أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةبيولوجيا

إيقاف أكثر الطفيليات نشرا للموت في العالم


إيقاف أكثر الطفيليات نشرا للموت في العالم(*)

لقاح جديد للملاريا، وخطة لتمنيع البعوض وغيرها

من الأفكار «المجنونة» جعلت قهر هذا القاتل فكرة ساطعة.

.M> كارميكائيل>

 

 

باختصار

   واجهت اللقاحات المضادة للملاريـا إخفاقات متكررة. وقد أحيت الأساليب التقانية الحديثة دفعة جديدة لعامل سيمكّن توفير المناعة مدى الحياة.

   وقريبا ستنتهي المراحل الأخيرة من التجارب السريرية على لقاح كان تحت التطوير منذ ثمانينات القرن العشرين. ويمكن لهذا اللقاح أن ينقص عدد حالات الشكل الأكثر إماتة من الملاريا بمقدار النصف.

   وحتى أثناء تقدم هذا العمل، فإن الباحثين يواصلون التقدم بالعمل على استراتيجيات أخرى للقاحات جديدة، مثل نوع مُضْعَف من الطفيلي يتم تكثيره في البعوض.

   ونظرا للصعوبة البالغة في مكافحة الملاريا، ينبغي على الباحثين أن يعدِّلوا توقعاتهم المبالَغ فيها ليحتفظوا بالآمال، فلا تتحطم عندما يفشل لقاح آخر محتمل جديد.

 

 

في الوقت الحالي، وفي مكان ما من العالم، وربما في أحد أطباق الاختبار «پتري» في بالتيمور، أو في الغدد اللعابية لبعوضة استقرت في أحد المختبرات في سياتل، أو في مجرى الدم في جسم أحد القرويين في غانا، يوجد مركب كيميائي قد يساعد على إبادة أكبر قاتل في تاريخ البشرية. يوجد لدى العلماء في المختبرات العديد من اللقاحات الواعدة المرشَّحة، ولأول مرة يصل أحدها إلى مرحلة متقدمة من التجارب السريرية على البشر. وإذا كان هو أو غيره من اللقاحات المرشَّحة فعَّالا، ولو جزئيا في البشر، فقد يستطيع إنقاذ أرواح ملايين الأطفال والنساء الحوامل. وعندها سيكون اللقاح الوحيد الذي أمكن تطويره ضد طفيلي يصيب الإنسان، وهو إنجاز على مستوى جائزة نوبل. وسيكون من الممكن توزيع الجيل الأول منه في إفريقيا في وقت قريب مثل 2015.

 

ويقول <J.كوهين>، وهو عالم يقود بعضا من أكثر الأبحاث إثارة للأمل: «إذا سارت الأمور على مايرام، فبعد خمس سنوات من اليوم، سيكون اللقاح قد بدأ استخدامه على نطاق واسع في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12أسبوعا من العمر». ويتابع القول: «إنه إنجاز عظيم، ونحن فخورون به.» إنها لحظة غير عادية في أبحاث لقاح الملاريا، وإذا كانت كذلك، فلماذا لا تتغنَّى به <R.رابينوڤيتش> بفخر واعتزاز؟

 

و<رابينوڤيتش> هي امرأة مدهشة ذات شعر داكن، وحاصلة على بكالوريوس الطب وماجستير الصحة العامة، وسيرتها الذاتية تتضمن شغلها منصب مديرة مبادرة پاث path للقاح المضاد للملاريا، فضلا عن وظيفتها الحالية كرئيسة لبرنامج الأمراض المعدية في مؤسسة بيل وميليندا گيتس. ولكن ما أن تسألها عن التقدم الذي أحرزه العلماء في العشرين عاما الماضية حتى تكف عن الكلام.

 

تدير<رابينوڤيتش> واحدا من أكبر برامج الأبحاث والتطوير للقاح مضاد للملاريا في العالم، ولكنها عندما تتكلم لا تزيد على قولها «ثمة أمور في طريقها للظهور». ولأنها تحت ضغط هذه الأمور، فإنها تحذر من بعض هذه الأمور، (خصوصا تلك الأمور التي ما تزال في مراحلها المبكرة)، فهي تقول «إنها أمور لابد لها من أن تفطر قلبك». ويبدو أن اجتهادها في الحذر له ما يبرره، فعلى الرغم من جميع التحـديــات التي تغلّب عليها الباحثون، فإن هناك تحديا جديدا يلوح في الأفق الآن. فبينما يقترب الباحثون أكثر من أي وقت مضى من أول لقاح مضاد للمرض، ينبغي عليهم أن يَحُولوا دون تلاشي آمالهم.

 

لقد تعودت مجتمعات الملاريا على مرورها بدورات من الإثارة ومن اليأس وتحطُّم القلوب. ففي ستينات القرن العشرين كانت هناك حملة ضخمة قضت على المرض من مناطق عديدة من العالم وخفضت أعداد المرضى تخفيضا كبيرا في المناطق الأخرى. ولكن هذا النجاح آل في آخر المطاف إلى نهايته، وعندما أصبحنا نفهم الملاريا على أنها خطر آخذ بالتضاؤل، مالت الوكالات العالمية إلى المهاودة، فوجدت أن سلاحها الرئيسي (المادة الكيميائية DDT) سام للطيور، فتخلُّوا عن مجهوداتهم بشكل كبير، فازدادت أعداد المصابين بالملاريا بتواتر أكثر سرعة مما كانت عليه من قبل. وعندها ترك الباحثون المجال، وآلت الأبحاث حول اللقاح إلى الركود.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_029_b.jpg
الحمولة المميتة: بعوضة الأنوفيل Anophele تحمل طفيلي الملاريا المسؤول عن إحداث المرض لدى الكثيرين من سكان المناطق المدارية وقتلهم.

 

لقد كان أمرا مُذْهِلا، ومُخْجِلا، أن أُهملت الملاريا لوقت طويل من قبل المُمَوِّلين، ومن ثم من قبل العلماء الذين لم يستطيعوا أن يحصلوا على مِنَح لدراستها.

 

ومن ناحية أخرى، فإنه من السهل أن نتبين لماذا فقد الناس الأمل. فعلى الرغم من كل شيء كانت الملاريا كائنا يصعب مكافحته، فدورة حياتها الطفيلية معقَّدة، فهي تبدأ في الغدد اللعابية للبعوضة، وتنتقل إلى مجرى الدم في الإنسان، ثم تنتقل إلى كبد الإنسان، لتصل بذلك إلى درجة من البلوغ، ثم ترجع إلى مجرى الدم في الإنسان، وأخيرا تنتقل عائدة إلى جسم بعوضة جديدة، ولم تكن هذه الدورة مفهومة بشكل جيد حتى وقت قريب. وقد قامت مجموعة صغيرة من الباحثين في شركة گلاكسوسميث كلاين(1) (GSK) بمحاولة جادة لبدء زخم قوي لإنتاج لقاح في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، وذلك بالعمل على پروتين من سطح سلالة طفيلي المتصورة المنجلية plasmodiumfalciparum الشائعة والمميتة، غير أن هذه المحاولة الأولى فشلت، وواصل  الطفيلي فتكه بمليون شخص كل عام.

 

ولا يمكن أن تكون الظروف اليوم أكثر اختلافا عما كانت عليه آنذاك، إلا أنه بفضل سلسلة من الابتكارات، وحقن مبالغ نقدية هائلة (وأغلبها من مؤسسة گيتس التي منحت 4.5 بليون دولار لتطوير اللقاح منذ عام 1994، ثم رفعت الدعم منذ وقت قريب ليصل إلى 10 بلايين دولار للسنوات العشر المقبلة)، فإن العشرات من المشاريع المتعلقة بلقاح الملاريا تمضي في طريقها، مع أن أغلبيتها لا تزال في مراحلها الأولى. واستمر علماء الشركة GSK بإعادة ابتكار اللقاح المحتمل الذي بدأ في الثمانينات حتى حصلوا على لقاح واعد أكثر، وقد وصل الآن مراحل متأخرة من التجارب على البشر، وثبت أنه آمن، ويتم الآن اختباره في سلسلة ضخمة من التجارب السريرية العشوائية في 11  موقعا في  إفريقيا، حيث ستحقن مجموعة من الناس باللقاح، وتحقن مجموعة أخرى بلقاح غفل(2) placebo فقط. وهذا اللقاح هو الوحيد الذي وصل إلى هذا المدى على الإطلاق، غير أن الاختبارات السريرية المبدئية تتقدم على لقاحات مرشحة أخرى.

 

ويمارس بعض الباحثين استراتيجيات غير تقليدية في المرحلة 1 (والتي تتضمن غالبا اختبارات السلامة): فيزرعون طفيليات مضعَفََة وراثيا داخل أجسام البعوض، ثم يستخلصون بالتشريح هذه الكائنات من داخل الغدد اللعابية ليشكلوا منها لقاحا. وثمة فئة ثالثة من اللقاحات قد تستخدم في تمنيع البعوض الذي ينقل طفيلي الملاريا إلى ضحاياها من البشر، وذلك باستخدام أجسام البشر في توصيل الأضداد antibodies. ويقول <R.دينگلازان> أحد الرواد في هذه المقاربة: «إننا نتكلم عن استخدام البشر في تمنيع الحشرات تمنيعا غير فاعلٍ، وهي فكرة فيها قدر من الجنون».

 

وطبعا إنه «جنون»، ولكنه ربما يتحول إلى شيء «مبتكر»، إذا أعطيت الفكرة وقتا كافيا، وقدرا من الحظ والعمل الشاق. ولكن بالنسبة إلى أي من هذه اللقاحات المرشَّحة (أو للقاحات الأخرى العديدة التي لاتزال في مراحل تطويرها المبكرة)، ولكي تنجح، فإن عليها أن تجتاز العديد من التحديات أولا. لقد جاء الوقت لمواجهة تلك التحديات، تقول <رابينوڤيتش>: «إنك لن تحقق أي تقدم إذا ما دفنت رأسك في الرمال».

 

 

عصر جديد

ثلاث استراتيجيات واعدة للقاح(**)

   طيلة عقود طويلة حاول مجتمع الصحة العامة أن يبتكر لقاحا يستطيع أن يضفي مناعة تستمر العمر بكامله ضد طفيلي الملاريا، ويساعد على إبادة المرض، غير أن الجهد كان دائما يؤول إلى الفشل. فدورة حياة الطفيلي المعقدة تجعل معرفة أفضل طريقة لتخليق لقاح فعال تحديا، غير أن توافر ميزانية جديدة، وانهمار فيض من الأفكار الابتكارية قد أدى إلى تغيير طريقة النظر إلى هذا الأمر بشكل مفاجئ في السنوات الحالية. فللمرة الأولى، يصل لقاحٌ للمرحلة الأخيرة من التجارب السريرية، وتوجد عشرات من الأفكار الأخرى في مرحلة مبكرة من التطوير. ويُظهر هذا الشكل ثلاث مقاربات مختلفة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_030.jpg
إحْصار السراية(3)

   إن إعطاء اللقاح لشخص ما يؤدي إلى إنتاج الأضداد التي تمر إلى أمعاء بعوضة صائمة، حيث تمنع هذه الأضداد الطفيلي من التفاعل مع الإنزيم الذي يحتاج إليه الطفيلي للبقاء حيًا. وفي المرة التالية التي تلسع فيها البعوضة شخصا آخر، فلن يكون لديها طفيليات ملاريا لتنقلها إليه.

تكثير طفيليات ضعيفة

   لعمل لقاح جديد يأخذ الباحثون عادة عاملا مسببا للمرض، ويضعفونه بشكل ما، ثم يحقنون أجزاء من ذلك المتعضي organism في البشر، لإحداث تفاعل مناعي لديهم. وإحدى الشركات (وهي شركة بيوميد في سياتل) تستخدم هذه المقاربة على الوجه الأكمل تماما، فتشعِّع الطفيليات في مرحلة الحيوانات البوغية sporozoites لمنعها من النضوج، ثم تحقن شُدف الطفيلي في المرضى. وفي المراحل المبكرة من التجارب التي أجريت على البشر حقق هذا اللقاح وقاية مناعية بنسبة100%  ضد الملاريا.

تعزيز لقاح تقليدي

   دخل لقاح من الشركة GSK ضد المتصورة المنجلية PlasmodiumFalciparum (وهي سلالة مميتة من الطفيلي) مرحلة متأخرة من التجارب السريرية. وكانت النسخة الأقدم من اللقاح قد أخفقت في التجارب السريرية، وذلك بإعادة تشكيلها مع مادة كيميائية مساعدة، تعزز الاستجابة المناعية. ويبدو أن النسخة الأحدث تقلل من فرص إصابة الشخص في الإصابة بالصورة الشديدة من المرض إلى النصف، ولم يسبق للقاح للملاريا أن وصل إلى هذا القدر من التوافر التجاري على صعيد الإحصائيات.

 

 

 

رسم خريطة الملاريا

أين تكمن الأخطار(***)

   ينبغي أن تستهدف الحملة العالمية لمكافحة الملاريا التي تعتمد على اللقاحات لاستئصال المرض أو تقليل حدوثه السكان الذين يواجهون الخطر الأكبر. ولتحديث المعلومات الوبائية التي صارت منتهية الصلاحية من عقود كثيرة، فإن مشروع خريطة الملاريا، وهو تعاون ما بين جامعة أكسفورد ومعهد الأبحاث الطبية الكيني والصندوق الائتماني للشركة Wellcome Trust، جمّع آلاف التقارير المحلية عن انتشار الطفيلي لتقدير مدى خطر الإصابة بالمرض. والخرائط (في الأسفل) تبين المناطق الأكثر تعرضا للنمط الأكثر إماتة من الطفيلي، وهو المتصورة المنجلية. (أما المتصورة النشيطة، فهي أخف وطأة بصورة عامة ولكنها قادرة مع ذلك على إحداث مرض شديد، كا أن الطفيلي أكثر انتشارا ويصيب 2,85  بليون إنسان). ومقاييس الخطر مُسْتَمَدَّة من النسبة المئوية للأشخاص الذين يحملون الطفيلي، بغض النظر عن كونهم أو عدم كونهم مرضى بالفعل.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_032.jpg

 

نعم، إنه يعمل، ولكن ما مدى جودته؟(****)

 

واللقاح المرشَّح الذي أنتجته الشركة GSK، والمسمى RTS,S لايزال يعتمد على الپروتين نفسه من پروتينات المتصورة المنجلية، كما كان الأمر عليه من قبل، ولكن أصبح له الآن مساعد. ولو سارت الأمور كما كان يودّ الباحثون في الثمانينات، فإن الپروتين المعروف بمحيط البوائغ circumsporozoite أو الپروتينCS، كان قادرا على العمل بمفرده كمستضدّ antigen، وهو الجزء من اللقاح الذي يحفِّز الجملة المناعية على إنتاج أضداد، أو على غيرها من الاستجابات المناعية، والتي تحاول قتل الطفيلي. وقد نجحت هذه المقاربة مع اللقاح المضاد لالتهاب الكبد B الذي تمّ تركيبه بصورة مماثلة، غير أن الجملة المناعية لم تتفاعل مع الپروتين CS، كما كانوا يخططون، فعكف الباحثون 20  عاما على  مهمة إعادة تشكيل اللقاح. ولكي يستثير الباحثون الجسم استثارة تكفي لإنتاج استجابة قوية، كان عليهم أولا تجميع الكثير من نسخ الپروتين على سقالة كيميائية، بُغْيَة إثارة إنتاج كمية كافية من الأضداد. «كانت الفكرة هي أن نجعل اللقاح أكثر شبها بالعامل الحقيقي المسبب للمرض» بحسب قول <كوهين> من الشركة GSK، الذي ترأس العمل على اللقاح RTS,S.

 

وقد استجاب الجسم بقوة أكبر لهذا التشكيل الجديد، ولكنه ليس بالقوة الكافية لإنتاج حماية حقيقية من المرض، (وهي مشكلة شائعة لدى العديد من اللقاحات المرشَّحة لكل أنواع الأمراض). إن تحفيز المزيد من الاستجابة يتطلب إحراز اختراق من نوع آخر، فبعد 15 عاما نجح الباحثون في إضافة مادة كيميائية تزيد من أعداد الخلايا البائية التي تنتج الأضداد، وهذه المادة المساعدة ترتبط أيضا بالخلايا التائية التي تؤدي العديد من الأدوار المهمة للمحافظة على دفاعات الجسم ضد المرض.

 

ويحقِن الباحثون هذه التشكيلة الجديدة في اختبار المراحل النهائية المتأخرة، مُشكلة أضخم اختبار أُجري على الإطلاق للقاح مضاد للملاريا. والمجموعة المستهدفة هي 16000  طفل (تتراوح أعمار بعضهم ما بين 6 إلى 12أسبوعا، والبعض الآخر أكبر قليلا من ذلك، فأعمارهم ما بين 5 إلى 17 شهرا)، وقد بدؤوا بتلقي لقاحاتهم. وبانتهاء الشهر 12/2010  يكون الباحثون قد استكملوا جميع الحقن، وسوف تتراكم النتائج خلال منتصف العام الحالي. وإذا ما بدت هذه البيانات ونتائج المتابعة واعدة، فإن الوقت يكون قد حان لأن نرى «تأثير اللقاح في الحياة الواقعية» كما يقول <C.لوك> [المدير الحالي لمبادرة Path للقاح المضاد للملاريا].

 

وهذا التأثير قد يكون هائلا، فينقذ مئات الآلاف من الأرواح كل عام، هذا إذا وُزِّع اللقاح على نطاق واسع. ولكنْ ثمة عقبتان ماثلتان، العقبة الأولى هي تكلفة اللقاح. فمجمل تكاليف تطوير اللقاح RTS,S ثم تجهيزه للتوزيع في الأسواق ستكون في النهاية مئات الملايين من الدولارات، ومن ثم فقد يكون باهظ الثمن جدا للاستخدام العملي في البلاد النامية. غير أن الشركة GSK قالت إنها ستجعل الثمن منخفضا جدا، بهامش ربح ضئيل، هو 5%، وهي تأمل بأن المؤسسات والمنظَّمات الدولية مثل اليونيسف والتحالف العالمي للقاحات والتمنيع ستشتري اللقاح وتوزعه على البلاد النامية في إفريقيا، وهي البلدان الأكثر حاجة إلى اللقاح.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_033.jpg
الصحة العامة أولا: تقوم الشركة GSK بتلقيح الأطفال في إفريقيا في المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية.

 

أما العقبة الثانية فهي أنه من المحتمل أن لا ينجح اللقاح RTS,S في عمله، شأنه في ذلك شأن غيره من اللقاحات المضادة للأمراض الأخرى، والتي ينبغي أن تكون فعّالة بنسبة 80% قبل إجازتها للاستخدام على نطاق واسع، وحتى الآن، فإن أفضل نتائج المرحلة II توحي بأن اللقاح RTS,S  يخفض حالات الملاريا حتى النصف، ومعظم اللقاحات التي لها مثل هذه البيانات الإحصائية لايمكن اعتبارها فعّالة بالقدر الكافي للاستخدام على نطاق واسع. غير أن الملاريا قاتل له قَدَرُهُ، واللقاح يتقدم على سائر اللقاحات المرشحة، بحيث تبدو هذه النسبة المئوية، وهي 50 في المئة، في الواقع رائعة جدا، لأنها تعني إنقاذ أرواح 500000  شخص كل سنة.

 

وأصغر الأطفال عمراً هم الأكثر عرضة للإصابة بالملاريا الشديدة، فما لديهم من حماية طبيعية ضد المرض قليلة، وهم في ذلك ليسوا كغيرهم من الضحايا الذين يكتسبون قدرا من الحماية نتيجة تكرار العدوى بها، ومن ثم يميل المَرَضُ إلى أن يكون أخف وطأة مع تقدمهم في العمر. وبسبب غياب الحماية لدى الأطفال، فقد تلازمهم حالات العجز والإعاقة طوال حياتهم. أما إذا أصيب بعض صغار الأطفال بعد تلقيهم اللقاح، فإنهم يصابون بحالات أقل شدة وليست مميتة.

 

وقد قامت منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف، بالفعل، بتمنيع الرضَّع ضد أمراض أخرى مثل شلل الأطفال والخُنَاق تقريبا في حدود هذا العمر المبكر (3 أشهر تزيد أو تنقص قليلا)، وهذا يعني، في الأوضاع المثالية، أن هذه الأعمار تلائم التفاعل مع اللقاح RTS,S. ويقول <كوهين>: «ونحن نرغب في أن يُدمج لقاح الملاريا ضمن نظام توصيل اللقاحات الأخرى، فبإمكاننا أن نستفيد من حقيقة أن نظام التوصيل هذا يُعطي لقاحات أخرى». وهذه البنية التحتية المُدْمَجَة ضمن نظام التوصيل بإمكانها أن تسرِّع عملية انتقال اللقاح من منصات الإنتاج إلى جوار الأسرّة الطبية وأماكن حقن اللقاح، وهذا قد يعني أن تكلفة الحقن ستكون قليلة جدا، لأنه سيكون بإمكاننا أن نتخطى إنشاء شبكات جديدة للتوصيل. ومع ذلك، يضيف <كوهين>: «ينبغي علينا أن نتأكد من أن الاستعداد قد تم على الأرض، فالأمر لن يكون مسألة عارضة».كما أنه ليس واضحا حتى الآن عدد المرات التي سيتعين على هؤلاء الأطفال أن يعودوا إلى العيادات ليحصلوا على الحقن المنشطة.

 

وثمة عوائق أخرى تعترض مسيرة اللقاح، أولها أن اللقاح RTS,S مصمم  للعمل ضد السلالات الإفريقية من المتصورة المنجلية وليس غيرها من السلالات التي تسري عدواها في سائر أنحاء الكرة الأرضية، وثانيها أن نسبة 50% من الكفاءة الإحصائية لايمكن أن تعني أن اللقاح بمفرده سيكون بإمكانه التخلص من الملاريا، علما بأن التخلص من المرض هو الأساس المنطقي السليم وراء تطوير أي لقاح في المقام الأول.

 

ولاستخدام اللقاح RTS,S للتخلص من المرض، سيتعين على الباحثين إعادة تركيب اللقاح، مرة أخرى، أو عوضا عن ذلك إعطائه جنبا إلى جنب مع مركب آخر. ويفكر علماء الشركة GSK حاليا في أسلوب أو مقاربة «التعزيز الرئيسي»  (وهي استراتيجية المرحلتين التي أبدت بعض ملامح الفعالية في التجارب المبكرة لـِ ڤيروس عوز (نقص) المناعة البشرية المكتسب HIV) وذلك بتكرارهم للقاح RTS,S. وكلا الذراعين «الرئيسي» و«التعزيز» لهذا اللقاح الجديد يقدم الپروتين CS  للجسم، ولكن بطرق مختلفة، وربما أنتج ذلك استجابة مناعية أقوى، وعلى أقل تقدير، فهذا ما ذهب إليه التفكير. ولكن البحث أجري على حيوانات المختبر فقط حتى الآن، وإذا استغرقت هذه المحاولة الجديدة لتقييم اللقاح RTS,S المدة ذاتها التي استغرقتها المحاولة السابقة، فقد يعني ذلك  15سنة قبل الوصول إلى نسخة معدلة فعالة تماما من اللقاح RTS,S تكون ركيزة من ركائز الصحة العامة. ويتساءل <كوهين>: «وخلال هذه الفترة من يدري ما الذي سيكتشفه العلماء؟»

 

الخطة B

بدائل اللقاحات(*****)

   ربما لا ينجح اللقاح المضاد للملاريا في العمل، فالباحثون لم ينجحوا أبدا في إيجاد لقاح بشري ناجح ضد الطفيليات من أي نوع. لذلك، فإن مؤسسة الصحة العامة تتابع باستمرار طيفا من المقاربات البديلة جنبا إلى جنب مع تطوير اللقاح. ولسوء الحظ، فإن جميع هذه المقاربات (سواء الناموسيات أو الأدوية الوقائية) لا تمنح وقاية تستمر طويلا ضد الطفيليات.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_034_a.jpg
DDT (مادة كيميائية محظورة) تسترد مكانتها داخل البيوت حيث تسبب ضررًا أقل الضرر. إنها تخلص البيوت من البعوض دون أن تسبب دمارا للبيئة.
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_034_b.jpg
الناموسيات التي تصد البعوض تمثل حلا جذابا بسبب رخص ثمنها وبساطتها وكفاءتها الثابتة في إنقاص معدلات حدوث المرض.
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_034_c.jpg
يرقة البعوضة (في التجارب) بعد أن تمت هندستها engineered لمنع نقل الطفيلي، فإذا ما تفوقت هذه الحشرات في المنافسة مع غيرها من البعوض الآخر، فقد تتلاشى الملاريا من المشهد.

 

البعوض كمختبرات حية(******)

 

وقبل وقت قليل من تلقيك اللقاح RTS,S لتكون من بين المحظوظين الذين ينجح اللقاح في عمله لديهم، وتصل نسبتهم 50%، فإن هناك طريقة أخرى ثبتت كفاءتها تجعلك مُمَنَّعا immune ضد الملاريا من دون الإصابة بالمرض فعلا، فعليك أولا أن تجد سربا من البعوض الذي يحمل طفيليات ضعيفة تالفة جينيا، من ثم أن تَدَعَ 1000 بعوضة أو أكثر منها تلسعك. وعندها ستبحر الطفيليات في مجرى دمك لتصل إلى داخل كبدك، ولكنها بدلا من أن تتطور إلى طورها البالغ كما تفعل عادة، فإنها تعلق هناك وتموت، إذ ستعجز عن تجاوز مرحلة اليفع إلى مرحلة النضج. وفي أثناء ذلك، فإن جسمك سيصنّع أضدادا ضدها، وستكون مهيأ لذلك طيلة الحياة. وقد اكتشف الباحثون في البحرية الأمريكية هذه الظاهرة في سبعينات القرن الماضي، وبعد ذلك بعقدين التقط العلماء هذه الظاهرة وانطلقوا بها. ويدير اثنان من العلمـــاء هما <H.S.كاپي> [من شركــــة بيوميد في سياتل] و<L.S.هوفمان> [المدير التنفيذي لشركة ساناريا في روكڤيل بولاية ميريلاند] مختبرين لاستكثار البعوض، حيث يجلس الفنيون الذين يلبسون القفازات طوال اليوم لاستخلاص الطفيليات المُضْعَفة من الغدد اللعابية للبعوض، وسحقها لتحويلها إلى محلول قد يكون مناسبا ليكون لقاحا.

 

ويمكن للباحثين أن يتلفوا دنا طفيلي الملاريا قبل زراعة المتعضيات الميكروية microorganism  في أجسام البعوض بطريقتين مختلفتين. والمقاربة التي تتبعها شركة بيوميد في سياتل تتسم بالدقة، إذ إنها تقتصر على حذف الجينات التي تساعد الطفيلي على النضج بعد مرحلة اليفع في كبد الإنسان، ومن دون تلك الجينات لن يتطور الطفيلي أكثر. ويقـول <كاپي> «بمقــدور الطفيـلي الدخــول إلى الكبــد، ولكنــه لا يستطيع المغادرة».

 

وحاليا يحذف فريق <كاپي> جينين فقط، وهما الجينان اللذان يساعدان الطفيلي على بناء غشاء حوله، وذلك وقت إقامته ضمن خلايا الكبد. ويبدو أن هذا الغشاء يحول دون إدراك خلايا الكبد، بطريقة ما، أنها مصابة بالعدوى. فالطفيليات التي ليس لديها أغشية تدفع خلايا الكبد سريعا إلى الانتحار، بدلا من أن تؤدي دور الضيافة للطفيلي. وقد أعطى فريق <كاپي> اللقاح المضاد للطفيلي الذي أعده الفريق إلى مئات الفئران، ومن بينها بعض الفئران المعدَّلة وراثيا لتَحْمِل خلايا كبد بشرية، فأكسبها وقاية بنسبة 10000  ضد الملاريا. ولم يكن هناك تلف في الكبد أثناء هذه العملية. فالبــاحثون يدخــلون مــا يقرب من10000  طفيلي فقط في الجسم، وهذا العدد وإن تمكَّن كل أفراده من الوصول إلى الكبد، فإن العدد الأقصى الذي سيفقده الكبد من الخلايا سيكون ضئيلا جدا مقارنة بملايين الخلايا التي تشكل هذا العضو، والتي يمكنها أيضا أن تتجدَّد.

 

لقاح يحمي البعوض وليس البشر (ليس مباشرة على الأقل)، يتحدى مفاهيم الصحة العامة التقليدية عن كيفية منح مناعةimmunity واسعة النطاق ضد مرض رئيسي.

 

وفي ربيع عام 2010، وكجزء من تجربة سريرية في مراحلها المبكرة، فإن 20شخصا ممن تلقُّوا جرعات متعددة من اللقاح سوف يشمِّرون عن سواعدهم ليقدمها كلٌّ منهم لخمس بعوضات جميعها مصاب بالعدوى، بما أسماه <كاپي> «ملاريا حقيقية»، وهي ملاريا سببتها سلالة ربما تتطلب علاجا إذا ما دخلت إلى الجسم، ثم سيواصلون حياتهم اليومية لمدة أسبوع، ثم سوف يستضافون في فندق في اليوم السابع ليتم فحصهم بدقة من قبل فريق طبي. فإذا ما وُجِد أنهم كانوا خالين من الملاريا بحسب قول<كاپي>، فإن الفريق سيعتبر ذلك مؤشرا إلى أن اللقاح قد نجح. أما إذا كان الطفيلي موجودا في مجرى الدم عندهم بدلا من ذلك، فإن الباحثين سيزيلونه بإعطاء أدوية مضادة للملاريا. «إنها أداة قوية جدا أن تتمكن من نقل الملاريا فعلا للبشر» كما يقول <كاپي>، « إنه نموذج فريد جدا من نوعه، فمن البديهي أنه ليس بإمكانك أن تفعل الشيء نفسه مع الڤيروس HIV أو أي عامل آخر مسبب للمرض يكون غير قابل للعلاج، إذ إننا في أسوأ صور السيناريو (أي عندما يصاب المرضى بالعدوى) نستطيع أن نعالجهم، أما مدى استعداد الناس للمشاركة في هذه الدراسة فهو أمر مدهش، فهم ليسوا فزعين على الإطلاق».

 

أما الطريقة الأخرى لتحطيم دنا الطفيل وجعله مادة آمنة تستخدم في اللقاح، فهي الطريقة ذات الطراز القديم، بتعريضه للإشعاع. وهي المقاربة التي اعتمدتها شركة ساناريا، وهي شركة هوفمان للتقانة البيولوجية، وقد يكون لهذه المقاربات مميزات، كما يقول، لأن الإشعاع يشوش الكود الجيني في عدد من المواقع يزيد بكثير على الموقعين، وقد تكون هذه هي الطريقة الأكثر أمنا وكمالا للتأكد من أن الطفيلي لن يكون قادرا على التكاثر عندما يصل إلى الكبد. إلا أن <هوفمان> غير مقتنع بأن الإشعاع يستطيع أن يتفوق في القضاء على الجينات النوعية المستهدفة، وهو يجري تجارب بالطريقة الأخيرة أيضا، ولن يستطيع أن يعرف أيهما أفضل حتى يتم «اختبار تجريبي» لكلتا الطريقتين، كما يقول، «فليس هناك بديل عن ذلك».

 

ويعرف <هوفمان> قيمة الاختبار التجريبي جيدا، ففي صيف عام 2009، وعند إجراء تجارب المرحلة I حول لقاح الحيوانات البوغية المشعَّعة، حصل  <هوفمان> على التحقق الواقعي. فقد أعطت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إشارة الموافقة لشركة ساناريا لإجراء تجربة على 100 شخص. وفي الوقت الذي تلقى فيه <هوفمان> الموافقة، كان يعتقد أن البعوضة تحقن ما بين 5 إلى 10طفيليات، فأسس قوة جرعاته على هذا الرقم. وبعد ذلك فقط تبين للعلماء أن البعوضة تحقن كمية أكبر بكثير من الطفيليات عندما تلسع الإنسان، وهي كمية يعبر عنها برقم يتراوح ما بين 300 إلى 500. «إن الذي يعنيه كل ذلك هو أنه في الوقت الذي دخلنا فيه التجربة كانت جرعتنا تقريبا تعادل عُشر الجرعة المطلوبة»، كما يقول <هوفمان>: «وقد تبيَّن لنا ذلك في منتصف التجربة، وليس بمقدورك في الحقيقة أن تغير تصميمك للاختبار عند هذه النقطة». وحتى تلك الجرعات المنخفضة جدا، فإنها قد أعطت بعض الوقاية ضد الملاريا، كما يقول <هوفمان>، ولكنها لم تكن فعالة بنفس قدر فعالية اللقاح RTS,S.

 

ومثل <رابينوڤيتش>، فإن<هوفمان> لايزال واقعيا، فبعد أن أصيب بالإحباط لبعض الوقت، تحدَّث إلى خبراء التلقيح والتقانة البيولوجية المخضرمين، فاستجابوا له جميعا بحماس، وقالوا لـ<هوفمان>: «إن ما فعلتَه أمر خيالي، هل كنت تعتقد أنك ساحر، وبإمكانك أن تدخل وتضع المادة التي طورتها في البشر وتخرج بنتيجة 100% وقاية؟ إن ذلك الأمر لا يحدث في الحياة الحقيقية». ويأمل >هوفمان< بأن يبدأ تجربة جديدة في المرحلة I، وقد زاد تركيز الطفيليات في لقاحه، كما غَيَّر الطريقة التي كان يقدمه بها.

 

«الناموسية المناعية»(*******)

 

إذا ما ثبت أن تمنيع البشر ضد الملاريا أمر صعب جدا، فماذا عن الكائن الثالث في ذلك الثالوث غير المقدس، ونعني البعوضة؟ إذ ينبغي على أي لقاح أن يكسر حلقة السراية، وحتى الآن فإن إهمالا كبيرا يحيق بإحدى خطوات الحلقة، وهي الخطوة التي تبدأ عندما تلسع البعوضة آدميا، فيلتقط طفيلي الملاريا من تيار دم ضحيتها، وتصبح هي نفسها مصابة بالعدوى. فإذا ما أوقف تطور الطفيلي عند تلك النقطة داخل جسم البعوضة، فإنه يموت ولا يستطيع أن يتغلغل في مضيفه من البشر، وبذلك ينخفض عدد الحالات. و<دينگلازان> [باحث في البيولوجيا الجزيئية بجامعة جون هوپكينز، وأصله من الفليپين] قد رأى العديد من حالات الملاريا في وطنه الأم، ولديه فكرة عن كيفية جعل ذلك الأمر يحدث، فهو يعمل على الفئران فقط حتى الآن، وهو حَذِر بالقدر المناسب، فيقول: «إذا لم تنجح الفكرة، فإنني لن أتصرف كبائع السيارات بهذا الخصوص»، أما إذا ما نجحت الفكرة، فإنها ستكون نقلة حقيقية في مكافحة الملاريا.

 

عندما يدخل طفيلي الملاريا في جسم البعوضة، فإنه يحاول فورا أن يعتبر نفسه في بيته بأمعاء البعوضة، فيبحث عن إنزيم محدد في النسيج الهضمي، وهو أحد الأمينوپپتيدازات aminopeptidase، فإذا لم يجد هذا الإنزيم الذي يكون ضروريا لتأسيس رأس جسر يعبر فوقه وعبره في الأمعاء خلال أول 24  ساعة،  فإن الطفيلي يُهْضَم وتفشل البعوضة في أن تكون حاضنة للطفيلي، وهذا على الأقل ما يفترض الناس حدوثه. ويضيف <دينگلازان> وهو يضحك: «في الحقيقة، لم يبحث أحد عن أشلاء الإنزيم في فضلات البعوضة للتأكد»، أما إذا ما تلقت البعوضات وجبة من الأضداد antibodies المضادة لإنزيم الأمينوپپتيداز، فإنها تصبح، دون شك، منيعة ضد الملاريا. وتقول النظرية إن الأضداد تحجب الإنزيم وتحوم حوله في كل مكان لتمنع الطفيلي من استهدافه. وقد استفرد <دينگلازان> شدفة فريدة معينة من الإنزيم لا نظير لها في غير البعوض، وحقن الفئران بهذه الشدفة فقط، ليجعلها تنتج أضدادا مضادة لها، والبعوضة التي تلدغ تلك الفئران تلتقط تلك الأضداد التي يبدو أنها لا تتفكك بقدر كبير في السبيل الهضمي. وهكذا تصبح الحشرات، في الحقيقة، ممنعة بأكل اللقاح بغير قصد، ولأن الطفيلي يموت داخل البعوضات، فإنه لاينتقل للمضيف من الثدييات. فإذا نجح هذا المفهوم في العمل عند البشر، فنعم الأمر، ويقول <لوك>: «إن ذلك يشبه ناموسية مناعية».

 

ولهذه المقاربة جوانبها السلبية بالطبع، والجانب السلبي الرئيسي من بينها هو التحدي المتمثل بكيفية إقناع الناس بتقبل لقاح يحمي البعوض، وليس البشر، فهي إذن حماية غير مباشرة، على أية حال. (فمن الممكن أن تتلقى اللقاح ثم تُصاب مع ذلك بالعدوى من بعوضة التقطت الملاريا أولا من شخص ما غير ممنَّع). نعم سينخفض عبء المرض بسبب وجود عدد أقل من النواقل المصابة بالعدوى تطنّ حولنا، وهكذا سيتم إعطاء اللقاح في البداية الباكرة لعدد كبير من الناس، ولكنهم مع ذلك يصابون بالمرض، كما قد تظهر تأثيرات جانبية لدى أناس كانوا يشعرون بأنهم بخير قبل ذلك، وقد يكون ذلك خرقا بصورة ما لأول قاعدة في الطب: «لا تسبب أي أذى».

 

ومع ذلك، فهناك سابقة لأخذ لقاح بهدف حماية شخص آخر (مثل الرجال الذين يتلقون التمنيع ضد ڤيروس الورم الحليمي البشري: فخطورة أن يُصابوا بالڤيروس قليلة ولا توجد حاجة في البداية إليه، ولكن تلقيهم اللقاح يؤدي إلى حماية اللواتي يشاركنهم في الممارسة الجنسية). وعلى المدى الطويل، فإن لقاحا يعيق سراية العامل المسبب للمرض ربما يكون مساويا أو أكثر فاعلية من لقاح تقليدي يوفِّر المناعة للشخص الذي يتلقّاه. ويقول <دينگلازان>: «يقول الناس إنه لا يوجد منفعة مباشرة، ولكن حقيقة هذا الأمر هي أنه هناك نفع، غير أنه مؤجل».

 

إن مقاربة الأمينوپپتيداز لها منافع لا يمكن أن تضارعها أية خطة أخرى للتلقيح vaccination. ولأسباب تقنية، يمكن أن تكون هذه المقاربة أكثر قابلية «للارتقاء»، مما يؤدي إلى أن يكون اللقاح أرخص ثمنا عند إنتاجه على نطاق واسع من اللقاح RTS,S، أو اللقاحات المزروعة في البعوض في شركة ساناريا وفي شركة بيوميد في سياتل. وتبين أن المستضد يظهر في جميع أجناس البعوض التي تنقل الملاريا، ويبلغ عددها بضعة وأربعين جنسا، ولذلك ينبغي أن ينجح في العمل في هذه الأجناس جميعها «فهل هذا من حُسن الحظ؟» يقول <دينگلازان> : «نعم إنه من حسن الحظ تماما». وكذلك يبدو أن اللقاح ينجح في العمل ضد كل من المتصورة المنجلية، وهي النوع الشائع في إفريقيا، والمتصورة النشيطة P. vivax، وهي النوع الأكثر شيوعا في آسيا. أما اللقاحRTS,S فلا يعمل ضد المتصورة النشيطة، لأن الپروتين CS  الذي يستهدفه اللقاح  يختلف بين هذين الجنسين من الطفيلي.

 

إن الاختبارات التي أجراها <دينگلازان> على الفئران حتى الآن ضد المتصورة المنجلية أظهرت فاعلية قدرها 100% ونسبة إحصائية قدرها 98% في مكافحة المتصورة النشيطة الموجودة في تايلاند، وهذه مسألة مهمة لأسباب عملية، لأنه من الناحية المثالية ينبغي أن يكون لقاح الملاريا نافعا في العالم كله. يقول <دينگلازان>: «الحقيقة في هذا الأمر أنه سيكون مكلفا جدا أن ننتج العديد من اللقاحات المنفصلة» يلفت <دينگلازان> الانتباه، «يعتقد الناس أن خزائن المانحين (أمثال Warren Buffet و Bill gates) لا تنضب، ولكنها ليست كذلك».

 

ولايزال أمام <دينگلازان> طريقا طويلا عليه أن يقطعه قبل أن تنفتح الخزائن على مصاريعها أمامه. ففي الوقت الحالي هو في «مرحلة دراسة الجدوى» فقط، فهو يحاول أن يرى كمية المستضد التي يمكن لمختبره أن ينتجها، ويقول إنه لابد له من الحصول قريبا على نتائج مؤكدة، وعندها سيسمح لنفسه بالتفكير في التطبيقات العملية: هل يمكن أن يستخدم هذا اللقاح ممزوجا باللقاح RTS,S؟ وما الكمية التي ينبغي على البعوضة أن تمتصها من مجرى دم الإنسان لتصير مُمَنَّعَة؟ وما الفترة الزمنية التي تلزم لنقل التجارب من الفئران إلى البشر؟

 

وفي الوقت الذي كان على <دينگلازان> أن يجيب عن هذه الأسئلة لاح في الأفق سؤال أكبر: ما الذي نحتاجه في الحقيقة لاستئصال الملاريا من كل مكان في العالم، جملة واحدة وإلى الأبد؟ ومن دون لقاح قوي، من الممكن بالفعل مكافحة الملاريا بالناموسيات وبالأدوية التي تستطيع أن تقي منها أو أن تعالجها، مثل الكلوروكين والأرتيميسينين والمالارون، إلا أن إمكانية التخلص منها تماما أمر مستحيل. فالناموسيات تفشل، والبعوض يكتسب المقاومة تجاه مبيدات الحشرات التي تعالج بها الناموسيات، كما أن المستخدمين قد لا يرغبون في النوم تحت ناموسية مقاومة للملاريا طوال الوقت. «إن قصة الناموسيات جميلة، فهي إذا ما استخدمت في بيئة منضبطة جدا تستطيع أن تمنع سراية المرض» كما يقول <دينگلازان>: «غير أن الناس يميلون إلى التهاون في اتباع التعليمات. هل عشت ذات يوم في تلك البلاد؟ إنني عشت هناك. نعم معظم الأطفال ينامون تحت الناموسيات، ولكن الكبار يتعاطون المشروبات خارج الأكواخ، والكحول يجعلك أكثر جذبا للبعوض. لقد رأينا الناموسيات المعالجة بالمبيدات تقتل البعوض داخل المساكن ولكن البعوض خارج المساكن يستولي على المحراب».

 

أما بالنسبة إلى الأدوية الوقائية، فإنها تفيد المسافرين أكثر مما تفيد الناس في العالم النامي: إنها مزعجة ومكلفة، وقد يكون لزاما علينا أن نتناولها على الدوام. وهناك بعض الخطوات الإضافية التي ساعدت على تخليص العالم المتقدم من الملاريا (مثل تجفيف المستنقعات، أو الرش بالمادة الكيميائية DDTعلى نطاق واسع)، وقد تكون غير عملية في العالم النامي.

 

ومرة أخرى، تلك هي الخيارات المطروحة على الطاولة اليوم. فالعلماء مشغولون بدراسة جينوم genome  طفيلي الملاريا وبعض جوانب الجينوم البشري الذي ربما يمنح بعض المقاومة، فقد تأتي تلك المشاريع بنتائج جديدة ومدهشة، حتى إن هناك مناقشات حول استراتيجيات لمكافحة الملاريا تبدو الآن غريبة، مثل إطلاق بعوض معدَّل وراثيا ليكون مقاوما للملاريا في الطبيعة ليتنافس مع النمط البري. وبالطبع، ربما كانت فكرة أننا على مقربة من أن يكون لدينا لقاح فعال ولو جزئيا ضد الملاريا تبدو غريبة قبل 10 سنوات.

 

ويقول<دينگلازان> إن المفتاح هو التأكد من أن يبقى المجتمع الصحي في العالم مهيئا للمضي في طريق طويل، «فالقادة الحاليون لمجتمع الملاريا قالوا لي إنهم لا يعلمون حتى ما إذا كان الجيل الحالي مدركا (للجهود التي تُبْذَل في مجال التلقيح)»، ويضيف: «قد يدرك الجيل القادم ذلك، تلك هي المدة التي نفكر فيها، فهل سيبقى العالم مهتما؟ هل سيبقى منتظرا طوال هذه المدة؟» إلا أن هناك أمرا مؤكَّدا (واحدًا على الأقل) هو أن طفيلي الملاريا سيبقى منتظرا.

المؤلفة

Mary Carmichael
   <كارميكال> من كبار الكتاب في مجلة نيوزويك تغطي أخبار الصحة والعلوم، وقد حصلت على جوائز عديدة من بينها ميدالية كيسي Casey Medal للجدارة الصحفية، وعَمِلَتْ في الصف الأمامي في خدمة البث العامة PBS وفي مجلة المصادر الحرة والمفتوحة للبرمجيات الذهنية Mental Floss magazine، وشاركت في تأليف كتابين. وهي حاليا تتمتع بالزمالة(4) KSJFF. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/3-4/2011_03_04_029_a.jpg

  مراجع للاستزادة

 

The Fever: How Malaria Has Ruled Humankind for 500,000 \fears. Sonia Shah. Sarah Crichton Books. 2010.

 

Malaria Nexus provides access to a selection of relevant journal articles from Elsevier. Available at www.malarianexus.com

 

The Centers for Disease Control and Preventions malaria page offers a variety of educational resources: wwwxdc.gov/malaria

(*) Halting the World’s Most Lethal Parasite

(**) Three Promising Vaccine Strategies

(***) Where the Risks Are

(****) YES, IT WORKS. BUT HOW WELL?

(*****) Vaccine Alternatives

(******) MOSQUITOES AS LIVING LABS

(*******) THE “IMMUNOLOGICAL BED NET

 

(1) GlaxoSmithKline

(2) أو إيحائي.

(3) Blocking Transmission

(4) Knight Science Journalism Fellowships  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى