متلازمة وِلْيامز والدماغ
متلازمة وِلْيامز والدماغ
من أجل فهم عميق غير مسبوق لكيفية تعضِّي الدماغ(1)، يعكف الباحثون
الآن على دراسة اعتلالٍ لا يُعرف عنه إلا القليل.
<H. لينهوف> – <P. وانگ> – <F. گرينبرگ> – <U. بيلّوجي>
حينما طُلب إلى مراهقة – حاصل ذكائها(2) يساوي 49 فحسب – أن ترسم فيلًا وأن تتحدث بما تعرفه عن هذا الحيوان، كاد رسمها التخطيطي يكون طلاسم؛ ولكن وصَفْها له كان غنيا، بل شاعريا معبرا إلى حد يثير الإعجاب. ففي جزء من ذلك الوصف ذكرت الفتاة أنه «ذو أُذنين رماديتين طويلتين، أذنين مروحيتين، أذنين يمكن أن ترفرفا مع الريح…».
تمثِّل هذه الفتاة بمقدرتها الكلامية نموذجا واضحا للمصابين بمتلازمة وليامز، وهي حالة نادرة بدأت مؤخرا تستقطب انتباه طائفة من العلماء. ولئن كان المصابون الذين يُدْعون أحيانا الوليامزيين Williams people ليسوا جميعا متماثلين، فإنهم غالبا ما يشبه أحدهم الآخر. وكثيرا ما يعتبرون «متخلفين» بشكل بسيط أو متوسط؛ إذ يحرزون بشكل عام درجات دون المتوسط في اختبارات حاصل الذكاء (IQ) القياسية. إنهم عادة يقرؤون ويكتبون بصعوبة بالغة، ويبذلون جهدا كبيرا في حل مسائل الحساب البسيطة، ولكنهم مع ذلك يُظهرون قوى مدهشة في بعض المجالات. فهم لا يُظهرون فقط براعة في اللغة المنطوقة، بل يجيدون كذلك تعرف الوجوه؛ كما يميلون في سلوكهم الجماعي إلى التأثر بمشاعر الآخرين والثرثرة وحُسْن المخالطة.
إن المصابين بمتلازمة وليامز يبدون خليطا مثيرا من القدرات وأشكال العجز. فمثلا حينما طلب إلى مراهقة منهم حاصل ذكائها 49 أن ترسم فيلًا وتصفه، كان رسمها خربشة لا يمكن فهمها من دون توضيح. وعلى الرغم من ذلك فقد قدمت وصفا لغويا غنيا (الصفحة المقابلة). ويُظهر بعض المصابين بهذه المتلازمة موهبة موسيقية ممتازة، ففي الصيف الفائت (1997) حضر هؤلاء الموجودة صورهم في اليمين (وهم على الترتيب من الأعلى <J. تاتل> و<B. جونسون> و<G.لينهوف> – ابنة مؤلف المقالة <H. لينهوف>) مخيَّما فنيا وموسيقيا للوليامزيين انعقد في ماساتشوستس. |
والأكثر من ذلك أن الأدلة القصصية تشير إلى أن بعض الوليامزيين يمتلكون موهبة موسيقية فذة. ومع أن معظم المهام لا تشد انتباههم إلا فترات قصيرة، فإن العديد منهم يصغون إلى الموسيقى ويغنون ويعزفون على الآلات بمثابرة مدهشة. ومعظمهم لا يستطيع قراءة النوطة الموسيقية، ومع ذلك فإن لدى بعضهم قدرة تامة أو شبه تامة على تعيين طبقة الصوت pitch وإحساسا خارقا بالإيقاع (الرِّتْم). فقد تعلم أحد الصِّبْية بسرعة أن ينقر على الطبل إيقاعا معقدا للغاية بسرعة نسبتها 7/4 بإحدى يديه، في حين تنقر اليد الأخرى بسرعة نسبتها 4/4. هذا ويحفظ عدد من الوليامزيين موسيقى معقدة سنوات عديدة ويتذكرون ألحانا وأغاني شعبية طويلة، حتى إن أحدهم يغني أغنيات بخمس وعشرين لغة. كما يغني الموسيقيون الوليامزيون المتمرسون ألحانا متناغمة، ويرتجلون ويلحنون القصائد الغنائية بسهولة.
لقد قادت مثل هذه الحكايات مؤخرا إلى أول دراسة منهجية للقابلية الموسيقية لدى الأطفال الوليامزيين. وتدل النتائج على أن الفتية الصغار يميزون الألحان جيدا، كما يُظهرون بشكل جلي شغفا بالموسيقى واستجابة انفعالية لها تفوق ما يبديه المفحوصون من عامة الناس. وحسبما قال أحد الأطفال الوليامزيين «إن الموسيقى هي نطاقُ تفكيري المفضل».
ويزداد اهتمام الباحثين بمتلازمة وليامز لأنهم يتوقعون من ناحية أن التميّز والتخلف في قدرات المصابين سيفتحان لهم نافذة جديدة على معرفة تعضيorganization (الترتيب البنائي الوظيفي) الدماغ السوي وقابليته للتكيّفadaptability. وتحاول بعض مجموعات الباحثين تحديد الخصائص المميزة لأدمغة الوليامزيين بدقة ومعرفة كيف تؤثر هذه الخصائص في الأداء الفكري وفي غيره من المجالات. ويحاول الباحثون في الوقت نفسه كشف النقاب عن التغيرات الجينية المسؤولة عن متلازمة وليامز.
ففي عام 1993 عرف الباحثون أن سبب الاعتلال هو فقدان قطعةٍ بالغة الصغر من إحدى نسختي الصبغي (الكروموسوم) السابع الموجود في كل خلية من خلايا الجسم. ويمكن أن تشتمل هذه القطعة المخبونة (المفقودة)(3) على 155 جينا أو أكثر. وعندما يتم تعيين الجينات المفقودة، يستطيع العلماء الشروع في تحديد الكيفية التي يفضي بها غياب تلك الجينات إلى الملامح التشريحية العصبية والسلوكية التي سبق مشاهدتها. وقد يصبح هذا المدخل المتكامل لدراسة متلازمة وليامز – والذي يربط الجينات بالبيولوجيا العصبية، ثم بالسلوك في نهاية المطاف – نموذجا لاستكشاف الكيفية التي تؤثر بها الجينات في تنامي الدماغ وفي وظيفته.
أما علماء الطب البشري فيهتمون بمتلازمة وليامز بحد ذاتها. فقد فسر تحليل الجينات في المنطقة المخبونة سبب معاناة الوليامزيين عموما من اعتلالات جسمانية معينة. كما قدّم هذا التحليل وسيلة لاختبار هذه المتلازمة قبل الولادة، ويساعد الآن على تشخيصها في مرحلة أبكر حتى يمكن مساعدة الأطفال المصابين منذ الرضاع لبلوغ أكمل إمكاناتهم. ونذكر في هذا الصدد أن افتقار الدوائر الطبية إلى اعتياد (كثرة) الاطلاع على متلازمة وليامز وغياب الاختبارات الموثوقة، أعاق التشخيص الفوري لهذا الاضطراب في الماضي.
وازداد الفهم ببطء
ومع أن متلازمة وليامز – التي تحدث تقديريا بمعدل حالة واحدة لكل 000 20 ولادة على امتداد العالم – قد حظيت بمزيد من الانتباه مؤخرا، فإنها ليست بالأمر الجديد في أي حال من الأحوال. ويوحي استقصاء أجراه أحدنا (لينهوف) بأن الوليامزيين كانوا مصدر الإيحاء لبعض الأساطير الشعبية القديمة عن العفاريت والجنيّات الصغيرات والأقزام وغيرهم.
لقد اطلع المجتمع الطبي على هذه المتلازمة منذ عهد قريب نوعا ما، أي منذ نحو أربعين سنة فقط. ففي عام 1961 لاحظ <J. وليامز> (وهو اختصاصي بأمراض القلب من نيوزيلندا) أن فئة صغيرة من مرضاه الأطفال كانوا يتشاركون في عدة خصائص. فإضافة إلى إصابتهم بمشكلات وعائية قلبية متقاربة، كانت لهم ملامح وَجْهية جِنّية elfin (مثل الأنف المرفوع إلى أعلى والذقن الصغير) ويبدون متخلفين عقليا. أما المشكلات القلبية التي لاحظها وليامز فغالبا ما كانت تتضمن نفخات murmurs قلبية وتضيُّقًا في الأوعية الدموية الرئيسية. وعلى وجه الخصوص، كثيرا ما كان الوليامزيون يعانون تضيقا أبهريا فوق صمامي (دسامي) supravalvular aortic stenosis (أو اختصارا SVAS) وهو تضيق في الأبهر يتراوح بين الخفيف والشديد.
رسم ووصف لفيل أعدّهما مراهق مصاب بمتلازمة وليامز
|
ومنذ ذلك الوقت، لاحظ الأطباء سمات أخرى يمكن مشاهدة بعضها في وقت مبكر تماما من الحياة. ففي عامهم الأول، قد يجد الأطفال صعوبة في الرضاعة وقد يعانون آلام المعدة والإمساك والفتوق hernias؛ كما قد يصابون بالأرق والتهيج والمغص، وهذا سلوك ينجم أحيانا عن ظاهرة أخرى متكررة الحدوث تتمثل في زيادة كميات الكالسيوم في الدم. وببلوغ هؤلاء الأطفال سنا أكبر تخشن أصواتهم ويبدون متأخرين في نموهم الجسمي والعقلي. فهم يبدؤون المشي في سن 21 شهرا في المتوسط، وغالبا ما تبدأ مشيتهم على ضَرّات(4) أقدامهم بصعوبة مربكة ويبقون على هذه الحال طوال الحياة، كما يضطرب التحكم الحركي الدقيق لديهم. إضافة إلى ذلك يتصف الوليامزيون بشدة الحساسية للضوضاء وبِقِصَر القامة لدى
مقارنتهم بنظائرهم، ويبدو أنهم يشيخون قبل الأوان (فيشيب شعرهم وتتجعد بشرتهم على سبيل المثال في وقت مبكر نسبيا).
يُعتبر الخبن (الفقد) الدقيق من إحدى نسختي الصبغي السابع في الخلايا السبب في متلازمة وليامز (انظر الرسم). ويمكن أن تحوي المنطقة المزالة 15 جينا أو أكثر لم يتم تحديد إلا بعضها. وهناك اختبار تشخيصي لهذه المتلازمة مبني على اكتشافٍ مفاده أن الجين المسؤول عن إنتاج الإلاستين يكون في العادة بين الجينات المفقودة. ويشير هذا الاختبار إلى نسختي الصبغي السابع برقعة خضراء مفلورة (متألقة)، كما يشير إلى الجين المسؤول عن الإلاستين برقعة حمراء مفلورة. وتبدي الصبغيات (اللون الأزرق) المأخوذة من خلية في مفحوص سوي (الصورة المجهرية العلوية) إشارتين خضراوين وإشارتين حمراوين تدلان على أن نسختي الصبغي السابع كلتيهما موجودتان، وأن كل واحدة منهما تحمل الجين المسؤول عن الإلاستين. أما الوليامزيون فإنهم يفتقدون إحدى نسختي الجين، وبذلك ستفتقد إحدى نسختي الصبغي السابع إشارة حمراء (انظر الصورة المجهرية السفلية). |
بدأ الوصف يفسح الطريق للفهم الجيني منذ نحو أربع سنوات، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى دراسة أجريت على التضيق SVAS لدى أناس غير مصابين بمتلازمة وليامز. ففي عام 1993 اكتشف <A. إيوارت> و <M. كيتنگ> (من جامعة يوتا) و <C. موريس> (من جامعة نيڤادا) وآخرون، أن التضيق (SVAS) هذا نشأ بالنسبة لشريحة من هؤلاء (غير المصابين بالمتلازمة) من طفرة موروثة في نسخة واحدة من الجين الذي يسبب إنتاج الإلاستين elastin، وهو بروتين يمنح المرونة لعدة أعضاء وأنسجة مثل الشرايين والرئتين والأمعاء والجلد.
تعيين الجينات المفقودة
وانطلاقا من إدراك هؤلاء الباحثين بأن التضيق SVAS أمر شائع لدى الوليامزيين، وأن المصابين بالتضيق SVAS العائلي وحده وكذلك المصابين بمتلازمة وليامز يعانون في الحالتين اضطرابات في الأعضاء التي تتطلب المرونة، فقد تساءل أولئك الباحثون عما إذا كانت متلازمة وليامز هي أيضا تتضمن نوعا من التغير في الجين المسؤول عن الإلاستين. وقد وجدوا بما يكفي من اليقين أن هذا الجين كان مخبونا من إحدى النسختين المؤلِّفتين للصبغي (7)في الخلايا. ومن الواضح اليوم أن خبن هذا الجين يحدث لدى نحو 955 في المائة من مرضى متلازمة وليامز. ويفترض أن ذلك الفقدان للجين أمر ضار لأن كلتا النسختين الجينيتين لازمتان لصنع كميات كافية من بروتين الإلاستين.
وقد عرف الباحثون أن نقص الإمداد بالإلاستين يمكن أن يسهم في الملامح الجسدية المختلفة لمتلازمة وليامز (مثل التضيق SVAS والفتوق وتجعد البشرة المبكر)، ولكنه قد لا يستطيع بذاته تعليل البصمات السلوكية والمعرفية cognitive. وعلى الرغم مما تقدم، فقد كان من المحتم كذلك أن يتصف أوائل مفحوصيهم – الذين كانوا من المصابين بالتضيق SVAS من دون خلل معرفي (استعرافي) – بانخفاض مستويات حاصل الذكاء لديهم إذا كان مجرد النقص في الإلاستين يمكن من جانب واحد أن يسبب جميع أعراض متلازمة وليامز. وقد أدى هذا الإدراك إلى شكهم في تأثر المزيد من الجينات. وتأييدا لهذه الفكرة، دلت الفحوص المباشرة للصبغيات المأخوذة من مرضى وليامزيين على أن المنطقة المخبونة من الصبغي 7 تمتد إلى ما وراء حدود الجين المسؤول عن إنتاج الإلاستين وربما ضمت عدة جينات.
ويتم الآن كشف النقاب عن العديد من تلك الجينات الأخرى، ومن بينها ثلاثة هي: LIM-Kinase 1 و FZD3 وWSCR1 التي تكون نشيطة في الدماغ، وهذا يشير إلى إمكانية تأثيرها في تنامي الدماغ وقيامه بوظائفه. أما الأنشطة الدقيقة المحددة التي تقوم بها البروتينات التي تكوِّدها هذه الجينات فغير معروفة، وإن كانت إيوارت وزملاؤها قد اقترحوا أن LIM-Kinase 1 (الذي يُخْبَن بشكل ثابت لا يتغير مع الجين المسؤول عن الإلاستين) قد يؤثر في المقدرة على إدراك العلاقات الحَيِّزية (المكانية) spatial. وقد يساعد هذا الدور الوظيفي على تفسير سبب صعوبة رسم أشياء شائعة بسيطة من الذاكرة بشكل مضبوط لدى الوليامزيين. وهناك جين آخر من المنطقة المخبونة، وهو RFC2، يحدد (يناوع) بروتينا له علاقة بتنسخ replication الدنا ولكن إسهامه في متلازمة وليامز لم يثبت حتى الآن.
إن الفهم الجيني لمتلازمة وليامز لم يكتمل. ومع ذلك، فما زال اكتشاف الخبن في الصبغي 7 يعطي بعض الثمار العملية. وكون الخبن يحدث في جميع خلايا أجسام الوليامزيين فإنه يطمئن الأمهات أن حالات أطفالهن لم تسببها أشياء لم يفعلنها أو قصَّرن في فعلها أثناء الحمل. فهذا الاعتلال ينشأ عن نطفة أو بيضة كانت تعاني بالصدفة فقدان جينات من الصبغي 7 قبل أن تُقدِّم صبغياتها لتكوين الجنين. كما تنبئ هذه المعلومة أشقاء الوليامزيين الأصحاء بأن ما يحملونه من نسخ الصبغي 7 هي نسخ خالية من هذا الخبن، ولذلك فإن أي أطفال ينجبونهم لا يزيد احتمال إصابتهم بالمتلازمة على أي أطفال آخرين. وأخيرا، أمكن الآن تكييف التقنية المجهرية التي كشفت أصلا خبن الجين المسؤول عن الإلاستين – وهي تقنية التهجين الفلوري في الموضع (الأصلي) fluoroscent in situ hybridization FISH – لتغدو صالحة للاستعمال كأداة تشخيصية.
لمحة معرفية
يعتبر البحث في وراثيات متلازمة وليامز متمما للجهود التي تحدد السمات البيولوجية العصبية المميِّزة لهذا الاعتلال (الاضطراب). وقد بدأ هذا البحث (الذي يشغل اليوم عدة مختبرات) منذ نحو خمس عشرة سنة، حينما أجابت إحدانا (وهي بيلّوجي) على مخابرة هاتفية تلقتها في أواخر الليل في مختبرها بمعهد سولك للدراسات البيولوجية في كاليفورنيا. فقد علمت صاحبة المخابرة أن بيلّوجي كانت تتقصى المرتكزات البيولوجية العصبية للّغة، واعتقدت أن ابنتها المصابة بمتلازمة وليامز يهم أمرُها مجموعةَ سولك. فهذه الفتاة التي كان عمرها يوم ذاك 13 عاما كان حاصل ذكائها قريبا من 50 واعتُبِرت متخلفة عقليا. ووفقا لتلك السيماء (الصورة الجانبية) profile، فقد كانت الفتاة تقرأ وتكتب في مستوى تلاميذ الصف الأول، ولكنها كانت تتكلم بشكل جميل.
ويومها، كما هي الحال اليوم، كانت تواجه العلماءَ صعوبةُ التمييز بين السيرورات (العمليات) الدماغية التي تتحكم في اللغة والسيرورات التي تتحكم في التفكير، لأن الحِذْق باللغة والمعرفة (الاستعراف) يسيران في العادة جنبا إلى جنب لدى عامة الناس. أما الانقسام الثنائي (المفارقة) dichotomy الموجود لدى ابنة صاحبة المخابرة فإنه يوحي بأن دراسة الوليامزيين قد تفيد في تفريد (فصفصة) هذه السيرورات.
لقد فَتَن موضوعُ المخابرة الهاتفية بيلّوجي، فوافقت على مقابلة الفتاة، ومن ثم تابعتْ رؤيتَها بشكل منتظم، كما بحثت في المراجع التي تفصّل نقاط القوة والضعف المعرفية لدى الوليامزيين، ولكنها لم تعثر إلا على القليل مما يزيد على الحقائق العامة (المؤكدة). وقبل أن يكون في مقدور بيلوجي أن تأمل بكشف النقاب عن باحات areas الدماغ والسيرورات العصبية التي تعلل الخصائص المعرفية الفريدة لدى الوليامزيين، فإنها ستكون بحاجة إلى سيماء (صورة جانبية) أكثر تفصيلا للسمات التي تميز هذه الجماعة عن غيرها. ولذلك شرعت بيلوجي وزملاؤها بتصميم اختبارات للقدرات النوعية وبمقارنة الدرجات التي أحرزها الوليامزيون بدرجات عامة الناس وجماعة أخرى ذات خلل معرفي تتمثل في المصابين بمتلازمة داون Down Syndrome.
تكوين سيماء (صورة جانبية) معرفية
في اختبارات على قدرات محددة، قام باحثون بإجراء مقارنة بين مصابين بمتلازمة وليامز وآخرين مصابين بمتلازمة داون، وذلك كجزء من الجهد المبذول لتحديد الملامح المعرفية في الحالتين. فقد كشف أحد الاختبارات (في الأعلى) – الذي طُلب فيه إلى مراهقين أن ينسخوا من الذاكرة حرف (D) سبق أن بُني من مجموعة من حروف (Y) – عن عطل في مكاملة التفاصيل لتكوين شكل (بنيان) أكبر. فقد مالت مجموعة الوليامزيين إلى رسم حروف (Y) فقط (ولم تكوِّن الشكل الكامل D)، في حين مالت مجموعة الداونيين إلى رسم الشكل الإجمالي المطلوب ولكنها حذفت التفاصيل الموضعية (لم تلتفت إلى الحروف Y). أما الاختبار الآخر (في الأسفل) – الذي كان فيه على المفحوصين أن ينشئوا قصة لسلسلة من صور غير مصحوبة بكلمات – فقد كشف أن الوليامزيين غالبا ما يستطيعون تكوين قصص جيدة البناء والإنشاء.
مفحوص وليامزي، عمره 17 عاما وحاصل ذكائه 50«في يوم من الأيام أثناء الظلام في الليل، كان عند الصبي ضفدع. كان الصبي ينظر إلى الضفدع جالسا على الكرسي، على الطاولة. وكان الكلب ينظر بتمعن، ويرفع بصره إلى الضفدع في المرطبان. وفي تلك الليلة نام he sleeped(خطأ هجائي) ونام slept وقتا طويلا، الكلب فعل ذلك. ولكن الضفدع لم يذهب was not gonna (خطأ لغوي) لينام. خرج الضفدع من المرطبان. وحينما خرج الضفدع كان الصبي والكلب نائمين. في الصباح التالي كان الوقت جميلا في الصباح. كان مشرقا والشمس لطيفة ودافئة. ثم فجأة حينما فتح عينيه نظر إلى المرطبان، ثم فجأة لم يكن الضفدع هناك. كان المرطبان فارغا. لم يكن هناك ضفدع للعثور عليه.» مفحوص داوني، عمره 18 عاما وحاصل ذكائه 55 «الضفدع في المرطبان. المرطبان على الأرض. المرطبان على الأرض. هذا كل شيء. الكرسي مكسور is broke (خطأ هجائي). الثياب ملقاة هناك». |
وتقوم الدراسات – التي ما زالت مستمرة – بفحص جماعات من المراهقين يتشابهون في الجنس والعمر ومستوى حاصل الذكاء. (مع العلم بأن حاصل الذكاء لدى الوليامزيين يتراوح بين 40 و100 درجة، في حين يبلغ متوسط درجاتهم نحو 60). وفي وقت مبكر من البحث لاحظ الفريق أن المفحوصين الوليامزيين كانوا يستعملون القواعد اللغوية السليمة في كلامهم العفوي، وذلك على النقيض من أدائهم الضعيف بشكل عام في الاختبارات الإجمالية للقدرة المعرفية. وبشكل إجمالي، أظهر هؤلاء الأفراد كذلك أداء أفضل بشكل واضح من أداء جماعة متلازمة داون في جميع تمارين استيعاب قواعد اللغة والإنشاء.
وكذلك أجاد العديد أداء الاختبار الأكثر تعقيدا لحد ما والذي يتعلق بتركيب أسئلة التثبيت (مثل إضافة عبارة «ألا تفعل؟» إلى جملة «ليسلي تحب السمك» “Leslie likes fish”. فالشخص الخاضع للاختبار يجب أولا أن يأخذ الجملة الأصلية «ليسلي تحب السمك» وأن يضع الضمير المناسب محل الفاعل (أو المبتدأ) «هي تحب السمك» “she likes fish”، ثم عليه أن يضيف الفعل الناقص المساعد في التصريف المناسب ثم ينفيه ويختصره بحيث تصبح الجملة «هي لا تحب السمك» “she doesn’t like fish”. وبعد ذلك يقوم بحذف الفعل الأصلي والمفعول به تاركا من الجملة «هي لا تفعل» “she doesn’t”. وأخيرا يقلب ترتيب الكلمات لتصبح على شكل سؤال «…، ألا تفعل؟» …” doesn’t shee”.
إضافة إلى ذلك، وجد باحثو معهد سولك، مثلما وجد آخرون بعدهم، أن المفحوصين الوليامزيين كثيرا ما كانوا يمتلكون مفردات لغوية تفوق المتوقع بالنسبة لأعمارهم العقلية. فعندما كان يطلب إليهم وضع قائمة ببعض الحيوانات، كانوا لا يتقيدون غالبا بالكلمات السهلة بل يختارون أمثلة غريبة مثل «الياك» (ثور التبت الضخم ذو الصوف الطويل) و«الشيوارا» (كلب صغير جدا) و«تيس الجبل» (الوعل) و«الكندور» (نسر أمريكي ضخم) و«اليونيكورن» (حيوان خرافي له جسم فرس وذيل أسد وقرنٌ وحيد في منتصف الجبهة).
وإضافة إلى امتلاكهم وفرة من المفردات اللغوية، فقد كان المفحوصون من المصابين بمتلازمة وليامز يبدون أكثر قدرة على التعبير من الأطفال الأسوياء. وقد استبان هذا التصوير المفعم بالحيوية بشكل ممتع حينما طُلِب إلى الأطفال الوليامزيين أن يُعدوا قصة لسلسلة من الصور غير المصحوبة بكلمات. فعندما كانوا يتلون قصصهم، غالبا ما كانوا يغيِّرون طبقة pitch أصواتهم وشدتها أو يغيرون طول الكلمات وإيقاعها بقصد تحسين النغم الانفعالي للقصة. وعلى نحو مشابه، كانوا يضيفون مزيدا من الدراما لشدِّ مستمعيهم، ومن ذلك «فجأة أطلق رشاشا» و«اندفع بدوي»، فيسرّعون فجأة وتيرة الإلقاء ودَوِيّه بشكل يتفوقون به على نظرائهم المفحوصين من المصابين بمتلازمة داون. (ومن المحزن أن موهبة الهذَر هذه وحسن المعشر لدى الأطفال الوليامزيين يمكن أن تضلل المعلمين فتجعلهم يعتقدون أن لدى هؤلاء الأطفال مهارات فكرية متميزة أكثر مما يمتلكونه حقا. وفي هذه الحالة قد لا يحظى هؤلاء الأطفال بالدعم الأكاديمي «الخاص» الذي يحتاجون إليه).
إن التشريح الأساسي لدماغ الوليامزيين سوي، ولكن الحجم الإجمالي هو أصغر نوعا ما. أما الباحات التي تبدو مصونة بشكل جيد فتتضمن الفصين الجبهيين وجزءا من المخيخ يدعى المخيخ الحديث (a) وكذلك أجزاء من الفصين الصدغيين تعرف باسم الباحة الحوفية (b) limbic area، إضافة إلى الباحة السمعية الأولية والمستوى (الپلانوم) الصدغي (c). |
ومن التفسيرات الممكنة لهذا الأداء الكلامي القوي لدى الوليامزيين أن عيبهم الصِّبْغَوِي (الكروموسومي) – على عكس ما هي عليه الحال لدى الدّاوْنيين – قد لا يعطل إلى حد كبير قدرات معينة تدعم المعالجة اللغوية language processing. وقد ذكر باحثون آخرون على سبيل المثال أن الذاكرة القصيرة الأمد short-term memoryلأصوات الكلام، أو ما يدعى «الذاكرة الفونولوجية(5) العاملة» (وهي شكل من الذاكرة يساعد على تعلم اللغة وفهمها) تبقى مصونة نسبيا لدى الجماعات الوليامزية.
ومما يثير الاهتمام أن دراسات حديثة على مفحوصين وليامزيين فرنسيين وإيطاليين توحي بأن أحد أوجه اللغة، ويطلق عليه علم الصرف morphology – وهو ذلك الجانب من قواعد النحو الذي يتناول تصريف الأفعال وتعيين صيغة الجنس من تأنيث وتذكير وكذلك صيغة الجمع – قد لا يبقى سليما (مصونا) تماما لدى الوليامزيين. (ونذكر هنا أن علم الصرف في اللغتين الفرنسية والإيطالية أكثر تعقيدا منه في الإنكليزية). ويعني هذا الاكتشاف أن المناطق الدماغية المصونة في متلازمة وليامز وبقاء الذاكرة القصيرة الأمد لأصوات الكلام سليمةً يدعمان عدة أهليات(6)، أي يعتبران مؤهِّليْن للكلام ولكنهما قد لا يكونان كافيين للإجادة اللغوية الكاملة.
وعلى النقيض من أدائهم الجيد بشكل عام في الاختبارات الكلامية، فإن المفحوصين الوليامزيين يسوء أداؤهم عادة في الاختبارات التي تتضمن معالجة إبصارية مثل استنساخ الرسومات. ولكن إخفاقهم في مثل هذه الاختبارات غالبا ما يختلف عنه لدى المفحوصين الدَّاوْنيين، الأمر الذي يوحي بأن النقائص لدى المجموعتين ربما تنجم عن اختلافات تشريحية في الدماغ. فمثلا يتوافق الوليامزيون مع المرضى الذين تعرَّضوا لسكتة دماغية في نصف الكرة المخية الأيمن في موضوع الانتباه للمكونات الجزئية للصور، ولكنهم يخفقون في الإدراك الكامل للنموذج الإجمالي (الصورة الذهنية المتكاملة، أو الگشتالت). أما الدَّاوْنيون فالأكثر احتمالا هو إدراكهم للبنية الكلية ولكن مع إغفال العديد من التفاصيل، [انظر الشكل العلوي فيما هو مؤطر في الصفحة المقابلة] تماما مثلما يفعل المصابون بسكتات دماغية في نصف الكرة المخية الأيسر.
وعلى نحوٍ ما، فإن السيماء (الصورة الجانبية) العامة التي كشفتها الاختبارات المعرفية المختلفة تعني ضمنا أن العيب الصبغوي في متلازمة وليامز يستثني بشكل رئيسي نصف الكرة المخية الأيسر (وهو المنطقة الأهم بالنسبة للغة لدى الغالبية العظمى من الناس) ويعطل نصفها الأيمن (وهو نصف الكرة المخية الأهم للإدراك الحيّزي الإبصاري visual-spatial perception)، ولكن التعبيرية الانفعالية emotional expressiveness لدى الوليامزيين (التي يعتقد بأنها أيضا من وظائف النصف الأيمن) ونتيجة أخرى غيرها على الأقل، يلقيان ظلال الشك على هذا الرأي المبالغ في التبسيط. فالوليامزيون يتعرفون ويميزون بين صور الوجوه غير المألوفة بشكل جيد تماما، وهذه مهارة تتطلب نصف الكرة المخية الأيمن. وفي الحقيقة يحسن الوليامزيون أداء ذلك بقدر ما يحسنه البالغون من عامة الشعب.
متلازمة وليامز: وَحْيٌ لبعض أساطير الجنّيات
تصور الحكايات الشعبية في العديد من الثقافات «أناسا صغارا» سحريين على هيئة جنيات fairies وعفاريت وأقزام وجبابرة خرافيين. ويوحي عدد من الخصائص المتشابهة البدنية والسلوكية بأن بعض الجنيات في الحكايات القديمة على الأقل إنما تم تجسيدها في هيئة شبيهة بأناس وليامزيين. ومثل هذه الفكرة تطابق رأي المؤرخين في أن مقدارا كبيرا من الفلكلور والأساطير (الميثولوجيا) مبني على الحياة الحقيقية.
غالبا ما توصف ملامح وجوه الوليامزيين بما يشبه الجنّيات pixielike. فعلى غرار الجنيات في الفلكلور والفن يتصف العديد من المصابين بمتلازمة وليامز بأنوف صغيرة منقلبة إلى أعلى وجسر (قصبة) أنفيnasal bridge منخفض وعيون منتفخة puffy وآذان بيضوية وأفواه عريضة ذات شفاه غليظة وذقن مميز صغير. وفي الواقع تشيع تلك الملامح إلى حد يجعل الأطفال الوليامزيين يشبه بعضهم بعضا أكثر من شبههم بأقربائهم وبخاصة في مراحل الطفولة. وكذلك تترافق هذه المتلازمة ببطء التنامي الذي يجعل معظم الوليامزيين قصار القامة نسبيا. غالبا ما يكون «الناس الأقزام السحريون» لبعض الحكايا الشعبية المنوعة موسيقيين وحكواتيين (رواة قصص). وينسب للجنيات أنهن «يكررن الأغاني التي يسمعنها» وأنهن يستطعن أن «يفتنّ» البشر بألحانهن. ويمكن قول الكثير من الحكايات نفسها عن الوليامزيين الذين يبدون في العادة مهارات قصصية مفعمة بالحيوية، وغالبا ما يظهرون مواهب موسيقية، على الرغم من اتصافهم بحاصل ذكاء دون العادي. (ونشير إلى أن الآذان الكبيرة المستدقة، التي غالبا ما تتصف بها الجنيات، قد تمثل بشكل رمزي حساسية هؤلاء الأفراد الخرافيين والوليامزيين للموسيقى بخاصة وللأصوات بعامة).
وفي معشرهم، يبدو الوليامزيون كمجموعة من المحبين واثقين وحريصين وحساسين لمشاعر الآخرين إلى أقصى الحدود. وعلى نحو مشابه، كثيرا ما يشار إلى الجنيات على أنهن طيبات أو على أنهن أرواح عطوفة رقيقة القلب. وأخيرا، فإن الوليامزيين – شأنهم شأن جنيات الأساطير – يتطلبون النظام وإمكانية التنبؤ بقدراتهم. وتتضح هذه الحاجة لدى الوليامزيين في الالتزام الصارم بالروتين اليومي والإلحاح على التقيد بخطط المستقبل. لقد اختلق القصاصون في الماضي حكايات شعبية عن كائنات خيالية للمساعدة على شرح ظواهر لم يكونوا يفهمونها وربما تضمنت السمات الجسدية والسلوكية لمتلازمة وليامز. واليوم ينكب الباحثون على استجواب الوليامزيين لفهم ذلك المجهول آملين فك غموض بعض أسرار وظائف الدماغ. |
ويزداد الوضوح بالدراسات العصبية
تدعم فحوص الأدمغة التي أجرتها مجموعة سولك باستخدام التصوير بالرنين المغنطيسي (MRI) والتشريح بعد الموت autopsy احتمال أن يكون الخبن الصبغوي المسؤول عن متلازمة وليامز يغير الدماغ بطريقة أكثر تعقيدا. ويبدو أن هذا الخبن يسبب تغيرات تشريحية (مثل التجميع الشاذ للعصبونات في الباحات الإبصارية) تؤدي إلى عجز في القدرات الحيزية الإبصارية. ولكن يبدو أن هذا العيب الصبغوي يتفادى شبكة تتضمن بنى في الفصين الجبهيين والفص الصدغي والمخيخ. وقد تستخدم هذه الشبكة الصامدة حينئذ سقالةًscaffalding تشريحية عصبية لبناء القدرات اللغوية القوية بشكل غير متوقع لدى الوليامزيين.
وللمزيد من التخصيص، تشير الدراسات التشريحية العصبية إلى أن حجم القشرة المخية الإجمالي لدى الوليامزيين والداونيين كليهما يكون أصغر منه لدى المفحوصين الأسوياء من ذوي العمر نفسه. ولكن حجوم كل منطقة (بمفردها) تختلف بين المجموعتين. فمثلا يُصان الفصّان الجبهيان والمنطقة الحَوْفِيّة limbicregion للفصين الصدغيين لدى الوليامزيين بشكل أفضل. وجدير بالذكر أن الجهاز الحَوْفي (الذي يشمل كذلك بنى أخرى) مهم للأنشطة الدماغية التي تتضمن الذاكرة والعواطف والانفعالات. وبذلك فإن الإبقاء على المنطقة الحوفية قد يساعد على تفسير أسباب التعبيرية الكاملة والإحساس بمشاعر الغير لدى الوليامزيين.
لقد كشفت تحليلات المخيخ النقاب عن مزيد من الاختلافات بين مجموعتي وليامز وداون. فبينما كان حجمه لدى الداونيين صغيرا، كان حجمه عاديا لدى الوليامزيين. وبدا المخيخ الحديث neocerebellum (الذي يعتبر المنطقة الأحدث تطوريا في المخيخ) لدى المفحوصين الوليامزيين مساويا أو أكبر حجما من نظيره لدى المفحوصين من عامة الناس ذوي العمر نفسه، في حين بدا حجم المخيخ الحديث لدى الداونيين أصغر.
يعتبر اكتشاف صمود المخيخ الحديث لدى الوليامزيين مثيرا للاهتمام والاستغراب بصفة خاصة إذا ما وُضع في سياق البحوث الأخرى. فإلى عهد قريب، كان يظن أن المخيخ مختص بالحركات بصورة رئيسية، ومع ذلك أثبت <S. پيترسن> وزملاؤه (في جامعة واشنطن) أن المخيخ الحديث ينشط حينما يحاول المفحوصون التفكير في فعلٍ verb يناسب أحد الأسماء (مثل الفعل «يجلس» من أجل الاسم «كرسي»). وزيادة على ذلك، تكشف الاختبارات المجراة على مصابين بأذيات مخيخية عن عجز في الوظيفة المعرفية، وليس عن مجرد عجز في القدرات الحركية. ويذكر علماء التشريح أن المخيخ الحديث له اتصالات غزيرة مع جزء من القشرة المخية الجبهية، الذي مثله مثل المخ الحديث، يكون لدى البشر أكبر منه لدى القرود.
ولأن للبشر لغة وليس للقرود ذلك، فقد اقترح بعض الباحثين أن المخيخ الحديث والمنطقة المتصلة به من القشرة المخية الجبهية تطورا معا للمساعدة على التكلم بطلاقة، وقد يقعان تحت إشراف الجينات نفسها. وإن الصوت النسبي للقشرة الجبهية وتضخم المخيخ الحديث لدى الوليامزيين إلى جانب بقاء الطلاقة اللغوية إلى حد ما سالمة يمنحان بعض التأييد لهذا الاقتراح الأخير وللفكرة القائلة بأن للمخيخ دورا في المعالجة اللغوية.
لقد أمكن بتحليلات تشريحية حديثة تحديد ملامح إضافية يمكن أن تفيد في تفسير الموهبة الموسيقية الواضحة لدى الوليامزيين. فالقشرة المخية السمعية الأولية (الموجودة في الفص الصدغي) والمنطقة السمعية المجاورة لها التي تحمل اسم المستوى planum الصدغي (والتي يعتقد أنها مهمة للّغة مثلما هي مهمة للموهبة الموسيقية) تتصفان بِكَبَر متناسب في الأدمغة الوليامزية القليلة التي تم فحصها حتى الآن. وإضافة إلى ما تقدم، فإن هذا المستوى (الپلانوم) الصدغي يكون في الحالة العادية أكثر اتساعا في نصف الكرة المخية الأيسر منه في النصف الأيمن، ولكن لدى بعض الوليامزيين يكون هذا المستوى الأيسر على قدر استثنائي من الكبر يضاهي الكبر الذي يتميز به لدى الموسيقيين المحترفين. وتنسجم هذه المشاهدات إلى حد كبير مع مشاهدات <A. دون> من جامعة وندسور في أونتاريو، وهي الباحثة التي أجرت أولى الدراسات على المقدرة الموسيقية لدى الوليامزيين. وقد استنتجت هذه الباحثة أن الإدراك السليم للنماذج السمعية يمكن أن يعلل للكثير من قوة المفحوصين الوليامزيين في الموسيقى واللغة – وتنطوي هذه النتيجة ضمنا على وجوب سلامة البنى الدماغية ذات الصلة أيضا.
تُقدم المسابر probes الفيزيولوجية التي تقارن النشاط الكهربائي في أدمغة الوليامزيين وغيرهم أثناء أدائهم مهام نوعية، مزيدا من التبصرات (الفهم المتعمق) لكيفية تنامي الدماغ. ففي استجاباتهم للمنبهات النحوية grammaticalstimuli على سبيل المثال، يبدي المفحوصون الأسوياء نشاطا منبعثا من نصف الكرة المخية الأيسر يفوق ذلك النشاط المنبعث من النصف الأيمن، وهو ما يتوقع في اختبارات اللغة. ولكن الوليامزيين يبدون استجابات متماثلة في النصفين المخيين كليهما، وهذا يعني أن التخصص اللغوي النموذجي لنصف الكرة المخية الأيسر لم يحدث لديهم. وعلاوة على ذلك، بينما يبدي البالغون الأسوياء بصورة عامة نشاطا منبعثا من نصف الكرة المخية الأيمن يفوق نظيره الذي ينبعث من النصف الأيسر أثناء معالجة processing تكوين صور الوجوه، فإن الوليامزيين يبدون النموذج المعاكس. ويحبِّذ مثل هذا الفعل إمكانية قيام الدماغ على الأغلب بإعادة توزيع الوظائف حينما تنحرف سيرورات (عمليات) التنامي السوية، بحيث يشكِّل دارات (دوائر) جديدة لتنفيذ الوظائف الموكولة للدارات المعطَّلة.
إن البحوث المتعلقة بمتلازمة وليامز ما زالت في بدايتها حتى الآن، ولكن ما أُنجز يساعد على إيضاح كيفية تعضي الدماغ وتحديد وظائف أجزائه. وتجعل الباحثين أيضا ينظرون إلى الأفراد «المتخلفين عقليا» بمنظار جديد. وتُظهر دراسة متلازمة وليامز عن قرب أن الدرجات المنخفضة لحاصل ذكاء المصابين بها قد تحجب عن العيان وجود قدرات مثيرة لديهم، كما تنبه إلى أن أفرادا آخرين ممن وصفوا بالتخلف العقلي ربما كانوا يمتلكون قدرات كامنة خبيئة تنتظر كشف النقاب عنها. ولن يتم ذلك إلا إذا تكلف الباحثون والمجتمع عناء البحث عن هذه المواهب (القدرات) وصقلها.
المؤلفون
H. Lenhoff – P. Wang – F. Greenberg – U. Bellugi
يعرض هؤلاء الباحثون عدة رؤى حقيقية متعددة الجوانب لمتلازمة وليامز. لينهوف أستاذ متقاعد للعلوم البيولوجية بجامعة كاليفورنيا وأب لموسيقية وليامزية عمرها 42 عاما تعمل منظمًة معاونةً لمخيم الوليامزيين للفنون والموسيقى المقام في ماساتشوستس. وهو كذلك الباحث الرئيسي لفريق يقارن المعرفة الموسيقية لدى الوليامزيين وغيرهم. ووانگ أستاذ مساعد في طب الأطفال بكلية طب جامعة پنسلڤانيا، يدرس المظاهر السلوكية العصبية لمتلازمة وليامز والاضطرابات الجينية الأخرى. وگرينبرگ مستشار سريري في المركز الوطني لبحوث المجين (الجينوم) البشري في المعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة، وقد تخصص بمعالجة الأفراد المصابين بمتلازمة وليامز طوال عشرين عاما. أما بيلّوجي فهي مديرة مختبر العلوم المعرفية العصبية في معهد سولك للدراسات البيولوجية. وهي ترأس فريقا متعدد التوجهات كان يقوم بفحص الخصائص الفيزيولوجية العصبية والتشريحية العصبية والمعرفية لمتلازمة وليامز طوال أكثر من عقد من السنين.
مراجع للاستزادة
HEMIZYGOSITY AT THE ELASTIN LOCUS IN A DEVELOPMENTAL DISORDER: WILLIAMS SYNDROME. A. K. Ewart et al. in Nature Genetics, Vol. 5, No. 1, pages 11-16; September 1993.
COGNITIVE AND NEURAL DEVELOPMENT: CLUES FROM GENETICALLY BASED SYNDROMES. U. Bellugi, E. S. Klima and P. P Wang in The Lifespan Development of Individuals: Behavioral, Neurobiological, and Psychosocial Perspectives: A Synthesis. Nobel Symposium. Edited by D. Magnusson. Cambridge University Press, 1996.
REAL-WORLD SOURCE FOR THE “LITTLE PEOPLE”: THE RELATIONSHIP OF FAIRIES TO INDIVIDUALS WITH WILLIAMS SYNDROME. Howard M. Lenhoff in Nursery Realms: Children in the Worlds of Science Fiction, Fantasy and Horror. Edited by Gary Westfahl and George Slusser. University of Georgia (in press).
Scientific American, December 1997
(1) تحديد الترتيب البنائي للدماغ ووظائ أجزائه تحديدا دقيقا.
(2) حاصل الذكاء (intelligence quotient (IQ هو مقياس للقدرة العقلية، ويتم الحصول عليه بقسمة العمر العقلي على العمر الزمني وضرب الناتج في 100. (التحرير)
(3) الخبن هو فقدان جزء من المادة الوراثية.
(4) الضَرّة ball: النتوء المستدير عند قاعدة إبهام القدم. (التحرير)
(5) الخاصة بعلم الأصوات الكلامية.
(6) لكي تتحدث يجب أن تتوافر لديك القدرات الآتية: القدرة على التذكر – ربط الكلمات – تصريف الفعل – التفريق بين المذكر والمؤنث وبين المفرد والجمع… الخ. وهذه تعتبر أهليات أو قدرات أو استعدادات. (التحرير)