مهاجمة الجمرة الخبيثة
مهاجمة الجمرة الخبيثة(*)
تعرض اكتشافات حديثة استراتيجيات ملحة جدا لتحسين الوقاية والمعالجة
من مرض الجمرة الخبيثة، وتأتي في مقدمتها طرق لتحييد ذيفان(1) بكتيرتها البغيض.
<T .A .J. يونگ> ـ <J .R. كولْيَر>
لقد اتضح جليا في خريف عام 2001 ضرورة تأمين معالجات جديدة للإصابة بمرض الجمرة الخبيثة (الأنثراكس)، وذلك إثر وفاة خمسة أشخاص بسبب استنشاقهم الجمرة، فكانوا ضحايا أول إطلاق متعمد لأبواغها في الولايات المتحدة؛ وقد توفي المرضى في غضون أيام من ظهور أعراض أولية غير مقلقة عليهم، وذلك على الرغم من معالجتهم المكثفة بالمضادات الحيوية. وكذلك لحقت إصابات خطيرة بستة آخرين قبل أن يتمكنوا من اجتياز مرحلة الخطر.
وكانت مختبراتنا وغيرها قد بدأت، لحسن الحظ قبل خريف عام 2001 بزمن طويل، بدراسة البكتيرة المسببة للإصابة وهي عُصية الجمرة Bacillus anthracis، وبالبحث عن ترياق antitoxin لها؛ وتشير الاكتشافات الحديثة إلى أننا في الطريق نحو صنع أدوية جديدة ولقاحات محسنة. وفي الواقع أعلن كلانا ومساعدونا، في العام 2001، نبأ تحضيرنا ثلاثة أنماط بدئية لأدوية واعدة.
قاتل مراوغ(**)
وقد انبثقت الأفكار الجديدة لمحاربة الجمرة من أبحاث متواصلة على الكيفية التي تسبب بها عُصيّة الجمرة المرض والموت. فالجمرة لا تنتقل من شخص إلى آخر، بل إن الإصابة بها لا تحدث إلا إثر دخول أبواغ شديدة التحمل جدا إلى جسم الإنسان (أو الحيوان) عبر جرح على سطح جلده أو من خلال طعام ملوث يتناوله أو هواء محمل بالأبواغ يستنشقه. وهنا تطرح هذه الأبواغ إهابها في داخل الجسم وتتحول إلى خلايا «خضرية» vegetative؛ أي خلايا تنقسم بنشاط بالغ.
وتسبب بكتيريا الجمرة التي تستعمر الجلد أو الأنبوب الهضمي أذى موضعيا في البداية، وقد تسبب أوجاعا محدودة تبدو على شكل تقرحات سُوْد وتورمات؛ كما قد تسبب قيئا وآلاما بطنية ونزيفا في مرحلة تالية. ولكن إذا استمر نمو البكتيرة في الجلد أو في الأنبوب الهضمي المعوي بدون كبح، فقد تغزو هذه الميكروبات المجرى الدموي في نهاية المطاف وتسبب بذلك مرضا جهازيا(2) systemic disease.
أما الأبواغ المستنشقة التي تدخل عميقا في الرئة، فإنها تميل إلى ألا تضيع وقتا في المكان الذي حطّت فيه، وإنما تتحول عادة إلى الشكل الخُضْري وترحل سريعا إلى عُقَد لمفاوية في وسط الصدر، حيث يستطيع العديد منها أن يشق طريقه بسهولة نحو الدم (في حين تُعِدُّ البكتيريا التي تمكث في الصدر العُدة لتكديس سائل حول الرئة يعوق سيرورة التنفس).
إن التنسّخ replication المكثف لهذه الخلايا في الدم هو الذي يقضي على المصابين بالجمرة. وتعود مقدرة عُصَيّة الجمرة على الانتشار بنجاح إلى إفرازها مادتين تُعرفان بعاملي الفَوْعة virulence factors، اللذين يستطيعان أن يفسدا بدرجة كبيرة الدفاعات المناعية المعنية بإبقاء النمو البكتيري تحت السيطرة. يُغلف أحد هذين العامِليْن الخلايا الخضرية بمحفظة پوليميرية تمنع ابتلاعها من قبل بلاعم macrophages وعَدِلات neutrophils الجهاز المناعي ـ وهي الخلايا القَمّامة scavenger التي تقوّض عادة البكتيريا المسببة للمرض. أما شريك المحفظة في الجريمة فهو ذيفان toxin غير عادي يشق طريقه نحو الخلايا القمامة (أو البلاعم) ويعترض أنشطتها المعتادة في قتل البكتيريا.
ويُعتقد أن ذيفان الجمرة الذي يدخل كذلك إلى خلايا أخرى يسهم بالمرض المميت، ليس فقط عن طريق إضعافه الاستجابات المناعية للجسم، بل عن طريق أدائه دورا مباشرا أيضا. وتتضمن الأدلة على هذا الرأي ملاحظة أن الذيفان وحده (بغياب البكتيرة) يستطيع قتل الحيوانات. وعلى العكس فإن تحريض الجهاز المناعي على إبطال مفعول الذيفان يمنع عُصيّة الجمرة من إحداث المرض.
ولقد اكتشف هذا الذيفان الرهيب <H. سميث> ومساعدوه [في مؤسسة الأبحاث الميكروبيولوجية في إنكلترا] في خمسينات القرن الماضي. وبسبب إدراك الباحثين لدوره الرئيسي في حوادث الوفاة بالجمرة، ركز العديد منهم جهودهم منذ ذاك على معرفة الكيفية التي تقوم بها هذه المادة «بتسميم» الخلايا؛ أي كيف تدخل هذه المادة إليها وتفسد أنشطتها. فمثل هذه التفاصيل تقدم دالاّت clues أساسية تخص لجم تأثيراتها. لقد استهل هذا الجهد كل من <H .S. لِپْلا> و<M .A. فريدلاندر> [حينما كانا في معهد الأبحاث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي] بالاشتراك مع زملائهما في ثمانينيات القرن الماضي. وفي وقت لاحق تابع كلانا مع آخرين القيام بهذه المهمة.
لقد تبين أن هذا الذيفان يتكون من ثلاثة پروتينات وهي: مستضد واقٍprotective antigen PA وعامل وَذَمة edema factor EF وعامل مميت lethal factor LF . وتتعاون هذه الپروتينات فيما بينها ولكن لا يترابط بعضها ببعض بشكل عضوي. وتبقى غير مؤذية بشكل إفرادي إلى أن تتصل بالخلايا وتدخلها، وهو ما تقوم به بطريقة منسقة ومتناغمة تماما.
يبدو في الصورة <M. موريز> [من جامعة هارڤارد] وهو يمسك بيديه صفيحة تحوي مستنبتات خلايا ناجية بعد تعرضها لذيفان الجمرة إثر معالجتها بترياق فعّال. |
في بادئ الأمر يرتبط المستضد الواقي بسطح إحدى الخلايا، حيث يقوم إنزيم بقص جزء من طرفها الخارجي. ثم تتحد سبعة من هذه الجزيئات المقطوعة، مشكلة بنية حلقية الشكل (أو قسيما سباعيا heptamer) يعتقل العاملَيْن الآخرين وينتقل إلى حجيرة داخلية محاطة بغشاء تدعى الإندوزومendosome. وتتسبب الحموضة المعتدلة في هذه الحجيرة بجعل القسيم السباعي يغير شكله على نحو يؤدي إلى نقل عامل الوذمة والعامل المميت عبر الغشاء الإندوزومي إلى العصارة الخلوية cytosol (وهي المادة الأساسية matrixالداخلية للخلايا)، حيث يمارسان أذاهما؛ فكأنما القسيم السباعي يشبه محقنا محملا بعامل الوذمة وبالعامل المميت، وتؤدي الحموضةُ الطفيفة للإندوزوم إلى أن يخترق المحقن غشاء الإندوزوم ويزرق العامليْن السامين في العصارة الخلوية.
ويقوم هذان العاملان بتحفيز تفاعلات جزيئية مختلفة في الخلايا. فعامل الوذمة يفسد التحكم في تدفق الماء والأيونات عبر أغشية الخلية، مسببا تورم النُّسُج؛ كما يستنزف في البلاعم الطاقة التي تستعمل عادة في التقاف البكتيريا.
أما الدور الدقيق للعامل المميت، وقد يكون أكثر أهمية في التسبب بوفاة المرضى، فهو أقل وضوحا. ويعرف العلماء أن هذا العامل هو پروتياز (إنزيم قاطع للپروتين)، وأنه يفصم الإنزيمات في فصيلة تُعرف باسم MAPKKs. وهم يحاولون الآن تفصيص الأحداث الجزيئية التي تلي مثل ذلك الفصم وكشف الإسهامات النوعية لهذا العامل في التسبب بالمرض فالوفاة.
الجمرة/نظرة شاملة(***)
• يسهم ذيفان (سم) عصية الجمرة بمكوناته الثلاثة إسهاما قويا في التسبب بأعراض الإصابة بهذا المرض وبالوفاة به.
• لا يسبب الذيفان الأذى إلا إذا استطاع الوصول إلى العصارة الخلوية cytosol. • إن العقاقير التي منعت وصول الذيفان إلى العصارة الخلوية قد يكون أمامها طريق طويلة قبل أن تنزع سلاح هذا الذيفان وتنقذ حياة المصابين بالجمرة. • أدت معرفة كيفية دخول الذيفان إلى الخلايا، مؤخرا، إلى اكتشاف عدة أشكال محتملة من الترياق (مضاد الذيفان). |
طرق المداواة(****)
من المؤكد أن الأدوية القادرة على تحييد ذيفان الجمرة، سوف تساعد الجهاز المناعي على مكافحة تكاثر البكتيرة، وقد تعمل على خفض مخاطر حدوث الوفاة لدى المريض. إن المضادات الحيوية التي تعطى الآن لضحايا استنشاق الجمرة قد تتحكم في الانتشار الميكروبي ولكنها تدع الذيفان طليقا يعيث فسادا.
كشف الجمرة(*****)
الكشف السريع قد ينقذ الحياة
<R. كازاگراندي>
قد تصيب بكتيرة الجمرة أعدادا كبيرة من الناس إذا ما استطاعت مجموعة إرهابية نشر أبواغها في الجو. وقد لا يشعر أحد بذلك قبل أن تُرى جموع المصابين وقد أخذوا يتوافدون على المستشفيات. وقد يصلها بعضهم متأخرين جدا في طلب العون، بحيث يتعذر إنقاذهم بالعلاجات التقليدية المألوفة. ولكن يمكن تلافي الكثير من الإصابات وتجنب مخاطرها إذا ما تضمنت طرق الدفاع المستقبلية ضد أي هجوم ببكتيرة الجمرة مِحَسّات sensors تنذر بوجود أبواغها بمجرد ظهورها في البيئة. إن مثل هذه التجهيزات غير متاحة الآن على نطاق واسع، غير أنه يُجرى تطوير تصاميم مختلفة منها تتضمن آخر ما توصلت إليه التقانات الحديثة.
وعلى هذه المِحَسّات أن تفرق بين العوامل المُمْرِضَة وبين الآلاف من الكائنات الدقيقة غير الضارة المشابهة لها، التي تستعمر الهواء والماء والتربة. إن معظم الأدوات والوسائل التي يُجرى اختبارها تمارس عملها من خلال كشف جزيئات فريدة توجد على سطح العامل الممرض، أو من خلال تبيّن شدف من الدنا DNA لا توجد إلا في هذه العوامل. تُعد نبيطة device الكاناري (أي المُخْبِر أو المُبَلِّغ)، التي تُطوّر في مختبرات لنكولن بمعهد ماساتشوستس للتقانة، مثالا لهذه المكتشفات التي تتحرى وجود العوامل الممرضة من خلال تقصي وجود جزيئات سطحية خاصة بها؛ وتتكون مِحَسّات هذه النبيطة من خلايا حية هي الخلايا البائية (B) في الجهاز المناعي، تم تعديلها وراثيا (تحويرها جينيا) بحيث تضيء إذا ما تغير تركيز الكالسيوم فيها. وتشكل نتوءات هذه الخلايا المستقبِلات التي لا ترتبط إلا بجزء فريد من الجزيء الموجود على سطح العامل الممرض. فإذا ما ارتبطت خلايا المِحَس بهدفها تحررت أيونات الكالسيوم من «مخازنها» في الخلايا وأضاءت ذراتها. وتستطيع نبيطة «الكاناري» تمييز أكثر من نوع واحد من العوامل المسببة للمرض؛ وذلك بإمرار العينة المختبرة عبر عدة وحدات مليئة بالخلايا الحساسة، حيث تتفاعل كل واحدة من هذه الوحدات مع كائن حي دقيق مختار.
أما النظام GeneXpert الذي طورته الشركةCepheid في كاليفورنيا، فمثالٌ لمقاربةٍ عمادها الجينات (المورثات). يستهل النظام عمله باستخلاص الدنا DNA من الكائنات الدقيقة الموجودة في عينة ما. فإذا حوت العينة عاملا ممرضا ذا بال، فإن شَعيلات primers ـ وهي شرائح من مادة وراثية قادرة على تعرف تتاليات نوعية قصيرة من الدنا ـ تتعلق بنهايات شدف الدنا المميزة للعامل الممرض المعني. وبعدها يعمد النظام، بطريقة تعرف «بتفاعل الپوليميراز المتسلسل» (PCR) إلى صنع عدة نسخ من الدنا المقيد، محملا عليها واسمات مفلورة. وفي خلال ثلاثين دقيقة تقريبا، يمكن للنظام GeneXpert أن يصنع ما يكفي من الدنا للكشف عما إذا كانت العينة الأصلية تضم الكائن المزعج ولو كمية صغيرة منه. يحوي هذا النظام عدة حجيرات يقع فيها التفاعل PCR، وفيها مجموعة شَعيلات منفصلة تسمح بكشف عدة عوامل ممرضة بآن واحد. كما يمكن استخدام النظام لكشف وجود بكتيرة الجمرة في مَسْحة swab أنفية مأخوذة من مريض، وذلك خلال نصف ساعة فقط، وهو زمن أقصر بكثير مما تتطلبه التقانات الميكروبيولوجية التقليدية لإعطاء نتائجها. تستفيد التجهيزات المصممة لكشف أبواغ الجمرة ـ أو البكتيريا القريبة منها، كتلك التي تسبب مرض التسمم الوشيقي botulism ـ من كون هذه الأبواغ مليئة بتمامها بحمض ثنائي الپيكولينيك dipicolinic acid DPA ؛ وهو مركب نادرا ما يوجد في الطبيعة في غير هذه الأبواغ، ويساعدها على البقاء حية في الظروف البيئية القاسية. وقد بدت الجزيئات التي تتفلور عند ارتباطها بهذا الحمض واعدة في صنع كواشف للجمرة ذات أساس كيميائي. كما أن بوسع «الأنوف الإلكترونية»، كالتي في نظام الكشف سيرانوز الذي طورته الشركة Cyrano Sciences في كاليفورنيا، «شم» حمض ثنائي الپيكولينيك (وبالتالي تعرّفه) في عينة من هواء ملوث بأبواغ الجمرة. إن الخطر الحقيقي لإطلاق عصيات الجمرة في الجو يكمن في سريته. وإذا ما تم كشف هجوم بيولوجي بعد حدوثه مباشرة، وإذا ما تلقى الأشخاص الذين تعرضوا له العلاج سريعا، فإن أملهم بالشفاء يكون كبيرا جدا. وهكذا، فمن خلال تحسين وسائل الكشف المبكر، يمكن للمحسات المصممة على أساس النظامين المشار إليهما آنفا، أو على تقانات مختلفة تماما، أن تقضي بفاعلية على سلاح رهيب من ترسانة الإرهابيين. المؤلف Rocco Casagrande يقوم هذا الباحث الذي يعمل في Surface Logix في ماساتشوستس بتطوير طرائق ونبائط لكشف الأسلحة البيولوجية. |
هذا ويمكن من حيث المبدأ إيقاف نشاط الذيفان بالتدخل في أيٍّ من خطوات سيرورة التسميم intoxication process. وتبدو هناك مقاربة مغرية تتجلى بإيقاف تتالي الأحداث قبل أن تبدأ، عن طريق منع ارتباط المستضد الواقي بالخلايا. فقد تحقق العلماء منذ نحو عشر سنوات من أن هذا الپروتين يستهل دخول الذيفان إلى الجسم عن طريق ارتباطه بپروتين نوعي موجود على سطح الخلية. فإذا ما عولجت هذه الخلايا بإنزيمات تزيح جميع پروتيناتها السطحية، فلن يجد المستضد موطئ قدم له. ولم يكن أحد يعلم، حتى وقت قريب جدا، أيا من هذه الپروتينات الموجودة على سطح الخلية ـ وهي لا تحصى عددا ـ يمكن أن يقوم بدور المستقبِل الرئيسي.
وفي صيف عام 2001 تمكنّا مع زملائنا <K. برادلي> و<J. موگريدج> و<H. موريز> من العثور على هذا المستقبِل. وفيما بعد كَشَف التحليل الدقيق لهذا الجزيء (الذي يعرف الآن باسم «مُستقبِل ذيفان الجمرة» ATR) أنه يجتاز غشاء الخلية وينتأ منه، وأن الجزء الناتئ هذا يحوي منطقة شبيهة بمنطقة تُشكل في مستقبلات أخرى موقعَ ارتباط لپروتينات معينة. وقد أوحى هذا الاكتشاف بأن هذه المنطقة هي المكان الذي يتثبت فيه المستضد الواقي على المستقبل ATR، وهو كذلك فعلا.
لم نتمكن حتى الآن من معرفة وظيفة هذا المستقبل الذي، بالتأكيد، لم يتطور خصيصا للسماح بدخول ذيفان الجمرة إلى الخلية. ومع ذلك، فإن معرفة تركيبه الجزيئي تتيح لنا الفرصة للبدء باختبار مثبطات لفعاليته. فمثلا حققنا بعض النجاح في ذلك باستخدام مركب أسميناه مستقبل ذيفان الجمرة الذوّاب (sATR)، وهو شكل ذوّاب لقطاع المستقبِل receptor domain الذي يرتبط بالمستضد الواقي. فعند مزج جزيئات هذا المركب في الوسط الذي يحيط بالخلايا، فإنها تشكل شِراكا ناجعة تستدرج المستضد الواقي للارتباط بها بدلا من ارتباطه بمستقبله الحقيقي على سطح الخلايا.
ونحاول الآن إنتاج كميات كافية من المستقبل الذوّاب sATR تسمح لنا بتقييم مقدرته على مكافحة الجمرة في القوارض والرئيسيات primates غير البشرية، وهي تجارب لا بد منها قبل اعتماد أي دواء جديد لمكافحة الجمرة في الإنسان. كما تتحرى مجموعات أخرى من الباحثين إمكانية هندسة أضداد antibodies(وهي جزيئات عالية النوعية في الجهاز المناعي) قادرة على تحقيق ارتباط وثيق بالمستضد الواقي، على نحو يحول بينه وبين الارتباط بمستقبِله.
تنقسم (تتكاثر) خلايا بكتيرة الجمرة بنشاط، وتنتظم في سلاسل (كعربات نقل البضائع بالسكك الحديدية المتصلة إحداها بالأخرى). |
المزيد من الأهداف(******)
ويسعى العلماء أيضا إلى إيجاد سبل لإحباط الخطوات اللاحقة في سيرورة التسميم. فمثلا اصطنع فريق من هارڤارد دواء قادرا على سد مناطق القسيم السباعي التي تمسك بعامل الوذمة والعامل المميت. ويعتقد هذا الفريق، الذي تشارك فيه مختبرات أحدنا (كولير) و<M .G. وايتسايدس>، أن القسيم السباعي المسدود لا يعود قادرا على جذب هذين العاملين إلى داخل الخلية.
بدأنا باستقصاء عدة پپتيدات(3) اصطنعت عشوائيا، لنرى إن كان أي منها يرتبط بالقسيم السباعي. وجدنا واحدا يفعل ذلك، فاختبرنا مقدرته على وقف فعالية الذيفان. لقد نجح في ذلك ولكن بشكل ضعيف، وهنا افترضنا أن إدخال عدة سدادات في قطاعات الارتباط لدى القسيم السباعي المسؤولة عن عامل الوذمة والعامل المميت قد يكون أكثر جدوى، فاستفدنا من طرق كيميائية ابتكرها فريق وايتْسايدس، وربطنا نحو 22 نسخة من هذا الپپتيد بپوليميرpolymer مرن. وقد أظهر هذا البنيان تثبيطا قويا لفعل الذيفان، إذ فاقت فاعليتُه الپپتيد الحر بأكثر من 7000 ضعف، سواء كان في المستنبتات الخلوية أو في الجرذان.
وهناك مركب مثير آخر يغير بنية القسيم السباعي ذاته، وربما يكون الأفضل اختبارا على الإنسان. وقد اكتُشِف هذا المركب بعد أن لاحظ <R .B. سِلْمان> [من فريق عمل كولير] أن مَزْج بعض الأشكال الطافرة للمستضد الواقي في أشكاله الطبيعية يجعل القسيمات السباعية تتشكل على الخلايا بالصورة المعتادة، ولكنها لا تقوى على زرق عامل الوذمة والعامل المميت داخل العصارة الخلوية. ومن اللافت للنظر أن بعض هذه الطافرات كانت مؤثرة، لدرجة أن نسخة واحدة منها فقط في قسيم سباعي منعت الزرق تماما.
وفي دراسة ورد ذكرها في الشهر 4/2001، أثبتت هذه الطافرات، التي أصبحت تُعرف بالمثبطات السلبية المهيمنة (DNIs)، جدواها كعوائق (حاصرات) فعالة لذيفان الجمرة في المستنبتات الخلوية وفي الجرذان؛ إذ وُجد أن كميات قليلة نسبيا من طافرات مختارة من هذه المثبطات استطاعت أن تُبطل مفعول كمية من المستضد الواقي والعامل المميت، كانت تكفي لقتل جرذ في 90 دقيقة. وتوحي هذه الاكتشافات أن كل نسخة طافرة من المستضد الواقي تقوى على شل فعالية ست نسخ سوية منه في مجرى الدم، وأنها ربما تقلل فعالية الذيفان لدى المرضى إلى حد مثير.
الجمرة الخبيثة تقوم بعملها(*******)
كيف يغزو الذيفان الخلايا… وكيف يمكن إيقافه(********)
|
وبالطبع فإن العلماء سيستطيعون اكتشاف المزيد من الأفكار العلاجية الجديدة كلما توصلوا إلى إجابات عن مزيد من الأسئلة حول الذيفان. والآن بعد أن تم تحديد هوية مستقبِل المستضد الواقي، يستطيع الباحثون استخدام هذا المستقبل هدفا في اختباراتهم الموجهة نحو إيجاد عقاقير قادرة على إعاقة ارتباط المستقبل بالمستضد الواقي. كما أن فهم البنية الثلاثية الأبعاد للمستقبل قد يكشف بالضبط عن نقاط التماس بين المستضد الواقي والمستقبل؛ وهو ما سيُمكِّن صانعي العقاقير من تصميم مواد عائقة (حاصرة) للمستقبِل.
وكذلك يرغب الباحثون باكتشاف التآثرات interactions الجزيئية التي تتيح للقسيمات السباعية للمستضدات الواقية أن تنتقل من سطح الخلية إلى الإندوزومات داخل الخلية؛ إذ قد تكون إعاقة هذا الانتقال مفيدة جدا. ويتساءلون كذلك عما يحدث بعد أن يشطر (يفصم) العامل المميت الإنزيماتMAPPK؟ وكيف تؤثر هذه الأحداث اللاحقة في الخلايا؟ ومع أن هذا السؤال الأخير يبقى تحديا مثيرا، فقد فتحت دراسة حديثة للعامل المميت آفاقا لإيجاد عقاقير قادرة على شل فاعليته. كما توصلت دراسة ـ قدمها في الشهر 11/2001 <C .R. ليدنگتون> [من معهد برنهام في كاليفورنيا]، وزملاؤه في عدة مختبرات ـ إلى وضع البنية الثلاثية الأبعاد لجزء العامل المميت الذي يفعل فعله في جزيئات الإنزيمات MAPKK. ويمكن لهذا الموقع أن يصبح الآن هدفا لاستقصاء العقاقير أو تصميمها.
دروس طبية(*********)
نظرة جديدة للأطباء حول الجمرة المستنشقة
وضعت الإصابات الحديثة بالجمرة المستنشقة في الولايات المتحدة حدا لبعض الأفكار القديمة السائدة عن هذا المرض. فمع وصول الرسائل المحملة بأبواغ الجمرة في الشهر 9/2001، ظنت السلطات الصحية في البداية أن خطر الإصابة بها ينحصر بمتسلمي تلك الرسائل أو ربما بالقريبين منهم. ولكنهم ما لبثوا أن لاحظوا أن هناك نوعا من «التلوث المتقاطع» cross contamination ينجم عن تسرب الأبواغ من ظروف الرسائل، ويلوث مواقع أو مواد أخرى في مراكز البريد التي وصلت إليها تلك الرسائل. ويفسر هذا التلوث المتقاطع وفاة اثنين من الأشخاص الأحد عشر الذين ثبت تعرضهم لاستنشاق الجمرة في العام 2001. وخلافا لما كان يظن، فإن تلك الأبواغ لا تستقر في المكان الذي تحط فيه، وإنما يمكن أن يحملها الهواء ثانية حينما يتجول الأشخاص في غرفة ملوثة.
كان يظن قبل الشهر 10/2001 أن الشفاء من الجمرة المستنشقة يكاد يكون مستحيلا بعد أن تظهر أعراضها. ولكن الأطباء ما لبثوا أن تجاوزوا ذلك فتمكنوا في خريف 2001 من إنقاذ ستة من المصابين. ومع أن ضآلة هذا العدد لا تسمح باستخلاص نتائج موثوق بها، فقد لوحظت أمور مثيرة للاهتمام عندما أخذ <A .J. جرنيگن> [من «مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها» (CDC)] وباحثون آخرون بمراجعة السجلات الطبية للمصابين العشرة الأوائل، ونشروا ما توصلوا إليه في عدد الشهرين 11/12(2001) من مجلة “EmergingInfections Diseases”، وتوجد هذه البيانات (المعطيات) على شبكة الإنترنت:www.cdc.gov/ncidod/eid/vol 7no6/jernigan.htm. يشير هؤلاء الباحثون إلى أن التشخيص السريع نسبيا للإصابة قد ساعد على ما يبدو في معالجتها. فأعراض الجمرة المستنشقة تمر في طورين: طور مبكر تلاحظ فيه أعراض عامة ترى في العديد من الأمراض (كالتعب والحمى والألم والسعال)، وطور لاحق تكون الإصابة فيه قد بلغت مرحلة الخطر، وتتجلى أعراضه بصدمة وبحمى مرتفعة وبصعوبة في التنفس. وقد لاحظ الباحثون أن ستة من المصابين العشرة، وهم الذين كتبت لهم البُقْيا، كانوا قد عولجوا بمضادات حيوية فعّالة ضد عصية الجمرة في مرحلة الأعراض المبكرة للإصابة. وربما يكون تناول عدة أنواع من المضادات الحيوية وأخذ كوكتيلات من الأدوية قد ساعد على ارتفاع نسبة البقيا بين المصابين على نحو غير متوقع. كان تسعة ممن روجعت سجلاتهم قد بدؤوا بالمعالجة قبل أن ينشر المركز CDC ما أطلق عليه «الدليل المؤقت لمعالجة الجمرة المستنشقة» وذلك في 26/10/2001. ومع ذلك فقد تلقى معظم المرضى معالجات تتوافق وما جاء في هذا الدليل: سيپروفلوكساسين (المعروف الآن باسم سيپرو) أو دوكسي سيكلين مع واحد أو اثنين من عوامل أخرى تثبط تنسخ عصيات الجمرة (مثل ريفامپين، ڤانكومايسين، پنسلين، أمپيسلين، كلورامفينيكول، إيميپنم، كلندامايسين، كلاريثرومايسين). ومن المحتمل أن مما ساعد أيضا على الشفاء اعتماد معالجة داعمة قوية تتضمن تصريف السائل الخطر من حول الرئتين. ومع ذلك فلايزال الناجون يُعتبرون بحكم المرضى. يقول جِرنيگن إنهم يخضعون للمراقبة لملاحظة أي مضاعفات قد تتطور لديهم على الأمد الطويل، مع أنه لم تلاحظ أي مؤشرات على ذلك حتى منتصف الشهر 1/2002. ويعتقد الباحثون أن أشكال الترياق الخاصة بذيفان الجمرة قد تيسِّر معالجة العديد من حالات الإصابة بهذا المرض، كما قد تنقذ المرضى الذين لم تُجْدِ معهم المعالجات المألوفة. <L .R. رُستنگ>، محررة في مجلة ساينتفيك أمريكان |
وقد تؤدي السّلْسلَة الحديثة لأحرف الكود المكونة لجينوم عصية الجمرة إلى ظهور أفكار مبتكرة لصنع عقاقير جديدة. فباكتشاف جينات تشبه جينات ذات وظائف معروفة في كائنات حية أخرى، يسهل على البيولوجيين اكتشاف معلومات إضافية عن الكيفية التي تسبب بها بكتيرةُ الجمرة المرضَ وعن كيفية الحيلولة دون ذلك.
لا بد أن تؤدي الأبحاث المتواصلة إلى الحصول على عدة أشكال من الترياقantitoxin. وكيما تكون مثل هذه العقاقير أكثر نجاعة فإنها ربما تُستخدم بالمشاركة مع المضادات الحيوية على غرار «كوكتيلات» العقاقير المضادة للڤيروسات التي يوصى بها من أجل معالجة عداوى الڤيروس HIV (المسبب لمرض الإيدز).
وِقائيات واعدة(**********)
وفي الوقت الذي تتواصل الخطط لإيجاد معالجات محسنة، يستمر العمل لإيجاد لقاحات أفضل؛ فاللقاحات المستخدمة ضد البكتيريا المنتجة للذيفانات كثيرا ما تُعِدّ الجهاز المناعي في الجسم لإبطال مفعول الذيفان ذي الصلة حالما يظهر في الجسم، مما يمنع الإصابة بالمرض. وقد أعطيت المواشي في بعض مناطق الولايات المتحدة مستحضرات تتألف من خلايا عصية الجمرة الخالية من محفظتها الواقية، مما يجعل تكاثرها ضعيفا. كما استُخدم للبشر لقاح مماثل في الاتحاد السوفييتي السابق. أما المستحضرات التي تحتوي على الميكروبات بشكلها الكامل فإنها كثيرا ما تتسبب بظهور تأثيرات جانبية وتثير الخوف من قيام خلايا متمردة بالتسبب بالأمراض نفسها التي يفترض فيها أن تقي منها.
كي ما تكون الترياقات بالغة النجاعة، فإنها ربما تستخدم بالمشاركة
مع المضادات الحيوية، على غرار كوكتيلات العقاقير المضادة
للڤيروسات التي يُوصى بها من أجل معالجة عدوى الڤيروس HIV.
أما في الولايات المتحدة فإن لقاح الجمرة الوحيد المعتمد للإنسان يأخذ شكلا آخر، إذ يتكون بشكل رئيسي من جزيئات ذيفانية عولجت كيميائيا لمنعها من التسبب بالمرض. وتُنْتَج هذه الجزيئات بإنماء سلالة مُوهَنة من عصيات الجمرة في مستنبتات خلوية، ثم ترشيح الخلايا البكتيرية من وسط الاستنبات، وادمصاص الذيفان في الرشاحة المتبقية على مادة مساعدة adjuvant (وهي مادة تُعزز الاستجابة المناعية)، ومعالجة المزيج بالفورمالدهيد (ألدهيد النمل) لإخماد فعالية الپروتينات. يَحْفز حقن هذا المستحضر (المعروف باسم AVA 44 )، الجهازَ المناعي ويحثه على إنتاج أضداد ترتبط بصورة نوعية بمكونات الذيفان وتكبت فعاليته. وتفعل معظم الأضداد فعلها في المستضد الواقي، مما يفسر الاسم الذي أُطلق على الپروتين؛ فهو المُكون الذي يثير المناعة الواقية لى أفضل صورة.
يُعطى اللقاح للجنود وبعض المدنيين. ولكنه موضع شك كأداة لتحصين جمهور المواطنين ضد الحرب البيولوجية؛ فكمياته محدودة، وحتى لو تأمنت بوفرة فإن توزيعه على نطاق واسع أمر مرهق ومزعج؛ إذ يتطلب بروتوكوله العلاجي النظامي تناول ست جرعات خلال ثمانية عشر شهرا، تتبعها جرعات سنوية داعمة. كما أن اللقاح لم ينل الترخيص الرسمي بالاستخدام لمن تعرّض لأبواغ الجمرة. ولكن بعض المسؤولين أبدوا في أواخر عام 2001 قلقهم من إمكانية بقاء الأبواغ حيّة في الرئة مدة طويلة، فشرعوا يعطون علاجا مختصرا من ثلاث جرعات (على أساس تجريبي) لعمال البريد وسواهم ممن سبق لهم أن تناولوا مضادات حيوية احترازية مدة ستين يوما؛ كما أُجبر من قَبِل هذا العرض على تناول مضادات حيوية مدة أربعين يوما إضافية أخرى، يُفترض أن تكون المناعة المحرّضة باللقاح بعدها قوية لدرجة تكفي لتأمين الوقاية ذاتيا.
وإذ يأمل العديد من الباحثين إنتاج لقاحات أشد فعالية وأقل إرهاقا وأسرع تأثيرا، فإنهم يركزون اهتمامهم على تطوير طعوم inoculants مكونة في المقام الأول من مستضد واق تنتجه تقانة الدنا المؤشب recombinant DNA. وبمزاوجة الپروتين المؤشب مع مادة مساعدة قوية من جيل جديد، قد يتمكن العلماء من استنهاض مناعة وقائية جيدة وسريعة نسبيا باستخدام زرقة (حقنة) واحدة أو زرقتين فقط. أما المثبطات السلبية المهيمنة التي سبق الحديث عنها كمعالجات محتملة فقد تكون أشكالا مفيدة من مستضد واق يمكن اختبارها. فهذه الجزيئات تحتفظ بمقدرتها على بعث استجابات مناعية، وهي بذلك يمكن أن تؤدي مهمتين: نزع سلاح ذيفان الجمرة على الأمد القصير، وبناء المناعة التي ستستمر لاحقا.
وأخيرا فليس لدينا أدنى شك في أن توسعة دائرة الأبحاث على بيولوجية عصية الجمرة وعلى علاجات ولقاحات محتملة، سوف تقدم ذات يوم طيفا من المعالجات الفعالة للجمرة. ولنا كل الأمل بأن تعني هذه الجهود في النهاية أن إنسانا ما لن يموت بسبب إصابته بالجمرة، سواء كانت هذه الإصابة طبيعية أو بسبب عمل إرهابي بيولوجي.
المؤلفان
John A. T. Young – R. John Collier
يونگ هو أستاذ كرسي أبحاث السرطان في مختبر ماك أردل بجامعة ويسكونسن في ولاية ماديسون؛ أما كولير فهو أستاذ الميكروبيولوجيا والوراثة الجزيئية في مدرسة الطب بجامعة هارڤارد، حيث عني بدراسة الجمرة أكثر من أربعة عشر عاما. وقد عمل الاثنان معا عدة سنوات في تقصي ذيفان الجمرة ودراسته.
مراجع للاستزادة
Anthrax as a Biological Weapon: Medical and Public Health Management. Thomas Y. Inglesby et al. in Journal of theAmerican Medical Association, Vol. 281, No. 18, pages 1735-1745; May 12, 1999.
Dominant-Negative Mutants of a Toxin Subunit: An Approach to Therapy of Anthrax. Bret R. Sellman, Michael Mourez and R. John Collier in Science, Vol. 292, pages 695-697; April 27, 2001.
Designing a Polyvalent Inhibitor of Anthrax Toxin. Michael Mourez et al. in Nature Biotechnology, Vol. 19, pages 958-961; October 2001.
Identification of the Cellular Receptor for Anthrax Toxin. Kenneth A. Bradley, Jeremy Mogridge, Michael Mourez, R. John Collier and John A. T. Young in Nature, Vol. 414, pages 225-229; November 8, 2001.
The U.S. Centers for Disease Control and Prevention maintain a Web site devoted to anthrax at www.cdc.gov/ncidad/dbmd/diseaseinfo/anthrax_g.htm
Scientific American, March 2002
(*) Attacking Anthrax
(**) An Elusive Killer
(***) Overview/Anthrax
(****) Therapeutic Tactics
(*****)Detecting Anthrax
(******) More Targets
(*******)Anthrax in Action
(********)How The Toxin Invades Cells … And how To Stop It
(*********) Medical Lessons
(**********) Promising Preventives
(1) toxin
(2) يصيب البدن كله ولا يقتصر على عضو أو جزء منه. (التحرير)
(3) وهي سلاسل قصيرة من حموض أمينية. (التحرير)
(4) نسبة إلى لقاح الجمرة المدمصّ anthroxvaccine adsorbed. (التحرير)