أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

ستة أشهر على متن المحطة الفضائية مير


ستة أشهر على متن المحطة الفضائية مير(*)

كان البرنامج المكوكي للمحطة الفضائية الروسية (مير) يقترب من

نهايته، عندما كانت لوسيد (رائدة الفضاء المدرَّبة في الوكالة ناسا)

تدون انطباعاتها عن المهمة التي قامت بها على متن هذه المحطة،

وما يترتب على ذلك من إجراءات بشأن المحطة الفضائية الدولية.

<W .Sh. لوسيد>

 

لمدة ستة أشهر، كثيرا ما كنت أسبح ـ كل يوم مرة على الأقل ـ فوق نافذة الرصد الكبيرة في أحد أجزاء المحطة مير Mir، وهي القمرة الفضائية كڤانتKvant 2، وكنت أرنو بنظري إلى الأرض أسفل مني، أو إلى أعماق الكون الشاسع. وكانت تعتريني الدهشة دائما لمهابة المشهد الذي يتكشف لي. وللأمانة كان أكثر ما يدهشني؛ هو أنني كنت طفلة قبل إطلاق سپوتنيكSputnik؛ وذلك في أثناء الحرب الباردة في الخمسينات، والآن أعيش في محطة فضاء روسية. فخلال طفولتي المبكرة بتكساس قضيت فترة لا بأس بها من الزمن في تعقب الهشيم الذي تذروه الرياح في البراري. والآن أجد نفسي في مركبة تشبه ريشة، تسبح في الفضاء الكوني، أعمل وأتعايش اجتماعيا مع ضابط في القوات الجوية الروسية، ومع مهندس روسي. لقد كان يُظنّ قبل عشر سنوات أن مثل هذا التدبير والمشاركة من الأمور التي لا تصدق إلا في رواية من روايات الخيال العلمي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008463.jpg

رائدة الفضاء <W .Sh. لوسيد> على متن المحطة الفضائية مير، أثناء مهمتها التي استغرقت ستة أشهر.

 

في بداية السبعينات؛ شرعت كل من وكالة الفضاء الأمريكية والروسية بدراسة إمكانية الإقامة الطويلة الأمد في الفضاء. وبعد نهاية بعثة سكايلابSkylab الثالثة عام 1974، ركّز البرنامج الأمريكي على رحلات قصيرة الأمد يقوم بها مكوك الفضاء. ولكن الروس استمروا في إطالة زمن بقاء رواد الفضاء في مدارهم حول الأرض. وكانت الأمور في البدء تتم في محطات ساليوت Salyut الفضائية. ثم غدت تتم في المحطة الفضائية مير التي تعني «السلام» باللغة الروسية. وفي مطلع التسعينات، ومع نهاية الحرب الباردة، كان من الطبيعي والضروري أن تتعاون الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في المرحلة القادمة والمهمة لاستكشاف الفضاء، وذلك بإنشاء المحطة الفضائية الدولية. وفي عام 1993، انضم الروس إلى المشاركة في هذه الجهود مع وكالات الفضاء الأوروبية واليابانية والكندية والبرازيلية.

 

كان الطور الأول لهذه المشاركة هو البرنامج المكوكي لمير. وقد قامت هيئة الملاحة والفضاء القومية بتخطيط مجموعة البعثات المكوكية لإرسال رواد فضاء أمريكيين إلى المحطة الفضائية الروسية. وكان على كل رائد فضاء أن يمكث في المحطة مير نحو أربعة أشهر، منفذًا تجارب علمية دقيقة ذات مجال واسع. وكان من المقرر أن يلتحم المكوك الفضائي بالمحطة الفضائية مير دوريا لتبادل أعضاء طاقم الرواد وتسلُّم المؤن والإمدادات المختلفة. إضافة إلى البحوث العلمية كان من أهداف الوكالة ناسا التدرب على كيفية العمل مع الروس، لاكتساب الخبرة خلال مدة الطيران الطويلة في الفضاء، فضلا عن تقليل الأخطار المحتملة في بناء محطة الفضاء الدولية. وكان رائد الفضاء <N. ثاگارد> الأمريكيَّ الأولَ الذي عاش على متن المحطة مير. أما وصولي أنا (المؤلفة) إلى المحطة الفضائية فكان بعد ثمانية أشهر من نهاية بعثة ثاگارد، وكان ذلك في بداية الوجود الأمريكي المستمر في الفضاء الذي دام أكثر من سنتين.

 

بدأت مشاركتي في البرنامج عام 1994. وكنت حينذاك قد أمضيت خمسة عشر عاما رائدة فضاء في الوكالة ناسا، وقد شاركت في رحلات مكوكية. وبعد ظهر يوم جمعة؛ تلقيت مكالمة هاتفية من رئيسي <R  .«هوت» جبسون>، الذي كان يشغل حينذاك منصب رئيس مكتب رواد الفضاء في الوكالة ناسا. وقد سألني عن رغبتي في التفرغ لتعلم اللغة الروسية، مع احتمال السفر إلى روسيا للتدرب في المحطة الفضائية مير، وكان ردي الفوري بالإيجاب والموافقة. وقام «هوت» عندئذ بتخفيف حماسي بقوله: إنه كان يقصد فقط دراسة اللغة الروسية. وهذا لا يعني بالضرورة الالتزام بالسفر إلى روسيا؛ بل إنه يستبعد طيراني على متن المحطة مير. ويتطلب وجود احتمال السفر إلى المحطة مير تعلّم اللغة الروسية كسبا للوقت، لذا ارتأى «هوت» أن من الحكمة أن أبدأ فورا.

 

وبعد أن وضعت سماعة الهاتف، ولعدة لحظات أخذت أتفرس في مواجهة الحقيقة. لقد كانت البعثة ـ التي عليَّ أن أقوم بها ـ بعد سنة ونصف تقريبا. وفي ذلك الوقت كان علي أن أتعلم لغة جديدة، لا لأتمكن من تبادل الحديث مع رفاقي في المحطة التي تتخذ مدارها حول الأرض فحسب، بل لأتدرب في روسيا لهذه البعثة. وكان من المفروض أن أتعلم الأنظمة والعمليات لكل من المحطة مير والمركبة سيوز Soyuz، التي ستنقل الطاقم الروسي من المحطة مير وإليها. ولضرورة سفري من المحطة مير وإليها على المكوك الفضائي؛ فإني بحاجة إلى الاحتفاظ بخبرتي وتآلفي مع المركبات الفضائية الأمريكية. وكأن هذا لم يكن كافيا، فكان عليّ أن أتقن سلسلة من التجارب التي يجب أن أقوم بها في أثناء الدوران حول الأرض.

 

من الإنصاف في هذه المرحلة أن نتساءل لماذا؟ أي لماذا كنت أرغب في العيش والعمل على متن المحطة الفضائية مير؟ بل من منظور أوسع.. لماذا يقوم العديد من الدول بالعمل معا لإنشاء محطة فضاء دولية جديدة؟ إن أحد هذه الأسباب هو ـ بالتأكيد ـ البحث العلمي. فمن المعلوم أن الثقالة تؤثر في جميع التجارب التي تتم في سطح الكرة الأرضية، باستثناء تلك التحريات التي تجري في أبراج السقوط، أو في الطائرات التي تتخذ مسارا على هيئة قَطْعٍ مكافئ. ولكن بإمكان العلماء أن يقوموا بإجراء اختبارات طويلة الأجل، وفي وَسَطٍ تكون الثقالة فيه منعدمة تقريبا، أي في حيز الثقالة المكروية microgravity. ثم إن الخبرة المكتسبة من بقاء الإنسان فترة طويلة في الفضاء يمكن أن تساعد على تحديد متطلبات الرحلات الفضائية المأهولة إلى الكواكب الأخرى.

 

من وجهة نظري الشخصية، كنت أرى أن بعثة المحطة مير فرصة مثالية؛ لأنها تلبي اثنين من اهتماماتي هما التحليق بالطائرات والعمل في المختبرات. لقد حصلت على ترخيص خاص لقيادة الطائرات عندما كنت في العشرين من عمري، ومنذ ذلك الحين وأنا أمارس الطيران. وقبل أن أصير رائدة فضاء، كنت باحثة في الكيمياء الحيوية، وحزت في عام 1973 الدكتوراه من جامعة أوكلاهوما. وبالنسبة إلى عالِمٍ مولع بالطيران ليس هناك أمر أكثر جاذبية له من أن يعمل في مختبر يدور حول الأرض بسرعة تصل إلى 17 ألف ميل في الساعة، أي ما يعادل 27 ألف كيلومتر في الساعة.

 

بعد ثلاثة أشهر من الدراسة المكثَّفة للغة الروسية تقدمت لبدء التدريبات في ستارسيتي، وهو مركز لتدريب رواد الفضاء يقع خارج مدينة موسكو. وبدأت إقامتي هناك في الشهر 1/1995 في الشتاء الروسي القارس. كنت أستيقظ كل صباح في الساعة الخامسة لبدء الدراسة، وعند توجهي ـ مشيا على الأقدام ـ إلى فصل الدراسة كنت حذرة دائما من أن تزل قدمي على الجليد فتنكسر ساقي. وعندئذ تنتهي أحلامي في الطيران على متن المحطة مير. وكنت أقضي معظم الوقت في حجرة الدراسة، مستمعة للمحاضرات المكثفة حول أنظمة كل من مير وسيوز، باللغة الروسية طبعا. وفي المساء كنت أستمر في دراسة اللغة، وأحاول بعناء فهم الكتب التقنية المكتوبة كذلك باللغة الروسية، وعند منتصف الليل آوي منهكة إلى الفراش.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008464.jpg

لوسيد وهي تسبح بحرية في الكتلة الأساسية للمحطة مير. التقط هذه الصورة أحد رواد طاقم المحطة الفضائية في 4/7/1996.

 

خلال تلك السنة، بذلت جهدا جبارا يفوق أي جهد بذلته في حياتي. فقد كان الجهد الذي بذلته لتحصيل التعليم العالي ـ في الوقت الذي كنت أرعى فيه أطفالي الصغار ـ ضئيلا مقارنة بما عانيته خلال ذلك العام. (ولحسن الحظ كان أولادي الثلاثة قد كبروا في ذلك الوقت، وكان زوجي يستطيع زيارتي في روسيا.) وأخيرا، وفي الشهر 2/1996، بعد اجتيازي جميع الاختبارات الطبية والتقنية، أهَّلتني لجنة طيران الفضاء لأكون من ضمن طاقم محطة الفضاء مير. وسافرت إلى بايكونور في كازاخستان لمشاهدة إطلاق المركبة سيوز حاملةً زملائي ـ القائد <Y. أونوفريينكو> (وهو ضابط في القوات الجوية الروسية) ومهندس الطيران <Y.  يوزاشيڤ> وشخصا آخر روسيا ـ إلى المحطة الفضائية مير. وبعد ذلك رجعت إلى الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أسابيع؛ للتدرب مع طاقم بعثة المكوك STS-76. وفي22/3/ 1996 انطلقنا من مركز كيندي للفضاء بوساطة المكوك أتلانتس. وبعد ثلاثة أيام التحم المكوك بالمحطة مير، وحينئذ انضممت رسميا إلى طاقم مير، لأمكث في الفضاء أربعة أشهر ونصف الشهر، كما هو مخطط لي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008465.jpg

منظور مفكك للمحطة مير، يبين كيف تلتحم قمرات المحطة الفضائية بعضها ببعض. وفي داخل القاعدة الأساسية يتوضع مركز القيادة وأحد جهازي الجري الثابت وكذا مائدة طعام الطاقم.

 

الحياة في حيز الثقالة المكروية

أمضيت أيامي الأولى في المحطة في تعرّف أنوفريينكو ويوزاشيڤ، إضافة إلى تعرّف تصميمات المحطة الفضائية، وكان ذلك باللغة الروسية فقط. أما المحطة الفضائية مير، فمن المعروف أن لها تصميما تجميعيا، وقد تم بناؤها على مراحل: الجزء الأول منها ـ وهو القاعدة الأساسية ـ أُطْلِق في الشهر 2/1986. وقد التحمت القمرة الفضائية كڤانت 1 ـ وهي الجزء الثاني لمكونات المحطة الفضائية مير، وكانت قد أطلقت في الشهر 2 /1987ـ بأحد طرفي القاعدة الأساسية. وفي الطرف الآخر تتوضع عقدة العبور، وهي تشبه تماما مدخلا موزعا لمنزل. وبدلا من اتخاذها شكل دهليز طويل تفتح عليه الأبواب، فإن عقدة العبور تأخذ شكل كرة ذات ستة أبواب صغيرة. وقد التحمت كل من القمرة الفضائية كڤانت 2 عام 1989 والقمرة الفضائية كريستال عام 1990 والقمرة الفضائية سپيكتر عام 1995، كل بأحد الأبواب الستة المذكورة. وأثناء إقامتي في المحطة الفضائية مير أطلق الروس المركبة پريرودا Priroda، وهي القمرة الفضائية الأخيرة إلى المحطة الفضائية، والتي التحمت بدورها بعقدة العبور، وهي تحوي المختبر الذي أَجْرَيْت فيه معظم تجاربي. أما ممتلكاتي الشخصية فكنت أخزنها في سپيكتر، وأنام هناك كل ليلة. وكان انتقالي يستغرق مدة قصيرة لا تتعدى بضع ثوان، حيث كنت أسبح من قمرة فضائية إلى أخرى.

 

كان رائدا الفضاء يرقدان في سريرين بالقاعدة الأساسية. وغالبا ما يكون الاستيقاظ من النوم من خلال إشارة التنبيه في تمام الساعة الثامنة صباحا (التوقيت الزمني على متن المحطة الفضائية مير هو توقيت مدينة موسكو، وهو كذلك التوقيت الذي تستخدمه قيادة البعثة الروسية في كوروليڤ). وخلال عشرين دقيقة نكون قد ارتدينا ملابسنا، وأصبحنا جاهزين لبدء العمل اليومي. وأول ما كنا نقوم به عادة هو وضع أجهزة الاتصال ـ اللازمة لمحادثة قيادة البعثة ـ على الرأس. وخلافا لما يحدث على مكوك الفضاء من إرسال رسائله عبر قمرين للاتصالات، فإن المحطة مير لا تتصل اتصالا مستمرا بالأرض. ويمكن لرواد الفضاء تبادل الحديث مع قيادة البعثة، فقط عندما تمر المحطة الفضائية فوق أحد مواقع الاتصالات الأرضية في روسيا. وهذا يحدث مرة في كل دورة، أي كل 90 دقيقة تقريبا. ويستمر غالبا نحو عشر دقائق. وكان القائد أونوفريينكو يريد من كلٍّ منا أن يكون جاهزا للاتصال في الوقت المتاح، وذلك إذا رغبت القيادة الأرضية في تبادل الحديث معنا. وكان هذا الأسلوب من العمل يُنفَّذ على أفضل ما يرام؛ لأنه كان يُسمح لنا ببعض الراحة خلال اليوم. وكنا نتجمع في القاعدة الأساسية، ونتحادث في الشؤون الاجتماعية قليلا قبل تبادل الحديث مع قيادة البعثة وبعده.

 

حرائق في حيز الثقالة المكروية

بفعل الثقالة، يتخذ اللهب شكله على الأرض، فترتفع الغازات الساخنة مولدة تيارا هوائيا يغذي الحريق بالأكسجين. ولكن في المحطة مير، أو في مكوك الفضاء، لا وجود لتيار هوائي مُغذ للحريق. إذ ينبغي أن يحصل الحريق على الأكسجين اللازم له بطريق الانتشار ـ أي عن طريق انجراف بطيء للجزيئات عبر الهواء ـ أو من التيارات الهوائية التي تولدها مراوح التهوية. لقد تم في مركز أبحاث لويس ـ التابع للوكالة ناسا ـ إجراء تجارب لتحديد كيفية انتشار اللهب في حيز الثقالة المكروية. ولقد ألقى بحثنا الضوء على الاحتراق، وساعد الوكالة ناسا على التعرّف الأفضل إلى أخطار الحرائق على متن المحطات الفضائية.

كانت أولى التجارب على متن المحطة مير مصممة للإجابة عن سؤال بسيط تم الانتظار طويلا للإجابة عنه، ألا وهو: هل يمكن لشمعة أن تشتعل في حيز ثقالة مكروية؟ لقد قامت رائدة الفضاء شانون لوسيد بإشعال شموع مختلفة الأحجام، عن طريق ملامسة عروة من السلك يمر فيها تيار كهربائي لكل فتيلة. لقد وضعت هذه الشموع في غرفة معزولة عن جو المحطة الفضائية، قامت بإعدادها الوكالة ناسا. ومباشرة بعد إشعال كل شمعة ظهر اللهب على شكل نصف كرة تضيء نواتها بلون أصفر. وبسبب ضعف وصول الأكسجين إلى اللهب كان استهلاك الشمع أقل بخمس مرات تقريبا مما لو كانت الشموع على الأرض. وبسبب نقص تيار الهواء الصاعد كان التوصيل الحراري النازل يزداد في الشمع. وخلال دقيقتين من الزمن تم انصهار الشمعة كلها، في حين أن اللهب لم ينطفئ تماما؛ لأن التوتر السطحي حافظ على دوران كرة من الشمع المنصهر المترسب حول الفتيل والشمعدان.

لقد وجد أن الشمعة التي يمكن أن تستمر في الاشتعال مدة عشر دقائق على الأرض تظل مشتعلة مدة 45 دقيقة على متن المحطة الفضائية مير. وبعد مرور زمن يتراوح ما بين أربع وعشر دقائق من الاشتعال يتحول اللهب إلى اللون الأزرق. ويغدو باردا لدرجة غير كافية لتوليد سناج أصفر لامع (a). لقد كان اللهب ضعيفا جدا لدرجة أن أجهزة التصوير الڤيديوي الموجودة على متن المحطة الفضائية، افتقرت إلى الحساسية الكافية لتصوير هذا اللهب، حتى في حالة إطفاء جميع الأنوار في غرفة الاحتراق. ومع ذلك، فقد تمكنت لوسيد من ملاحظة ما في الداخل، واستخدمت التصوير الثابت وقامت فورا برسم تخطيطي وتسجيل النتائج والملاحظات. وكانت المفاجأة العظمى التي ظهرت بعد انطفاء اللهب عندما أنارت لوسيد أضواء الغرفة، إذ شاهدت غمامة كبيرة كروية الشكل تحيط بذروة الشمعة (b). إننا نعتقد أن هذه الغمامة تحتوي على قطيرات الشمع المتكاثفة في الهواء الأكثر برودة. وتزودنا هذه الظاهرة بمعلومة مهمة في مكافحة الحرائق على متن المحطات الفضائية. فحتى بعد إخماد الحرائق، يمكن أن تستمر المواد القابلة للاشتعال في الاندلاع من المصدر.

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008466.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008467.jpg

قام رواد الفضاء على متن المحطة الفضائية مير، وكذلك مكوك الفضاء، بدراسة احتراق اللدائن والمواد السليلوزية. وذلك بقياس سرعة انتشار اللهب في ظروف تيارات هوائية مختلفة. ففي وسط ساكن لا حراك للهواء فيه تحترق أغلب المواد في حيز الثقالة المكروية ببطء أشد مما لو حدث على الأرض. ولكن تحت تأثير تيار هوائي بطيء، تتراوح سرعته ما بين بوصتين وثماني بوصات (أي من خمسة إلى عشرين سنتيمترا) في الثانية، تغدو بعض المواد أكثر اشتعالا. إن صفيحة من الورق على سبيل المثال ـ تحت تأثير تيار هوائي بطيء في حيز ثقالة مكروية ـ تحترق بمعدل أسرع عشرين في المئة من سرعة احتراق ورقة تحت الشروط نفسها على الكرة الأرضية. لقد أضافت هذه النتيجة معلومة أخرى إلى أمن المركبة الفضائية وسلامتها، وهي أن خط الدفاع الأول ضد الحرائق هو تسكين الهواء عن طريق إيقاف أنظمة التهوية.

ليست هذه البحوث إلا جزءا من برنامج أوسع. وثمة تجارب أخرى تم إجراؤها على متن المكوك الفضائي تركزت على حرائق الغاز النفاث واحتراق قطيرات الوقود إضافة إلى مزيج الهواء والهيدروجين والسناج الناتج من الحرائق في حيز الثقالة المكروية. وستجهز المحطة الفضائية الدولية بغرفة احتراق تحوي كامل التجهيزات، مما يوفر جميع الفرص الممكنة لإنجاز دراسات أعمق.

المؤلف

<H. روس>

باحث رئيسي في قسم علم الثقالة المكروية التابع لمركز أبحاث لويس بالوكالة ناسا في كليفلاند ـ أوهايو.

 

بعد الاتصال اليومي الأول كنا نتناول طعام الفطور. لقد كانت أمتع الأوقات التي قضيتها كفرد من طاقم المحطة مير عندما كنا نتناول وجبات الطعام معا ونحن نسبح حول مائدة الطعام في القاعدة الأساسية. وقبل قيامي بهذه الرحلة كنت أتخيل أن تكرار قائمة الطعام يمكن أن يقلل من شهيتي للأكل. ولكن لشدة دهشتي كنت أشعر بالجوع باستمرار قبل كل وجبة. لقد كان طعامنا من الوجبات الجافة الروسية والأمريكية معا، وكنا نقوم بتحضيرها بوساطة المياه الحارة. وقد قمنا في عدة تجارب بخلط العبوات المختلفة للحصول على مذاقات جديدة. وكنا نستحسن ذلك كثيرا لدرجة أن بعضنا كان يزكيها لبعض. وفي وجبة الإفطار كنت أفضل عبوة من الحساء الروسي، وكان غالبا حساء الشمندر المعروف بالبورشت، أو حساء الخضار، ومعها عبوة من عصير الفواكه. أما في وجبة الغداء أو العشاء فكنت أستحسن شرائح اللحم والبطاطا المطبوخة بالطريقة الروسية. أما الروس فكانوا يفضلون دائما عبوات المايونيز الأمريكي، التي كانوا يضيفونها إلى معظم طعامهم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008468.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008469.jpg

أسوأ فترة من الحياة على المحطة مير: الجري اليومي على جهاز الرياضة الثابت (في أعلى اليمين). تتوضع أجهزة التحكم الرئيسية في المحطة ضمن قاعدتها الأساسية (في أعلى اليسار). رائد الفضاء يوري يوزاشيڤ عندما ربح قطعة حلوى من الجلاتين مكافأة له من لوسيد لعثوره على حذائها المطاطي (في الأسفل). لوسيد تستخدم أكياسا بلاستيكية لإجراء تجربة على بيض طائر السمّان (في أسفل اليمين). كما استخدمت صندوق القفازات المصمم خصيصا لاختبارات اللهب والموائع (في أسفل اليسار).

 

كان جدول العمل اليومي موضحا بالتفصيل على امتداد اليوم، حتى إن الروس أطلقوا عليه اسم النموذج 24؛ لأنه يغطي كامل الساعات الأربع والعشرين. لقد كان رواد الفضاء يقضون معظم أوقاتهم عادة في صيانة أنظمة المحطة الفضائية مير، في حين كنت أقوم بإجراء التجارب التي طلبتها الوكالة ناسا. وكان علينا أن نقوم بالتمرينات الرياضية يوميا، للحيلولة دون ضمور عضلاتنا في حيز انعدام الوزن weightless. وكانت هذه التدريبات تتم عادة قبل وجبة الغداء. كان هناك جهازان للجري على متن المحطة الفضائية مير، أحدهما في القاعدة الأساسية والآخر في القمرة كريستال. كما جُهِّزت المحطة بدراجة لقياس الجهد، موضوعة تحت أرضية القاعدة الأساسية. وكنا نقوم بتنفيذ سلاسل من التمرينات التي طورها الفيزيولوجيون الروس، بحيث ننفذ كل يوم سلسلة منها، ثم نعيد الكرَّة وهكذا. يستغرق إجراء كل سلسلة نحو 45 دقيقة تتخللها فترات من الجري على جهاز الجري الثابت (التريدميل)، وتمرينات تشمل شد الحبال المخصصة لمحاكاة قوى الثقالة التي لم نشعر بها مدة طويلة. وقبيل نهاية إقامتي على المحطة الفضائية مير شعرت أني بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد، لذا كنت بعد انتهائي من التمرينات أجري كيلومترات إضافية على جهاز الجري الثابت.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008470.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008471.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008472.jpg

 

لقد كانت التمرينات اليومية أكثر الأمور التي لا أستسيغها في مجمل إقامتي على المحطة الفضائية مير، فهي أولا شاقة ومتعبة تماما. فقد كان عليَّ أن أرتدي المعدات الخاصة، ثم أربطها بحبال خاصة إلى جهاز الجري الثابت، مما يجعلني أقف معتدلة على الجهاز. وبقليل من التدرب والممارسة تعلَّمت الجري. ثم إن هذه التمرينات كانت مملة؛ فقد كان جهاز الجري الثابت يُولد ضجيجا عاليا، بحيث لا نتمكن من تبادل الحديث معا. وكي أكون مشغولة ومستغرقة باستمرار، كنت أستمع إلى مسجِّلة محمولة أثناء الجري، ولكن سريعا ما اكتشفت أني ارتكبت خطأ جسيما، فأنا لم أتزود إلا بالقليل من أشرطة التسجيل ذات الإيقاع السريع. ولحسن الحظ كان في المحطة مير مجموعة كبيرة من الأشرطة الموسيقية، وقد استمعت إلى أكثرها خلال إقامتي، التي امتدت نحو ستة أشهر.

 

وعندما كنا ننتهي من تدريباتنا كنا نستمتع طويلا بتناول وجبة غداء، ثم نعود إلى عملنا. وكثيرا ما كنا نستريح بعد الظهر فترة قصيرة لشرب الشاي. وفي المساء المتأخر نتناول معا وجبة العشاء. وبهذا نكون قد أنجزنا جميع ما جاء في النموذج 24 السابق ذكره. ولكن مازال هناك الكثير من الأعمال المنزلية الخفيفة التي لا بد من إتمامها، من مثل جمع القمامة وترتيب المؤن وتجفيف المياه المتكاثفة على السطوح الباردة. لقد كانت الفوضى مشكلة في المحطة مير؛ فبعد أن نكون قد قمنا بتفريغ المؤن والإمدادات الجديدة ـ من مركبة الفضاء غير المأهولة پروگرس Progress التي تلتحم بالمحطة الفضائية مرة كل عدة أشهر ـ نقوم بشحن المخلَّفات الآدمية، والنفايات في المركبات الفارغة، التي تحترق عند دخولها الغلاف الجوي المحيط بالأرض. وعادة لا يبقى متسع في المركبة پروگرس لشحن الأجزاء العديدة من الأجهزة العلمية غير المستخدمة.

 

وبعد وجبة العشاء ترسل قيادة البعثة النموذج 24، الخاص باليوم التالي على الطابعة عن بُعْد teleprinter. وإذا كان هناك متسع من الوقت نتناول الشاي مع قليل من الكعك والحلوى، وذلك قبل حلول فترة الاتصال لذلك اليوم، وهو الذي يحدث ما بين الساعة العاشرة والحادية عشرة ليلا. ثم نتبادل تحية المساء قبل ذهابنا للنوم، ويغادر كل منا إلى مضجعه في السرير المخصص له. كنت أسبح للوصول إلى القمرة الفضائية سپيكتر، ثم أفرد كيس نومي وأثبته جيدا. كثيرا ما كنت أمضي بعض الوقت في القراءة، وكتابة الرسائل للوطن على الحاسوب. وكنا نقوم باستخدام نظام اتصال للهواة لإرسال الخطابات إلى القيادات الأرضية، التي تقوم بدورها بإرسالها إلى ذوينا بالبريد الإلكتروني. وفي منتصف الليل أطفئ الأنوار وأسبح في الهواء إلى كيس النوم، ثم أغطُّ في سبات عميق حتى سماع آلة التنبيه في الصباح التالي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008473.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008474.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008475.jpg

وضعت التجارب الحساسة على منصة ثقالة مكروية معزولة لحمايتها من الاهتزازات (في أقصى اليسار). لوسيد تسجل مشاهداتها على حاسوب محمول (في أعلى اليسار). أعضاء الطاقم يحقن بعضهم بعضًا باللقاحات المختلفة، وذلك لاختبار أنظمتهم المناعية (في الأعلى). وفي الصورة نفسها عينات الدم التي تم جمعها (في أعلى اليمين). جهاز روسي لفحص الأوعية الدموية لقلب رائدة الفضاء لوسيد، وذلك بإحداث تفريغ حول النصف السفلي لجسمها (في اليمين).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008476.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008477.jpg

 

بيض السُّمان والقمح القزم

إن نظامنا في العمل على متن المحطة الفضائية مير نادرا ما كان يتغير. ولكن الأيام كانت لا تجري على منوال واحد. وكنت أعايش أحلامي ـ وهي أحلام أي عالِم ـ فقد كنت أملك مختبري الخاص، وأعمل على انفراد أغلب الوقت. وقبل أن تصبح التجربة مملة؛ كنت أبدأ بتجربة أخرى باستخدام جهاز جديد، وفي حقل علمي آخر. وكنت أُناقش عملي مرة على الأقل في اليوم مع<B. جيرستنماير> مدير الوكالة ناسا، أو <G. جونسون>، الطبيب الجراح. وهما عنصران في القيادة الروسية. وكانا ينسقان نشاطاتي مع الباحثين الرئيسيين في أمريكا وكندا، الذين اقترحوا التجارب وصمموها. وكثيرا ما كان جيرستنماير يقوم بالترتيبات اللازمة، كي يكون الباحثون الأساسيون مستمعين في الوقت نفسه لمحادثاتنا اللاسلكية. لذا كانوا على أتم الاستعداد للإجابة عن تساؤلاتنا حال وجودها، وكان هذا يحدث في منتصف الليل السابق في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وكان دوري في كل تجربة القيام بالإجراءات على المحطة الفضائية. بعدها يتم إرجاع البيانات والعينات إلى الأرض على متن المكوك الفضائي للتحليل والنشر. لقد تبين بوضوح، من تجربتي على المحطة الفضائية، قيمة إجراء الأبحاث على محطة فضائية مأهولة. ففي أثناء إجراء الكثير من التجارب كنت قادرة على مشاهدة بعض الظواهر المحيِّرة، التي تعجز آلات تصوير الڤيديو، أو آلات التصوير الثابتة عن تسجيلها. وبما أني كنت على دراية بالأسس العلمية لكل تجربة، فقد كنت أحيانا قادرة على تدقيق النتائج في الحال، وتعديل الإجراءات اللازمة عند الضرورة. وعند وجود عطل في الجهاز العلمي كنت أقوم بمفردي، أو بمساعدة زميل من الطاقم الموجود معي بإصلاحه. لذا كان من بين التجارب الثماني والعشرين المخططة لبعثتي تجربة واحدة فقط لم تعط النتائج المطلوبة؛ بسبب عطل في الجهاز.

 

لقد بدأت عملي على المحطة مير بتجربة حيوية (بيولوجية) لاختبار نمو الأجنة في بيض السُّمان الياباني الملقح. وقد تم إحضار هذا البيض إلى المحطة مير على المكوك نفسه الذي انطلَقْتُ عليه إلى المحطة مير. ثم نُقِل البيض إلى جهاز تفريخ على المحطة الفضائية. وبمضي الأيام الستة عشر التالية، نُقِلت الثلاثون بيضة واحدة واحدة من جهاز التفريخ، ثم وُضِعت في محلول تركيزه 4% من الپارافورمالديهايد paraformaldehyde؛ بغرض تثبيت نمو الأجنة لإجراء التحليل عليها لاحقا. ثم اختزنت العينات في درجات حرارة محيطية مناسبة.

 

يبدو من هذا الوصف أن التجربة سهلة وبسيطة، ولكنها في الحقيقة تتطلب هندسة إبداعية وخلاّقة لإتمام الإجراءات في بيئة ذات ثقالة مكروية. إن قواعد الأمان للوكالة ناسا وللروس أوصت بصنع وعاء ذي ثلاث طبقات لحفظ محلول التثبيت. فلو تسربت قطرة من هذا المحلول في الهواء، واستقرت في عين أحد زملاء الطاقم لأحدثت حروقا مؤلمة. وقد قام المهندسون في مركز إيمز للبحوث التابع للوكالة ناسا بتصميم نظام لأكياس شفافة ومتشابكة لإدخال البيض وتغطيسه في محلول التثبيت، ومن ثم يُكْسر البيض داخلها. إضافة إلى ذلك، فإن التجربة برمَّتها محاطة بكيس أكبر مجهز بقفازات متصلة بسطحه تمكِّن المجرب من الوصول إلى داخل الكيس من دون فتحه البتة.

 

في نهاية بعثتي، قام الباحثون في مركز إيمز للبحوث، وكذا في العديد من الجامعات، بتحليل أجنة السُّمان لمعاينة اختلافها عن الأجنة التي نمت في جهاز تفريخ أرضي. ومما يلفت النظر أن معدل نمو الأجنة غير الطبيعي على متن المحطة مير يفوق 13% ـ أي بمقدار أربع مرات معدل النمو غير الطبيعي في الأجنة على الأرض. يعتقد الباحثون أن ثمة عامليْن يكمنان وراء هذه الزيادة غير الطبيعية؛ أولهما الزيادة الطفيفة في درجة حرارة جهاز التفريخ الموجود في المحطة مير والآخر ازدياد مستوى الإشعاع على متن المحطة مير. أما التجارب الأخرى، فقد بينت أن متوسط تعرض المحطة مير للإشعاعات يكافئ الإشعاع الذي يتعرض له صدر يُصوَّر بالأشعة السينية ثماني مرات يوميا. وعلى أية حال، يعتقد علماء ناسا أن رائد الفضاء عليه أن يقضي ـ على الأقل ـ عدة سنوات في مدار حول الأرض لتزداد خطورة إصابته بالسرطان لدرجة ملحوظة.

 

كنت مشغولة في تجربة استمرت مدة طويلة تهدف إلى إنبات قمح داخل دفيئة (بيت زجاجي) greenhouse ـ وذلك على القمرة الفضائية كريستال. وأراد العلماء الأمريكيون والروس من هذه التجربة معرفة كيفية نمو حبات القمح ونضجها في بيئة ذات ثقالة مكروية. إن للتجربة تطبيقا كامنا مهما؛ ألا وهو أن نمو النباتات يمكن أن يؤمن الأكسجين والغذاء في مهمات طيران فضائية تدوم فترة طويلة. وقد ركَّز العلماء على الأنواع القزمية من القمح؛ لأن فترة نموها قصيرة. وقد قمت بزرع حبوب القمح في تربة من الزيوليت zeolite، وهو مادة حبيبية ماصة. ويتحكم برنامج حاسوبي في مقداري الضوء والرطوبة اللذين يتلقاهما النبات. وكنت أقوم بتصوير سويقات القمح ومراقبة ذلك يوميا.

 

وفي أوقات مختارة قمنا بحصد بعض النباتات وحفظناها في محلول بغرض تحليلها لاحقا على الأرض. وفي إحدى الأمسيات ـ بعد نمو النباتات بنحو 40 يوما ـ ظهرت سنابل في أعلى السويقات. وعند مشاهدتها صِحْت من شدة فرحي، ودعوت زملائي الذين سبحوا نحوي لمعرفة ما حدث. وقام <J. بلاها>، رائد الفضاء الأمريكي الذي حلَّ مكاني على متن المحطة مير ـ بحصد النباتات الناضجة بعد بضعة أشهر، جالبا معه أكثر من 300 سنبلة إلى الأرض. ولكن العلماء في جامعة ولاية يوتا اكتشفوا أن جميع السنابل كانت فارغة. وتوقع الباحثون تأثير مستويات الإيثيلين المنخفضة، الموجودة في جو المحطة مير، في تلقيح القمح. وفي أبحاث أخرى لاحقة على المحطة مير، قام رائد الفضاء <M. فوايل> بزرع أنواع بذور اللفت الملقَّحة تلقيحا ناجحا.

 

إن البيئة الثقالية المكروية على المحطة الفضائية قدمت أيضا أسسا جيدة للتجارب في فيزياء الموائع وعلم المواد. فقد بحث العلماء عن وسائل لتحسين البيئة، عن طريق تخفيض شدة الاهتزازات إلى أبعد حد ممكن. فمن المعروف أن المحطة مير تهتز قليلا عندما تدور حول الأرض، ومع أن هذا الاهتزاز لا يتحسسه الإنسان إلا أنه يؤثر في التجارب الحساسة. إن تحركات الطاقم وتيارات الهواء على المحطة قد تتسبب في حدوث اهتزازات. ولحماية التجارب من هذه الاضطرابات فقد تم وضعها على منصة ثقالية مكروية عازلة ـ وهي منصة صممتها وكالة الفضاء الكندية ـ يطفو فيها الجزء الأعلى حرا بفضل حقول مغنطيسية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008478.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008479.jpg

لُعَب أطفال فضائية، وهي هدايا من أبناء لوسيد، وصلت على متن مكوك الفضاء پروگرس (في أعلى اليسار). قرأت لوسيد 50 كتابا أثناء قضائها ستة أشهر على متن المحطة مير. وكانت تحفظ بعضها في خزانة الكتب العديمة الثقالة (في الأعلى). لوسيد وأوزاشيڤ والقائد يوري أونوفريينكو في صورة جماعية بالقمرة الفضائية پريرودا (في اليسار) وقد صاروا أصدقاء منذ رحلتهم هذه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008480.jpg

 

وبعد إجراء تجارب مستفيضة على المنصة، قمت باستخدامها لعزل تجربة في علم المعادن، وضعت فيها عينات معدنية داخل فرن مصمم خصيصا لرفع درجة حرارتها حتى درجة الانصهار. ووضعت عدة معادن سائلة مختلفة في أنابيب صغيرة حتى تبرد ببطء. وكان الباحثون الرئيسيون يريدون تحديد كيفية انتشار السوائل المصهورة بانعدام تأثير تيارات الحمل. (ففي حيز الثقالة المكروية لا ترتفع السوائل والغازات الساخنة، كما أن السوائل الباردة لا تهبط.) وبعد إجراء التحليلات اللازمة توصل الباحثون إلى أن معدل الانتشار على المحطة الفضائية أبطأ بكثير مما هو على الأرض. وأثناء إجراء التجربة حدث انحناء في إحدى الأذرع بالفرن، الأمر الذي أنذر بعدم إتمام التجربة. ولكن بمساعدة مهندس الطيران أوزاشيڤ، تم رفع هذه الذراع بسهولة وتقويمها بمطرقة. وغني عن القول إن مثل هذا الإصلاح مستحيل لو تمت هذه التجربة على متن مركبة فضائية غير مأهولة.

 

لقد زودت العديد من التجارب تصميم المحطة الفضائية الدولية ببيانات مفيدة. وقد ساعدت نتائج الباحثين ـ في فيزياء الموائع ـ مخططي المحطة الفضائية كثيرا على إنشاء أنظمة أفضل لتجديد الهواء وتأمين ضروريات المعيشة. ثم إن أبحاثنا عن كيفية انتشار اللهب في حيز ثقالي مكروي ستحسن الإجراءات اللازمة لإخماد الحرائق على المحطة [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 7].

 

السلامة في الفضاء

قمت خلال بعثتي بسلسلة من الأرصاد للأرض. فقد طلب العديد من علماء الوكالة ناسا التقاط صور لبعض المناطق على الكرة الأرضية في ظروف فصلية وإضاءة متغيرة. ومن الممكن أن يقوم علماء المحيطات والجيولوجيا والطقس بتضمين هذه الصور المأخوذة للأرض في أبحاثهم. وكنت ألتقط الصور عادة من نافذة كڤانت 2 باستخدام آلة تصوير محمولة. وقد اكتشفت أنني ـ خلال رحلة طيران فضائية طويلة مقارنة برحلة سريعة مكوكية فضائية ـ تمكَّنت من مشاهدة تعاقب الفصول على الأرض. فحينما وصلت إلى المحطة مير في نهاية الشهر3 ، كانت المناطق ـ في نصف الكرة الشمالي في خطوط العروض العالية، أي بالقرب من القطب الشمالي ـ مغطاة بالجليد والثلوج. وبعد بضعة أسابيع تمكنت من ملاحظة تشققات واسعة في البحيرات، عندما بدأ الجليد بالتكسر. وبين عشية وضحاها، كُسِيت مناطق نصف الكرة الشمالي كساء أخضر اللون بحلول فصل الربيع.

 

ماذا نتعلم من الكوارث

لقد كان عام 1997 عام شؤم بالنسبة إلى محطة الفضاء مير. ففي 23/2، بدأ احتراق مولد وقود الأكسجين الصلب في القمرة الفضائية كڤانت 1 من دون أن يتمكن الرواد من السيطرة عليه. وقد نتج منه لسان من اللهب يشبه ضوء مصباح الجيب الكهربائي بلغت درجة حرارته 900 درجة فرنهايتية (500 درجة سيلزية). وحينئذ هرع طاقم المحطة مير ـ يرافقهم رائد الوكالة ناسا <J. لينينجر> ـ إلى أقنعة الأكسجين وأجهزة إطفاء الحرائق. وقد فشلت رغوة الماء المقطر بأجهزة الإطفاء في إخماد النار، ولكنها أبقت جدران المحطة الفضائية باردة، حتى خمدت النار من تلقاء نفسها بعد 14 دقيقة. ولحسن الحظ لم ينجم عن الحريق أية إصابات، ولكن كان على طاقم المحطة لبس أقنعة الأطباء الجراحين عدة أيام خوفا من الملوثات الدخانية.

وبعد أربعة أشهر، وتحديدا في 25/7/1997 وقع أيضا حادث أسوأ مما سبق، حينما كان الطاقم يقوم باختبار جديد لالتحام المكوك پروگرس للمؤن والإمداد بالمحطة الفضائية مير. فنتيجة للتقدير الخاطئ ـ لقائد المركبة الفضائية ـ لاقتراب المركبة، اندفعت المركبة پروگرس وهشَّمت عددا من لوحات نظام الطاقة الشمسية (في اليمين) كما ثقبت هيكل القمرة الفضائية سپيكتر. وعندما تسرب الهواء من المحطة الفضائية هرع رائد الفضاء <M. فوال>، الذي كان قد حل محل لينينجر منذ شهر ـ إلى المكوك سيوز (أي إلى مركبة الإنقاذ) وأخذ يعد العدة لرحيلها. ولكن لحسن الحظ كان الثقب صغيرا، وتمكن الطاقم من لحامه وإعادة الضغط في سائر المحطة إلى ما كان عليه.

وعلى أثر هذه الحوادث طالب القادة في مجلس النواب بالولايات المتحدة (الكونگرس) بمراجعة شاملة للبرنامج المكوكي للمحطة مير. وقد قامت الوكالة ناسا بتفويض لجنتين لدراسة سلامة إرسال رواد الفضاء إلى المحطة مير. وتقرر في الشهر 9/ 1997إرسال البعثتين الأخيرتين. إلا أن نقاد وكالة الفضاء الأمريكية أثاروا موضوع المرحلة التالية لبرنامج التعاون، التي تتضمن إنشاء المحطة الفضائية الدولية؛ ذلك أن الكثير من الأجهزة المستخدمة على المحطة مير ـ التي تشمل مولدات وقود الأكسجين الصلب ـ ستستخدم كذلك في النماذج الروسية للمحطة الفضائية الجديدة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H01_008481.jpg

صفيف اللوحات الشمسية التي أتلفها تصادم المكوك پروگرس

ولتقليل أخطار حريق آخر أو انخفاض الضغط قامت الوكالة ناسا بالتعاون مع الروس بتحديد أسباب هذه الحوادث. ولسوء الحظ مازالت أسباب الحرائق غامضة. من المعروف أن مولدات الأكسجين الصلب تحرق پركلورات الليثيوم لتوليد الأكسجين، لذا كان طاقم المحطة مير غالبا ما يستخدم هذه الوسيلة لدعم مولد الأكسجين الأساسي في المحطة. ويعتقد بعض مهندسي الوكالة ناسا أن مولد الوقود الصلب ربما أصابه التلف من تكرار استخدام نظام الاشتعال الخاطئ فيه. وحاليا يقوم المسؤولون الروس والأمريكيون: إما بتعديل نظام الاشتعال، أو بإحاطته بدروع إضافية.

أما أسباب تصادم المكوك پروگرس فهي أكثر وضوحا. فقد كانت اختبارات نظام الالتحام الجديد سيئة التخطيط. ففي ذلك الوقت كان قائد المحطة مير هو <V. تسيبلييڤ>، وكان عليه أن يقدر المسافة بين المكوك پروگرس والمحطة الفضائية عن طريق جهاز ڤيديو موجود على مكوك المؤن پروگرس لأخذ صور للمحطة مير. إلا أن زاوية الاقتراب أظهرت الأرض خلف المحطة مير على جهاز الڤيديو، مما زاد من صعوبة مشاهدة المحطة الفضائية بوضوح. كما أن أجهزة الرادار على المحطة الفضائية مير كانت مطفأة عند الاختبار، وكانت المحطة الفضائية عندها في وضع لا يسمح لها بالاتصال بالقيادة الأرضية.

من الواضح أن المسؤولين في الوكالة ناسا لم يكونوا على علم بهذا القصور. ولتفادي مثل هذا التصادم بالمحطة الفضائية الدولية، التي سيكون لها ثلاث بوابات لالتحام مركبات الفضاء الروسية الأوروبية واثنتان لمكوك الفضاء، أصرّ المسؤولون الأمريكيون على أن يكونوا أكثر دقة في اختبارات الالتحام الروسية. وقد قال <F. كالبيرنسون> رئيس البرنامج المكوكي للمحطة مير: «إن مجهوداتنا في مجال الأمان قد تحسنت بالتأكيد. وسيكون لدينا طاقم أكثر تدريبا، إضافة إلى فريق أرضي للتعامل مع الحوادث المستقبلية.»

<M. ألپرت>، محرر

 

لقد سجلنا أيضا بعض الظواهر غير العادية على سطح الكرة الأرضية. ففي اليوم الذي حلَّقنا فيه فوق منغوليا شاهدنا سُحبًا كثيفة من الدخان، وكأن البلد بأكمله يحترق. وقد أدهشنا كثرة الدخان لدرجة أننا أبلغنا القيادات الأرضية بالأمر. وبعد بضعة أيام أفادتنا القيادة الأرضية بنبأ اندلاع حرائق في غابات منغوليا.

 

في الرحلات الفضائية المأهولة الطويلة الأمد لا تكون الاعتبارات الأكثر أهمية تقانةَ المركبة الفضائية، وإنما تركيبة طاقم العاملين عليها. وفي الحقيقة كان السبب الأساسي لنجاح البعثة على متن المحطة الفضائية مير هو أنني والقائد أنوفريينكو ومهندس الطيران أوزاشيڤ، كنا جميعا على وفاق تام. ولقد كان من السهل جدا أن تفرق بيننا اللغة أو الجنس أو الثقافة، ولكن هذا لم يحدث قط. وباستمرار، كان جميع أفراد الطاقم الروسي في المحطة يحرصون على اشتراكي معهم في جميع محادثاتهم. وبالفعل كنا نعمل في جميع المشروعات معا. ولم نقض أي وقت في انتقاد أحدنا للآخر، وإذا حدث خطأ ما كنا نصححه ثم نتناسى الأمر. والأهم من ذلك هو أننا كنا نضحك كثيرا.

 

ومن أسباب شعوري بالأمان على متن المحطة الفضائية مير هو جدارة طاقم العاملين وكفاءتهم. فحينما بدأت بعثتي كان قد مضى على المحطة الفضائية عشر سنوات، أي ضعف المدة التي كانت قد صُمِّمت لعملها. وكان كل من أونوفريينكو وأوزاشيڤ يقضي معظم وقته في صيانة المحطة، وتبديل قطع الغيار عند تلفها، وفي مراقبة الأنظمة الضرورية لدعم الحياة على متن المحطة. وسرعان ما اكتشفت أن باستطاعة الطاقم الذي أعمل معه أن يصحح أي خلل يمكن حدوثه. فقد جُهزت مير بمخزون كاف من قطع الغيار. ويمكن إحضار الكثير منها عند الحاجة بوساطة مركبة الفضاء پروگرس. وعلى عكس المكوك الفضائي، فإن المحطة مير لا يمكن أن تعود إلى الأرض للإصلاحات، لذا فإن أطقم رواد الفضاء المستمرين في المدار حول الأرض مدربون على الإصلاحات، كي تستمر المحطة في تأدية وظيفتها على ما يرام.

 

وزيادة على ما تقدم، كان لدى الأطقم العاملة على المحطة مير متسع من الوقت لمعالجة معظم الأعطال. وإذا حدث خلل في أحد مكونات المكوك الفضائي فإن ذلك يتطلب معالجة فورية؛ لأن المكوك الفضائي هو السبيل الوحيد لعودة الطاقم إلى الأرض. وفي حال تعطل جزء حيوي في المعدات فإنه يتحتم على رواد الفضاء إصلاح هذا التلف بسرعة، أو إنهاء البعثة على عجل. وقد حدث هذا الأمر في بضع حالات. ولكن المحطة مير مجهزة بقارب نجاة، فهي ترتبط دائما بالقمرة سيوز. وفي حال حدوث تلف في أجزاء أساسية على المحطة مير، فإن ذلك لا يهدد عودة الأطقم العاملة سالمين إلى الأرض، ومادامت المحطة الفضائية قابلة للسكن فإن أعضاء الطاقم يمكنهم تحليل ما يحدث والاتصال بقيادة البعثة ثم إصلاح العطل، أو العمل على التوصل إلى حل ما.

 

ثمة حالتان مهمتان تطلبتا من طاقم المحطة الفضائية مير اتخاذ إجراء فوري هما اندلاع حريق في المحطة الفضائية، أو الهبوط السريع في الضغط. ولقد حدثت هاتان الواقعتان على المحطة مير في عام 1997، بعد مغادرتي للمحطة [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 13]. ففي كلتا الحالتين تمكَّن الطاقم من السيطرة على الموقف. لقد كان من المفترض أن تنتهي بعثتي على المحطة الفضائية في الشهر 8/1996، ولكن رجوعي إلى الوطن على متن مكوك البعثةSTS-79؛ تأخر ستة أسابيع بسبب انشغال مهندسي الوكالة ناسا في دراسة أنماط الاشتعال غير العادية، التي حدثت في وقود الدفع الصلب العائد لمكوك سابق. وعندما سمعت عن التأخير، كان أول ما لاح في خاطري هو «أني لست راغبة أبدا في تدريبات الجري لمدة شهر ونصف شهر إضافي على جهاز الجري الثابت» بسبب التأخير. كنت لا أزال على متن المحطة مير عند وصول طاقم روسي جديد على متن مركبة الفضاء سيوز، ليحل محل أونوفريينكو وأوزاشيڤ. وأخيرا لما عدت على المكوك أتلانتس في 26/9/1996، كنت قد قضيت 188 يوما في الفضاء، وهو أعلى رقم سجله أمريكي حتى ذلك التاريخ.

 

يُفترض أن يعود رائد الفضاء <A.توماس> ـ وهو آخر الرواد السبعة من الوكالة ناسا، الذي أمضى في المحطة مير السنوات الثلاث الأخيرة ـ إلى الأرض في الشهر 6/1998. وبذلك ينتهي برنامج الرحلات المكوكية إلى مير. وانطلاقا من خبرتي الشخصية فإني أعتقد بأن هناك العديد من الدروس والخبرات التقنية التي يجب الاستفادة منها في تشغيل المحطة الفضائية الدولية. إذ ينبغي أولا اختيار طاقم المحطة بعناية. فحتى لو كانت مركبة الفضاء مصممة وفق أحدث التقانات، فإن الطاقم العامل على متنها سيمضي وقتا سيئا إذا لم يستمتع أعضاؤه بالعمل معا، ثم إن على الوكالة ناسا أن تميز رحلات الطيران الطويلة الأمد عن رحلات الطيران المكوكية؛ فالفرق بينهما كالفرق بين سباق ماراثوني وسباق لمسافة مئة ياردة. ففي رحلة مثالية لمدة أسبوعين على مكوك فضائي، تُخصِّص القيادة الأرضية للوكالة ناسا كل لحظة من وقت الطاقم لمهمة ما. ولكن في رحلة طويلة الأمد، يجب أن يعامل الطاقم كمجموعة علماء يعملون في مختبر أرضي، وينبغي أن يُسمح لهم ببعض التحكم في برامج عملهم اليومي.

 

وبالمثل عندما يتدرب طاقم لأداء مهمة علمية على المكوك الفضائي فإن عليه ممارسة كل إجراء بدقة، حتى تنجز المهمة من دون أي تفكير حولها. أما التدريب على المحطة الفضائية الدولية فيجب أن يكون مختلفا. فعندما يشرع عضو من الطاقم بإجراء تجربة جديدة في رحلة طويلة الأجل فقد تمضي ستة أشهر على الأقل بعد قيامه بالتدريبات عليها. وسيحتاج رائد الفضاء لقضاء بعض الوقت إلى مراجعة التجربة. لذا ينبغي أن يكون التدريب مبنيا على إكسابه مهارة فائقة. وعلى أعضاء الطاقم أن يتعلَّموا المهارات التي يحتمل أن يحتاجوا إليها في أثناء بعثاتهم، أكثر من التمرين على إجراءات محددة. كما أن على أعضاء الطاقم في الرحلات الطويلة الأمد أن يكونوا أعضاء نشيطين في البحوث العلمية التي يجرونها. أما التجارب فيجب أن تكون مصممة بحيث يعرف رواد الفضاء المعلومات العلمية التي تدور حولها، وأن يكونوا قادرين على التصرف في كيفية التعامل معها. ولا شك في أن عضو الطاقم، الذي يتعامل بذكاء مع التجربة التي يجريها، هو عضو يعمل وهو في غاية السعادة.

 

عندما حاولت استرجاع ذاكرتي عما حدث خلال ما يزيد على الأشهر الستة التي قضيتها في المحطة الفضائية مير لم تخنّي الذاكرة، بل تذكرت إحدى مهام البرنامج المكوكي للمحطة مير. ففي إحدى الأمسيات، كنت وأنوفريينكو وأوزاشيڤ نسبح في الهواء حول المائدة بعد تناول العشاء نحتسي الشاي ونأكل الكعك ونتبادل الحديث. وقد أبدى رواد الفضاء رغبة في معرفة شيء عن طفولتي في تكساس وأوكلاهوما. أما أونوفريينكو فقد تحدث عن القرية الأوكرانية التي ترعرع فيها، كما روى لنا أوزاشيڤ ذكرياته عن قريته الروسية. وبعد فترة.. أدركنا أننا جميعا قد ترعرعنا والخوف يعترينا من حرب نووية تنشب بين بلدينا.

 

لقد قضيت سنوات دراستي الابتدائية يعتريني الخوف من الاتحاد السوڤييتي. وكنا نتدرب على مواجهة الغارات الجوية في فصولنا، فنحتمي تحت مقاعدنا الدراسية. وكنا جميعا نندفع عندها إلى مخابئنا من دون أن نسأل عن السبب. وبالمثل فقد ترعرع كل من أونوفريينكو وأوزاشيڤ على احتمال أن تقصف القنابل الأمريكية والصواريخ قريتيهما. وبعد الحديث عن أيام طفولتنا انتابتنا الدهشة والعجب لما آلت إليه الأمور. فنحن هنا من بلدين ـ كانا قد أقسما على تبادل العداوة بينهما قبل بضع سنوات ـ نعيش معا على متن المحطة الفضائية في تآلف وسلام. لقد أمضينا فيها وقتا طيبا حقا.

 

المؤلفة

Shannon W. Lucid

رائدة فضاء تعمل في الوكالة ناسا بمركز جونسون الفضائي في هيوستن بتكساس. شاركت في خمس رحلات فضائية بما فيها بعثتها على متن المحطة الفضائية مير، مسجلة 223 يوما في رحلة فضائية. وتقوم حاليا بتمثيل البرنامج المكوكي للمحطة مير. ومازالت نشيطة في الخدمة وتتطلع إلى رحلة فضائية أخرى للوكالة ناسا.

 

مراجع للاستزادة 

DIARY OF A COSMONAUT: 211 DAYS IN SPACE. Valentin Lebedev. PhytoResource Research, 1988; and Bantam Books, 1990.

Information on the ShuttleMir program is available at httpJ/shuttle-mir.nasa.gov on the World Wide Web. Information on the International Space Station is available athttp://station.nasa.gov  on the World Wide Web.

Scientific American, May 1998

 

(*) Six Months on Mir

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى