أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
قضايا

المقالات العلمية: ما وراء إدراج وترتيب أسماء مؤلفيها

المقالات العلمية: ما وراء إدراج وترتيب أسماء مؤلفيها(*)

كيف يجري تقييم الباحثين؟ يتم ذلك عموما بتفحص البحوث الموقِّعة

بأسمائهم. غير أن قائمة المؤلفين الموقِّعين مقالةً علمية لا تعكس دائما

إسهام كل منهم بصورة عادلة؛ ذلك أن التقاليد السائدة وتأثير النفوذ والمجاملات

لا تسمح بمعرفة حقيقة ما يجري في هذا المجال.

<D. پونتي>

 

ينشر الباحثون أبحاثهم في دوريات متخصصة بعد أن تقيّمها وتقر نشرها لجنة تضم عددا من الخبراء في البحث المقدم للنشر. وبهذه الطريقة يتم التصديق على الاكتشافات العلمية وتسجيلها، سواء تعلق الأمر بابتكارات باهرة أو نتائج جزئية. وعندما يوقِّع الباحث باسمه مقالة ـ غالبا إلى جانب أسماء باحثين آخرين ـ فهو يعلن رسميا عن إسهامه في تقدم المعرفة العلمية. وقد يبدو هذا التوقيع أمرا بسيطا ولا شأن له، لكن الواقع يقول عكس ذلك؛ إذ إن الدراسة الدقيقة لموضوع هذه التوقيعات تكشف عن بعض ما يجري في كواليس عالم الأبحاث العلمية.

 

وفي الوقت الذي اكتسحت فيه النقاشات والأفكار حول تنظيم البحث وتقييم الباحثين وسائل الإعلام في فرنسا، فإن تفحّص الممارسات المتعلقة بتوقيع المقالات في المجال العلمي يساعد على إدراك ما تكتنفه هذه العملية. فنشر الأبحاث مرتبط ارتباطا وثيقا بتقييم الباحثين الموقّعين تلك المقالات: إن وضع اسم باحث كمؤلف لمقالة منشورة في إحدى المجلات المرموقة، يؤهله في معظم الأحيان للترقية في وظيفته ويمنحه مزيدا من الشهرة. ومن ثم فإن الباحثين يحرصون على تحديث قائمة أبحاثهم وأعمالهم حتى يبرزوا تقدمهم في البحث ونشاطهم في حقل التعاون العلمي؛ كما يثمنون بذلك كفاءاتهم ويبررون التمويلات التي يستفيدون منها. وهكذا فتوقيع أي بحث عمليةٌ من شأنها إبراز الأعمال التي أنجزها الباحث الموقِّع.

 

إنها عملية روتينية يومية. غير أن موضوع التوقيعات لم يحظ بالاهتمام اللازم، إذ أهملته التحاليل الخاصة بعالم البحث العلمي ومجرياته. وإذا جرى تفحص تلك التوقيعات، فذلك لا يكون إلا لتوظيفه كأداة من أدوات تقييم الباحث: بفضلها تُقاس وتيرة الإحالات إلى أعمال هذا الباحث أو ذاك ضمن الأبحاث الأخرى وذلك بهدف تقييم وقْعها العلمي. لكن دور التوقيع لا ينحصر في هذا الجانب، فتوقيع بحث في الحقل العلمي ليس ـ كما سنوضح لاحقا ـ مجرد جرة قلم نختتم بها بحثا: إنها تحمل التقاليد السارية في وسط كل فرع من الفروع العلمية، وتعكس العلاقات بين أعضاء المختبر الواحد، كما تبيّن التعاون القائم بين هؤلاء الباحثين وزملائهم الآخرين؛ وهي تعبِّر كذلك عن نمط تنظيم الجماعة العلمية.

 

يسود الاعتقاد بأن الاكتشافات العلمية هي من إنتاج عباقرة يخلِّدون عهودهم في سجل التاريخ. وهذه الرؤية المنتشرة في الكتب الوجيزة وتعززها المكافآت والجوائز ـ مثل جائزة نوبل ـ تسهم في إبراز الكفاءات الفردية. والواقع إنها رؤية ناقصة أو خاطئة؛ لأنها لا تُظهر بوجه خاص، العمل اليومي الجماعي في المختبرات.

 

وأحد آثار هذا العمل الجماعي هو التوقيع المشترك لعدد كبير من المقالات العلمية، أي إن هذا الأثر يتمثل في توقيع عدة باحثين المقالةَ نفسها بوصفهم مساهمين في إنجاز العمل الذي تعرضه هذه المقالة. وخلافا لما يتبادر إلى الذهن، فالأمر هنا يتعلق بممارسة كانت قديمة، إذ يرجع تاريخها إلى بداية المحاولات في حقل النشاط العلمي. فمن بين أولى المقالات التي ظهر فيها أكثر من مؤلف نجد مقالة صدرت عام 1665 بتوقيع الفيزيائيين، أو الفلكيين <R.هووك> و<H. أولدنبورگ> و<J-D. كاسّيني> و<R. بويل>. وهذا لا يعتبر أبدا استثناء: فنحو ثلاثة أرباع عدد المقالات العلمية المنشورة في فرنسا، من عام 1799 إلى عام 1830، كانت موقّعة من أكثر من مؤلف!

 

ويستجيب التوقيع المشترك لحاجات عدة. فعندما يوقع باحثون مع زملاء آخرين فإنهم يوسِّعون رقعة أبحاثهم ويثرونها، وفي الوقت نفسه تزداد شهرتهم في تخصصاتهم. وبالموازاة مع هذا، فإن المبتدئين في مجال البحث والطلبة والمساعدين يستفيدون من سمعة وخدمة أساتذتهم، ويكون لهم بذلك حظ أوفر في تبوؤ مكانة مرموقة مستقبلا. هناك أمثلة عديدة معروفة بهذا الصدد، كالتعاون بين الكيميائي <J-B. دوما> و<J-L. پريڤوست>، وبين الفيزيائي <J-B. بيوت>و<S .P. دولاپلاس> وأيضا بين <L-J. گي لوساك> و<C. برتولي>. ومن ثم نرى أن ممارسة التوقيع المشترك أدت، منذ بداية الاحترافية في النشاط العلمي، إلى بروز نخبة علمية تتجدد وتنمو على الدوام بفضل تكوين المتتلمذين.

 

وقد سلك النشاط العلمي طريق الاحترافية في محيط فِرَق البحث والتجهيزات الضخمة، لا سيما عقب الحرب العالمية الثانية. وهكذا صار العمل العلمي الجماعي نمطَ التنظيم الأكثر انتشارا. والشاهد على ذلك هو المقالات المشتركة التوقيع التي يتزايد عددها يوما بعد يوم (انظر الشكل 3). وتوضح الأرقام أن نسبة النشر المشترك تراوح بين 25 و 60 في المئة من المقالات المنشورة، وأنها تمثل جزءا كبيرا من الإنتاج المنشور في مجمل الفروع العلمية: نلاحظ في هذا المقام أن التوقيع المشترك يعتبر ممارسة عادية، بل يعمل بها معظم الباحثين في الفيزياء الفلكية والطب الحيوي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N3-4_H02_003935.jpg

الشكل 1: يعكس تشكيل قائمة الموقِّعين مقالةً علمية وترتيب أسمائهم في هذه القائمة الممارسات المتبعة في وسط الباحثين المعنيين، كما تعكس أنماط التعاون والحلول الوسط، بل النزاعات المنتشرة في هذا الوسط. تظهر الصورة الصفحة الأولى لمقالة في فيزياء الجسيمات نشرت عام 1995، وهي موقَّعة من أعضاء فريق المكشاف، المسمى دلفي DELPHI، بالمركز الأوروبي للبحث النووي (European Organization for Nuclear Research). تقع المقالة المذكورة في عشر صفحات، وقد خصصت الصفحات الأربع الأولى منها لقائمة أسماء المشاركين ال555 في البحث المنشور والمؤسسات المنتسبين إليها (صورة الفريق مأخوذة عام 2001).

 

والعمل الجماعي في حقل البحث العلمي لا ينجمل فقط في نسبة المقالات الموقَّعة من قبل عدة مؤلفين؛ ذلك أن هذه النسبة تخفي وراءها فوارق كبيرة فيما يتعلق بعدد الموقِّعين والتخصصات. فالملاحظ أن معدل طول قائمة الموقِّعين على المقالة نفسها يتغير من اختصاص إلى آخر. وعلى سبيل المثال فإن معظم المقالات المشتركة التوقيع في العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، الأنثربولوجيا، العلوم السياسية، التاريخ، الاقتصاد، علم النفس) لا تحمل سوى اسمين، ولا نجد سوى نسبة ضئيلة من تلك المقالات بتوقيع ثلاثة مؤلفين. والمقالات التي يتجاوز عدد مؤلفيها خمسة باحثين تمثل استثناءات في هذه الاختصاصات. وعلى العكس من ذلك، فغالبا ما نجد في تخصصات أخرى، مثل العلوم الطبية الحيوية، مقالات يراوح عدد مؤلفيها بين 6 و 12 مؤلفا.

 

وتزداد رقعة هذه الفوارق اتساعا في حقول تنظمها مشروعات بحثية تتطلب تقسيما دوليا للأدوار (كما هي الحال في تحديد السلسلة الجينومية genomesequencing) أو مشروعات ترتكز على تجهيزات ضخمة (مثل مسرِّع الجسيمات أو مفاعل نووي خاص بالبحث العلمي). ففي هذه الحالة نجد أن عدد التوقيعات المشتركة يقارب، أو يتجاوز، مئة توقيع (انظر الشكلين 1 و 2).

 

ما الترتيب المناسب لأسماء

مؤلِّفي بحث مقدم للنشر؟(**)

نشير، على سبيل المثال، إلى أن مقالة حول تسلسل دنا DNA الصبغي 11 (أو كروموزوم 11) لخميرة الجعة نشرت في المجلة (Nature، عدد 2/6/1994) قد وقِّعت من قبل 108 باحثين ينتسبون إلى 15 مختبرا أوروبيا. أما البحث الخاص بالصبغي 1 لنبتة  أرابيدوپسيس ثاليانا Arabidopsis thaliana المنشور في المجلة (Nature، عدد 14/12/2000) فقد وقعه 89 باحثا. ومن ثم نستطيع تصور العدد الإجمالي للموقعين في موضوع التحديد الكامل لسلسلة كل جينوم. ويحدث في فيزياء الجسيمات أن تحتل قائمة أسماء المؤلفين مساحة تعادل تقريبا عدد الصفحات التي تعرض النتائج. وهكذا تضمنت مقالة منشورة عام 1995 في المجلة (Physics Letters B) (انظر الشكل 1) 10 صفحات، منها أربع خصصت لذكر أسماء المؤلفين البالغ عددهم 555 مؤلفا!

 

والواقع إن عدد المؤلفين للمقالة لا يمثل سوى أحد العوامل المهمة في موضوع توقيع بحث علمي. فإذا أمعنا النظر في قوائم الموقعين فسنلاحظ أن ترتيب الأسماء المسجلة ليس ترتيبا عشوائيا: نلاحظ في العديد من الاختصاصات أن الترتيب الأبجدي هو السائد (انظر الشكل 4)، وينطبق ذلك عموما على المقالات في حقل الاقتصاد والعلوم السياسية والفيزياء. أما في الكيمياء والبيولوجيا فنجد أقل (بقليل) من نصف عدد المقالات المنشورة تعتمد على الترتيب الأبجدي في سرد قائمة المؤلفين. في حين لا يتجاوز العمل بالترتيب الأبجدي ثلث عدد المقالات في علم النفس.

 

إن الترتيب الأبجدي ليس الأسلوب الوحيد المعمول به في النشر العلمي، بل هناك قواعد مختلفة تتحكم في ترتيب التوقيعات. وقد بلغ الأمر في بعض الحالات حد إضافة هامش في أسفل المقالة يوضح معايير ترتيب أسماء الموقعين. وكمثال على ذلك نشير إلى مقالة نشرت عام 1990 في المجلة (AmericanSociological Review، مجلد 55، ص 255) توضح أن «المؤلفين قدموا إسهامات متعادلة في التعاون بينهم وأن ترتيب أسمائهم ترتيب أبجدي». ونقرأ في مقالة أخرى (في المجلد نفسه، ص 297) التوضيح التالي: «رتبت أسماء المؤلفين ترتيبا عشوائيا».

 

في بعض الأحيان يكون الترتيب عشوائيا بالفعل، ويخضع أحيانا أخرى إلى تقنين دقيق جدا. ففي علم النفس مثلا تُتبع القاعدة العامة وهي أن يتصدر المؤلف الرئيسي القائمة، تليه الأسماء الأخرى مرتبة وفق إسهامات أصحابها(1). وهكذا نلاحظ في هذا الترتيب ـ المخالف للترتيبات التي تضع جميع الإسهامات على قدم المساواة، مثل الترتيب الأبجدي والترتيب العشوائي ـ أنه يثمن الجهد ويضعه في المقام الأول. وهناك أعراف أخرى تقضي بتحديد الترتيب في التوقيع حسب نوعية الإنجاز الذي حققه صاحب التوقيع ضمن البحث المشترك. ففي البيولوجيا يتم الترتيب، في معظم الأحيان، بوضع الباحث الذي قام بأكبر إسهام في المرتبة الأولى، يليه الزملاء الذين قدموا إسهامات بطرق مختلفة، مع العلم أن من يوضع في المرتبة الأخيرة هو المشرف على سير الأعمال.

 

تُبين مقالة نشرت عام 1997 في المجلة Nature تتناول موضوع سلسلة جينوم بكتيريا بسيلوس سوبتيليس Bacillus subtilis الطابع الاجتهادي في وضع ترتيب معين لأسماء المؤلفين (انظر الشكل 22): فقد رتبت الأسماء الثلاثة الأولى ترتيبا غير أبجدي، في حين تم ترتيب المجموعة التالية من المؤلفين، وعددهم 146 حسب الترتيب الأبجدي، وانعكس الترتيب الأبجدي بالنسبة إلى المؤلفين الأخيرين.

 

وهكذا فإن الباحثين يصممون تراتيب خاصة في تسلسل الأسماء يحمّلونها معاني وقيما، سواء كانت تلك القيم تختص بها فئة قليلة منهم، أو كانت منتشرة عبر اختصاصهم. إن التسلسل في قوائم الأسماء يحمل دلالة اجتماعية، حيث يتم الاتفاق على هذه القوائم إثر مناقشات وقرارات، ومن ثم فهي تعكس الكيفية التي نظم وفقها العمل العلمي المشترك.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N3-4_H02_003936.jpg

الشكل 2: جرت العادة، في الاقتصاد والفيزياء مثلا، أن تُرتب أسماء مؤلفي المقالات ترتيبا أبجديا، وهذا يعني المساواة بين المؤلفين كافة. أما في اختصاصات أخرى، ولا سيما في البيولوجيا، فإن الترتيب الأبجدي غير منتشر، بل يخضع ترتيب التوقيعات إلى قواعد عدة، منها ما يُظهر اسم المشرف على فريق البحث في آخر قائمة الأسماء.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N3-4_H02_003937.jpg

الشكل 3: إن نسبة المقالات الموقعة من قبل عدة مؤلفين، تختلف من اختصاص إلى آخر. والأرقام المبينة في الشكل تُعبر عن معدلات عالمية تعتمد على قاعدة البيانات المعروفة باسم Science Citation Index والتي تقوم بعمليات إحصاء تغطي 5000 مجلة، معظمها يصدر في البلدان الأنگلوسكسونية. والملاحظ أن هذه البيانات لا تُظهر الخصوصيات العديدة المرتبطة بتحرير المجلات وبتداخل الاختصاصات، كما لا تأخذ في الحسبان الخصوصيات الوطنية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N3-4_H02_003938.jpg

الشكل 4: في فيزياء الجسيمات أو في علم الوراثة الجزيئي، ثمة مشروعات عدة ينفذها عدد كبير من الباحثين، وعندئذ نجد قائمة طويلة من الموقعين على المقالات التي تعرض نتائجهم، وتصل هذه القائمة أحيانا إلى عدة مئات من الأسماء. يبين المثال المعروض هنا مقالة حول التسلسل الكامل لجينوم البكتيريا المسماة Bacillus subtilis.

 

تعريف تحتاني للعمل العلمي(***)

يتطلب البحث العلمي، بوصفه عملا جماعيا، تحديد دور كل فرد من المشاركين في البحث وتوزيع المهام البحثية عليهم. وهنا تطرح الكثير من الأسئلة: من بين جميع الأشخاص المرتبطين بالبحث المعروض للنشر، أيهم سيوقعه؟ وأيهم ستوجه إليه عبارات الشكر ضمن المقالة، دون إشراكه في التوقيع؟ وما نوع العمل الذي يدخل في الحسبان عندما يتعلق الأمر بالتوقيع؟ تثير هذه الأسئلة في كثير من الأحيان، نقاشات بين الباحثين، وتؤدي أحيانا إلى اختلافات في الرأي وحتى إلى نزاعات مفتوحة.

 

إن التوقيع يأتي كخاتمة لإنتاج عمل فكري، لكنه يؤدي أيضا إلى تعريف للعمل العلمي. ولا بد أن يمر هذا التعريف، مرة أخرى، بتقنيات معينة. وفي هذا السياق أعلنت اللجنة الدولية لناشري المجلات الطبية عام 2003 أن «صفة المؤلف ينبغي ألا تعتمد إلا على الإسهامات القيمة ـ في الأفكار المطروحة في المقالة ـ في تصميم البيانات أو في إعدادها أو تحليلها وتفسيرها، وعلى الصياغة الأولى للمقالة أو مراجعتها النقدية من حيث المضمون الفكري، وعلى الموافقة النهائية لنسخة المقالة المقترحة للنشر. يجب أن تكون تلك الشروط الثلاثة مستوفاة [من قبل المؤلف]… إن مجرد الإسهام في الحصول على التمويل اللازم أو البيانات أو الإشراف العام على فريق البحث لا يمنح صاحبه صفة المؤلف.»

 

لقد قبل هذه المعايير وتبناها زهاء 500 مجلة مختصة في العلوم الطبية الحيوية؛ إلا أنها مع ذلك لا تعتبر معايير دولية، إذ يرى بعض الباحثين أن العمل الفعلي المنجز هو الذي يمنح الحق في التوقيع، في حين يرى آخرون أن إدارة الأعمال والإشراف عليها تؤدي دورا حاسما: ذلك أن المبادرة هي التي ينبغي أن تكون في المقام الأول، أما المنفذون (من الدرجة الثانية) المحتملون فلا ينبغي أن يكونوا ضمن قائمة مؤلفي المقالة حتى وإن أدوا قسما كبيرا من العمل الميداني والتطبيقي.

 

توضح هذه الاختلافات في الرأي ـ بغض النظر عن التقنيات ـ أن الباحثين يرتبون إسهام كل فرد بالتركيز أحيانا على العمل المنجز، وأحيانا على عامل التصميم في البحث، وأحيانا على صياغة المقالة… والأمثلة على ذلك كثيرة.

 

يوضح ترتيب أسماء مؤلفي مقالة منشورة جانبا أساسيا: وهو أن الباحثين يجتهدون كثيرا من أجل الكشف عن أولئك الذين أعطوا دفعا للبحث، والذين كانوا أصحاب المبادرة والتصميم أو تمويل مشروع البحث والذين ضمنوا سيره الحسن، والذين تم بفضلهم تسلسل مراحل الإنجاز، والذين حولوا مختلف العمليات إلى وثيقة مكتوبة بصفة نهائية.

 

إشراك الغير في التوقيع مراعاة للعلاقات(****)

تعتمد قائمة الموقِّعين بحثا منشورا على الاهتمامات الأخلاقية للباحثين، لكنها تعتمد ـ بالمثل ـ على اعتبارات يومية. فهذه القائمة تتضمن أحيانا أشخاصا لم يكن لهم أي إسهام في العمل المنشور، وذلك مراعاة لعلاقات قائمة أو مستقبلية تهم الذين أعدوا البحث فعلا. وفي هذا السياق، روت لنا باحثة في البيولوجيا أنها أضافت إلى قائمة مؤلفي مقالة اسم شخص لا علاقة له بالدراسة الوارد فيها، وكان ذلك تلبية لرغبة إحدى المتعاونات معها التي كانت باحثة في مختبر آخر، إذ إن ظهور اسم هذا الشخص في قائمة الموقعين مهم لضمان المستقبل الوظيفي لهذه المتعاونة، ويتوقع أن رفض هذا الطلب سيسيء إلى العلاقات مع المختبر الثاني، الذي يعتمد عليه المختبر الأول في بعض المواد المختبرية.

 

وهكذا، تظل قائمة الموقِّعين محافِظة على مرونة تجعلها قادرة على مواجهة ما قد يطرأ، غاضة الطرف عن التقنينات. وفي هذا السياق يحدث أن يضاف اسم ذائع الصيت إلى قائمة مؤلفي مقالة ليزداد العمل أهمية ويكون أوفر حظا من حيث قبوله للنشر. كما يحدث أن يضاف اسم زميل لتزداد قائمة أبحاثه المنشورة طولا، مما قد يساعده على الحصول على وظيفة، في حين أن البحث أنجز من دون إسهام منه. وقد يكون الغرض من إضافة اسم شخص لم يشارك في البحث تمهيدا لتعاون مستقبلي. وبالتالي، فإن التوقيع المشترك يمكن أن يكون بمنزلة «هبة» في انتظار «هبة» مماثلة: نقبل بإضافة اسم شخص كتعبير عن شكر شريك طلب إلينا ذلك، أو نقبلها للحفاظ على علاقات تعاون طيبة وتفادي شدة المنافسة في المستقبل. إن «تنميق الملفات العلمية»، و«تبادل الخدمات أو المنافع» كلها ممارسات تعقد ترتيب قائمة أسماء الموقِّعين مقالة علمية وتخل بالتقنينات المحددة.

 

إلا أن هذه الممارسات تعرفنا بوجه خاص، ما هو متفق عليه في وسط معين: إن إضافة مؤلفين «ضيوف» يوقِّعون من دون أن يسهموا في إنجاز البحث ولا في صياغة المقالة التي تتضمن هذا البحث، عملية من شأنها تكوين روابط اجتماعية وتحافظ عليها. فإذا كان لا بد أن تعكس قائمة الموقِّعين على المقالة إسهام كل واحد من مؤلفيها بصورة عادلة، فهي تمثل في آن معا بادرة اختبار للعلاقات الاجتماعية بين الباحثين.

 

ومن هنا ندرك أن ثمة قضايا في موضوع توقيع مقالة علمية يتجاوز مداها السباق لتبوؤ مكانة مرموقة على المستوى الفردي. فتوقيع مقالة علمية أداة تقييم للأشخاص ومؤشر على الإنتاجية يستخدم في إطار التوظيف والترقية العلمية والاستجابة لعروض العمل.

 

نورد هنا للأهمية بعض ما جاء في مقدمة رئيس تحرير مجلة Pour la Science  (عدد 1/20055) بخصوص هذه المقالة.

لم يتردد آينشتاين بأن يوصي شريكه في التأليف <L. إنفلد> بالقول: «لا تخش من أن تكتب أشياء خاطئة، فقد فعلتُها شخصيا في العديد من المرات». إن أخطاء آينشتاين، مثل إدخال الثابت الكوني (الكوسمولوجي) أو مفارقة (2)EPR، كانت ذات فائدة كبيرة. فهناك من يقع في أخطاء علمية عبر تراكمات متوالية للحقائق، وهناك من يتوصل إلى حقائق مهمة بعد الوقوع في الكثير من الأخطاء، وهذه حال المواهب المبتكرة.

ويكشف تحليل التوقيعات على المقالات العلمية عن وجود ممارسات امتثالية(3) وأخرى  تدخل أحيانا ضمن المجاملات. واللافت هو أن يكون آينشتاين قد تمكن حينذاك من نشر مقالاته؛ فمن يقبلُ اليوم بالهذيان الثوري لموظف بسيط يعمل في مكتب البراءات؟

السؤال المطروح هو: هل ينبغي أن نُبقي على نظم ناقصة في مجال النشر لأننا نفتقد نظماً أكثر فعالية؟ ولعل الأهم، ليس السلوك المشين لبعض الموقِّعين على مقالة معينة، بل عدد المقالات المنشورة. فحسب المصدر العليم [تقرير 2004 لمرصد العلوم والتقنيات(4)]، فإن المبالغ التي صرفت على البحث والتطوير بلغت 33.6 بليون يورو في فرنسا (5 في المئة من الأبحاث المنشورة في العالم)، و 162 بليون يورو في الاتحاد الأوروبي ( 33.4 في المئة)، و 242 بليون يورو في الولايات المتحدة (28.5 في المئة). وأترك للقارئ مهمة القيام بعمليات القسمة التي تشير بوضوح إلى أن الأوروبيين، بوجه عام، أكثر فعالية بالنظر إلى معدل تكلفة مقالة منشورة مقارنة بالفرنسيين والأمريكيين!

 

وعلى كل حال، فإن هذه البادرة المحسوبة من أجل التقييم، لا تعبر إلا قليلا عن قيمة العمل المنجز فعلا: فهناك باحثون يوقِّعون بحثا لم يشاركوا فيه، في حين نجد آخرين أسهموا بقدر كبير لكنهم لا يوقِّعون. وحسب العرف المتداول في كل اختصاص، وظروف العمل والعلاقات السائدة بين الناس (بين الزملاء، بين الباحثين ذوي الخبرة وطلبة الدكتوراه…) تُطرح أمام الباحثين عدة سبل متبعة عندما يتعلق الأمر بتوقيع مقالة. والتوقيع يمثل خلاصة لنقاشات ومفاوضات ومبررات، وفي الوقت ذاته يسمُ العمل المنجز، كما يعبر عن ممارسة اجتماعية تتداخل فيها القيم الأخلاقية وما يمثله العمل وأشكال العمل الجماعي. وهكذا فإن قائمة التوقيعات على مقالة علمية هي أكثر من جرّات قلم مرافقة لنتائج بحث، إذ إنها تحفظ آثار أنماط تنظيم العمل التي يبنى عليها الاقتصاد الحديث لعالم المعرفة.

 

 المؤلف

David Pontille

باحث في المركز القومي للبحث العلمي الفرنسي (CNRS)، يعمل في مركز الدراسة والبحث «العمل والتنظيم والسلطة» (CERTOP)، بوحدة البحث CNRS 5044 في مدينة تولوز.

 

مراجع للاستزادة 

D. PONTILLE, La signature scientifique. Une sociologie progmatique de l’attribution, CNRS Editions, 2004.

M. BIAGIOLI et P. GALISON (eds. ), Scientific authorship. Credit and intellectual property in science, Routledge, 2003.

J, W. ENDERSBY, Collaborative research in the social sciences: multiple authorship and publication credit, in Social Science Quarterly, Vol. 77 (2), pp. 375-392, 1996.

D. BEAVER et R. ROSEN, Studies in scientific collaboration: part 1 The professional origins of scientific co-authorship, in Scientometrics, vol. l (1), pp. 65-84, 1978.

Pour La Science N° 327

 

(*) ARTICLES SCIENTIFIQUES: LE DESSOUS DES SIGNATURES

(**) Dans quel ordre faut-il ranger les noms?

(***) Une définition sous-jacente du travail scientifique

(****) Offrir de signer pour ménager les relations

 

(1) American Psychological Association، 1994، ص 295.

(2) مفارقة EPR هي مفارقة مبنية على تجربة اقترحها عام 1935 الثلاثي: <A. آينشتاين> Einstein و<B. پودولسكي> Podolsky و<N. روزن> Rosen بهدف إظهار تناقضات مفترضة في الميكانيك الكمومي. وقد نسبت إلى الحروف الأولى لأسماء هؤلاء.

(3) conformiste يلتزم بعرف أو عادة.

(4)Rapport 2004 de l’Observatoire des Sciences et des Techniques

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى