أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

تطويع الأوعية الدموية لعلاج السرطان

تطويع الأوعية الدموية لعلاج السرطان(*)

إن إعادة تنظيم الأوعية الدموية المضطربة داخل ورم ما قد تُمكن من القضاء
على هذا الورم. وما يدعو للمفاجأة هو أن الأدوية المصممة لتخريب الأوعية الدموية يمكنها أيضًا القيام بأعمال ترميمية لهذه الأوعية، وهذا الأمر قد يساعد على تصحيح الحالات التي قد تؤدي إلى الإصابة بمرض قلبي وعائي(1) أو فقدان البصر.

<K.R.جين>

 


مفاهيم مفتاحية

إن وجود الأوعية الدموية غير السوية والمضطربة الوظيفة يعد علامة مميزة للأورام الصلبة، وهذا يسهم مباشرة في إعطاء هذه السرطانات صفاتها الخبيثة ويمنع الأدوية المعالجة من الوصول إلى الخلايا السرطانية ومهاجمتها.

إن عملية تطبيع(2) الأوعية الدموية تمكن الأدوية المعالجة للسرطان  من اختراق الورم وممارسة تأثيراتها بفاعلية أكبر.

وعلى عكس ما هو متوقع، فإن الأدوية التي تم تصميمها أصلاً لتخريب الأوعية الدموية للورم، تعمل أيضا على إصلاح(3) هذه الأوعية لمدة من الزمن،  ويفتح هذا سبيلا جديدا لعلاج السرطان، إضافة إلى إعادة الأوعية الدموية غير السوية إلى حالتها السوية في أمراض أخرى.


محررو ساينتفيك أمريكان

 

في عام 1974، وقد كنت وقتها طالبا في الجامعة، أتيحت لي الفرصة أن أتعرف النواحي الأكثر غرابة للأورام الخبيثة (السرطانية). فقد كنت أعمل حينذاك في المعهد الوطني للسرطان، وتحديدا في مختبر الراحل <M.P.جولينو> الذي طور برنامجا تجريبيا رائدا لدراسة بيولوجيا السرطان، وهو القائم على دراسة كتلة سرطانية متصلة بالجهاز الدوراني (الدوري) لفأر بواسطة شريان واحد ووريد واحد. وكمهندس كيميائي، قررت الاستفادة من هذه الفرصة لقياس مقدار الجرعة الدوائية التي تنساب من وإلى الورم بعد حقن الفأر بها. وعجبًا ما لاحظت، إذ إن معظم المادة المحقونة لم يصل بالفعل إلى الورم. وما زاد الأمر سوءًا أن الكمية الضئيلة التي وصلت من المادة المحقونة إلى الكتلة الورمية قد توزعت بطريقة عشوائية؛ فقد كانت هناك مناطق في الورم لم يتجمع بها أي قدرٍ من الدواء على الإطلاق.

وقد انصب اهتمامي على الفور على فكرة معينة، وهي أن عدم وصول جرعة كافية من أي دواء مضاد للسرطان إلى الخلايا السرطانية أو إلى نسبة ضئيلة منها في الأورام لدى البشر، قد يؤدي إلى بُقيا هذه الخلايا، ومن ثم انتكاس الورم عاجلا أو آجلا. ولعل كوني مهندسًا هو ما دفعني إلى محاولة فهم وحل لغز البنية التحتية للأورام التي تشكل عائقًا مهما لوصول الأدوية المضادة للسرطان إليها.

وعلى مر العقود اللاحقة، قمت مع بعض زملائي بالبحث فيما يجعل الأوعية الدموية داخل الأورام غير سوية، وكيف أن الأوعية الدموية المضطربة لا تسبب فقط عدم الاستجابة للأدوية التقليدية المضادة للسرطان، بل تسهم أيضا مباشرة في إضفاء الصفات الخبيثة على الأورام الصلبة. واستنادا إلى هذه الملاحظات، قمنا بتطوير بعض الطرق لتطبيع(2) الأوعية الدموية المضطربة، واختبرناها في الفئران،  فاكتشفنا أيضًا وجود تناقض ظاهري متمثل في أن مجموعة من الأدوية المصممة لتخريب الأوعية الدموية الخاصة بالأورام، تعمل فعلا على إنجاز عمليات ترميمية لهذه الأوعية. وهذا يعطي بعضا من الأمل في منح فرصة لمهاجمة السرطان بصورة أكثر فاعلية.

وخلال السنوات الأخيرة، تمكنا من اختبار درجة فاعلية الفكرة السابقة لدى مرضى السرطان. وكانت دهشتنا عامرة عندما شاهدنا في مختبرنا أول الأدلة السريرية على انكماش الأورام، نتيجة لتطبيع الأوعية الدموية، تماما كما توقعنا سابقا. ولكن ثمة حاجة إلى بذل المزيد من الجهد قبل إجازة هذه الطريقة العلاجية ومعايرة فاعليتها لدى المصابين بالسرطانات المختلفة. ولكن ما تعلَّمناه هنا يفتح لنا أبوابًا لمعالجة اضطرابات وعائية أخرى، مثل تنكس البقعة الشبكوية(4) الذي يعد  السبب الأساسي لفقدان البصر في الولايات المتحدة الأمريكية.

طريق صعب(**)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/139.gif

تؤدي أوعية دموية غير سوية (في اليسار)، إضافة إلى حالة الفوضى داخل الورم، إلى منع الأدوية من الوصول إلى الخلايا السرطانية؛ أما عملية تطبيع normalizing هذه الأوعية (في اليمين) فتجعل منها أسلحة فعالة في مقاومة السرطان.

 

 

إن الطريق الذي أوصلنا إلى نجاحاتنا الحالية، بدأ بصورة جدية بعد بضع سنوات من حصولي على الدكتوراه. وكنت وقتها قد عقدت العزم على ضرورة معرفة السبب في عدم نفاذ الأدوية المختلفة إلى الأورام بطريقة متجانسة. ولذا بدأت مع بعض زملائي برصد كل خطوة من خطوات هذا البحث في القوارض. وباستخدام تقنيات مختلفة، استطعنا تتبع الأدوية منذ دخولها إلى الأوعية الدموية الدقيقة الموجودة في الورم، وعبورها جدران هذه الأوعية إلى النسج المحيطة، ثم نفاذها إلى داخل الخلايا السرطانية، وكيف تستثير الورم. واستطعت مع طلبتي ومعاوني تطوير بعض الطرق لتتبع مرور بعض الجزيئات، مثل الأكسجين، داخل الأوعية الدموية والنسج. واستطعنا في نهاية الأمر مراقبة حتى كيفية تنشيط الجينات داخل الخلايا وتثبيطها.

منذ البداية، كان واضحًا أن الأوعية الدموية الموجودة داخل الأورام لا تشبه كثيرًا الأوعية الدموية السوية. فالنسج الطبيعية تقوم بتغذيتها أوعية دموية مستقيمة تتفرع بشكل معروف إلى أوعية شعيرية ميكروية، مشكِّلة بذلك شبكة منتشرة تمد الخلايا بالأكسجين والغذاء. ولكن الأورام التي تحفز نمو أوعية دموية جديدة خاصة بها، تميل إلى تشكيلها على هيئة كتلة متشابكة، وتتصل فيها هذه الأوعية ببعضها عشوائيًا من خلال فروع كبيرة الحجم وأوعية ميكروية متفرقة وغير مكتملة النضج. وثمة مناطق من الورم قد تفتقر إلى وجود أوعية دموية على الإطلاق.

وعلى مدار سنوات عدة، تمكنا من تحديد الآلية التي تتحكم في حركة السوائل والأدوية والخلايا داخل هذه الشبكة المتعرجة للأوعية. وعرفنا من قرب تبعات هذه الاضطرابات. لقد كانت الصورة الظاهرة أمامنا باهتة بعض الشيء، وأول شيء تحققنا منه هو أن الأوعية الدموية في الورم ليست فقط غير منتظمة في شكلها، ولكنها أيضا غير سوية بقدر كبير في كل ما يتعلق بتركيبها ووظيفتها. لقد وجدنا أن الدم ينساب بسرعة كبيرة في بعض الأوعية الدموية للورم، في حين أنه في حالة ركود في بعضها الآخر. كما أن الدم الموجود في وعاء دموي ما قد ينساب في اتجاه معين لفترة ما، ثم يقوم بعدها بعكس اتجاهه. وتشكل هذه الأنماط من الجريان في ذاتها عائقًا كبيرا يمنع وصول الدواء من خلالها بصورة متجانسة. والأكثر من ذلك أن أجزاء من جدران هذه الأوعية تكون النفاذية(5) من خلالها عالية وأجزاء أخرى لا تسمح  بالنفاذ على الإطلاق. وهذا يعني أن الأدوية وغيرها من المركبات التي تنجح في ولوج  هذه الشبكة من الأوعية، سيكون توزعها خلال النسيج الورمي المحيط غير متجانس.

وعندما بدأنا بتقصى أسباب هذه النفاذية غير المتجانسة، اكتشفنا أن مسامات(6) جدران الأوعية الدموية في بعض الأورام يراوح قطرها بين 1 و 2ميكرون، أي أكبر مئة مرة من مثيلاتها في الأوعية الدموية السوية. ونتيجة لذلك تصبح هذه الأوعية غير قادرة على المحافظة على المدروج الطبيعي للضغط(7)بين طرفي الجدار الوعائي. ففي داخل الأوعية الدموية السوية يكون ضغط السوائل أعلى منه في النسج المحيطة. ولأن جدران أوعية الأورام عالية النفاذية، فإن السوائل المتسربة إلى الخارج تؤدي إلى رفع الضغط الخلالي(8) حتى يقارب الضغط داخل الأوعية الدموية.

ولا يشكل هذا المدروج الضغطي غير الطبيعي فقط عائقًا يخفض قدرة الأدوية على الوصول إلى الخلايا السرطانية، وإنما يؤدي كذلك إلى تراكم السائل الخلالي الذي يؤدي بدوره إلى حدوث وذمة (انتفاخ) داخل الورم وفي النسج المحيطة به. وفي مرضى سرطانات الدماغ، حيث يكون تمدد النسج محدودًا داخل الجمجمة، تصبح هذه الوذمة شديدة، وغالبًا ما تهدد الحياة ذاتها. وفي المصابين بالأنواع الأخرى من السرطانات، فإن السائل المرتشح قد يتراكم في تجاويف الجسم. وأينما ذهب السائل المتسرب من ورم ما، فإنه يحمل معه خلايا سرطانية، إضافة إلى پروتينات مختلفة يصنعها الورم وتحفز نمو أوعية دموية وليمفاوية جديدة في النسيج الطبيعي المحيط بالورم، وكذلك الغدد الليمفاوية التي قد تستخدم معابر لانتشار الخلايا السرطانية إلى أجزاء أخرى من الجسم (الانبثاث السرطاني metastasis).

وإلى جانب صعوبة وصول الأدوية خلال شبكة الأوعية الدموية المضطربة في الورم والتراكم الخطر للسوائل نتيجة النفاذية العالية لجدران هذه الأوعية، فإن هذه الاضطرابات الوعائية الورمية تتسبب في تكوين بيئة ميكروية غير سوية إلى حد كبير داخل الورم نفسه. ونظرًا لأن مناطق عدة في الورم تفتقر إلى وجود أوعية دموية، والأوعية الموجودة تعجز عن إمداد النسج المحيطة بالقدر الكافي من الأكسجين، فإن حالة عامة من نقص التأكسج(9) وارتفاع الحموضة تجتاح الورم. وبدورها  تؤدي حالة نقص التأكسج إلى جعل الخلايا السرطانية أكثر هجومية وقدرة على الانبثاث (الانتقال). إضافة إلى ذلك فإن الخلايا المناعية في الجسم والتي لها القدرة على مقاومة الورم، تصاب حركتها ونشاطها بالإعاقة في حالة الحموضة ولا تستطيع القيام بوظائفها مع نقص التأكسج. وأيضًا الطرق العلاجية الإشعاعية وبعض أنواع العلاج الكيميائي ـ التي تقوم بممارسة تأثيرها في الورم من خلال العمليات الكيميائية المعتمدة على وجود الأكسجين ـ تعجز بالفعل عن القضاء على الخلايا السرطانية.

 

 

[المشكلة] الأوعية الدموية غير السوية تسبب بعض الاضطرابات(***)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/051%5b1%5d.gif

إن الأوعية الدموية غير السوية داخل الورم تحيل حالته السيئة إلى أسوأ (المؤطرات). فالعيوب في الخلايا الدموية وأداؤها الوظيفي يشكلان عائقا يحول دون وصول الأدوية إلى الخلايا السرطانية، وبذلك تصبح المعالجة أقل فاعلية. وتسهم الحالة غير السوية داخل الورم في إضفاء الصفات الخبيثة على السرطان نفسه.


وظائف الوعاء الدموي
إن المسامات الكبيرة الحجم في جدران الأوعية الدموية تسرب السائل إلى المناطق الخلالية بين الخلايا (الأوعية الدموية وغيرها من المكونات).
ضغط السائل الخلالي المرتفع يوقف انتقال الأدوية والأكسجين من الأوعية الدموية إلى نسيج الورم.

نظام الأوعية الدموية
تؤدي زيادة قطر الأوعية الدموية وترتيبها بصورة فوضوية إلى انسياب غير سوي للدم داخل هذه الأوعية.
إن غياب الأوعية أو وجودها بصورة غير مكتملة النضج يجعل من الصعب الوصول إلى بعض مناطق الورم.

تراكم السوائل
ينتبج النسيج السرطاني مسببا أعراضا مؤلمة.
يدفع ضغط السوائل الپروتينات المصنعة بواسطة الورم والخلايا باتجاه النسج السوية والأوعية الليمفاوية، وهذا يزيد من خطورة حدوث الانبثاث (الانتقال) السرطاني.

البيئة الدقيقة للورم
الأوعية المضطربة الوظيفة تؤدي إلى حالة معينة من انخفاض مستوى الأكسجين (نقص التأكسج) وارتفاع نسبة الحموضة.
العلاج الإشعاعي وبعض أنواع العلاج الكيميائي التي تتطلب وجود الأكسجين للقضاء على الخلايا السرطانية، تصبح غير فعالة.
الخلايا المناعية القادرة على مهاجمة الخلايا السرطانية تعجز عن العمل في وسط حمضي يفتقر إلى الأكسجين.
تسبب حالة نقص التأكسج تغيرا في النشاط الجيني الذي يسهِّل هجرة الخلايا السرطانية باتجاه النسج السوية.

 

وبناء على ذلك، يمكن القول: إن ما بدأ على شكل بحث عن سبب الاضطرابات في جريان الأدوية داخل الأورام التي بدت أنها بسيطة، كشف لنا أن هذه الاضطرابات الوعائية الورمية تشكل عقبات تعترض الطرق العلاجية في أكثر من اتجاه، على عكس ما تصورناه في البداية. وفي عام 1994، قمنا بعرض نتائج بحثنا، متعرضين لهذه النقطة بالتفصيل في هذه المجلة [انظر: «حواجز تحول دون دخول الأدوية في الأورام الصلبة»،العلوم، العدد4 (1995)، ص 20]. وبهذا التوقيت، كانت الملاحظات السابق ذكرها نقطة بداية لي ولبعض الزملاء للتفكير بأنه إذا توصلنا إلى طريقة لإصلاح الخلل من الناحيتين التركيبية والوظيفية للأوعية الدموية في الأورام، فقد يمكننا ذلك من تطبيع البيئة الميكروية للورم وإرجاعها إلى حالتها السوية، ومن ثم تحسين النتائج العلاجية للسرطان. ولإنجاح هذا التحول، كان علينا الوصول إلى فهم أكبر لما يجعل الأوعية الدموية للأورام غير سوية وما يجعلها تبقى على هذه الحالة.

إعادة التوازن(****)

بدأنا بالبحث في العوامل الجزيئية المسؤولة عن التكوين الطبيعي للأوعية الدموية (المعروف باسم «تنشؤ الأوعية»(10))، وركزنا اهتمامنا على العامل الأهم وهو عامل النمو البطاني الوعائي(11) (VEGF)، وقد تم وصفه أول مرة وتسميته عامل النفاذية الوعائي من قبل <H.دفوراك> [زميلي في جامعة هارکارد]. والعامل VEGF يساعد على بقيا وتكاثر الخلايا البطانية، التي تبطن الجدران الداخلية للأوعية الدموية. وغزارة هذا العامل تزيد من نفاذية الأوعية الدموية، ومن هنا يتضح السبب وراء المسمى الأول لهذا العامل. ولكن في النسج السوية يتم تحييد تأثير العامل VEGF وغيره من الجزيئات المحفزة للنمو  بواسطة تأثير الجزيئات الطبيعية المضادة لعملية تنشؤ الأوعية، مثل  الثرومبوسبوندين الذي يثبط نمو الأوعية الدموية.

وسواء زادت النسجُ السوية أو المريضة التي تحتاج إلى أوعية دموية جديدة، إنتاجَ العوامل المحفزة لتنشؤ الأوعية الدموية أو خفضت إنتاج العوامل المثبطة لهذه العملية أو فعلت العمليتين معًا، فإنه ترجح كفة تنشؤ الأوعية الدموية. ففي الأحوال الطبيعية، كما في اندمال جرح، يعود التوازن بين العوامل المحفزة والمثبطة للنمو بمجرد تكوين الأوعية الدموية الجديدة. ولكن في حالات الأورام وبعض الأمراض المزمنة تستمر حالة عدم التوازن ويزداد نمو الأوعية الدموية غير السوية أكثر فأكثر.

ولأن العامل VEGF موجود بوفرة في معظم الأورام الصلبة، فقد توقعت أن إيجاد طريقة للتخلص من القدر الزائد من هذا العامل  أو الحيلولة دون عمل الإشارات المحفزة للنمو التي يطلقها، قد يساعد على استعادة التوازن وإعادة الأوعية الدموية في الورم إلى الحالة السوية. وكحل بديل فإن زيادة تركيز العوامل المثبطة لعملية تنشؤ الأوعية الدموية يمكن أن تؤدي الدور نفسه في إعادة هذه الأوعية إلى الوضع السوي. وقد افترضت أن الأوعية الدموية المعالجة بإحدى الطريقتين السابق ذكرهما، ربما لا تبقى بحالة سوية بصفة دائمة، فقد يتم تخريبها إذا كانت العوامل المثبطة بالقوة المطلوبة لذلك، أو تعود لحالتها غير السوية إذا تمكنت الأورام من اكتساب القدرة على إنتاج عوامل منشطة مختلفة، مثل عامل نمو الخلايا الليفية القاعدي(12) (BFGF) الذي قد يماثل العامل VEGF في العديد من  تأثيراته. وكانت الطريقة الوحيدة للتأكد من الأمر هي تجريب تأثير العوامل المثبطة  لعملية تنشؤ الأوعية الدموية في الأورام ومشاهدة ما يحدث.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/135.gif     http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/134.gif

تختلف الأوعية الدموية في الفراش الشعيري(13) لعضلة فأر طبيعي (الصورة في أقصى اليمين) اختلافا واضحا عن مثيلاتها داخل ورم في فأر آخر (الصورة في اليمين). تتشعب الأوعية الدموية بطريقة عشوائية وتختلف في حجم أقطارها كلما امتدت، وهي بصفة عامة تزيد على الحجم الطبيعي. وتسهم جميع هذه الصفات في أن ينساب الدم بصورة غير منتظمة داخل هذه الأوعية.

 

 

وفي عام 1995، كانت الأدوية المعتمدة على الأجسام المضادة (الأضداد) القادرة على تحييد مفعول العامل VEGF قيد مرحلة التطوير والتجريب، ولذا كان  بإمكاننا استخدامها لاختبار فرضيتنا في الفئران. وقد وجد أن بعض هذه الأجسام المضادة تم ارتباطها مباشرة بالعامل VEGF معرقلة بذلك قدرته على إرسال إشارة النمو إلى الخلايا البطانية، وذلك عن طريق ارتباطها بمستقبلات موجودة على سطوح الخلايا. كما أن هناك أجساما مضادة أخرى تقوم بالارتباط بمستقبلات العامل VEGF نفسها،  وبذلك يعجز هذا العامل عن التعامل مع هذه المستقبلات. وقد أتاحت هاتان الطريقتان في تثبيط العامل VEGFالفرصة للتخلص من بعض  الأوعية الدموية غير المكتملة النمو والفاعلية الموجودة في العديد من الأورام، وحث بقية الأوعية الدموية على أن تعدل من نفسها بحيث تشبه الأوعية السوية. ولكن هذه الأوعية الدموية المعدلة كانت أقل نفاذية واتساعًا وتعرجًا. واستطعنا أيضًا ملاحظة حدوث تحسن في هذه الأورام، مثل انخفاض ضغط السائل الخلالي وارتفاع نسبة التأكسج وتحسن عملية اختراق الأدوية للأورام.

ومع أن ما حصلنا عليه من نتائج كان مرضيًا، وتم تأكيدها لاحقًا في حيوانات المختبر من قبل باحثين آخرين، فمازلنا غير متأكدين مما إذا كانت هذه النتائج قابلة للتحقيق لدى مرضى السرطان. وقد اعترض العديد من الباحثين على وجهة نظرنا البحثية من الناحية المنطقية. ففي أواخر التسعينات ـ عندما طرحتُ على الملأ أول مرة فكرة تطبيع الأوعية الدموية ـ كان العلماء في المجالين الأكاديمي والصناعي يعملون على إنتاج أدوية تكون قادرة على تخريب الأوعية الدموية. وارتكزت محاولاتهم على الفرضية التي وضعها سابقا عام 1971<J.فولكمان> [زميلي في جامعة هارکارد] والتي بنيت على فكرة السيطرة على نمو الورم من خلال حرمان كتلته من الغذاء (المسغبة)(14) باستخدام الأدوية المثبطة لعملية  تنشؤ الأوعية الدموية [انظر: «أوعية دموية للحياة أو الموت»،العلوم، العددان 7/8 (2002) ، ص 58]. وبالفعل فإن الدواء أکاستين ـ الذي وافقت منظمة الغذاء والدواء على استخدامه في علاج السرطان عام 2004 ـ هو جسم مضاد يعمل على تحييد تأثير العامل VEGF، وقد تم إنتاجه أصلا كعامل مثبط لتنشؤ الأوعية الدموية.

 


[حل المشكلة] إعادة التوازن باتجاه الحالة السوية(*****)

إن إعادة الأوعية الدموية في الورم إلى حالتها السوية تجعل الوضع أكثر ملاءمة لوصول الأدوية المعالجة إلى الخلايا السرطانية لتعمل بفاعلية أكبر. وتظهر الأوعية الدموية في الورم صفات غير سوية بسبب عوامل تؤدي إلى تحفيز نمو الأوعية الدموية أو تنشّئها وإلى كبت العوامل المثبطة للنمو التي تضبط عادة انقسام الأوعية. إن الأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية والتي تثبط العامل المساعد على النمو الأولي(VEGF) ، تستطيع إعادة التوازن باتجاه تكوين أوعية دموية سوية والحفاظ عليها. إن عملية تطبيع الأوعية(15) لا تستمر طويلا، لأن الأدوية قد تنجح في النهاية في  القضاء على معظم الأوعية أو أن يصبح الورم نفسه غير مستجيب لهذه الأدوية.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/0001%20copy.gif


1- إغلاق نافذة تطبيع الأوعية
عندما تكون الأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية بالقوة الكافية، فإنها تستطيع تخريب أكثر مما هو لازم من الأوعية الدموية، لدرجة أن أي علاج عند إضافته يعجز عن الوصول إلى الورم (في الأعلى).
أو أن عوامل نمو أخرى قد تتصدى للتعويض عن تثبيط العامل VEGF، وبذلك يصبح الورم مقاوما لتأثير الأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية التي تعود إلى الحالة غير السوية.


2- الأوعية الدموية بعد عملية التطبيع
عملية تثبيط الإشارات المحفزة للنمو الصادرة عن العامل VEGF تقوم بالقضاء على الأوعية الدموية غير  المكتملة النضج وإعادة بقية الأوعية إلى وضع أقرب للسوي من حيث التنظيم والحجم والوظيفة.

3- أوعية دموية غير سوية في الورم
الزيادة في كمية العوامل المحفزة لتنشؤ الأوعية الدموية وبخاصة العامل VEGF، تسبب زيادة في النمو، وهذا يؤدي إلى ظهور أوعية دموية عشوائية وكبيرة الحجم وكذلك العديد من الأوعية الميكروية المضطربة الوظيفة.

4- أوعية دموية سوية
إن التوازن بين العوامل المحفزة والمضادة للنمو يوجد شبكة وعائية منظمة تتميز بأوعيتها الكبيرة التي تتفرع بصورة منظمة إلى أوعية أصغر حجما.

نمو الوعاء الدموي السوي والحفاظ عليه
تكوّن الخلايا البطانية الأوعية الدموية استجابة لإشارات صادرة عن جزيئات تقوم بتحفيز النمو أو بتثبيطه. تبطن الخلايا الجدارية(16)جانبي الأوعية،  ويحيط بهذه الخلايا غشاء قاعدي، وكلاهما يقوم بتدعيم الوعاء الدموى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/052.gif

 

وقد أثبت الدواء أکاستين من خلال التجارب المختبرية والسريرية أنه قادر على إتلاف الأوعية الدموية للأورام في الحيوانات والإنسان، مع أن استخدامه وحده لم ينجح في رفع نسبة بقيا مرضى السرطان. وفي دراسة سريرية بالغة الأهمية، تم من خلالها الموافقة على الدواء أکاستين، أظهر هذا الدواء زيادة في نسبة بقيا مرضى سرطان القولون والمستقيم المتقدم، ولكن فقط عند استخدامه إلى جنب العلاج الكيميائي التقليدي. وهذه النتيجة الإيجابية بدت غير منطقية، لأنه من حيث المبدأ يفترض بدواء يخرب الأوعية الدموية أن يقلل من فاعلية العلاج الكيميائي الذي يحتاج إلى أوعية للوصول إلى الخلايا السرطانية. وقد أظهرت بعض الدراسات المنشورة أن العوامل المثبطة لتنشؤ الأوعية الدموية قد تعوق تأثير العلاجين الإشعاعي والكيميائي، فكيف يمكننا إذًا الربط بين هذه النتائج المتناقضة ظاهريًا؟

 

لقد حالف الحظ فريقنا البحثي باكتشاف ما يحدث، من خلال فحص دقيق للأوعية الدموية من الناحيتين التركيبية والوظيفية في أورام لمرضى سرطان المستقيم الذين يتم علاجهم بواسطة الأکاستين إضافة إلى العلاجين الإشعاعي والكيميائي ضمن دراسة سريرية أجريت عام 2002 بدعم من المعهد  الوطني للسرطان وبإشراف <Ch.ويليت> الذي يعمل في المركز الطبي لجامعة ديوك. لقد شاهدنا مبكرا أن التغيرات التي تطرأ على الأوعية الدموية للورم في هؤلاء المرضى تعدت كونها مجرد تخريب بسيط لهذه الأوعية.

 


بعد تطبيع الأوعية(15)، تصير الخلايا أكثر استجابة للأدوية المختلفة التي تستطيع الأوعية الآن توصيلها إلى مكان تأثيرها بصورة أفضل.

 

 

فبعد أسبوعين من حقنة واحدة من الأکاستين، انخفضت كمية الدم الجارية داخل الأورام بمقدار 30 إلى 50% في ستة من المرضى تباعًا. كما انخفضت  كثافة  الأوعية الدموية الميكروية والعدد الكلي للأوعية وضغط السائل الخلالي في الأورام؛ أما موت الخلايا المبرمج apoptosis المصاحب للنقص في الأكسجين والغذاء، فقد كثر في الخلايا السرطانية التي لم تعد على اتصال بالأوعية الدموية المشذبة(17).

ولكن المفاجأة كانت في عدم حدوث أي نقص مصاحب في استخدام الطاقة بواسطة الورم، وذلك بامتصاصه لشبيه الگلوكوز كما هو متوقع في حالة تعرض الورم للحرمان من الغذاء. ولكن على العكس، بدت الأوعية الدموية المتبقية في الورم أكثر فاعلية في تأمين الطاقة اللازمة للخلايا السرطانية التي لم تمت. والأكثر من ذلك أن معدل تكاثر الخلايا السرطانية ازداد في بعض الأورام، وهذا يعكس قدرتها على الاتصال بأوعية دموية أكثر فاعلية من الناحية الوظيفية، وتمتعها ببيئة نسيجية محيطية أكثر ملاءمة. ومع أن زيادة تكاثر الخلايا السرطانية أمر غير مرغوب فيه، فإن ذلك يجعل هذه الخلايا أكثر تأثرا بالأدوية الكيميائية التي تستهدف عادة الخلايا التي هي في حالة الانقسام والتكاثر.

لقد أعطت هذه النتائج مجتمعة فكرة أولية عن كيفية عمل دواء مثل الأکاستين(18) في المرضى، ومن ثم كشفت عن السبب وراء تحسن نتائج علاج المرضى إشعاعيا وكيميائيا لمدة من الزمن. ولما كان الدواء يوقف تأثير العاملVEGF، فإن بعض الأوعية الدموية الموجودة في الورم تُشذّب في الحال، ولكن الأوعية المتبقية تصبح أقل شذوذا (أكثر قربًا إلى الحالة السوية). وعملية تطبيع الأوعية الدموية تؤدي عموما إلى تحسن في البيئة الميكروية للورم، كما تجعل الخلايا الحية الباقية أكثر استجابة للعلاج الذي أصبح من الممكن وصوله بفاعلية أكبر. وهكذا فإن استعادة الأوعية الدموية في الورم لوظيفتها الطبيعية تشكل لمدة من الزمن فرصة للطرق المختلفة في علاج السرطان لتصبح فاعلة إلى أقصى حد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/131.gif

أوعية دموية مثبتة في جزيئات مستخلصة من سرطان القولون المستأصل جراحيا، تظهر على شكل كتلة بلّورية غير شفافة تعكس الحالة المضطربة لتجمع الأوعية الدموية الميكروية. وعلى العكس فإن الفضاوات الكبيرة تشير إلى مناطق الورم التي تفتقر إلى وجود أي وعاء دموي.

 


نافذة من الفرص(******)

للاستفادة الحقيقية من الرؤية الجديدة لطريقة عمل العلاج المضاد لتنشؤ الأوعية الدموية في علاج السرطان إلى جنب العلاجين الكيميائي والإشعاعي، يحتاج الطبيب المختص بالأورام إلى معرفة متى تبدأ الأوعية الدموية داخل الورم لدى مريض ما بالعودة إلى الحالة السوية، وحتى متى تبقى على هذه الحالة. لقد عاد فريقي البحثي إلى دراسة فئران المختبر، بهدف تحديد سمات هذه المرحلة الزمنية التي أسميناها نافذة التطبيع (الإسواء)(19). فقد قمنا بعلاج سرطانات الدماغ في حيوانات المختبر باستخدام جسم مضاد ليعطل المستقبل الرئيسي للعامل VEGF والذي تستخدمه الخلايا البطانية  للأوعية. وقد شاهدنا علامات بدء تطبيع الأوعية الدموية بعد يوم واحد من استخدام  هذا الجسم المضاد. وفي أثناء مرحلة نافذة التطبيع التي دامت خمسة إلى ستة أيام، ازداد تأكسج الورم وأعطى العلاج الإشعاعي أفضل نتائجه. ونشرت لاحقًا فرق بحثية أخرى تعمل على حيوانات المختبر مشاهدات مماثلة.

واستطعنا الحصول على الإثبات الذي يدعم هذه الفكرة من خلال اختبارها في دراسة سريرية أخرى في المعهد الوطني للسرطان انتهت قبل عام أو يزيد. وقد أدار هذه الدراسة <T.باتشيلور> و<G.سورينسن> [زميلاي في مستشفى ماساشوستس العام] وشملت ثلاثين مريضا يعانون أوراما دماغية دبقية(20)عادت للنمو على الرغم من خضوعها لعلاجات جراحية وإشعاعية  وكيميائية مكثفة. وكانت المدة المتوقعة لبُقيا هؤلاء المرضى لا تزيد على ستة أشهر.

لقد تلقت مجموعة المرضى هذه جرعة يومية عن طريق الفم من الريسنتين(21)، وهو دواء ما زال في المرحلة التجريبية وله تأثيرات مثبط قوي في المستقبلات الخلوية الثلاثة الرئيسية للعامل VEGF. وباستخدام تقنيات الأشعة التصويرية المتقدمة، تمكنا من البحث عن تأثيرات هذا الدواء في الأورام ومشاهدة ذلك مباشرة (انظر الشكل في الصفحة المقابلة). وقد تضمنت علامات تطبيع الأوعية الدموية نقصًا في قطر الأوعية ونفاذيتها. وبقيت هذه العلامات28 يومًا على الأقل، مع استمرار  بعضها طوال مدة الدراسة التي دامت أربعة أشهر. والأكثر من ذلك أن عملية تطبيع  الأوعية كانت، كما توقعنا من خلال النموذج الأصلي، مصحوبة بانخفاض سريع في الوذمة (عملية الانتفاخ) داخل الورم وحوله، وهذا التأثير استمر طوال مدة استعمال المرضى للريسنتين. وبسبب الآثار الجانبية الشديدة الناجمة عن تثبيط العامل VEGF، طلب بعض المرضى التوقف عن أخذ العلاج مدة من الزمن خلال الدراسة، وهذا أتاح لنا فرصة لمشاهدة الأوعية الدموية في الورم وهي تعود إلى الحالة غير السوية عند إيقاف الريسنتين واستعادتها للحالة السوية عند استئناف الدواء.

 

 

إصلاح الأوعية الدموية: أمراض أخرى غير السرطان(*******)


يعاني مئات الملايين حول العالم أمراضا غير سرطانية تتميز أيضا بوجود أوعية دموية غير سوية. وقد تصبح التعديلات الطارئة على هذه الأوعية من ناحية النمو والأداء الوظيفي، عاملا محوريا في تحديد الخطوط العلاجية لهذه الأمراض. ولذلك فإن الأدوية التي تؤدي إلى تطبيع الأوعية الدموية قد تقوم بدور كبير في مجال صحة الإنسان.

ومن بين أكثر المشكلات انتشارا في هذه المجموعة، على سبيل المثال، هو مرض تصلب الشرايين(22)، الذي من أهم صفاته تراكم لويحات شحمية (دهنية) في الجدران الداخلية للأوعية الدموية. وداخل هذه اللويحات تتراكم كريات الدم ومخلفات أخرى بسبب الالتهاب، وهذا يزيد من حجم الإصابة. وتغزو مجموعة من الأوعية الدموية الجديدة هذه الكتلة النامية لتغذيتها، وهذا يشبه إلى حد كبير ما يحدث في حالة الأورام. وكذلك تشبه هذه الأوعية الدموية الجديدة في هذه الأمراض مثيلاتها في الأورام في كثير من الصفات غير السوية، مثل اضطراب النظام وزيادة النفاذية. ولذلك فإن استخدام العوامل المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية يجب أن يؤدي نظريا إلى تطبيع الأوعية داخل لويحات التصلب، ومن ثم كبح هذه الإصابات: الحيلولة دون امتدادها وإنقاص قابليتها للتمزق.


وتتميز أيضا أمراض العيون، مثل اعتلال الشبكية السكري وتنكس البقعة الشبكوية الشيخي (AMD) الرطب(23)، بوجود اضطرابات في الأوعية الدموية مثل تلك التي تحدث في حالة الأورام. والعلامة الفارقة للمرض AMD الرطب هي تسريب الأوعية  الدموية لمحتواها في الشبكية بقاع العين. ونتيجة لنز الدم إلى النسج المحيطة، يحدث فقدان جزئي أو كلي للبصر. والآن يوجد أكثر من تسعة ملايين أمريكي مصابون بهذا المرض. ومن غير المستغرب أن التقدم الأكبر الذي أحرز باستخدام الأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية في إصلاح الاضطرابات الوعائية في الحالات غير السرطانية، كان في علاج المرض AMD الرطب. دواءان هما اللوسنتيس والماكوجين، وكلاهما مثبط للعامل VAGF، قد تم اعتمادهما لعلاج هذه الحالة وهما يؤديان عملهما عن طريق تطبيع الأوعية الدموية المسربة.

إن نفس أساسيات عملية تطبيع الأوعية يمكن الاستفادة منها في السيطرة على حالات تراكم السوائل (الوذمة) وفي هندسة النسج والطب التجديدي، وجميعها حالات تتطلب تنشؤ أوعية دموية تعمل بشكل سوي والحفاظ عليها.

                                                                                                         .R. K. J

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/128.gif   http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/129.gif


يصيب المرض AMD الرطب البقعةَ الشبكوية، وهي منطقة في الشبكية بمؤخرة العين تبدو عادة في عين الإنسان الطبيعي معتمة قليلا (في أقصى اليسار)، ولكن يمكن لها أن تنبت المزيد من الأوعية الدموية مؤدية إلى تنكس البقعة الشبكوية. وتقوم الأوعية الدموية غير السوية بتسريب الدم (في اليسار) إلى النسج المحيطة مسببة ضعف الإبصار.

 

وكانت هذه النتائج من أول العوامل التي ساعدت على تحديد الزمن اللازم لعملية تطبيع الأوعية الدموية أن تستمر؛ كما أدت إلى البدء بدراسة سريرية موسعة تضم 300 مريض، وما زالت مستمرة حتى الآن وهدفها  تحديد أكبر للدور الذي يمكن أن يؤديه الريسنتين في علاج أورام الخلايا الدبقية،  سواء مع العلاج الكيميائي أو من دونه. ونحن ندرس الآن تأثير عدد من الأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية والمضافة إلى الطرق العلاجية التقليدية في حالات سرطانية مختلفة، سواء حالات تم تشخيصها أول مرة أو حالات انتكس الورم فيها.

وفي الوقت نفسه، نحاول إيجاد طرق لتمديد نافذة التطبيع (الإسواء)، بحيث يمكن إطالة بقيا هؤلاء المرضى فترات تراوح من شهور إلى سنوات. وعند وضع أي استراتيجية ممكنة لإصلاح الأوعية الدموية، هناك معلومة يجب أن تؤخذ فى الحسبان، وهي أن تثبيط العامل VEGF وحده لا يكون دائمًا كافيًا  لتحقيق عملية تطبيع الأوعية أو استمرارها، لأن الأورام تستطيع أن تستعيض بعوامل نمو أخرى عما خسرته من إشارات العامل VEGF. فالأورام عندما يزداد حجمها، تميل إلى صنع مجموعة متنوعة من الجزيئات المحفزة لتنشؤ الأوعية الدموية، إضافة إلى العامل VEGF، وبذلك فإن الأوعية الدموية في هذه الأورام تبدأ تدريجيًا بفقد استجابتها للعلاج بالأدوية مثل الأکاستين.

ففي مرضى سرطان المستقيم، على سبيل المثال، اكتشف فريقنا البحثي أن تركيز العامل VEGF وكذلك تركيز جزيء مصاحب هو عامل النمو المشيمي(24)(PIGF)، ارتفعا في الدم بمجرد التخلص من العامل VEGF بواسطة  الدواء  أکاستين، ويشير ذلك إلى أن الورم وغيره من النسج تبدأ في المقابل بتصنيع المزيد من هذه العوامل كردة فعل. وفي الحالات الناكسة لسرطان الخلايا الدبقية، ارتفعت تراكيز العديد من الجزيئات المحفزة لتنشؤ الأوعية في الدم عند تعند الأورام على العلاج بالريسنتين.

 

 إن قدرة بعض الأدوية على الإصلاح الوعائي تجعل منها وسيلة فعالة في مهاجمة الأورام بأكثر من طريقة.

 


http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/053.gif


إن استجابة الأورام المخية للأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية تعد انعكاسا لبعض آثار عملية تطبيع الأوعية (جعلها طبيعية). إن تصوير مخ المريض عن طريق الرنين المغنطيسي قبل بدء العلاج بيوم واحد وكذلك على فترات متتالية، يظهر انكماشا في المنطقة البيضاء التي تعكس أمكنة وجود الورم السرطاني (الصف العلوي). وتظهر مجموعة أخرى من الصور تراكما للسائل في المنطقة نفسها وهو يتراجع (الصف الأوسط). ومع انحسار الوذمة التي سببها الورم يقل انضغاط النسيج المخي، ويتجلى ذلك من خلال عودة ظهور الحزم الليفية للمادة البيضاء والتي يتم تمييز كل منها بحسب اللون المبين في مناطق المخ المختلفة (الصف السفلي).

 

إن تنوع الإشارات المحفزة للنمو يوضح أن التحدي الذي يواجهه طبيب الأورام يكمن في قدرته على ابتكار مزيج من المواد التي تم إعدادها نوعيا لمطابقة النمط الجزيئي لكل مريض على حدة، سواء كان الورم أوليا أو انتقالياmetastatic، وكذلك للتغيرات التي تطرأ على هذه الأنماط بمرور الوقت. ومما تجدر ملاحظته أن الوسائل المتاحة لإنماء عملية تطبيع الأوعية الدموية ليست مقصورة على الأدوية المستهدفة للعامل VEGF وغيره من عوامل النمو استهدافا مباشرا. فقد أظهرنا في فئران المختبر، على سبيل المثال، أن الدواء هيرسبتين(25)ـ وهو جسم مضاد يستهدف پروتينا موجودا على سطح الخلية السرطانية واسمه HER 2، ويستخدم في علاج حوالي ربع عدد المصابات بسرطان الثدي ـ يحاكي في تأثيره تشكيلة من المواد المثبطة لتنشؤ الأوعية الدموية، كما أنه يؤدي إلى تطبيع الأوعية الدموية في الورم. ويقوم الهيرسبتين بشكل غير مباشر بخفض إنتاج الخلايا للعديد من الجزيئات المحفزة لتنشؤ الأوعية الدموية، كما أنه يقوم بزيادة إنتاج الخلايا من الثرومبوسبوندين-1(26)، وهو من المواد المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية.

إضافة إلى ضرورة تعيين الأدوية الموجودة من قبل والأدوية الجديدة القادرة على تعزيز تطبيع الأوعية الدموية، من المهم إيجاد الوسائل التي تتميز بأنها غير مؤذية وأن سعرها في متناول اليد، حتى يتمكن الأطباء من مراقبة عملية تطبيع الأوعية لتحقيق أقصى استفادة منها في توقيت إعطاء العلاج. ولذلك عملتُ وزملائي على تعيين ما يسمى الواسمات البيولوجية (الدلالات الحيوية)(27): وهي علامات يمكن تعرفها تعكس ما يحدث داخل الورم، ومن ثم ترصد بدء نافذة تطبيع الأوعية والمدة الزمنية التي تستمر خلالها في مرضى مختلفين. وقد تشمل هذه الواسمات، على سبيل المثال، پروتينات في الدم أو في البول ترتفع تراكيزها أو تنخفض خلال استمرار نافذة التطبيع.

إن اكتشاف طبيعة الأدوية المضادة لتنشؤ الأوعية الدموية وقدرتها على تطبيع الأوعية الدموية، يجب أن لا يدعنا نظن أن الهدف الأساسي الذي من أجله تم إنتاجها، لم يعد قائمًا. فإذا توافر الدواء الفعال والذي به القدر الكافي من النوعية للقضاء على الأوعية الدموية في الورم وتعريض الورم بالكامل إلى الحرمان من الغذاء (المسغبة) وإنقاذ حياة المرضى، فإن ذلك يمكن اعتباره حدثًا سعيدًا للجميع. ولكن استخدام هذه الأدوية القادرة على إصلاح الأوعية الدموية يمكنه أيضًا أن يجعل منها وسائل فعالة لمهاجمة الأورام بأكثر من طريقة. وعلى الأمد البعيد يمكن لهذه الأبحاث أن تفيد الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم والتي تعاني أمراضا أخرى غير السرطان ناجمة عن تلك الأوعية الدموية غير السوية، ومثالها تنكس البقعة الشبكوية الشيخي وتصلب الشرايين (انظر المؤطر في الصفحة المقابلة).

قبل أكثر من ثلاثين عاما، عندما شرعتُ في محاولة فهم الأوعية الدموية المتعرجة والمضطربة الوظيفة في الأورام، لم أتخيل قط إلى أين يمكن أن تقودني هذه المحاولة. وكذلك لم أتخيل قط أن المصاب بمرض ناجم عن وجود أوعية دموية غير سوية يمكنه أن يطرق باب عيادة يوما، لتُجرى له اختبارات قياس نسبة الواسمات البيولوجية، ومن ثم ليحظى بتصميم نظام علاجي يصلح له هذه الأوعية ويجعلها طبيعية. ولكن يبدو أن هذا اليوم صار قريبًا أكثر من أي وقت مضى.

 

المؤلف

  Rakesh K. Jain
 أستاذ بيولوجيا الأورام ومدير مختبر إدوين.L. ستيل لبيولوجيا الأورام في قسم العلاج الإشعاعي للأورام بمستشفى ماساتشوستس العام وكلية طب هارکارد. وقد اشتملت أبحاثه على البيولوجيا والتصوير والهندسة والرياضيات لدراسة الأوعية الدموية والليمفاوية، إضافة إلى تطويع النتائج الأولية لعلاج المرضى. وهو يتوجه بالشكر إلى المعهد الوطني للسرطان للدعم المستمر لعمله البحثي منذ عام 1980 وإلى أكثر من 200 من طلبة الطب وطلبة الدراسات العليا وإلى الزملاء المساعدين من جميع أنحاء العالم الذين شاركوه رحلته البحثية في عالم الأورام الصلبة. وهو أيضا مستشار للعديد من شركات الأدوية والتقانة البيولوجية (الحيوية)، وعضو في كل من الأكاديمية القومية للهندسة والمؤسسة الطبية. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2008/8&9/133.gif

  مراجع للاستزادة 

Normalization f the Tumor Vasculature: An Emerging Concept on Anti-Angiogenic Therapy.

 Rakesh K. Jain in Science, Vol. 307, pages 58-62; January 2005.

 

Lessons from phase III Clinical Trials of Anti-VEGF Therapy for Cancer.

Rakesh K. Jain, Dan G. Duda, Jeffrey W. Clark and Jay S. Loeffler in Nature Clinical practice

 Oncology. Vol. 3, No. 1, pages 24-40; January 2006.

 

Angiogenesis in Brain Tumors. Rakesh K. Jain et al, in Nature Reviews Neuroscience, Vol. 8,

pages 610-622; August 2007.

 

Antiangiogenic Therapy for Normalization of Atherosclerotic plaque Vasculature: A potential

Strategy for plaque Stabliziation, Fakesh K. Jain et al. in NatureClinical practice Cardioveascular

 Medicine, Vol. 4, No. 9, 2007.

 

For more articles by Rakesh K. Jain and animations explaining vessel notmalization, go to

 http://steele.mgh.harvard.edu/

 

(*) TAMING VESSELS TO TREAT CANCER

(**) Tortuous Road

(***) ABNORMAL VESSELS MAKE TROUBLE

(****) Restoring Balance

(*****) TIPPING THE BALANCE TOWARD NORMALCY

(******) Window of Opportunity

(*******) VESSEL REPAIR: BEYOND CANCER

(1) cardiovascular

(2) normalizing أو إسواء، والمقصود إرجاع الأوعية الدموية لطبيعتها.

(3) restoring أو ترميم.

(4) macular degeneration: والتنكس هو حصول تغيرات عضوية يرافقها تراجع في الوظيفة والأداء.       (التحرير)

(5) leakines، وهي قابلية الوعاء لتسريب محتوياته من خلال المسامات الوعائية.

(6) pore مسام: فتحة في جدار الوعاء الدموي دقيقة تسمح بالتبادل مع الوسط المحيط.

(7) normal pressure gradients

(8) intenstitial؛ أي المتعلق بالحيّز بين الخلايا وخارج الأوعية الدموية.   (التحرير)

(9) hypoxia، أي نقص في تزويد الخلايا بالأكسجين.    (التحرير)

(10) angiogenesis

(11) vascular endothelial growth factor

(12) basic fibroblast growth factor

(13) capillary bed

(14) starvation

(15) أي جعل الأوعية طبيعية.

(16) pericyte خلية جدارية أو محيطية، وهي من الخلايا الموجودة في الطبقة الخارجية من جدران الأوعية، مهمتها  تقوية الجدار الوعائي وتدعيمه.

(17) pruned vessels، هي الأوعية التي تخلصت من الزوائد الشاذة وعادت إلى حالتها الطبيعية.      (التحرير)

(18) Avastin

(19) normalization window: هي الفترة الزمنية التي تعود فيها الأوعية الدموية للأورام إلى حالتها  الطبيعية.

(20) brain glioblastoma

(21) Recentin                  (التحرير)

(22) atherosclerosis التصلب (العصيدة) الشرياني: تغيرات تصيب جدران الشرايين وتسبب تشكل لويحات تؤدي إلى تضيق  هذه الشرايين أو انسدادها، إضافة إلى هشاشتها وقابليتها للتمزق.

(23) wet form of age-related macular degeneration

(24) placental growth factor

(25) Herceptin

(26) thrombospondin-1

(27) biomarkers: جزيئات بيولوجية قابلة للقياس في جسم الإنسان، وتشير إلى أحداث محددة تقع في هذا الجسم.       (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى