أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

دراسة الأمراض في طبق

 

 

دراسة الأمراض في طبق(*)

 

استخدام مبتكر للخلايا الجذعية(1)
المأخوذة من أنسجة البالغين يمكنه أن يُسرع من تطوير عقاقير لمواجهة الأمراض المنهِكة.

<S .S. هال>

 

باختصار

 

   قيد الانتظار: تحمل الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة أملا لعلاج الأمراض المستعصية، إلا أن الباحثين لم يحققوا حتى الآن الكثير من التقدم لاستمداد طرق علاجية من هذه الخلايا.

  فكرة جديدة: بدلا من التركيز على العملية العلاجية، فإن عددا قليلا من الباحثين يعتقدون أنه من الأفضل حاليا استخدام الخلايا الجذعية في المساعدة على اكتشاف العقاقير ودراسة الكيفية التي تعمل من خلالها الأمراض المختلفة على إيذاء الجسم.

   مقاربة مبتكرة: حتى وقت قريب، كان يجري الحصول على الخلايا الجذعية المستخدمة لتنفيذ هذه الفكرة من الأجنة. إلا أن العلماء في عام 2007 تمكنوا من إعادة برمجة الخلايا البشرية للبالغين لتصبح خلايا جذعية.

   خلايا جذعية مصممة حسب الطلبcustomized stem cells: يستخدم الباحثون هذه الخلايا التي جرت إعادة برمجتها في إحداث الأمراض المختلفة في طبق پتري petridish. ومن ثم فهم يستطيعون اختبار فعالية العقاقير ضد عينات الأنسجة التي جرت إعادة إنتاجها بهذه الطريقة.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/9-10/sa0311Hall01_opt.jpeg
بعد نمو الخلايا الجذعية لمدة 30 يوما في بيئة الزرع culture medium (باللون الأحمر)، فإنها تصبح نسيجا متخصصا يمكن استخدامه لعمل نماذج لمختلف الأمراض(3).

 

بتاريخ 2007/6/26، سلكت<W. تشانگ> [مديرة قسم الوراثة السريرية بجامعة كولومبيا] طريقها إلى منطقة كوينز بمدينة نيويورك ولديها طلب حساس من سيدتين لهما مكانة عميدة الأسرة (matriarch (2 في عائلة كرواتية حظها عاثر. لقد طلبت الباحثة إلى هاتين الشقيقتين، البالغتين من العمر 82  و89 عاما، أن تتبرعا لها ببعض من خلايا جلدهما لكي تقوم باستخدامها في تجربة طموحة غير معلومة النتائج، ولكن لو حالفها النجاح فإن العائد منها سوف يكون مضاعفا: أولا، ربما تسرع هذه التجربة من عجلة البحث عن علاج للمرض المستعصي المنتشر في عائلة هاتين السيدتين. وثانيا، ربما تؤسس هذه التجربة لاستخدام قيّم وجديد للخلايا الجذعية، وهي خلايا غير متخصصة لديها القدرة على إنتاج العديد من أنواع خلايا الجسم الأخرى. تتذكر <تشانگ> ذلك اللقاء بقولها: «لقد تناولنا طعام غداء طيب جدا، ثم عدنا إلى منزل السيدتين وقمنا بأخذ خزعات biopsies من جلدهما»؛ وبمجرد جلوسهما إلى طاولة الطعام، فإن كلتا الشقيقتين قامتا بمد ذراعيها بكل سعادة، وذلك حسبما تتذكر ابنة السيدة البالغ عمرها 82 عاما. لقد قالت الشقيقة الصغرى للباحثة <تشانگ>: «أنا أفهم ما تريدين، ابدئي فورا بالتنفيذ».

 

كانت الشقيقتان تعانيان تصلبا جانبيا ضمورياamyotrophic lateral sclerosisويسمي اختصارا (ALS)، وهو مرض عصبي تنكسي degenerative يعمل ببطء على الإصابة بالشلل، وهو يعرف أيضا بمرض لو جريگ Lou Gehrig’s diseaseنسبةً إلى لاعب البيسبول <لو جريگ> بفريق يانكي Yankee والذي أخبره الأطباء بأنه يعاني هذا المرض في عام 1939 ثم توفي بعد ذلك بعامين. وبينما ظهرت أعراض محدودة للمرض على الشقيقة الكبري وعمرها 89 عاما، فإن شقيقتها الصغري وعمرها 82  عاما كانت تعاني عند قيامها بالمشي أو بلع  الطعام.

 

على الرغم من أن معظم حالات المرض ALS ليست وراثية، فإن هذا المرض أصاب العديد من أفراد هذه العائلة. فلقد توارث أفراد العائلة المتأثرون بالمرض طفرة وراثية لها علاقة بالإصابة بشكل من المرض يتطور ببطء أكثر من الشكل الآخر الذي يصيب غالبية المرضى الذين يعانون هذا الداء. لقد تمكنت<تشانگ> من تتبع المرض في عدة أجيال من هذه العائلة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وتعلق على ذلك بقولها: «مرض <لو جريگ>  ليس بطريقة جيدة لموت الإنسان». ففي كل مرة يتقابل فيها أفراد العائلة مع بعضهم في مراسم العزاء، فإن أفراد الجيل الأصغر سنا ينظرون حولهم ويتساءلون «هل نكون نحن التالون لمن توفي؟»

لم يستغرق الأمر من <تشانگ> سوى دقيقتين لكي تقوم بأخذ خزعة بالخرمpunch biopsy – فكل ما حدث هو أخذ جزأين صغيرين من جلد باطن الذراع يبلغ قطر كل منهما 3 ملّيمتر. وفي النهاية فإن خلايا الشقيقتين, مع عينات من جلددستات(4) dozens من مرضى ALS الآخرين ومن متطوعين أصحاء قاموا أيضا بالتبرع بأجزاء ضئيلة من أنسجتهم، جرى تحفيزها(استحثاثها) بطريقة كيميائية لكي تتحول إلى شكل من الخلايا الجذعية يسمى الخلية الجذعية المحفزة المتعددة القدرات induced pluripotent stem cell والتي تمت برمجتها بعد ذلك لكي تصبح خلايا عصبية. وتحديدا، لقد تم استحثاث هذه الخلايا لكي تصبح عصبونات محركة motor neurons، وهي خلايا عصبية تتحكم بطريقة مباشرة أو لا مباشرة في عضلات الجسم وتتأثر بشكل عكسي بالمرض ALS. وقد أظهرت مزارع الأنسجة الناتجة من تلك الخلايا نفس العيوب الجزيئية التي أدت إلى حدوث المرض ALS في المتبرعين. بمعنى آخر، لقد استطاع الباحثون، بشكل مذهل، إعادة إنتاج المرض في طبق پتري(5) petri dish.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/9-10/sa0311Hall02_opt.jpeg
تخزين بارد: يتم حفظ الخزعات المأخوذة

من الأنسجة والخلايا الجذعية في نتروجين سائل

 

 

وصفة حسب الطلب

 

استخدامات جديدة للجلد القديم(**)

   يقوم الباحثون بجامعتي هارڤارد وكولومبيا، باستخدام تقنيات تم ابتكارها في اليابان، وذلك بأخذ نسيج جلدي من البالغين (انظر أسفل)، ثم عزل خلايا متخصصة منه تسمى أرومات ليفية fibroblasts، التي يتم تحريضها بلطف بواسطة جينات ومواد كيميائية لكي تصبح خلايا عصبية.

   1 يتم أخذ خلايا من جلد مريض بالمرض ALS.

   2 يقوم الباحثون بإدخال جينات منظمة إلى الأرومات الليفية المأخوذة من النسيج الضام بالجلد.

   3 تعمل الجينات الدخيلة على إعادة برمجة الأرومات الليفية لتصبح «خلايا جذعية محرضة متعددة القدرات» باستطاعتها أن تتحول إلى العديد من الأنواع الأخرى من الخلايا.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/9-10/sa0311Hall03_opt.jpg

   4 تتجمع الخلايا iPS لتكون أجساما جنينية الشكل. ومن ثم يقوم الباحثون بإضافة جزأين صغيرين حاملين للإشارات signaling moleculesوهما حامض الريتنويك retinoic acid ومادة أخرى تعمل على تحفيز الخلايا على الانقسام.

   5 تعمل الجزيئات الحاملة للإشارات على توجيه تطور الجسم الجنيني الشكل إلى عصبونات محركة.

   6 نظرا لأن هذه الخلايا العصبية الجديدة ناتجة من مريض مصاب بالمرض ALS، فإنها تظهر الخصائص المميزة لهذا المرض.

   7 يتم وضع الخلايا العصبية في حجريات داخل صوانٍ وذلك لاختبار كفاءة العقاقير في علاجها بطريقة آلية robotic. ويتم اختبار مركب كيماوي واحد في كل حجيرة، وهذا يسمح بإجراء مسح على نطاق واسع لعدد متنوع من العقاقير المحتملة الفعالية.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/9-10/sa0311Hall03_opt2.jpeg

 

وبحصول الباحثين على مثل هذه الخلايا فإنهم استطاعوا البدء بدراسة دقيقة لما يحدث من خلل في العصبونات عند مرضى ALS, كما تمكنوا أيضا من البدء بفحص عقاقير من المحتمل أن يكون لها تأثيرات مفيدة في الخلايا المريضة. ويعد هذا استخداما جديدا للخلايا الجذعية يتناقض مع التقدم البطيء والمخيب للآمال وللجهود المتعلقة باستخدام تلك الخلايا كعلاجات. لو حالف النجاح هـــذا التصور الخاص بدراسة المرض في طبق disease-in-a-dish، فإنه سوف يسرع من فهم الباحثين للعديد من الأمراض وسوف يقود إلى فحص أسرع وأكثر كفاءة للمعالجات المحتملة بواسطة العقاقير، وذلك لأن العلماء سوف يستطيعون اختبار هذه العقاقير في تلك المزارع الخلوية التي تم إعدادها حسب الطلب وذلك لقياس كفاءتها العلاجية وسميتها المحتملة. إضافةً إلى أبحاث المرض ALS، فإن الخلايا الجذعية المحفزة (المستحثة) يتم استخدامها الآن على نطاق تجريبي لعمل نماذج لدستات من الأمراض، بما في ذلك فقر الدم المنجلي sickle cell anemia، والعديد من أمراض الدم الأخرى ومرض پاركنسون Parkinson’s disease. على سبيل المثال، استطاع الباحثون في ألمانيا أن ينتجوا خلايا قلبية تنبض بشكل غير منتظم يحاكي حالات عدم انتظام ضربات القلب المختلفة. وقد بدأت شركات المستحضرات الطبية، والتي تحفظت لفترة طويلة حول إمكان أن يكون علم الخلايا الجذعية مشروعا له قيمة تجارية، بإبداء اهتمام بأسلوب «دراسة المرض في طبق» حيث إنه مع القدرات التقليدية في اكتشاف العقاقير على النطاق الصناعي.

 

في عام 2008 تم نشر أولى نتائج تجارب المرض ALS. وكما يحدث في أغلب حالات الابتكار، فإن النجاح فيها لا يعتمد على قوة الفكرة العلمية فحسب ولكنه يتطلب أيضا وجود فريق مناسب من الأفراد الذين يقومون ببحث هذه الفكرة. وفي هذه الحالة، فإن مجموعة الشخصيات التي قــامــت بـــالعمـــل تضمنـــت إلــى جـــانـب <تشانگ> البـــاحــث <L .L. روبن>، وهو ممن هجروا المجال الصناعي في «التقانة الحيوية» لكي يصبح رئيسا لفرع الطب التحويلي(6) translational medicine بمعهد هارڤارد للخلايا الجذعية، و<C .K.إيجان>  وهو عالم شاب من هارڤارد لا يكل من البحث في مجال الخلايا الجذعية، وكان له تعاون بحثي مع < E .Ch. هندرسون> وغيره من الخبراء في «العصبونات المحركة» بجامعة كولومبيا.

 

دور جديد للخلايا الجذعية(***)

 

يجب ألا يحدث لدينا خلط بين الخلايا الجذعية التي تم استخدامها في هذه الدراسات والخلايا الجذعية الجنينية embryonic stem cells والتي يتم الحصول عليها من الأجنة في المراحل المبكرة من تطورها. فمنذ اثنتي عشرة سنة أثار <A .J. تومسون>  وزملاؤه حماس العالم بنبأ تمكنهم من إنتاج خلايا جذعية جنينية بشرية في المختبر وذلك للمرة الأولى. إن هذه الخلايا البدئية لديها القدرة البيولوجية على تجديد نفسها إلى الأبد، كما أن لديها من المرونة ما يمكنها من التحول إلى أي نوع من خلايا الجسم. لقد أثارت إمكانية استخدام هذه الخلايا الجذعية في عمل غريسات (طعوم) حسب الطلب made-to-order transplants لعلاج كل شيء من مرض پاركنسون وحتى السكري كلا من الأطباء والباحثين وعامة المجتمع على نطاق واسع، والأهم منهم جميعا المصابون بأمراض غير قابلة للعلاج.

 

ولكن مازالت هناك حقيقتان قاسيتان بحاجة إلى حل. أولاهما، الجدل المجتمعي الحاد حول أخلاقيات علم الخلايا الجذعية والذي أدى إلى تسييس العلم وإبطاء البحث فيه: فلقد طرحت التقنية مشاكل أخلاقية إذ إنه لابد من إتلاف الأجنة البشرية للحصول على الخلايا الجذعية الجنينية. ولقد بلغ هذا الجدل ذروته بإعلان الرئيس >W .G. بوش> في الشهر 2001/8 أنه سوف يتم قصر الدعم المالي الذي تقدمه معاهد الصحة القومية NIH على الأبحاث التي يتم فيها استخدام عدد محدود من سلالات موجودة بالفعل من الخلايا الجذعية الجنينية وهو الأمر الذي أدى بشكل فعال إلى إعاقة إنتاج سلالات إضافية من الخلايا الجذعية، بما في ذلك السلالات التي يمكن استخدامها في علاج الأمراض. وكرد فعل على ذلك، قامت مجموعات بحثية بارزة في جامعات هارڤارد وكولومبيا وستانفورد بالتعاون مع مجموعات الدفاع عن المرضى(7)متمثلة بمشروع المرض ALS ومؤسسة نيويورك للخلايا الجذعية بإنشاء مختبرات مستقلة لا تخضع لهذا القرار الرئاسي تقوم بإجراء أبحاث يتم تمويلها من مصادر خاصة. وفي عام 2009 قامت إدارة الرئيس <أوبام>بتخفيف القواعد الناظمة لأبحاث الخلايا الجذعية، إلا أنه في عام 2010 صدر حكم قضائي من محكمة فدرالية بحظر قيام المعاهد القومية للصحة بتمويل هذه الأبحاث مرة أخرى مما أدى إلى دفع هذا المجال البحثي إلى حالات من عدم الوضوح العلمي والفوضي التمويلية.

 

أما المشكلة الثانية فهي علمية. تتذكر <V. إستس> [وهي المدير العلمي لمشروع المرض ALS] أنه كان هناك اندفاع جامح نحو اختبار فكرة زرع خلايا متخصصة مشتقة من خلايا جذعية في المرضى من البشر (أو من الحيوانات) وذلك كعلاج خلوي لمجموعة من الأمراض. «هذا الحلم الكبير»، كما تصفه<إستس>  «كان يتضمن الحصول على عصبونات محركة من الخلايا الجذعية، ثم وضعها في الدماغ أو النخاع الشوكي، وأثر ذلك سوف يستعيد المرضى عافيتهم ويبدأون بالقيام برقصة الواتوسي Watusi». إلا أن الأمور لم تسر على هذا النحو في التجارب التي تكرر إجراؤها على الحيوانات. تقول <إستس>: «من البداية وحتى النهاية كان الفشل حليفا لتلك التجارب.»

 

في عام 2002 قام <M .T. جيسل> و <H. ويتشترل> وفريقهما البحثي في جامعة كولومبيا بنشر بحث بالغ الأهمية في مجلة الخلية Cell أوضحوا فيه بالتفصيل المكونات والطريقة التي قاموا باستخدامها لدفع الخلايا الجذعية الجنينية في مسار بيولوجي يؤدي إلى تكوّن عصبونات محركة. وجد أحد الباحثين وهو <روبن>  أن هذا العمل يطرح وعدا يبشر باستخدام مختلف للخلايا الجذعية. لقد سبق لهذا الجني المتحمس <روبن>  أن تلقي تدريبا في علم الأعصاب ومارس العمل كباحث ومدير علمي في شركة تقانة حيوية بولاية ماساتشوستس تُسمي كيورس Curis. أدرك <روبن>  أن إمكانية إحداث المرض في الأطباق يمكنها أن تقدم لنا أسلوبا ثوريا لاكتشاف العقاقير. فبخلاف الكثير من العلماء الأكاديميين ، فإن <روبن>  كانت لديه معرفة علمية باكتشاف العقاقير. ففي أثناء عمله السابق في التقانة الحيوية، قام بإجراء أبحاث على جزيء أصبح في النهاية عقارا ذا قيمة تجارية تصل إلى بليون دولار ويُسمىتايسابري Tysabri ويستخدم في علاج مرض التصلب المتعدد multiplesclerosis.

 

بعد سماعه لنتائج أبحاث <جيسل> و <ويتشترل>، قام <روبن> بإعداد مسودة خطة عمل لإنشاء مؤسسة من نوع جديد للخلايا الجذعية ذات أهداف تجارية, وصفها بقوله: «إنها مؤسسة لا تركز جل اهتمامها على العلاجات الخلوية – كما كان يفعل كل علماء بيولوجيا الخلايا الجذعية – ولكنها تهتم باستخدام الخلايا الجذعية في اكتشاف الأدوية». في ذلك الوقت، لم يكن أصحاب رؤوس الأموال المغامرون راغبين في تنفيذ هذه الفكرة. وعلى ذلك، فقد تمكن <روبن>  من رعاية الفكرة من خلال شركة كيورس، وقام بتوظيفها في دراسة مرض ضمور العضلات نخاعي المنشأ spinal muscular atrophy، وهو مرض يصيب العصبونات المحركة في الأطفال و يشبه من الناحية الباثولوجية المرض ALS. وعام 2006 عندما قررت شركة <كيورس>  التخلي عن المشروع، ترك<روبن> مجال التقانة الحيوية وانتقل إلى معهد هارڤارد للخلايا الجذعية  ليواصل أبحاثه مستخدما أسلوب دراسة المرض في طبق.

 

بعد ذلك بوقت قصير أعلن باحث بيولوجي ياباني اسمه <شاني>(8) عن طريقة يمكنها أن تؤدي في نهاية الأمر إلى إحداث تحول في دراسة بيولوجية الخلايا الجذعية والسياسات المتعلقة بإجراء أبحاثها. ففي مؤتمر علمي تم عقده في الشهر 2006/3 بمدينة ويسلر Whistler في مقاطعة برتيش كولومبيا، قام هذا الباحث والذي يعمل بجامعة كيوتو بوصف طريقة يستطيع بواسطتها البيولوجيون أن يقوموا بإعادة برمجة reprogram الخلايا البالغة المأخوذة من الثدييات. جوهريا، تمكن <شاني> بطريقة كيماحيوية biochemically من إعادة الخلايا البالغة إلى ما يشبه الخلايا الجنينية أو الخلايا الجذعية دونما الحاجة إلى استخدام الأجنة أو إتلافها. أطلق <شاني>  على هذه الخلايا اسمخلايا جذعية محفزة (مستحثة) متعددة القدرات induced pluripotent stem cellsأو الخلايا (iPS). بعد ذلك بعام واحد، سجل <شاني> والباحث <تومسون>  [من جامعة ويسكنسون Wisconsin] قيام كل منهما على حدة بإنتاج الخلايا iPS من أنسجة الإنسان [انظر: «عوامل شفائك الكامنة في جسمك»، ، العددان(2011)2/1 ، ص 12].

 

كان من بين الحاضرين في المؤتمر المنعقد بمدينة ويسلر في ذلك اليوم الباحث <إيجان> وهو خبير بإعادة برمجة الخلايا cellular reprogramming في هارڤارد. وفي الواقع، كان <إيجان>  منشغلا قبل هذا المؤتمر برؤيته الخاصة لفكرة دراسة المرض في طبق، حيث إنه انخرط في العديد من مشاريع الأبحاث التي كان يقوم فيها بأخذ الخلية البالغة ويعمل على إعادتها تدريجيا بطرق كيماحيوية إلى حالة تشبه فيها الخلية الجنينية، مع السماح لها بالتكاثر ثم يقوم بحصاد الخلايا الجذعية من المستعمرة الخلوية الناتجة. ولكنه كان يحاول أن يقوم بإنتاج خلايا شبه جنينية embryolike cells بأسلوب قديم يستخدم نفس طريقة الاستنساخ التي تم بواسطتها إنتاج النعجة <دولّي>. ما كان يقوم به <إيجان>  هو أخذ نواة خلية بالغة، مثل خلية الجلد، ثم زراعتها في بويضة غير مخصبة سبق إزالة النواة الخاصة بها. إلا أن عملية الاستنساخ هذه كانت غير فعالة وأثارت جدلا كبيرا عند استخدامها في إعادة برمجة خلايا الإنسان ليس أقلها العثور على نساء مستعدات للتبرع بخلايا بويضاتهن للقيام بهذه العملية.

 

باستخدام أسلوب <شاني> تمكن <إيجان> مع فريقه البحثي من تطويع الطريقة iPS للعمل في اختبار تضمن خلايا الإنسان وذلك عام 2007. في ذلك الوقت كان كل شيء آخر يلزم للقيام بدراسة المرض في طبق متاحا أيضا. وعلى سبيل المثال، قامت <تشانگ>  وزملاؤها [من جامعة كولومبيا] بتجميع الخلايا من الشقيقتين الكرواتيتين وغيرهما من مرضى ALS  وذلك انتظارا لاستخدامها في تجارب <إيجان>  الخاصة بالاستنساخ. ومع وجود مصادر خاصة لتمويل المشروع ALS فقد أمكن إنشاء مختبر خاص بالقرب من جامعة كولومبيا قام فيه الباحثون بتخزين سلالات من الخلايا من المرضى (ومن ضمنهم الشقيقتين المسنتين) لعدة أشهر. ومن ثم ظهرت الطريقة iPS  بشكل مفاجئ لتحسن من فرصة نجاح هذه الأبحاث. تصف <إستس> [الباحثة في المشروع ALS] ما حدث بقولها: «لقد كان أمرا قدريا تماما أننا بدأنا بتجميع خلايا جلد بشرية وفي أذهاننا أن نقوم باستخدامها في تجربة مختلفة تماما.»

 

كان في مقدمة سلالات الخلايا التي تم أخذها من مرضى ALS تلك الخلايا الناتجة من الشقيقة الكرواتية الصغرى والتي عانت المرض بشكل أكبر، دعيت المريضة A29. لقد أمكن إعادة برمجة خلايا الجلد المأخوذة من كل من الشقيقتين بنجاح وتحويلها إلى خلايا عصبية، ولكن عمر المريضة A29 ودرجة مرضها أوضحت أنه من الممكن استخدام الطريقة iPS  لإنتاج خلايا تستطيع أن تكشف لنا وجود مرض خطير ومزمن. ويقول <إيجان>: «لقد اخترنا تلك العينات من الخلايا لأن الشقيقتين كانتا أكبر الأشخاص عمرا في دراستنا، لقد أردنا أن نثبت أنه يمكنك أن تقوم بإعادة برمجة الخلايا حتى ولو كانت مأخوذة من شخص كبير جدا جدا جدا جدا ومصاب بالمرض لفترة طويلة، لقد كانت هاتان الشقيقتان حالة خاصة.»

 

إن نتائج هذه الدراسة ظهرت في عدد الشهر 2008/8 من مجلة ساينسScience وتمت الإشادة بها في وسائل الإعلام كحدث علمي بارز. لقد أتاحت فكرة استخدام الخلايا الجذعية لإنتاج المرض في طبق وسيلة للحصول على خلايا كان من الصعب أو المستحيل الحصول عليها باستخدام طرق أخرى – بما في ذلك العصبونات المحركة المميزة للمرض ALS ومرض ضمور العضلات النخاعي، وخلايا المخ ذات الصلة بالعديد من الأمراض العصبية التنكسيةneurodegenerative disorders، وخلايا البنكرياس (المعثكلة) ذات الصلة بحدوث مرض سكري اليافعين juvenile diabetes.

 

خلايا جذعية حسب الطلب(****)

 

خلال العامين الماضيين أدى التعاون العلمي بين جامعة كولومبيا ومعهد هارڤارد إلى الحصول على ما لايقل عن 30 سلالة خلوية بشرية خاصة بالمرضALS، وهناك المزيد منها في الطريق. والعديد من هذه السلالات الخلوية يحتوي على طفرات فريدة تم الكشف عن وجودها في الأشخاص المصابين بحالات حادة وغير معتادة من المرض ALS. أما الأمر الأكثر أهمية فهو أن أسلوب دراسة المرض في طبق قد بدأ بالإفصاح عن فاعليته، وذلك بإمدادنا برؤى حول طبيعة المرض الذي أصاب العصبونات المحركة. وعلى سبيل المثال، استطاع الباحثون عن طريق استخدامهم للخلايا الناتجة من الشقيقتين التعرف على مسارات جزيئية يبدو أن لها علاقة بموت العصبونات المحركة والذي يحدث عند تسمم هذه الخلايا بواسطة مجموعة أخرى من العصبونات التي يُطلق عليها الخلايا النجمية astrocytes. وقد أصبح بالإمكان وضع كل من العصبونات المحركة والخلايا النجمية في الطبق، فقد بدأ العلماء الآن بالبحث عن مركبات علاجية محتملة يمكنها أن توقف النشاط السُّمي للخلايا النجمية أو أن تعزز بقيا العصبونات المحركة.

 

على سبيل المثال، بدأ الباحثون في الشهر 2010/1 بإجراء فحص مبدئي لتأثير نحو 2000 مركب على العصبونات المحركة في مرضى ALS، وذلك لمعرفة إن كان لأي من هذه الجزيئات القدرة على إطالة بقيا العصبونات المحركة المحتوية على الجين الطافر ذي العلاقة بالإصابة بالمرض ALS. ويُظهر لنا هذا البرنامج البحثي الرائد أسلوبا جديدا في فحص كفاءة العقاقير drugscreening: إذ بدأ باحثو المرض ALS تجاربهم باختبار المركبات التي سبق أن اعتمدتها إدارة الغذاء والدواء(9) لعلاج أمراض أخرى. لقد كان الأمل بأن يحالف الحظ الباحثين ويتوصلوا إلى جزيء تم اختباره من قبل وثبت أنه آمن للإنسان، بحيث يمكن استخدامه في علاج مرض آخر ذي صلة بالعصبونات المحركة . ولقد تمكن <روبن>  من خلال مواصلته لتجارب موازية بهارڤارد من التعرف على ما يقرب من دستتين من الجزيئات الصغيرة التي تستطيع التفاعل مع أحد المسارات الجزيئية التي اكتشفت حديثا في العصبونات المحركة بحيث يمكنها أن تعزز من بقياها. وتقوم مؤسسة مرض ضمور العضلات النخاعي حاليا باختبار أحد هذه الجزيئات على حيوانات مصابة بنموذج من هذا المرض.

 

هناك مؤشر آخر ربما لا يقل أهمية عمّا سبق يدل على أن الخلايا iPS تقدم لنا أسلوبا واعدا لاكتشاف العقاقير، ألا وهو أن <روبن>  لم يعد يطرق أبواب شركات العقاقير. فمنذ قيام باحثي كولومبيا وهارڤارد بتأسيس مبدأ دراسة المرض في طبق – والذي يعني إمكان إنتاج عصبونات تحتوي على العوامل الوراثية الموجودة في شخص مريض – وذلك كما حدث مع المريضة A29 في صيف عام 2008، فإن شركات العقاقير مازالت تقرع أبواب <روبن>. ومن دون تحديد أسماء شركات معينة وذلك لدواعي السرية، يقول <روبن>: «يمكنني القول إن كل شركات العقاقير الكبيرة قد أصبحت الآن مهتمة بهذا الأسلوب». لقد امتدت الإثارة إلى مجال التقانة الحيوية: فالعديد من الباحثين الذين أسهموا في موضوع «دراسة مرض العصبونات المحركة في طبق»، ومن ضمنهم <إيجان> و<روبن>  أصبحوا مشتركين في أعمال شركة التقانة الحيوية أي پيريان iPierian بكاليفورنيا، وهي واحدة من العديد من الشركات المبتدئة في هذا المجال، والتي تتضمن شركة الديناميكيات الخلوية الدولية(10) وشركةFate Therapeutics اللتين تقومان بمواءمة التقنية iPS لاستخدامها  في اكتشاف  العقاقير.

 

في ذات الوقت يتزايد أعداد الباحثين الذين يواصلون تجاربهم مستخدمين أسلوب دراسة المرض في طبق. فبعد وقت قصير من نشر دراسة المرض ALS في عام 2008، سجلت مجموعة منفصلة من الباحثين في معهد هارڤارد للخلايا الجذعية استخدامهم للطريقة iPS في إنتاج «خلايا لدراسة المرض في طبق» وذلك من مرضى مصابين بسكري اليافعين، وبداء پاركنسون وغيرها من الأمراض. وفي أواخر عام 2008 تمكنت مجموعة من الباحثين بجامعة ويسكنسون بقيادة <N .C. سڤندسن> (الذي انتقل منذ ذلك الوقت إلى مركز سيدارس-سينا الطبي Cedars-Sinai Medical Center  بلوس أنجلوس) من إنتاج عصبونات محركة في طبق وذلك باستخدام خلايا من مريض مصاب بضمور العضلات النخاعي.

 

عندما سألت الباحثين بكولومبيا وهارڤارد ما إذا كانت الشقيقتان الكرواتيتان على علم بالتطور البحثي الذي نتج من استخدام ما تبرعتا به من خلايا، لم يكن عند أحد منهم في البداية أي إجابة عن هذا السؤال. ولكنني عرفت في النهاية أن الشقيقتين لا تزالان على قيد الحياة، وذلك وفقا لابنة المريضة A29 والتي وافقت على التحدث عن ذلك شريطةً ألا يتم ذكر اسمها أو اسم أفراد عائلتها. فالشقيقة الكبرى والتي تبلغ الآن من العمر 93 عاما مازالت تعيش من دون أن يظهر عليها أي من أعراض المرض ALS: فهي كما تقول ابنة شقيقتها مازالت «تعيش بمفردها، وتمشي حيث تشاء، وتتسوق، وتطهو الطعام، وتكنس وتنظف المنزل». أما الشقيقة الصغرى، أو المريضة A29، فقد أتمت في الشهر 2011/6 العام الخامس والثمانين من عمرها، وذلك على الرغم من معاناتها المرض ALS، وهي تستطيع الحركة «ببطء وضعف» و«تشعر بالامتنان» لأن الفرصة قد أتيحت لها للمساعدة على إجراء هذه الأبحاث العلمية.

 

ما يزال هناك عبء قاس جاثم على هذه العائلة لا يبدو أنه قد ذهب بعيدا عنها وهو ما يؤكد لنا حالة الإلحاح التي يشعر بها من قد يستفيدون من أسلوب استخدام الخلايا الجذعية في التوصل إلى عقاقير لمواجهة هذا المرض. تقول ابنه المريضة A29  والتي أوضح التشخيص الطبي إصابتها هي نفسها بالمرض ALS في عام 2002: «أنا صغيرة العمر نسبيا. نحن خائفون من أن يبدأ المرض بالظهور في عمر أصغر وذلك مع امتداد أجيال العائلة. نحن نشعر بأن الأمر يبدو بعض الشيء» – ثم تتوقف عن الحديث لكي تستجمع قواها وأفكارها القاتمة لا محالة – «وكأننا في صراع ضد الزمن. فأنا نفسي لديّ ابنة في سن المراهقة، وهو ما يثقل كثيرا أفكاري ومشاعري.»

المؤلف

Stephen S. Hall
قام بوصف المراحل المبكرة في أبحاث الخلايا الجذعية في كتابه الحائز على جائزة تجار الخلود Houghton Mifflin ,2003) Merchants of Immortalit ).وقد صدرت

  الطبعة الورقية من أحدث كتبه «الحكمة: من الفلسفة إلى علم الأعصاب» ,  Wisdom: From Philosophy to Neuroscience

(2011/3 ,vintage)

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/9-10/sa0311Hall04a_opt.jpeg

  مراجع للاستزادة

 

Induced Pluripotent Stem Cells Generated from Patients with ALS Can Be Differentiated into Motor Neurons. John T. Dimos et al. in Science, Vol. 321, pages 1218-1221; August 29, 2008.

 

Study Says Brain Trauma Can Mimic A.L.S. Alan Schwarz in New York Times, August 17, 2010

 

iPS Cells: A Promising New Platform for Drug Discovery. George Daley in Children’s Hospital Boston’s science and clinical innovation blog, September 23, 2010: http://vectorblog.org/ips-cells-a-promising-new-platform-for-drug-discovery

 

Disease in Dish Take Off. Gretchen Vogel in Science, Vol. 330, pages 1172-1173; November 26, 2010

 

(*) Diseases in a Dish

(**) New Uses for Old Skin

(***) A NEW ROLE FOR STEM CELLS

(****) MADE-TO-ORDER STEM CELLS

 

(1) stem cells

(2) عميدة الأسرة (الأم الرئيسة) هي سيدة مخضرمة تخوِّل لها العشيرة أو العائلة في بعض المجتمعات مهمة الحكم وإدارة الأمور.

(3) to model different diseases

(4) دستات جمع دستة أي مجموعة مكونة من 12 وحدة متماثلة.

(5) يُستخدم طبق پتري في تنمية مزارع الخلايا.

(6) الطب التحويلي: منظور جديد للبحث العلمي الطبي يهدف إلى إحداث تكامل بين المعارف والتطبيقات وذلك بما يؤدي إلى تحويل المعرفة إلى ممارسة طبية.

(7) patient advocacy groups

(8) Shinya Yamanaka

(9) Food and Drug Administration

(10) Cellular Dynamics International

http://oloommagazine.com/Images/none.gif

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى