مفاجآت من الداء البطني (CD)
مفاجآت من الداء البطني (CD)(*)
كشفت دراسة أجريت على أحد الأمراض المسَّببة بالطعام الذي قد
يكون مميتا، عن عملية قد تسهم في كثير من الاضطرابات المناعية الذاتية.
<A.فاسانو>
مفاهيم مفتاحية
الداء البطني (CD) هو اضطراب مناعي ذاتي يطلقه تناول الگلوتين، وهو من الپروتينات الرئيسية في القمح، أو ينتج من پروتينات ذات صلة به في الحبوب الأخرى. تشير الأبحاث التي أجريت لمعرفة جذور المشكلة إلى أن الاضطراب ينشأ عندما يكون لدى الشخص المعرض للگلوتين أيضا استعداد وراثي للإصابة بالداء CD، ويكون لديه جدار الأمعاء نفوذا بشكل غير معتاد. مما يثير الدهشة أن الثلاثية نفسها، والمكونة من: عامل بيئي مُطْلِق، والاستعداد الوراثي، والأمعاء التي تسمح بالتسرب، هي التي تسبب الاضطرابات المناعية الذاتية الأخرى. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى طرح احتمال أن تخفف المعالجات الحديثة للداء CD من وطأة الحالات الأخرى. محرِّرو ساينتفيك أمريكان |
يذهب ظني إلى أن أهم ثورة علمية في التاريخ تعود إلى عشرة آلاف عام، وأنها كانت في الشرق الأوسط، عندما لاحظ الناس للمرة الأولى أن نباتات جديدة تبزغ من البذور التي سقطت من نباتات أخرى على الأرض، وهو الاكتشاف الذي قاد إلى ولادة الزراعة. وقبل هذه الملاحظة، كان قوت العنصر البشري يتركز على الفواكه والجوز والدرنات، وفي بعض الأحيان على اللحوم. وكان على الناس أن يتنقلوا إلى الأماكن التي يوجد فيها طعامهم، مما يجعلهم تحت رحمة الحوادث، ويحول بينهم وبين الاستيطان الطويل الأمد.
وما إن اكتشف الإنسان سر البذور حتى تعلّم بسرعة كيفية ترويض المحاصيل، ووصل في النهاية إلى تهجين نباتات عشبية مختلفة للحصول على الحبوب الرئيسية مثل القمح والجاودار (الشيلم) والشعير والتي تتسم بأنها مغذية ومتعددة الاستعمالات، ويمكن تخزينها بسهولة، وذات قيمة تجارية مرتفعة. وللمرة الأولى، أصبح بإمكان الناس هجر الحياة البدوية وبناء المدن. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تصبح المناطق الزراعية الأولى«مهد الحضارات» أيضا.
وقد جاءت هذه التطورات مقابل ثمن باهظ: وهو ظهور الداء الذي يعرف الآن بالداء البطني (CD)(1)، والذي يحرض بتناول پروتين يوجد في القمح يدعى الگلوتين gluten، أو تناول پروتينات مشابهة له في الجاودار أو الشعير. لم يكن الگلوتين والمركبات القريبة منه موجودين في غذاء الإنسان من قبل. إلا أنه ما إن أصبحت الحبوب بمثابة الوقود لنمو المجتمعات المستقرة، حتى بدأت الپروتينات بقتل الناس، ومعظمهم من الأطفال ممن تفاعلت أجسامهم تفاعلا شاذا مع هذه الپروتينات. أدى تكرار تناول هذه الپروتينات إلى جعل الأشخاص الذين يعانون الحساسية غير قادرين على امتصاص المغذيات في الطعام. ومن ثَمَّ، أخذ هؤلاء المصابون الضحايا يعانون آلاما بطنية وإسهالا، وأخذت أجسامهم مظهر مَنْ يعاني المخمصة (الجوع الشديد)، فهزلت أجسامهم وتورمت بطونهم، وما لبث اختلال التغذية، إلى جانب طيف من المضاعفات الأخرى، أن جعل حياة هؤلاء الضحايا قصيرة نسبيا وبائسة.
ولو أن تلك الوفيات التي حدثت قد لوحظت بانتباه في ذلك الوقت، لاعتبر سببها أحد الأسرار الغامضة. أما خلال السنوات العشرين الماضية، فقد جمع العلماء ملاحظات متفرقة ليكوِّنوا فهما مفصَّلا للداء CD. فهم يعرفون الآن أنه أحد الاضطرابات المناعية الذاتية والذي يهاجم فيه النظام المناعي أنسجة الجسم ذاته. ويعرف العلماء أيضا أن نشأة الداء لا تنتج فقط من التعرض للگلوتين وما شابهه، بل إنه ينتج من اجتماع عدد من العوامل تضم: الجينات المؤهبة، وشذوذات في بنية الأمعاء الدقيقة.
والأكثر مما سبق، أن الداء CD يقدم مثالا توضيحيا عن الطريق الذي قد تؤدي فيه الثلاثية المكوَّنة من العامل البيئي المُطْلِق والجينات المؤهِبة وشذوذات الأمعاء دورا ما في كثير من الاضطرابات المناعية الذاتية. ومن هنا، تشير الأبحاث حول الداء CD إلى أنماط جديدة من المعالجة لا تقتصر على هذا الداء وحده، ولكنها تناسب حالات أخرى متنوعة من اضطراب المناعة الذاتية، مثل الداء السكري من النمط 1 والتصلب المتعدد (التصلب اللويحي) والتهاب المفاصل الرثياني.
تبصرات مبكرة(**)
بعد تقدم الزراعة، مرت آلاف السنوات قبل توثيق حالات أطفال يبدو أنهم يتناولون طعاما جيدا ولكنهم يعانون نقص التغذية. أدى ذلك إلى وضع اسم الداء CD في القرن الأول بعد الميلاد، عندما وضع <A.الكاپادوشي> [وهو طبيب إغريقي] أول وصف علمي لهذا الداء، وسماه الداء البطني koiliakos، عن الكلمة الإغريقية koelia والتي تعني البطن. وقد حاز الطبيب البريطاني <S.جي> لقب «أبي الداء البطني CD» المعاصر. ففي عام 1887، وصف <جي> الداء CD في محاضرة له بأنه نوع من اضطراب أو عسر الهضم يشاهد لدى أشخاص في جميع الأعمار، ولكنه يميل إلى إصابة الأطفال من السنة الأولى إلى السنة الخامسة من العمر. حتى إنه حدًّس محقا: «قد يكون سببه أخطاء في النظام الغذائي». وعلى الرغم من ذكاء <جي> الواضح، فإن الطبيعة الحقيقية للداء أفلتت منه، كما يتبين من وصفاته الغذائية: فقد نصح بإطعام هؤلاء الأطفال شرائح رقيقة من الخبز بعد تحميصها من وجهيها.
يحرض الطعام الذي يحتوي على القمح أو الجاودار أو الشعير تفاعلا مناعيا ذاتيا (موجًّها نحو نسج البدن نفسه) لدى الأشخاص المصابين بالداء CD. وهذه الاستجابة تلحق الأذى ببطانة الأمعاء، وتقلل من امتصاص الجسم للمغذيات. كما أن التعرض المزمن لهذه الأطعمة قد يؤدي إلى حدوث السرطان، إضافة إلى تأثيرات مرضية أخرى لدى هؤلاء الأشخاص. |
وقد تم تعرف الگلوتين كسبب مُطْلِق للداء CD بعد الحرب العالمية الثانية، عندما لاحظ طبيب الأطفال الهولندي <K.W.ديك> أن نقص الخبز الذي سببته الحرب في هولندا أدى إلى انخفاض مهم وملحوظ في معدل الوفيات بين الأطفال المصابين بالداء CD، فقد هبط من ما يزيد على 35 في المئة إلى ما يقرب الصفر. وقد قَرَّر <ديك> أيضا أنه ما إن توافر القمح من جديد، بعد انقضاء النزاع، حتى عاد معدل الوفيات للارتفاع السريع ليصل إلى ما كان عليه من مستويات من قبل. وتلا ملاحظة <ديك> أبحاث قام بها علماء آخرون حول المكونات المختلفة للقمح، واكتشفوا أن الپروتين الرئيسي في الحبوب، الگلوتين، هو المذنب.
وعودةً إلى التأثيرات البيولوجية للگلوتين، فقد وجد الباحثون أن التعرض المتكرر للگلوتين لدى مرضى الداء CD يسبب التهابا مزمنا وتدميرا في الزغاباتthe villi، وهي بنى إصبعية الشكل في الأمعاء الدقيقة، مما يجعلها غير قادرة على أداء وظيفتها السوية في تفكيك الطعام ونقل المغذيات عبر جدار الأمعاء إلى مجرى الدم (ليصل إلى جميع أنحاء الجسم). ومن حسن الحظ، أن هذا الداء إذا شُخِّص مبكرا بوقت كافٍ، وحافظ المريض على نظام غذائي خالٍ من الگلوتين، فإن بنية الأمعاء الدقيقة تعود دائما تقريبا إلى حالتها السوية، أو قريبا من ذلك، كما أن الأعراض الهضمية (المعدية المعوية) تختفي.
ويسبب الگلوتين لدى المرضى المؤهبين هذا الالتهاب والتدمير للأمعاء بإطلاق فعالية خلايا مختلفة من النظام المناعي. وهذه الخلايا تقوم بدورها بإلحاق الأذى بالنسيج الذي يتمتع بالصحة في محاولتها تدمير ما حسبته عاملا إنتانيا infectious agent.
اكتشاف تشخيصي(***)
لا تزال التفاصيل الكاملة للآليات الكثيرة التي يؤثر بها الگلوتين في النشاط المناعي قيد الدراسة، إلا أن أحد التبصرات أثبت بشكل خاص أنها مفيدة في الممارسات السريرية (الإكلينيكية): فالاستجابة المناعية الشاذة المميزة للگلوتين هي إنتاج جزيئات من الأضداد التي تستهدف أحد الإنزيمات الذي يدعى ناقل أمين الگلوتين النسيجي (TTC) (2). هذا الإنزيم يتسرب من الخلايا التي عانت التدمير في المناطق الملتهبة من الأمعاء الدقيقة، ويحاول المساعدة على شفاء النسيج المحيط.
وقد أضاف اكتشاف أن هذه الأضداد كثيرة الانتشار في الداء CD أداة جديدة إلى تشخيص هذا المرض، كما سمح ذلك للفريق الذي أعمل معه، ولباحثين آخرين، بتقويم معدل وقوع الداء بطريقة جديدة، وذلك بإجراء مسح على الناس بحثا عن وجود هذا الضد في دمائهم. وقبل ذلك، لم يكن لدى الأطباء سوى اختبارات غير نوعية، وكانت الطريقة الموثوق بها لتشخيص الداء CD هي استعراض الأعراض التي يشكو منها المريض، والتأكد من وجود التهاب الأمعاء بأخذ خزعة منها، وتقويم ما إذا كان النظام الغذائي الخالي من الگلوتين سيخلِّص المريض من الأعراض. (إن تحري أضداد الگلوتين قد لا يكون حاسما؛ لأنها قد توجد أيضا لدى أناس لا يعانون الداء CD).
خلال سنوات طويلة، اعتُبِر الداء CD داء نادرا خارج أوروبا. ففي أمريكا الشمالية، على سبيل المثال، تم تعرف الأعراض الكلاسيكية لدى ما يقل عن واحد لكل عشرة آلاف شخص. وفي عام 2003 نشرنا نتائج دراستنا، وهي أكبر دراسة أجريت حتى الآن على المصابين بالداء CD في أمريكا الشمالية، وقد شملت أكثر من000 13 شخص. ومما يدعو إلى العجب أننا وجدنا شخصا واحدا مصابا بالداء CD من بين كل 133 شخصا ممن يبدون صحيحي الجسم ظاهريا، وهذا يعني أن الداء CD أكثر شيوعا مما كان يُظَن من قبل بمقدار 100 مرة. وقد أكدت أعمال باحثين آخرين مستويات مشابهة في كثير من البلدان في جميع القارات دون استثناء.
كيف أمكن لـ 99 في المئة من الحالات أن تفلت من الكشف حتى اليوم؟ إن العلامات الكلاسيكية الظاهرية ــ وهي عسر الهضم والإسهال المزمن ــ لا تظهر إلا لدى إصابة قسم كبير وبالغ الأهمية من الأمعاء بالتدمير. أما إذا كان قسم صغير من الأمعاء يعاني سوء أداء وظيفته، أو كان الالتهاب خفيفا إلى حد ما، فإن الأعراض قد تكون أقل شدة أو غير نموذجية.
وقد أصبح من الواضح في الوقت الحاضر أن الداء CD يتظاهر أحيانا بطيف من الأعراض التي لم تحظ من قبل بالتقدير، والتي يحركها اضطراب موضعي في امتصاص المغذيات من الأمعاء. فاضطراب امتصاص الحديد، على سبيل المثال، قد يسبب فقر الدم، كما أن سوء قنص الفولات قد يسبب مشكلات عصبية متنوعة. وهكذا، يمكن للداء CD، ومن خلال إضاعة بعض المواد المغذية الخاصة من البدن، أن يؤدي إلى بعض الأعراض، مثل: تخلخل العظام والآلام المفصلية والتعب المزمن وقصر القامة وآفات جلدية والصرع والعته والفصام والاختلاجات.
وجدنا أن الداء CD أكثر شيوعا بمئة مرة مما كان يُظَن سابقا. |
ولما كان الداء CD يتظاهر أحيانا بأنماط غير نموذجية، فإن العديد من الحالات تبقى غير مشخصة. والقدرة، التي ظهرت حديثا، في تعرف الداء في جميع أشكاله، في مرحلة مبكرة، تسمح باستبعاد الگلوتين من النظام الغذائي قبل تطور المزيد من المضاعفات الخطيرة.
حقائق سريعة إن 1% من سكان العالم تقريبا مصابون بالداء CD، إلا أن معظمهم لايعرفون ذلك. إن أكثر من مليوني شخص مصابون بالداء CD في الولايات المتحدة الأمريكية. من الأعراض الشائعة للداء CD لدى الرضع والأطفال: الآلام البطنية والانتفاخ والإمساك والإسهال وفقدان الوزن والإقياء. لا يشكو قرابة نصف البالغين المصابين بالداء CD من الإسهال وقت تشخيص الداء لديهم. من العلامات الأخرى التي قد تحدث لدى البالغين: فقر الدم والتهاب المفاصل وضعف العظام والاكتئاب والتعب والعقم وآلام مفصلية واختلاجات و تنميل في القدمين واليدين. |
من الگلوتين إلى خلل الوظيفة المناعية(****)
يقدم الداء CD نموذجا قيما جدا لفهم الاضطرابات المناعية الذاتية؛ لأنه المثال الوحيد الذي يمكن فيه لإضافة أو لاستبعاد أحد المكونات البيئية البسيطة، وهو هنا الگلوتين، أن يفعِّل العملية المرضية أو أن يوقفها. (فعلى الرغم من أن العوامل البيئية متهمة بأنها تؤدي دورا في الأمراض المناعية الذاتية الأخرى، فإنه لم يتم تحديد أي منها بشكل مؤكد).
ولمعرفة كيف يمكن للگلوتين أن يؤثر تأثيرا مدمرا لدى بعض الأشخاص، يمكنك التفكير في كيفية استجابة الجسم له لدى معظم الناس. فلدى غير المصابين بالداء CD، لا يتفاعل الجسم معه. إذ لا يسارع النظام المناعي إلى العمل إلا عندما يكتشف كميات مهمة من الپروتينات الغريبة في الجسم، فيتفاعل بشكل هجومي عنيف؛ لأن وجود الغرباء قد يعطي الإشارة بوجود كائنات مجهرية مسببة للأمراض مثل البكتيريا والفيروسات.
إحدى الطرق المهمة التي نواجه من خلالها الپروتينات الغريبة وغيرها من المواد هي الأكل، ويتمركز جنود المناعة تحت الخلايا الظهارية epithelial cellsالتي تبطن الأمعاء (وتسمى الخلايا المعوية)، وتكون جاهزة للوثب ولاستدعاء التعزيزات. وأحد أسباب عدم استفزاز الپروتينات الغازية (التي تدخل أجسامنا ثلاث مرات يوميا) للنظام المناعي لدينا بشكل نموذجي هو أنه قبل أن تواجه دفاعاتنا أي شيء قد يسبب إزعاجا لها، فإن جهاز الهضم لدينا يفكك عادةً معظم الپروتينات المتناولة لتصبح حموضا أمينية معيارية، وهي لبنات البناء التي تُبنى منها جميع الپروتينات.
وللگلوتين بنية خاصة: فهو غني بدرجة تفوق المعتاد بالحمضين الأمينيين: الگلوتامين glutamine والپرولين proline. وهذه الخاصية تجعل قسما من جزيء الگلوتين منيعا على آلة تقطيع الپروتينات في أجسامنا، مما يترك الشُّدَف (القطع) الپروتينية الصغيرة، والتي يطلق عليها اسم الپپتيدات peptides سليمة البنيان. وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم هذه الپپتيدات تبقى (لدى الإنسان الصحيح البدن) ضمن الأنبوب الهضمي (المعدي المعوي) ثم ما تلبث أن تفرغ ببساطة حتى قبل أن يلاحظها النظام المناعي. وأي كمية من الگلوتين تتسلل عبر البطانة الهضمية ستكون على درجة من الضآلة لا تستطيع معها إثارة استجابة ذات أهمية للنظام المناعي السوي.
[أساسيات] الهضم السوي(*****) في جهاز الهضم السوي، يدخل الطعام الذي خضع لمعالجة جزئية في المعدة إلى الأمعاء الدقيقة، والتي تبطِّنها استطالات شبيهة بالأصابع تدعى الزغابات the villi (الأسفل واليسار). وتعمل الإنزيمات التي يفرزها الپنكرياس والإنزيمات الموجودة على سطح زغابات الخلايا الظهارية (الخلايا المعوية) على تفكيك معظم الطعام إلى مكوناته الأولية، مثل الگلوكوز والحموض الأمينية (الأسفل والأيمن). وعند ذلك، تعبُر هذه المغذيات إلى مجرى الدم لتقدِّم الوقود للنسج في جميع أرجاء الجسم. ويعمل الداء CD على إحداث الخلل في امتصاص المغذيات بتدمير الخلاية المعوية، وجعل الزغابات مسطحة، مما ينقص من مساحة السطح المتوافر للتفاعل مع الطعام (الصورة المجهرية). |
من ناحية أخرى، ورث مرضى الداء CD مزيجا من الجينات التي تسهم في رفع مستوى الحساسية تجاه الگلوتين. على سبيل المثال، ومن ضروب الجينات التي تؤدي دورا مهما، الجينات التي تكود الپروتينات والتي تُعرف على أنها مستضدات الكريات البيضاء للتوافق النسيجي (HLAs)(3). و95% من مرضى الداء CD يكون لديهم الجينة الخاصة إما بـ HLA-DQ2 أو بـ HLA-DQ8، فيما لا تزيد نسبة مَنْ لديهم واحدةٌ من هاتين الجينتين مِنْ مجمل السكان على 30 إلى40 في المئة. وتشير هذه النتائج، إلى جانب مؤشرات أخرى غيرها، إلى أن الجينتين HLA-DQ2 أو HLA-DQ8 ليستا الوحيدتين اللتين تسببان فرط الفعالية المناعية، إلا أن الداء CD، مع ذلك، من المستحيل تقريبا أن يترسخ من دون واحدة منهما. وقد أصبح سبب كون هاتين الجينتين من الجينات الرئيسية واضحا من دراسات وظائف الپروتينات التي تخصصانها.
إن پروتينَيْ HLA-DQ2 و HLA-DQ8 يُصنعان من قبل الخلايا العارضة للمستضد antigen-presenting cells. هذه المخافر المناعية تلتهم الكائنات والپروتينات الغريبة وتقطعها، وترتب بعض قطع الپروتينات المختارة ضمن ميزابة على جزيئات المستضدات HLA، وتعرض المعقدات الناتجة على سطح الخلية لتتعقبها الخلايا المناعية immune system cells التي تدعى اللمفاويات التائية المساعدة. والخلايا التائية، التي تستطيع تعرّف المعقدات المعروضة والارتباط بها، تقوم باستدعاء التعزيزات.
لدى مرضى الداء CD، يرتبط الإنزيم TTC، الذي ينطلق من خلية ظهارية معوية، بالگلوتين غير المهضوم، ويحوِّر الپپتيدات بطريقة تمكنها من الارتباط بقوة فائقة بپروتينات DQ8 وDQ2. ومن ثم، عندما تلتقط الخلايا العارضة للمستضد الموجودة تحت الخلايا الظهارية المعوية معقدات الگلوتين والإنزيمTTC، فإن تلك الخلايا تضم الگلوتين إلى المستضدات HLA، وتحررها عند سطح الخلية، حيث تعمل على تفعيل الخلايا التائية، محرضة لها على إطلاق السيتوكينات cytokines والكيموكينات chemokines (وهي مواد كيميائية تزيد من إثارة الفعالية المناعية). وكان من الممكن أن يكون لهذه المواد الكيميائية ولتعزيز الدفاعات المناعية قيمة كبيرة فيما لو كانت لمواجهة هجمة جرثومية (ميكروية)، إلا أنها في هذه الحالة تسيء إلى الخلايا المعوية المسؤولة عن امتصاص المغذيات وتلحق الضرر بها.
ويميل مرضى الداء CD أيضا إلى امتلاك عوامل وراثية مؤهبة أخرى، مثل الاستعداد للإنتاج الزائد من المنبه المناعي الإنترلوكين 15 (IL-15)، وإلى إيواء خلايا مناعية مفرطة الفعالية تستنهض النظام المناعي للهجوم على الأمعاء استجابة للگلوتين.
أخذ الصالح بالمسيء(******)
ماهو الدور الذي يمكن لأضداد الإنزيم TTC أن تؤديه في هذه الاستجابة المرضية للگلوتين؟ الجواب لا يزال غير مكتمل، إلا أن لدى العلماء بعض الأفكار حول ما قد يمكن أن يحدث. فعندما تطلق الخلايا الظهارية الإنزيم TTC، فإن الخلايا البائية التابعة للنظام المناعي تبتلع ذلك الإنزيم، وحده أو ضمن معقد يتضمن الگلوتين. وعندها تطلق تلك الخلايا الأضداد التي تستهدف الإنزيم. فإذا كانت الأضداد ثاوية في موقع الإنزيم TTC أو قريبة من خلية معوية ظهارية؛ فإن تلك الأضداد قد تدمر الخلايا مباشرة، أو تحرض عمليات تدمير أخرى. ولا يعرف أحد بعد فيما إذا كانت الأضداد تسبب (في الحقيقة) مثل هذا الضرر.
وخلال السنوات التسع الماضية، تعلمت مع زملائي أن نفوذية الأمعاء غير المعتادة قد تسهم على مايبدو في الداء CD وفي غيره من الأمراض المناعية الذاتية. وفي الحقيقة، تشير بيِّنات متزايدة إلى أن الثلاثية ذاتها من العوامل المفترضة، تدعم معظم وربما جميع الأمراض المناعية الذاتية، والثلاثية هي: مادة بيئية يتم عرضها على الجسم، واستعداد وراثي لدى النظام المناعي للتفاعل المفرط تجاه تلك المادة، وأمعاء ذات نفوذية غير معتادة.
[رؤية إضافية] الثلاثية المسببة(*******) ثمة ثلاثة أسباب تشكل الأساس للداء CD: عامل مُطْلِق بيئي، والاستعداد الوراثي، ووفقا لما أوضحته أبحاث المؤلف، أمعاء ذات نفوذية غير معتادة (الأسفل). ويظن المؤلف أن عناصر الثلاثية الأساسية نفسها تسهم في إحداث الأمراض المناعية الذاتية، وذلك على الرغم من أن كل اضطراب منها له عوامل مُطْلِقة ومكونات وراثية خاصة به.
|
اكتشاف التسرب(********)
إن من الإنصاف أن نقول إن النظرية التي تقول بمساهمة الأمعاء التي تعاني التسرب في الداء CD وفي المناعة الذاتية بشكل عام قد لاقت ترحيبا مبدئيا مشوبا بكثير من الشك؛ ويعود ذلك جزئيا إلى طريقة تفكير العلماء في الأمعاء. فعندما كنت طالبا أدرس الطب في السبعينات من القرن الماضي، كانت الأمعاء الدقيقة توصف بأنها أنبوب يتألف من طبقة وحيدة من الخلايا المترابطة مع بعضها والتي تشبه قطع القرميد المتراصة يجمع بينها ملاط غير نفوذ يُدعى بالوَصْلات المُحْكَمَة tight junctions، يقع بين تلك الخلايا. وكان يعتقد أن الوَصْلات المُحْكَمَة تقصي جميع المواد، باستثناء أصغرها حجما، بعيدا عن مكونات النظام المناعي والتي تتمركز في النسج التي تبطن الأمعاء. لم يقدم هذا النموذج البسيط، والذي يعتبر الوَصْلات المُحْكَمَة مُرَشِّحات عاطلة وغير نفوذة، مصدرا ملهما لدى مجموعات الباحثين لدراسة بنيتها، وقد كنت من بين أولئك الذين لم يتحمسوا لذلك.
وقد كان الانعطاف في مجرى الأقدار، وإحدى أكثر اللحظات إحباطا في مسيرتي المهنية هو الذي دفعني إلى دراسة الوَصْلات المُحْكَمَة. ففي نهاية الثمانينات من القرن الماضي كنت أعمل على أحد اللقاحات المضادة للكوليرا، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن ذيفان الكوليرا هو السبب الرئيسي لحدوث الإسهال الشديد الذي يميز الكوليرا. ولاختبار هذه الفرضية، قام الفريق الذي أعمل معه بحذف الجينة التي تكود ذيفان الكوليرا من بكتيريا ضمة الكوليراvibrio cholerae. ووفقا للحكمة التقليدية، ستصنع البكتيريا المنزوعة السلاح بهذه الطريقة لقاحا مثاليا؛ لأن بقية الپروتينات الموجودة على الخلايا البكتيرية الحية ستسبب استجابة مناعة قوية تحمي من حدوث الإسهال.
إلا أننا، عندما أعطينا البكتيريا الموهنة التي حصلنا عليها إلى المتطوعين، سبَّب اللقاح لديهم قدرا من الإسهال كان كافيا لإيقاف استعماله؛ فانتابني الإحباط الكامل. إذ ضاعت سنوات من العمل الشاق هدرا، وكان علينا مواجهة احتمالين غير جذابين: إما الاستسلام والتحول إلى مشرع آخر للأبحاث، أو المواظبة على محاولة فهم سبب الإخفاق. وقد دفعنا الحدس، بأن للاختيار الثاني أبعادا أخرى، إلى الأخذ به وقد قادنا هذا القرار إلى اكتشاف ذيفان جديد يسبب الإسهال بآلية لم توصف من قبل. فهو يغير قابلية نفوذ الأمعاء الدقيقة بخلخلة هذه الوَصْلات المُحْكَمَة التي كان يفترض أنها عاطلة، الأمر الذي يسمح للسوائل بالتسرب من النسج للأمعاء. هذا الملاط كان أمرا مثيرا للاهتمام على كل حال.
وفي الحقيقة، وفي الفترة نفسها تقريبا، أوضحت سلسلة من الاكتشافات الإبداعية أن شبكة معقدة من الپروتينات هي التي تشكل الوَصْلات المُحْكَمَة؛ إلا أن المعلومات المتاحة حول كيفية التحكم في هذه البنية كانت ضئيلة. ومن هنا، قدم اكتشافنا للذيفان الذي أطلقنا عليه اسم ذيفان النُّطَيْقة الغالِقة (Zot)(4) (والتي تعني باللاتينية الوَصْلَة المُحْكمة) أداة قيمة لتوضيح عملية التحكم، حيث اتضح أن جزيئا واحدا هو الجزيء Zot يمكنه أن يجعل البنية المعقدة للوصلات المحكمة أكثر تخلخلا. كما اتضح لنا أن نظام التحكم الذي جعل هذا التخلخل ممكنا هو نظام معقد للغاية، لدرجة أن بإمكانه أن يسهم وببساطة في إلحاق الأذى البيولوجي بالمضيف. وهكذا، فإنه لابد أن تسبب بكتيريا ضمة الكوليرا الإسهال باستغلال سبيل موجود سابقا لدى المضيف يعمل على تنظيم نفوذية الأمعاء.
وبعد خمس سنوات من صياغة هذه الفرضية اكتشفنا الزنيولين zenulin، وهو پروتين يزيد نفوذية الأمعاء لدى البشر والحيوانات العليا الأخرى وبالآلية نفسها التي يؤثر بها الذيفان Zot في البكتيريا. ولم يتضح بعد كيف يمكن للجسم أن يستغل الپروتين زنيولين لمنفعته. ومع ذلك، فإن الغالب أن هذا الجزيء الذي يفرزه النسيج الظهاري المعوي وخلايا الأعضاء الأخرى (فللوَصْلات المُحْكَمة دور مهم في النسج في جميع أرجاء البدن)، يؤدي وظائف متعددة، تشمل تنظيم تحرك السوائل والجزيئات الضخمة والخلايا المناعية بين حجيرات الجسم.
وقد حفَّزنا اكتشاف الپروتين زنيولين إلى البحث في الأدبيات الطبية المنشورة عن اضطرابات لدى البشر تتسم بزيادة نفوذية الأمعاء. عندها علمنا، ولأول مرة، وكان مما أثار دهشتي أن الكثير من الأمراض المناعية الذاتية، ومنها الداء CD والسكري من النمط 1 والتصلب العديد والتهاب المفاصل الرثياني وأمراض الأمعاء الالتهابية، تشترك جميعها في سمة واحدة مهيمنة وهي نفوذية غير سوية للأمعاء. وفي العديد من هذه الأمراض، تنتج زيادة النفوذية بسبب وجود مستويات مرتفعة إلى حد غير سوي من الپروتين زنيولين، وقد أصبح من الواضح في الوقت الحاضر أن الگلوتين في الداء CD يحرض الإفراز المبالغ فيه من الپروتين زنيولين، (وقد يعود ذلك إلى الهيئة الوراثية للمريض).
[لُغز] حل لغز البدء المتأخر(*********) يولد المصابون بالداء CD ولديهم استعداد وراثي للإصابة به. ولكن، لماذا لا تظهر على بعض الأفراد أية بينات تدل على الداء حتى وقت متأخر من الحياة؟ كنت أقول إن من المحتمل أن تكون العملية المرضية قد حدثت في باكورة الحياة، ولكن لدرجة خفيفة لا تسبب الأعراض. أما الآن، فيبدو أن جوابا آخر، يتعلق بالبكتيريا التي تعيش في السبيل الهضمي، قد يكون أكثر جدوى. فهذه الميكروبات والتي يُعرف مجموعها بـالثاويات الدقيقة microbiome قد تختلف من شخص لآخر، ومن مجموعة سكانية لأخرى، وقد تختلف لدى الشخص نفسه مع تقدم مراحل العمر. ومن الواضح أن لها تأثيرا في تحديد أي جينات المضيف ستكون فعالة في وقت ما. ومن هنا، فإن الشخص الذي ينجح النظام المناعي لديه في تحمل الگلوتين على مدى سنوات عديدة، قد يخسر فجأة التحمل إذا ما تغيرت الثاويات الدقيقة لديه بطريقة تؤدي فيها إلى تفعيل جينة كانت هاجعة من قبل. فإذا كانت هذه الفكرة صائبة، فقد يكون الداء CD من الأمراض التي يمكن توقيها أو معالجتها يوما ما، وذلك بتناول ميكروبات مساعدة منتقاة أو بالميكروبات المتعايشة بالتكافل probiotics. |
وقد قادنا هذا الاكتشاف إلى افتراض أن النفوذية المعوية المعززة لدى المصابين بالداء CD هي التي تسمح للگلوتين، وهو هنا العامل البيئي، بالتسرب إلى خارج الأمعاء والتفاعل بحرية مع عناصر محسَّسة وراثيا في النظام المناعي. ويشير هذا الفهم بدوره إلى أن التخلص من أي عامل من ثلاثية العوامل المسببة للمناعة الذاتية ــ وهي العامل البيئي المُطْلِق أو التفاعل المناعي العالي السوية أو نفوذية الأمعاء ــ سيكون كافيا لإيقاف العملية المرضية.
لماذا يصعب استبدال القمح(**********) يعد الگلوتين السبب الرئيسي الذي يجعل المنتجات المخبوزة المصنوعة من القمح خفيفة الوزن ومهواة. فأثناء الخبز تحتجز طيقان الگلوتين الماء وغاز ثنائي أكسيد الكربون (الذي ينتج من الخمائر ومن العوامل الأخرى المسببة للتخمر)؛ فيتمدد. ولصناعة مخبوزات خالية من الگلوتين يضم الخبازون أنواعا متعددة من الدقيق (إلى جانب أنواع من النشا والمضافات)؛ وذلك لعدم وجود نوع واحد يشبه خصائص دقيق القمح، وهذا مايزيد من تكاليف المنتج النهائي. ويفسر أيضًا سبب صعوبة مجاراة الأطعمة الخالية من الگلوتين لنظائرها التي تحتوي على الگلوتين من حيث البنية والطعم. |
معالجات للإطاحة بالثلاثية(***********)
وكما سبق أن ذكرت من قبل، وكما تنبأت النظرية، فإن إزالة الگلوتين من الطعام ستؤدي إلى التئام الأذى الذي لحق بالأمعاء. إلا أن مما يؤسف له أن الالتزام بنظام غذائي حازم خالٍ من الگلوتين طيلة الحياة ليس بالأمر الهيِّن. فالگلوتين من المكونات الشائعة في النظام الغذائي للإنسان، ولا يعلن عنه في الملصقات التي توضح مكونات الطعام في الكثير من البلدان. ومما يفاقم من صعوبة الالتزام بالنظام الغذائي الخالي من الگلوتين أن المنتجات الخالية من الگلوتين لا تتوافر على نطاق واسع، وهي أغلى ثمنا من نظائرها التي تتضمن الگلوتين. وإضافة إلى ذلك، فإن الالتزام الصارم لمدة سنوات بأي نظام غذائي واحد لأسباب طبية يعد تحديا مضنيا. ولهذه الأسباب، فإن المعالجة بالنظام الغذائي هي حل ناقص.
ونتيجة لما سبق، فقد أُخِذَتْ بالاعتبار استراتيجيات علاجية بديلة متعددة يمكنها التخلص من عنصر واحد على الأقل من هذه العملية الثلاثية الخطوات. وقد ابتكرت شركة ألفاين Alvine للمستحضرات الصيدلانية في سان كارلوس بكاليفورنيا علاجات إنزيمية پروتينية فموية يمكنها تفكيك پپتيدات الگلوتين تفكيكا كاملا، وهي پپتيدات مقاومة للهضم في الحالة العادية، ولهذه الشركة دواء في مرحلة التجارب السريرية. ويبحث باحثون آخرون في طرق تثبيط الإنزيم TTC، بحيث لا تُحوَّر شدف (قِطَع) الگلوتين غير المهضومة تحويرا كيميائيا إلى شكل يجعلها ترتبط ارتباطا فعالا بالپروتينَيْن HLA-DQ8 و HLA-DQ2 .
حتى الآن، لم يستطع أحد ابتكار طرق مأمونة وأخلاقية لتحوير الجينات التي تجعل الناس أكثر استعدادا للإصابة بالمرض. إلا أن الباحثين مشغولون في تطوير علاجات قد تثبط بعض العوامل المضبوطة جينيا، والتي تسهم في فرط حساسية النظام المناعي. وعلى سبيل المثال، فإن الشركة الأسترالية نكس پپ nexpep تعمل على إعداد لقاح يعرِّض النظام المناعي لكميات ضئيلة من أشكال قوية الاستمناع (توليد المناعة) من الگلوتين، وذلك استنادا إلى النظرية التي تقول إن التعرضات المتكررة لكميات ضئيلة قد توصل إلى تحريض النظام المناعي على تحمل الگلوتين.
لاقت النظرية التي تقول بمساهمة الأمعاء التي تعاني التسرب في الداء CD وفي المناعة الذاتية بشكل عام ترحيبا مبدئيا مشوبا بالشك. |
مع الاستمرار بالانشغال بفكرة إحصار الخلل في الحاجز المعوي، قمت بالمشاركة في تأسيس شركة ألبا Alba للمستحضرات العلاجية، لاستقصاء قيمة أحد مثبطات الزنيولين الذي يُدعى لارازوتيد Larazotide. (وأنا أعمل الآن مستشارا علميا لشركة ألبا، وأملك حق التصرف بأسهم من الشركة، إلا أنني لم أعد أسهم في اتخاذ القرارات الخاصة بالشركة). وقد أجريت اختبارات على المثبط لارازوتيد في دراستين على البشر لتفحص السلامة والتحمل وعلامات الفعالية لدى المصابين بالداء CD الذين تناولوا الگلوتين. لقد كانتا دراستين ذواتي معايير ذهبية، فهما دراستان معشاتان، ذواتا شواهد وغُفْل placebo، فلم يعرف فيهما أيٌّ من القائمين على إعطاء الدواء ولا المرضى ممنْ تلقوا المعالجة أو تلقوا المادة الغُفْل حتى استكمال الدراسة.
[آليات المرض] القصة من الداخل(************) لا يعرف الباحثون التفاصيل الكاملة لكيفية إيقاع النظام المناعي الضرر ببطانة الأمعاء لدى المصابين بالداء CD، ولكنهم تعرفوا عددا من العمليات المحتملة (الأسفل). وتشير السهام الملونة إلى الأحداث التي قد يتم إحصارها بالتدخلات التي هي قيد البحث في الوقت الحاضر (انظر الجدول في الصفحة المقابلة). |
أظهرت الدراستان معا عدم وجود زيادة في التأثيرات الجانبية لدى المرضى الذين عولجوا بالمثبط لارازوتيد عما لدى الذين تناولوا الغفل. والأمر الأكثر أهمية أن الدراسة الأولى، الأصغر حجما، قد أظهرت أن الدواء ينقص كلا من خلل وظيفة الحاجز المعوي المحرض بالگلوتين، وإنتاج الجزيئات الالتهابية، والأعراض الهضمية لدى المصابين بالداء CD. فيما أظهرت الدراسة الثانية، الأكبر حجما، والتي عرضت في مؤتمر عقد في الشهر4/2009، أن المصابين بالداءCD الذين تلقوا الغفل قد أنتجوا أضدادا مضادة للإنزيم TTC، وبالمقابل, فإن المصابين الذين عولجوا بالدواء لم ينتجوا تلك الأضداد. وعلى مدى ما أعرف، تعتبر هذه النتيجة المرة الأولى التي يوقِف فيها دواء ما العمليةَ المناعيةَ الذاتيةَ، ويتدخل تدخلا نوعيا بالاستجابة المناعية تجاه جزيء خاص صنعه الجسم. أما الأدوية الأخرى التي تكبت الفعالية المناعية؛ فإنها تعمل بطريقة أقل نوعية. ومؤخرا، تلقت شركة ألبا موافقة من إدارة الدواء والغذاء الأمريكية على توسيع نطاق الدراسة حول المثبط لارازوتيد ليشمل اضطرابات مناعية أخرى منها الداء السكري من النمط 1 والداء كرون crohn’s disease.
[النظر إلى الأمام] أفكار حول المعالجة(*************) ليس لدى المصابين بالداء CD هذه الأيام سوى اختيار واحد للمعالجة: تجنب جميع الأطعمة التي تحتوي على الگلوتين. ونظرا لصعوبة اتباع نظام غذائي مقيد، فإن الباحثين يستقصون خيارات أخرى لمعالجة الداء CD، مثل الخيارات المدونة في الجدول التالي. ولا يزال الوقت مبكرا في مسيرة العمل. وحتى اليوم، ليس هناك دواء وصل إلى مرحلة الدراسة السريرية المتقدمة اللازمة للحصول على ترخيص التسويق.
|
إن هذه الآفاق الجديدة للمعالجة لا تعني أن المصابين بالداء CD يمكنهم الإفلات من قيود النظام الغذائية في وقت قريب. إلا أن من الممكن استخدام النظام الغذائي بطريقة جديدة. وتحت قيادة <C.كاتاسي> بدأ فريقي في جامعة مريلاند, دراسة طبية طويلة الأمد لاختبار فيما إذا كان بالإمكان تأخير ظهور أعراض الداء CD لدى الأطفال العالي الخطورة إذا ما تأخروا عن تناول الطعام الحاوي على الگلوتين حتى استكمال السنة الأولى من أعمارهم، أو حتى، أفضل من ذلك، تجنبه بشكل كامل. أما ما نقصده بعالي الخطورة؛ فهم الأطفال الذين لديهم استعداد وراثي، مع وجود قصة الإصابة بهذا الداء لدى أقربائهم المباشرين.
نحن نظن أن هذا الأسلوب قد ينجح؛ لأن النظام المناعي ينضج نضجا واضحا في الأشهر الاثني عشر الأولى من الحياة؛ ولأن الأبحاث حول الأطفال المؤهبين للإصابة بالداء CD أشارت إلى أن تجنب الگلوتين لديهم خلال السنة الأولى من حياتهم، قد يدرب جهازهم المناعي، الآخذ بالتطور، على تَحمّل الگلوتين فيما بعد، شأنهم في ذلك شأن الأشخاص الأسوياء، بدلا من أن يؤدي إلى فرط تنبيهه. وحتى الوقت الحاضر، أدرجنا في هذه الدراسة 700 طفل ممن يحتمل أن يكون لديهم استعداد وراثي للإصابة بالداء CD، وتشير الموجودات البدئية إلى أن تأخير التعرض للگلوتين ينقص من احتمال تطور الداء CD لديهم بمقدار أربعة أضعاف. ومع ذلك، ستمر عقود حتى نصبح متأكدين فيما إذا كان بإمكان هذه الاستراتيجية أن توقف الداء وتمنعه من الحدوث أصلا.
ونظرا لوجود أرضية مشتركة بشكل واضح بين الاضطرابات المناعية الذاتية بشكل عام، فإن الباحثين الذين يستقصون هذه الحالات تواقون إلى معرفة فيما إذا كانت بعض الاستراتيجيات العلاجية للداء CD قد تشفي الحالات المناعية الذاتية الأخرى، والتي تفتقد معالجات جيدة في الوقت الحاضر. وبوجود أساليب علاجية مختلفة قيد الإعداد في الوقت الحاضر لمعالجة الداء CD، يمكننا البدء بالأمل بأن هذا الداء الذي لازم البشر منذ فجر الحضارة سيواجه القرن الأخير من حياته على هذه الأرض.
المؤلف
Alessio Fasano | |
أستاذ طب الأطفال والطب والفسيولوجيا، ومدير مركز الأبحاث حول بيولوجيا الطبقة المخاطية ومركز الأبحاث حول الداء CD في كلية الطب بجامعة مريلاند. ويركِّز الكثير من أبحاثه الأساسية والسريرية على دور نفوذية الأمعاء في تطور الداء CD وغيره من الاضطرابات المناعية الذاتية. |
مراجع للاستزادة
Mechanism of Disease: The Role of Intestial Barrier Function in the Pathogensis if Gastrion-testinal Automimmune Diseases.
Alessio Fasano and Terez Shea-Donohue in Nature Clinical Pratice Gastroneterlogy & Hepatology Vol. 2 No. 9 Pages 416-422; September 2005.
Diagnosis and Treatment of Celiac Disease.
L. M. Sollid and K. E. A. Lun-din in mucosal Immunology, Vol. 2, No. 1, Pages 3-7 January 2009.
(*) Surprises from Celiac Disease
(**) Early Insights
(***) A Diagnostic Discovery.
(****) From Gluten to Immune Dysfunction.
(*****) Normal Digestion.
(******) Guilt by Association.
(*******)A Trio of Causes.
(********) Finding the Leak
(*********) A Clue to Delayed Onset.
(**********)Why Replacing Wheat Is Hard
(***********)Therapies to Topple the Trinity
(************)THE INSIDE STORY
(*************)TREATMENT IDEAS
(1) celiac disease
(2)tissue transglutaminase
(3)histocompatibility leukocyte antigens
(4)Zonula occludens toxin.