies عن طراز التنامي نفسه. فقد وُجد أن الكثير من الأورام اللمفانية في الفئران يبدأ نشأته في التوتة، وأن استئصال التوتة باكرا يمنع نشوء الأورام اللمفية في أي مكان آخر. وفي الوقت نفسه أدى استئصال جراب فابريشيوس عند الدجاج إلى شفاء نوع آخر من الأورام اللمفية. وعلى ما يبدو فإن لكل من هذين العضوين اللمفانيين وظائف أساسية متميزة، فكل واحد منهما مسؤول عن صنف مختلف من الخلايا المناعية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N10_H02_004303.jpg

تبدأ سلالات الخلايا المناعية وخلايا الدم جميعها من الخلية الجذعية. إن الخلايا الجذعية التي تتمايز لتعطي خلايا بائية تقطن في نقي العظم. أما تلك التي تنتج الخلايا التائية فتقطن في التوتة.

 

وبحلول أواخر الستينات صار من الجلي أن الخلايا الجذعية تنتج مجموعتين رئيستين من سلالات اللمفاويات (إضافة إلى خلايا الدم الأخرى). تتكون المجموعة الأولى من الخلايا البائية، وهي تنشأ في نقي العظم وتنتج الأضداد التي تترابط بالبروتينات الغريبة واسمة إياها كي تهاجمها خلايا أخرى. وتعمل البائيات ضد العوامل الممرضة الموجودة خارج الخلايا كالبكتيريا. أما المجموعة الثانية، أي الخلايا التائية، فتتمايز في التوتة وتتعامل مع العوامل الممرضة الموجودة داخل الخلايا كالڤيروسات، وذلك إضافة إلى الطفيليات داخل الخلايا كعصيات التدرن السلي tuberculosis. كما أن الخلايا التائية تفرز أيضا جزيئات تعرف باسم اللِّمفوكينات lymphokines التي توجّه فاعلية الخلايا البائية والخلايا التائية الأخرى، وكذلك فاعلية أقسام أخرى من جهاز المناعة.

 

يهاجر كلا النوعين من اللمفاويات حال تشكله إلى الطحال والعقد اللمفية والنسج اللمفانية المعوية. ويمكنها هناك أن تصادف المستضد antigen، الذي هو الإشارات (الشارات) الجزيئية للبكتيريا والڤيروسات الغازية، وتستدعى للشروع في العمل. وتجول اللمفاويات باستمرار خلال أجهزة الجسم الوعائية واللمفية، لتتوقف توقفًا دوريًّا في الأعضاء اللمفانية أثناء قيامها بدوريات البحث عن المستضدات الغريبة.

ومع أن وجود الخلايا الجذعية قد ثبت للمرة الأولى في عام 1961، فإن الباحثين لم يحرزوا إلا تقدما قليلا في تعرف أمثلة حقيقية من هذه الخلايا حتى بداية الثمانينات. ففي ذلك الزمن تمكن علماء البيولوجيا من استنباط مقايسات (فحوصات) نوعية للخلايا البائية والتائية والطليعات النِّقْيانِيّةmyeloid precursors. فتمكنوا حينئذ من عزل خلايا نقي العظم لتحديد أي البروتينات السطحية موجودة وأيها غائبة على خلايا خاصة منسِّلة (مشكّلة للنسائل) clone-forming. وفي واحد من مختبراتنا (مختبر وايزمان)، وجد العلماء سليفات الخلايا البائية والتائية وغيرها من خلايا الدم في الفئران، وذلك في جزء ضئيل فقط من التعداد الكلي لخلايا نقي العظم، أي ما يعادل تقريبا خلية واحدة من بين كل 2000 خلية. وتبيّن لاحقا أن هذه الخلايا هي الخلايا الجذعية.

 

وتطلَّبَ البحث عن الخلايا الجذعية في الإنسان التقنيات نفسها التي ثبتت جدواها في الفئران. ففي سياق هذا التقصي تمكن <M.J.ماك كون> وزملاؤه (من جامعة ستانفورد) من تطوير تقنية اتضح أنها تتيح اختبار الجزء نفسه من خلايا نقي العظم لتحديد ما إذا كان يحتوي على خلايا جذعية حقيقية قادرة على استيلاد نفسها. فقد قام ماك كون وزملاؤه بغرس التوتة والكبد ونقي العظم والعقد اللمفية لجنين الإنسان في ذرية strain من الفئران لا تحوي جهازها المناعي الخاص بها. لقد نجح هؤلاء العلماء في إقامة جملة وظيفية بشرية لتشكيل الدم ولتنامي الخلايا التائية الآدمية عند هذه الفئران. وإثر قيامه بتجربته هذه أسس ماك كون شركة للتقانة الحيوية باسم سيسْتِمِكْس (يتشارك فيها وايزمان).

 

لقد حقن باحثو شركة سيستمكس خلايا جذعية بشرية محتملة في تلك الفئران، وبرهنوا على أنه يمكنهم بهذه الطريقة إعادة بناء جهازي تشكيل الدم والمناعة. ومما أثار الاهتمام هنا أن خلايا التوتة المشتقة من الخلايا البشرية كانت غير حصينة ضد الأخماج بڤيروس عوز المناعة البشري (HIV) الذي يسبب الإيدز، واستنفد الخمجُ النوعَ نفسه من خلايا الإنسان المناعية الجائلة التي تدمَّر في حالات الإيدز.

 

وتتمايز الخلايا الجذعية إلى سلالة بائية وأخرى تائية، وذلك استجابة لإشارات من بيئتها مازال الكثير منها مجهولا. وتُشاهَدُ هذه الظاهرة في الجنين حيث يصبح التمييز بين الخلايا البائية والتائية واضحا. وتهاجر الخلايا الجذعية، في مرحلة مبكرة من الحياة الجنينية، من الأعضاء المكونة للدم إلى التوتة، على شكل موجات واضحة المعالم. وما إن تستقر في التوتة حتى تنقسم هذه الخلايا الجذعية المتزاحمة وتتمايز. إنها تعطي أنواعًا متعاقبة من الخلايا التائية التي تحتل بطانة lining (ظهارة epithelium) الجلد، والفتحات المختلفة (مثل الفم والمهبل)، والأعضاء التي تصل ما بينها (كالرحم والسبيل المعدي المعوي، وهلمّ جرّا) وذلك قبل إنتاجها الأجيالَ التالية التي تنتقل بالدوران إلى الأعضاء اللمفانية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N10_H02_004304.jpg

يبدأ تنامي الخلية البائية من الخلايا الجذعية في نقي العظم، حيث تتكاثر هذه الخلايا وتستولد نفسها، كما تنتج (تفرخ) سلالات خلوية تمر بمرحلة سليفة البائية ومرحلة طليعة البائية كي تصبح خلايا بائية. وتولد الخلايا السَّدَوِيّة الإشارات الكيميائية التي ينبغي على الخلايا البائية أن تتلقاها كي تتنامى بنجاح. تعيد هذه الخلايا خلط جيناتها الخاصة بالأضداد، ثم تنتج السلاسل الخفيفة والثقيلة التي تكوّن المستقبل. ويبلغ تنامي الخلية البائية ذروته بتشكل الخلية الپلزمية التي تفرز الأضداد لتستثير مزيدا من الهجوم من قبل جهاز المناعة ضد الغزاة.

 

ويمكن تمييز هذه الخلايا بوساطة الجزيئات التي تحملها على سطحها (وتدعى مستقبلات الخلية التائية، أو TCR اختصارا). وفضلا عن ذلك، فإن هذه الجزيئات تُنتج، على ما يبدو، بترتيب مميز جدا. فالخلايا الأولى تحمل مستقبلات تتألف مكوناتها مما يعرف بالسلسلتين غاما ودلتا، في حين أن الخلايا التالية تحمل مستقبلات تتألف من السلسلتين ألفا وبيتا.

 

وتظهر الموجة الأولى من الخلايا، عند الفئران مثلا، ما بين اليومين 13 و 15 من الحمل، حاملة نوعا من المستقبلات TCR يعرف باسم غاما 33. وتهاجر هذه الخلايا إلى الجلد، حيث تعمل حرّاسًا تتعرف خلايا الجلد المخموجة أو السرطانية أو المصابة بأذيات أخرى، ومن ثم تدمرها.

 

أما الموجة التالية والتي تظهر ما بين اليومين 15 و 20 من الحمل، فإنها تتخذ مستقرا لها كلا من بطانة أعضاء التوالد عند الإناث وظهارة اللسان عند الجنسين معا. وتحمل هذه الخلايا أحد المستقبلات TCR، ويسمى غاما 4. وتهاجر الموجات اللاحقة بشكل أساسي إلى الطحال (غاما 2) وإلى بطانة السبيل المعوي (غاما 5).

 

وتغزو الموجتان الأولى والثانية من هذه الخلايا توتة الجنين فقط. أما في المراحل اللاحقة من التنامي وطوال حياة الفرد، فإن الخلايا الجذعية التي استقرت في التوتة، تتمايز بصورة أساسية إلى خلايا تائية تحمل المستقبلات ألفا ـ بيتا، أو ما يعرف بالخلايا التائية المساعدة والقاتلة.

 

ويتوافق الترتيبُ الذي تُنتِج الخلايا الجذعية وِفْقَه هذه الموجات من الخلايا النتاجية، الترتيب الذي يظهر فيه الدنا DNA المكوِّد (المرمز) لأنماط سلاسل غاما المختلفة على جين المستقبل TCR. وعلى ما يبدو فإن الخلايا الجذعية «تؤوِّل (تفسر)» برنامج تنامٍ يعتمد على عمر الحيوان.

 

ويسلك التنامي المبكر والتالي لجملة الخلايا البائية مسارات مشابهة وإنما أقل تعقيدا. فنتاج الخلية الجذعية الذي يدخل مسار الخلايا البائية ينجز تناميه في النُّسج نفسها التي تتشكل فيها خلايا الدم البيض وخلايا الدم الحمر الأخرى. ويتم إنتاج هذه الخلايا في المرحلة الجنينية المبكرة في الكبد، غير أن الخلايا الجذعية تهاجر فيما بعد إلى نقي العظم.

 

وربما تختلف الخلايا البائية التي تولدت في الكبد عن تلك التي ستتشكل فيما بعد في نقي العظم. فالخلايا الأولى تصنع أضدادا قادرة على الترابط بضروب واسعة من المستضدات إنما بألفة affinity  ضعيفة نسبيا. وبالمقابل، فإن الخلايا التي تتشكل لاحقًا في نقي العظم تحمل أضدادا تتفاعل بقوة أكبر بكثير إنما مع مستضد واحد أو مستضدين فقط. وعلى ما يبدو، فإن الآليات التي تلجأ إليها الخلايا البائية لإنتاج طيف تام من الأضداد تبدي فعلها فقط قرابة حدوث الولادة. إن كل خلية بائية في الكائن الحي البالغ تحمل على سطحها معقدًا متفردًا للمستقبل الضدي unique antibody receptor complex، تستخدمه لتتعرف مستضدا نوعيًّا بعينه.

 

لقد اكتشف العلماء الكثير عن الكيفية التي يستطيع بوساطتها عدد قليل من الخلايا الجذعية إنتاج هذا التنوع الهائل من الخلايا البائية. ولاقتفاء مسار هذه السيرورة (الحدث)، اكتشف الباحثون كيف يميزون البروتينات السطحية الكثيرة التي تعبر عنها هذه الخلايا أثناء انقسامها وتقدمها في مسار تمايز الخلايا البائية. إن هذه الواسمات markers  الجزيئية هي أداة أساسية تتآثر بوساطتها الخلايا البائية مع الخلايا المجاورة. ونتيجة لذلك، فإن اللمفاوية البائية تعرض على سطحها وهي آخذة في النضج بروتينات مختلفة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N10_H02_004305.jpg

تنتج الخلايا التائية في التوتة من الخلايا الجذعية التي تهاجر من نقي العظم. تمر هذه الخلايا في أثناء نضجها بمراحل مختلفة يمكن تعرّفها بحسب البروتينات التي تعبر عنها الخلايا على سطحها في كل مرحلة. إن الخلايا التي تترابط مستقبلاتها بجزيئات الصف الأول من المعقد MHC على سطوح الخلايا المجاورة، تتنامى لتصبح فيما بعد خلايا تائية قاتلة، أما التي ترتبط مستقبلاتها بجزيئات الصف الثاني من المعقد MHCفإنها تتنامى لتصبح خلايا تائية مساعدة (MHC هو الجزيء الذي تستعمله الخلايا لتقدم المستضدات للخلايا التائية.) تموت الخلايا التي لا تترابط بأيٍّ من نوعيِ المعقدMHC، وأيضا تلك التي تترابط بمستضدات الجسم نفسه.

 

إن الإشارات التي تنبئ خلية جذعية وليدة لتدخل في مسار تشكّل الخلية البائية بدلا من أن تصبح خلية حمراء أو أي نمط آخر من الخلايا البيض، تأتي أساسا ـ على ما يبدو ـ من الخلايا الأخرى المتجاورة معها. فعندما اكتشفت ولأول مرة <C. ويتلوك> مع زميلها <N.O.ويت> (من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس) كيف تُربّى في الزرع ولأمد طويل الخلايا البائية، وجدا أن الخلايا السَّدَوِيّة stromal cells  (خلايا ضخمة في نقي العظم تشبه النقاب) ضرورية لزرع الخلايا البائية. وتتآثر الخلايا السدوية مع سليفات الخلايا البائية progenitor cells pro-Bبوساطة جزيئات سطحية. كما تصنع الخلايا السدوية عوامل بروتينية ذؤوبة (مثل الإنترلوكين-7 interleukin) تترابط بمستقبلات على سليفات الخلايا البائية وعلى طليعاتها (pre-B)، مومئة لها أن تنقسم وأن  تتمايز.

 

وتبدأ سليفات الخلايا البائية، خلال انقسامها، سيرورة تتوج بالتعبير عن معقدِ مستقبلٍ ضديٍّ متفرد. ففي البداية تعيد هذه الخلايا تراتب شدُف الجينgene fragments التي تكوِّد السلسلتين الخفيفة والثقيلة للگلوبلين المناعي، وهما اللتان ستشكلان جزيء الضد. وحالما تتم عملية إعادة التراتب، يبدأ انتساخ هذه الجينات بفاعلية ملحوظة.

 

إن التراتب الذي تبدأ به الشُّدف الجينية وظيفتها، حاسم لتنامي الخلية البائية اللاحق؛ ذلك أن الجينات الموجهة لبناء السلسلة الثقيلة، تتخالط shuffleتخالطا نمطيا وتباشر وظيفتها أولا (وتدعى الخلية في هذه المرحلة بالخلية طليعة البائية). ويعقب ذلك إعادة تراتب الجينات المكودة للسلسلة الخفيفة حيث تباشر هي الأخرى عملها [انظر: «كيف يتعرف الجهاز المناعي الغزاة؟»، في هذا العدد].

 

تبدأ الخلايا أيضًا إنتاج نوعين إضافيين من البروتينات هما الگلوبلينان المناعيان immunoglobulins  ألفا وبيتا، اللذان يرصعان أغشية هذه الخلايا. وتتقارن سلاسل الگلوبلينات المناعية الثقيلة والخفيفة مع الگلوبلينات المناعية ألفا وبيتا لتشكيل وحدة مستقبل المستضد التي تهاجر إلى سطح الخلية، وهناك يمكنها أن تتآثر مع المستضد وأن ترسل إشارات ملائمة تصل من جديد إلى النواة. إن الخلايا التي تبلغ هذه المرحلة من التمايز تدعى الخلايا البائية، وهي التي تدخل الدم في طريقها إلى النسج المحيطية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N10_H02_004306.jpg

تبدأ دورة الجهاز المناعي في نقي العظم، حيث تنضج الخلايا البائية (في الأعلى). وتتخذ الخلايا التي تغادر نقي العظم (في الأسفل) سكنا في الطحال والعقد اللمفية ولطخ (لويحات) پاير في المِعيَ. وتدور الخلايا اللمفاوية البائية والتائية بشكل مستمر في أنحاء الجسم كافة، حيث تقوم بدوريات حراسة للبحث عن المستضدات التي قد تشير إلى وجود الخمج.

 

وتستطيع هذه الجمهرة من الخلايا البائية أن تستجيب لِطيْفٍ شديدِ التباين من المستضدات. ولكي توجه كل خلية صُنْع سلاسلها الخفيفة والثقيلة توجيها صحيحا، فإنها تختار تركيبة (تضامية) combination واحدة من شُدف جيناتها من بين أكثر من مليون تركيبة تستطيع كل خلية متنامية أن تحور مواضع تضفير الجنيات gene-splicing sites، كي تزيد أكثر فأكثر من تنوع الدنا الذي يكوِّد مقر ربط المستضد. وإذا حدث وكان هذا التنوع غير كاف، فإن الخلية تستطيع غرز تسلسلات نكليوتيدية nucleotide sequences جديدة في نقاط اتصال الشُّدف  عند تضفير بعضها ببعض.

 

تقوم الخلية بإعادة كتابة كودها الجيني بوساطة إنزيم دي أُوكسي نكليوتيد ترانسفيراز الطرفي (الانتهائي) terminal deoxynucleotide transferase. ويُعبَّر عن هذا الإنزيم فقط في نواة سليفة البائية، حيث تحدث عادة عملية إعادة تراتب جين السلسلة الثقيلة. لكن قد يحدث أحيانا أن يعاد تراتب جينات السلسلة الخفيفة أولا. ولقد اكتشف هذه الحقيقة <H.كوباگاوا> (من جامعة ألاباما في برمنگهام) عندما أخْمَج السلالات المبكرة للخلايا البائية بڤيروس إبشتاين-بار Epstein-Barr، مكونًا بذلك زرعا خلويا ذاتي التوالد self-reproducing، توقفت جينات الگلوبلينات المناعية في خلاياه عند هذه المرحلة من التنامي. لقد وجد هذا الباحث أن الخلايا طليعات البائية قد أعادت فقط تراتب جينات سلاسلها الخفيفة، التي احتوت نقاط اتصالها على تسلسلات جديدة، مما يوحي بأن التخالط قد حدث قبل توقف فاعلية إنزيم الترانسفيراز.

 

لقد درسنا حتى الآن تنامي الخلايا البائية كما لو كان سبيلا تتبعه الخلايا كلها حتى نهايته بمجرد أن تسلكه. وفي الحقيقة فإن واقع الحال ليس كذلك. فعندما أحصى <C.D.أوزموند> (الذي يعمل حاليا في جامعة ماك گيل) عدد الخلايا سليفات وطليعات البائية في نقي العظم عند الفئران، وجد أن نصف الخلايا أو أكثر يموت ـ على ما يبدو ـ في مرحلة طليعة البائية.

 

لقد نظَّر الباحثون أن الخلايا طليعات البائية تموت ما لم تتلقَّ إشارة البُقْياsurvival signal، وهي نوع من المراسيل الجزيئية يصدر عن الخلايا المجاورة، وربما تترابط «قبلة الحياة»(2) بمستقبل يظهر على سطوح المرحلة الأخيرة للخلايا طليعات البائية. ويتألف هذا المستقبل من سلاسل ثقيلة مقترنة بما يسمى معقد بديل السلسلة الخفيفة surrogate light-chain complex. وخلافا لمستقبلات المستضد التي تنتجها الخلايا البائية الناضجة، فإن الجينات التي تكوِّد المعقد البديل لا تحتاج ـ من أجل التعبير عن نفسها ـ إلى إعادة تراتب.

 

وعندما حال <D.كيتامورا>وزملاؤه (في جامعة كولونيا) دون التعبير عن هذه المستقبلات، وجدوا أن إنتاج الخلايا البائية قد انخفض إلى أقل من عُشْر مستواه السوي. وربما تكون الخلايا البائية التي استطاعت البقاء على قيد الحياة، هي تلك التي أعادت تراتب جينات سلاسلها الخفيفة باكرا، منتجة بذلك سلاسل خفيفة غير بديلة في مرحلة مبكرة تكفي تلك السلاسل لأن تأخذ مكان المستقبل المفقود.

 

أما الخلايا البائية الأخرى، فإنها تموت ليس لأنها لم تتلق «قبلة الحياة»، ولكن ـ على الأصح ـ لأنها تحمل «قبلة الموت». إذ يؤدي بعض أنواع إعادة تراتب شُدف جينات الخلايا البائية إلى اصطناع أضداد تتفاعل مع خلايا الجسم نفسه، إن مجرد وجود السلالات التي تحمل هذه الأضداد يستوجب التخلص منها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N10_H02_004307.jpg

تحدث الاستجابة المناعية في العقد اللمفية، مكان تجمع الخلايا البائية والخلايا التائية. وتقدم الخلايا التغصنيةُ المستضداتِ للخلايا التائية (في الوسط). وتتآثر هذه الخلايا التي تسمى بالخلايا التائية المساعدة مع خلايا تائية وبائية أخرى، لتنتج الخلايا التائية القاتلة (في اليسار)، التي تغادر العقد اللمفية بحثا عن النسج المخموجة، ولتُشكِّل كذلك الپلزميات (في اليمين) التي تفرز الأضداد.

 

وتبدأ سيرورة الانتقاء السلبي negative selection process، عندما تتآثر الخلايا البائية حديثة التشكل لأول مرة مع بيئتها. وبسرعة، تصادف الخلايا ذاتية التفاعل self-reactive cells  كمياتٍ كبيرة من المستضدات التي تستطيع أضدادها الترابط بها ـ وهذه هي الجزيئات الموجودة على سطوح الخلايا المجاورة. فإذا كان هذا الترابط قويا بما فيه الكفاية، فإن الضد المستقبل يرسل إشارات ضمن الخلية تؤدي إلى انتحارها فيما يعرف باسم موت الخلية المبرمج (الأپوپتوزيز)apoptosis. أما الخلايا البائية غير الناضجة التي لا تتفاعل بشدة مع مستضدات الذات فإنها تبقى وتنضج. ويمكنها أن تستجيب لاحقا للتنبيه المستضدي من جزيئات الغير (السِّوى/ اللاذات) nonself. ولقد أمكن البرهان على هذا المبدأ العام لأول مرة في الدجاج والفئران التي عولجت بأضداد مضادة للمستقبلات من النمط IgM الموجودة على سطوح الخلايا البائية غير الناضجة : إن المعالجة المبكرة بأضداد المستقبل أدت إلى إجهاض تنامي هذه الخلايا، في حين أدت الجرع التي أعطيت فيما بعد إلى تنبيهها. ففي مراحل التنامي المبكرة، تحرض الإشارات التي يرسلها الضد المستقبل على موت الخلية المبرمج بتنشيط الإنزيمات التي تشطر دنا النواة. وهكذا، فإن الخلايا البائية ذاتية التفاعل (تتفاعل مع الذات) لا يمكنها عمليا أن تبقى حية لتصل إلى مرحلة النضج.

 

أما النسائل التي تتخطى هذه السيرورة الانتقائية، فيمكنها أن تهاجر إلى النسج اللمفانية المحيطية. وتستطيع هناك أن تباشر الطور الوظيفي من تاريخ حياتها. وأخيرا عندما يتم تنبيه هذه الخلايا بوساطة كل من المستضدات والخلايا التائية، فإنها قد تعود إلى نقي العظم لتعاني فيه نضجها النهائي إلى خلايا پلزمية مفرزة للأضداد.

 

أما سبيل نضج الخلايا التائية، فهو ـ إلى حد ما ـ أكثر تعقيدا. فالخلايا الجذعية في التوتة التي تلتزم هذا الخط من التنامي قد تنضج في نهاية الأمر لتشكل أنواعا عديدة من الخلايا التائية، بما في ذلك الخلايا المساعدة والخلايا القاتلة.

 

تمر الخلايا التائية في أثناء تناميها عبر عدد من نقاط الغربلة (التَّذْرِيَة). ويختبر التحدي الأول قدرتها على تعرف المستضدات التي تقدمها لها خلايا أخرى ـ وهي خاصية أساسية لانتقاء الخلية المناعية الوظيفية. فجزيئات ما يعرف بمعقد التوافق النسيجي الكبير major histocompatibility complex MHC تمسك بشُدف من المستضدات البروتينية لتقدمها إلى الخلايا التائية. وتقسَّم جزيئات المعقد MHC إلى نمطين: الصف (الصنف) الأول class I، والصف الثاني. وتمسح الخلايا، خلال تناميها في التوتة، بيئتها لتحدد ما إذا كانت ستتعرف أيا من جزيئات معقد الذات MHC (أي الشُّدف البروتينية المرتبطة بجزيئات المعقد MHC). فإن استطاعت [وكانت الشدفة من الغير (اللاذات)] فإنها تبقى حية، وإن لم تستطع فإنها تموت. كما أنها تموت أيضا إذا كان جزيء المعقدMHC يمسك بشدفة من بروتينات الذات.

 

وحالما تجتاز الخلايا التائية في أثناء نضجها هذا التحدي، تكون الخطوة التالية تدمير الخلايا التي تحمل مستقبلات تتفاعل بقوة مع نسج الجسم نفسه (تماما كما هي الحال فيما يتعلق بالخلايا البائية). وفي النهاية تبقى فقط الخلايا التائية ذات المستقبلات التي تتعرف كلا من المستضدات الغريبة وجزيئات معقد الذات MHC، حيث تغادر التوتة وتسكن شتى أنحاء الجسم.

 

وفي محاولتهم لاكتشاف تفاصيل هذه الصورة، بدأ علماء المناعة باقتفاء خط النسب من الخلية الجذعية إلى الخلية التائية المهاجرة. وحتى يتمكن الباحثون من اختبار العلاقات السليلية lineage relationships، فقد استخدموا خلايا جذعية وذراري تحمل واسمات يمكن تعرُّفها بوضوح. وأدخل الباحثون هذه الخلايا، في مراحل مختلفة من نضجها، في توتات(3) فئران لا تحمل خلاياها هذه الواسمات. وإثر انقضاء ساعات أو أيام، تمكن العاملون من تحديد ما أنتجته غرائسهم transplants من الأنسال (الأعقاب) offsprings.

 

وعمليا لا تعبر الخلايا التوتية المغروسة، في أبكر مراحل تناميها، عن أي من الواسمات العامة للخلية التائية التي تعرضها عادة على سطوحها، فهناك قلة أو لا شيء من البروتين تميم المستقبل co-receptor المعروف بالواسمة CD4، كما لا يوجد أي من بنى مستقبل الخلية التائية، ولا بروتين تميم المستقبل المعروف بالواسمة CD8 (تترابط الواسمة CD8 بجزيء المعقد MHC  من الصف الأول، في حين تترابط الواسمة CD4 بالصف الثاني منه). إلا أنه بعد مرور يوم على الاغتراس، توالدت هذه الخلايا الضخمة، وأعطت خلايا أخرى ضخمة تحمل الواسمة CD8، ولكن ليس الواسمة CD4 أو المستقبل TCR (تقوم خلايا التوتة البشرية في هذه المرحلة من تناميها بالتعبير عن الواسمة CD4، وليس عن الواسمة CD8 أو المستقبل TCR). وتنقسم هذه الخلايا بدورها لتعطي نتاجات تحمل الواسمتين CD8 و CD4 وقليلا من المستقبل TCR. وفي هذه المرحلة ولأول مرة تعبّر الخلايا السليفة عن المستقبل TCRعلى سطوحها. إن التعبير عن الواسمة CD4 في هذه المراحل المبكرة من التنامي قد يفسر سبب استنفاد الخلايا التائية من قبل الڤيروس HIV الذي يغدو في هذه المرحلة شديد الفوعة (الحِدّة) virulent، إذ يعتقد بأن الڤيروس يترابط بجزيئات CD4، حيث قد يهاجم عندئذ هذه الخلايا التوتية السليفة والبدائية، قاطعا بذلك الطريق على كامل نتاجها الخلوي [انظر: «الإيدز والجهاز المناعي» في هذا العدد].

 

وبينما تواصل هذه الخلايا الانقسام وتبديل بروتيناتها السطحية، فإنها تعيد أيضا تراتب جيناتها لإنتاج مستقبلات الخلية التائية. ففي الفأر، على سبيل المثال، يبدأ تجميع سلاسل TCR والتعبير عنها على سطح الخلية عند أو قبل المرحلة التي تعبر فيها الخلايا عن CD4 و CD8  كليهما. وتمتلك هذه الخلايا السليفة المقدرة على التآثر مع الخلايا التي تحمل المعقد MHC في التوتة. وستصبح معظم الخلايا التي تترابط بجزيئات المعقد MHC من الصف الأول خلايا قاتلة، في حين تتنامى تلك التي تترابط بالصف الثاني بصورة أساسية إلى خلايا مساعدة، هذا على الرغم من أن بعضها يتحول أيضا إلى خلايا قاتلة (الخلايا التي لا تترابط بأي من جزيئات المعقد MHC تنكمش وتموت).

 

وبمجرد أن تلتزم الخلايا أحد المسارات، فإن خلايا المراحل الوسيطة توقف إنتاج الواسمة التي لن تستخدم بعد الآن (سواء CD4 أو CD8)، لتعبر عن المزيد من TCR. كما تكتسب هذه الخلايا «مستقبلات المبيت» homing receptors  التي  تمكّنها من مغادرة مجرى الدم ودخول الأعضاء اللمفانية المحيطية. وأخيرا تغادر هذه الخلايا التوتة بلا رجعة.

 

وبطبيعة الحال، لا تُتِمّ كل الخلايا التائية الكامنة مسار التنامي هذا. فبعضها يعاني الانتقاء السلبي، حيث تتسبب إشارات من خلايا أخرى (تلك الخلايا التي تحمل مستضدات الذات مرتبطة بجزيئات معقد الذات MHC) بحدوث الموت المبرمج. ويفترض أن يكون بوسع الخلايا في التوتة أن تستثير الانتقاء الإيجابي أو السلبي، ويعتمد ذلك على طبقة النسيج الجنينية البدائية التي اشتقت منها الخلايا: وهي الأديم الباطن endoderm والأديم المتوسطmesoderm والأديم الظاهر ectoderm. وتمتاز التوتة عن الأعضاء اللمفانية الأخرى باحتوائها غير العادي على خلايا من الأُدُم الثلاثة كافة.

 

وعند هذه النقطة، فإن السبل الخلوية كلها ـ التي تفارقت عندما بدأت خلايا جذعية خاصة التمايزَ إلى خلايا بائية أو خلايا تائية ـ تلتقي في النسج المحيطية. إن معظم المراحل المتبقية في تنامي نوعيِ الخلايا كليهما يحدث بمجرد أن تستثار مستقبلاتها عندما تتلاقى مع مادة غريبة.

 

وتستقر الخلايا التائية والخلايا البائية التي نضجت، ولكن لم تتورط بعد في استجابات مناعية، في مجالات domains مختلفة داخل الأعضاء اللمفانية. وبعد أن يتم تنبيه الخلايا المناعية بالمستضدات، تمر الخلايا التي ستشارك في إنتاج الأضداد بمجموعة معقدة من التآثرات لتشكيل بنى جديدة تعرف بالمراكز المنشئة (المنتشة) germinal centers.

 

وتحتشد في هذه المراكز المنشئة الواقعة في المنطقة البينية بين المجالات التائية والبائية، ثلاثة أنواع من الخلايا هي: الخلايا التائية المساعدة المنشَّطةactivated، والخلايا البائية، والخلايا التغصنية dendritic cells (وهي نمط من الخلايا مقدمة المستضد antigen-presenting cells). وتتكاثر قلة من الخلايا البائية استجابة للمستضد، وسرعان ما تشكل نسائلها السواد الأعظم من جمهرة هذه المراكز.

 

وبينما تتكاثر الخلايا البائية، فإنها تتمايز وتَطْفُر mutate. إنها تقوم بتحوير الدنا DNA في شُدفها الجينية لصنع أضداد مشابهة لتلك التي ترابطت بالمستضد المعني (وربما كانت أكثر تفاعلية منها). وتتآثر بعض الخلايا البائية مع الخلايا التائية المساعدة لتعطي خلايا پلزمية. وهناك أنواع عديدة من الخلايا الپلزمية، كما أن الأضداد التي تولدها هذه الخلايا تتفاعل كلها مع المستضد نفسه، بيد أنها تستثير استجابات مناعية مختلفة. وعلاوة على ذلك، فإن خلايا بائية أخرى تتحول إلى ما يعرف بخلايا الذاكرة memory cells. إن هذه الخلايا لن تشارك مباشرة في الدفاع عن الجسم، بل على الأصح تحتفظ بسجل جزيئي للغزاة السابقين كي تسرّع الاستجابة مستقبلا.

 

وعلى الرغم من أن تنسيق الاستجابة المناعية يتم داخل الأعضاء اللمفانية، فإن الخلايا اللمفية (اللمفاويات) لا تقطن هناك لمجرد انتظار استدعائها. ففي عام 1959 بيّن <L.J. گوانز>وزملاؤه (من جامعة أكسفورد) أن الخلايا المناعية تجول بشكل مستمر ما بين مجرى الدم والأعضاء اللمفانية. وتزود هذه الحركة كل عضو لمفاني باعتيان سريع rapid sampling من الخلايا اللمفية كلها التي قد تمتلك مستقبلات للمستضدات الغريبة التي تستثير في هذه اللحظة انتباه الجسم.

 

تدخل الخلايا اللمفية الجائلة الأعضاء اللمفانية عبر أوعية دموية متخصصة تدعى الوريدات البطانية العالية (رفيعة التخصص) high endothelialvenules HEV (سميت هكذا بسبب السطوح المُحصِرة لجدرانها). وتستطيع الخلايا اللمفية فقط عبور هذه الوريدات، ذلك أنها تعبّر عن مستقبلاتِ مبيتٍ تتوافق مع مستقبلات مقابلة على جدر الوريدات HEV. وعلى ما يبدو، فإن هناك نوعين من هذه المستقبلات: يبيت النوع الأول في العقد اللمفية، بينما يتوافق النوع الآخر مع جزيئات سطحية تُعبِّر عنها الأعضاءُ اللمفانية الموجودة في السبيل المعدي المعوي.

 

عندما يتم تنشيط الخلايا البائية والتائية، فإنها تتوقف فورا عن إنتاج جزيئات مستقبلات مبيتها الاعتيادية، وترتد لصنع إنتگرين integrin آخر كانت تنتجه في مراحل مبكرة من تناميها. ويرتبط هذا الجزيء بجزيء التصاق الخلايا الوعائية vascular-cell adhesion molecule  VCAM-1  (الذي يظهر أيضا على سطح الخلايا السَّدَوِيّة في نقي العظم والخلايا الظهارية في التوتة). ونتيجة لذلك فإن هذه الخلايا لا تستطيع المرور عبر جدر الوريدات السوية HEVللأعضاء اللمفانية عندما تُطلَق في مجرى الدم. وبدلا من ذلك، فإنها تبيت في الأوعية الدموية االتي تغذي النسج المخموجة infected والملتهبة inflammedوالنسج حاملة المستضدات. ذلك أن أوعية تلك المناطق الملتهبة تعبّر عن الجزيئات VCAM-1، في حين أن أوعية المناطق الأخرى لا تعبر عنها. وبالعودة إلى التعبير الخلوي لمراحل تناميها المبكرة، فإن هذه الخلايا تكون قد أنجزت مهمتها النهائية.

 

إن هذه الرواية المبسطة لكيفية تنامي جهاز المناعة ونضجه لا تنبئ بالقصة كاملة. فعلى سبيل المثال، يشترك عدد من جزيئات التصاق أخرى في التآثر (التأثير المتبادل) بين الخلايا اللمفية والخلايا البطانية أو السدوية. وبالفعل، مازال هناك الكثير أمام الباحثين ليتعلموه عن كيفية تلقي الخلايا الإشارات التي تدفعها إما إلى الموت المبرمج، أو إلى استمرار بقائها حية، أو إلى النمو والتمايز.

 

وأحد الأسئلة المهمة هو: كيف تختار الخلايا الجذعية بين أن تستولد نفسها وبين إنتاج أنسال تلتزم خطا سليليا خاصا. إن هذه المعضلة مهمة ليس من حيث النظرية فقط، فإذا ثبت أن الخلايا الجذعية مفيدة في إصحاح العوز المناعي الولادي أو المكتسب، فإن طرائق إكثار هذه الخلايا ـ سواء في أنبوب الاختبار أو في الجسم ـ قد تحسن من فرص شفاء هؤلاء المرضى. أضف إلى ذلك، أن الخلايا الجذعية تشكل هدفا واضحا للعلاج بالجينات، إما باستبدال الجين المعيب أو بمنح نتاجات الخلايا المقدرةَ على البقاء حية في بيئة معادية، كالجسم الذي يحمل الڤيروس HIV.

 

إضافة إلى هذا، فإنه مع تزايد فهم الباحثين لتفاصيل المسار من الخلايا الجذعية إلى الخلايا البائية أو التائية المنشَّطة، فإنهم سوف يحرزون تقدما في معالجة الأمراض الناجمة عن التنامي الخطأ والخَطِر. فالعيوب الوراثية أو المكتسبة في الجينات الأساسية لنمو وتمايز الخلايا ذات الأهلية المناعيةimmunocompetent تتسبب في حدوث العوز المناعي أو الخباثات اللمفانية.

 

فبوسع العيوب الوراثية أن تُحصِر تنامي الخلايا البائية أو التائية في مراحل مختلفة، وهذا يتوقف على نتاج الجين المعنيّ. فمثلا، يسمح العيب في الجين الذي يكوّد (يرمّز) إنزيم دي أميناز الأدينوزين adenosin deaminase  ADA  ، بتراكم نواتج استقلاب سامة في نقي العظم والتوتة، مما يمنع اللمفاويات (الخلايا اللمفية) من تركيب الدنا ومن الانقسام. إن الأطفال المصابين بهذا العيب (الخلل) الوراثي يفتقرون إلى الخلايا التائية والبائية، فلا يستطيعون بالتالي الدفاع عن أنفسهم ضد الخمج (ومن هنا جاء التعبير: «داء العوز المناعي التضامي (المشترك) الوخيم» severe combined

  immunodeficiency diseaseواختصارا SCID. وبناء على فهم صحيح لوظيفة الخلايا الجذعية، بيّن<A.R.گود> وزملاؤه (من كلية طب جامعة مينيسوتا) أنه من الممكن علاج المرض SCID بغرس نقي عظم متوافق compatible bone marrow مأخوذ من قريب سليم، غير أن معظم المرضى ـ لسوء الحظ ـ يفتقرون إلى المانح (المتبرع) الملائم. بيد أن <R.M.بليز>وزملاءَه (من المعهد الوطني للسرطان) نجحوا في غرز جين الإنزيم الوظيفي ADA  في الخلايا التائية المعيبة،  فأصلحوا بذلك شعبة أساسية من شعب الجهاز المناعي.

 

لقد عثر الباحثون خلال النصف الأول من عام 1993 على الجينات المسؤولة عن حدوث أمراض ثلاثة أخرى من العوز المناعي. وتوجد هذه الجينات كلها على الصبغي (الكروموسوم) X وتصيب الصبية (لامتلاكهم نسخة واحدة فقط من المعلومات الوراثية الموجودة على ذلك الصبغي)، ولكن يسبب كل جين منها إجهاض تنامي جهاز المناعة في مستوى مختلف. ففي واحد من هذه الأمراض، تسبب طفرة في الجين المكود لأحد إنزيمات كيناز البروتين protein kinase، (وهو إنزيم أساسي لنقل الإشارات إلى الخلايا طليعات البائية كي تنمو وتتنامى) عجزا فادحا في الخلايا البائية الناضجة وفي الأضداد التي تفرزها. وينجم العوز الثاني عن طفرة تصيب الجين المكود لإحدى السلاسل الثلاث المشكلة لمستقبل عامل النمو المعروف بالإنترلوكين-2. ويخرب هذا العيب تنامي الخلايا التائية المساعدة، وهذا يمنع بدوره نضج الخلايا البائية إلى خلايا پلزمية. أما الاضطراب الثالث الذي يتوجب إيضاحه، فينجم عن عيب في الجين الذي يكود الجزيئات السطحية التي تتآثر من خلالها الخلايا التائية والبائية. فالصبية المصابون بتشوه في الجزيء CD40 أو مستقبله ينتجون الأضداد IgM فقط، لأنهم يفتقرون إلى الإشارة التي تسبب انقسام الخلايا البائية وصنعها أضدادا عالية الألفة من الصفوف (الأصناف) الأخرى.

 

وربما أدى تعرف هذه الجينات إلى العلاج باستبدال الجينات gene replacement therapy بغية تصحيح هذه العيوب. وقد اكتشفت الجينات الثلاثة المسؤولة عن هذه العيوب في وقت واحد تقريبا، من قبل مجموعات مختلفة من الباحثين. وربما تكون معلوماتنا عن تنامي جهاز المناعة وعن وظيفته قد بلغت مستوى يتيح أيضا إمكان كشف الأساس الوراثي للاضطرابات المناعية الأخرى في القريب العاجل. وسينجم عن ذلك أن فوائدها العلاجية ستتراكم بسرعة.

 

ومع أن الخباثات(4) اللمفانية تنشأ أيضا عن خلل وظيفي وراثي، فإنها تختلف عن أمراض العوز المناعي من أوجه عدة، أهمها هو أن الخباثة تتطلب تراكم عدد من الطفرات التي تحابي النمو المفرط للخلايا وكذلك بُقْياها (بقاؤها على قيد الحياة) على حساب نضجها وموتها الطبيعي. لهذا فقد طورت الكائنات المعقدة عديدة الخلايا نقاط مراقبة كثيرة لضبط نمو الخلايا وبُقياها.

 

ولكي تتغلب على هذا الدفاع المعقد، فإنه يتوجب عادة على تسلسل الطفرات الخبيثة أن يبدأ في الخلية الجذعية أو في نتاجاتها المُنسّلة clonal progenyالمباشرة، كي يُسمح بالتطور التدريجي لنسيلة خبيثة من الخلايا تستطيع تضليل آليات المراقبة كافة. فحتى ولو ورث فرد ما جينا يؤهب للخباثة، فإنه يتعين على الخلية المصابة أن تكتسب طفرات إضافية خلال حياتها كي تصبح خلية خبيثة. ومع ذلك، فبمجرد حدوث طفرة تحابي نمو الخلية أو بُقياها، فإن الأرجحية تتزايد في بُقيا الخلية مدة تكفي لتعاني طفرة أخرى تحض على النمو، فطفرة ثالثة، أو رابعة.

 

ويمكن ملاحظة هذا المبدأ في الورم اللمفي الجريبي follicular lymphoma، فهو خباثة نموها شديد التباطؤ، تصيب الخلايا البائية في المراكز الإنتاشية. وعمليا تحوي الأورام اللمفية الجُريبية كلها انتقالا في جين يدعى bcl-2  وينتج  مرسالا يمنع موت الخلية المبرمج ـ ويتعطل هذا الجين عادة عندما تعجز خلية بائية منشطة عن تعرف المستضد، أو عندما تعيد خلط جيناتها المنمنمة (المصغرة) mini-genes بحيث تنتج أضدادا ذاتية التفاعل. أما في خلايا الورم اللمفي الجريبي، فإن هذا الجين يقبع بجوار أحد جينات الأضداد العاملة في الخلايا البائية، وبذلك يبقى ناشطا لأمد غير محدود.

 

إن هذا المسار عديد المراحل نحو الخباثة يفسر أيضا لماذا تكون أورام الخلايا البائية أكثر شيوعا بأربع مرات من خباثات الخلايا التائية. فالخلايا الجذعية في نقي العظم تنتج خلايا بائية طوال حياة الفرد (وبذلك تتيح لها السنوات الكثيرة إمكان تراكم الطفرات). وبالمقابل، تتشكل معظم الخلايا التائية في المراحل الباكرة من الحياة، وتذبل التوتة مع تقدم الإنسان في العمر، تاركة عددا متناقصا من الخلايا الجذعية وأنسالها (ذراريها) كي تطفر.

 

وعندما يتمكن علماء البيولوجيا التطورية والبيولوجيا الجزيئية من فهم الإشارات التي توجه الخلايا الجذعية والمسارات المعقدة لنتاجاتها، فقد يصبح بوسعهم منابلة manipulation  تنامي الجهاز المناعي عن بعد. وسيصبح بمقدور (الأطباء) السريريين تقوية الاستجابة المناعية ضد الغزاة، وتخفيف الضرر الذي تسببه الخلايا المناعية للذات (للجسم الذي يعيلها)، وتقويم أو إزالة تلك السلالات الخلوية التي قد تحض، إن بقيت، على نمو أنماط مختلفة من الخباثات.

 

 المؤلفان

Irving L. Weissman – Max D. Cooper

قضى المؤلفان أكثر من 25 عاما في دراسة تنامي جهاز المناعة. يدرس وايزمان ـ وهو أستاذ في علم الأمراض والبيولوجيا التطورية  في جامعة ستانفورد ـ اللمفاويات البائية والتائية، وهي الخلايا الرئيسية في جهاز المناعة. وكان مختبرُه الأولَ في عزل الخلايا الجذعية عند الفئران، ليشارك لاحقا في عزل الخلايا نفسها لدى الإنسان. حصل على البكالوريوس من جامعة مونتانا ستيت عام 1961، وعلى الدكتوراه في الطب من ستانفورد عام 1965. أما كوپر فهو باحث في معهد هوارد هيوز الطبي بجامعة ألاباما في برمنگهام، حيث يقوم بوضع مخطط تنامي جهاز المناعة عند الفقاريات في مراحله المبكرة، ويمارس  في الوقت نفسه المناعيات السريرية. حصل كوپر على البكالوريوس من جامعة مسيسپي عام 1954 وعلى الدكتوراه في الطب من جامعة توولين عام 1957.

 

مراجع للاستزادة 

HOW THE IMMUNE SYSTEM LEARNS ABOUT SELF. Harald von Boehmer and Pawel Kisielow in Scienriflc American, Vol. 265, No. 4, pages 50-59; October 1991.

THE STEM CELL. David W. Golde in Scientiftc American, Vol. 265, No. 6, pages 36-43; December 1991.

LYMPHOCYTE DEVELOPMENT. Klaus Rajewsky and Harald von Boehmer in Current Opinion in Immunology, Vol. 5, No. 2, pages 175-176; April 1993.

(1) انظر الحاشية في الصفحة 35 من هذا العدد. (التحرير)

(2) «kiss of life» وهي هنا جزيء. (التحرير)

(3) ج: توتة thymus. (التحرير)

(4) ج: خباثة malignancy. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى