[إبصار اصطناعي(5)]
عين بيونية(***)
ستعيد المستقبلات الضوئية التصنيعية الرؤية للعميان.
يعرف <M. تيرهو> الفرق بين التفاحة والموزة وباستطاعته إخبارك بأن إحداها كروية وحلوة وتقرش عند قضم جزء منها، وأن الثانية طويلة ومنحنية وتنهرس عند تركها فترة طويلة تكفي لفرط نضجها. ولكنك إذا طلبت إليه أن يميز بين ثمرة وأخرى من دون أن يلمس أو يشم أو يتذوق أيا منهما، فإنه لن يستطيع ذلك. إن <تيرهو> أعمى تماما إلا أنه استعاد قدرته على التمييز بين التفاحة والموزة عن طريق الإبصار لمدة ثلاثة أشهر عام 2008، بفضل شيبة chip إلكترونية ضئيلة الحجم غرسها الباحثون في عينه اليسرى. وعلى الرغم من قصر مدة النجاح الأولى للتقانة الجديدة، فقد غيّر باستمرار التوقعات من أجل <تيرهو> والكثيرين من أمثاله.
يعمل <تيرهو> في منظمة للبعثات الدراسية الرياضية بفنلنده، وهو مصاب بالتهاب الشبكية الصباغي، وهذا مرض جيني يتلف الخلايا الحساسة للضوء التي تبطن الشبكية في القسم الخلفي من العين. وقد كان <تيرهو> يتمتع برؤية جيدة حتى بلوغه سن 16 عاما عندما بدأت الرؤية لديه بالتدهور، وفي العشرينات من عمره تدهورت أيضا قدرته على الرؤية في ضوء النهار. وعندما بلغ سن 35 عاما فقد <تيرهو> الرؤية المركزية في كلتا عينيه، وعندما بلغ 40 سنة من العمر لم يعد يدرك سوى أثر من الضوء في محيط الرؤية لديه.
ومن ثم تغير كل شيء في الشهر 11/2008، عندما غرس <زرنير> [الذي يعمل في جامعة توبنگن بألمانيا] الشيبة في شبكية عين <تيرهو>، فقد حلت الشيبة محل المستقبلات الضوئية التالفة (والتي يطلق عليها اسم العِصِيّ والمخاريط) في الشبكية. وفي الشبكية السليمة تحوِّل المستقبلات الضوئية الضوء إلى دفعات impulses عصبية تصل في نهاية المطاف إلى الدماغ بعد مسيرها عبر طبقات متعددة من النسج المتخصصة. ويتكون أحد هذه النسج من خلايا يطلق عليها اسم الخلايا الثنائية القطب(6). وتتألف كل شيبة من 1500 مربع مرتبة ضمن شبكة منتظمة تقيس 0.12 بوصة طولا و 0.12 بوصة عرضا، ويتضمن كل مربع من تلك المربعات واحدا من الصمامات الثنائية الضوئيةphotodiodes ومضخما amplifier وقطبا كهربائياelectrode. وما أن يشع الضوء على أحد الصمامات الضوئية حتى يولد تيارا كهربائيا ضئيلا يتقوى بتأثير المضخم المجاور ويتوجه إلى القطب الكهربائي الذي ينبه بدوره الخلية الثنائية القطب الأقرب إليه، مرسلا في نهاية المطاف إشارة عبر العصب البصري إلى الدماغ. وكلما ازدادت كمية الضوء على الصمام الثنائي الضوئي ازدادت قوة التيار الكهربائي الناتج.
لقد فتحت الغرسة implant التي غرست في عين <تيرهو> نافذة له على العالم، وتبلغ أبعاد هذه النافذة مساحة مربع من الورق تقيس أضلاعه 8 بوصات وموضوع على مسافة ذراع. ومن خلال تلك النافذة، تمكن <تيرهو> من تعرف الأشكال الرئيسية للناس والأشياء ولاسيما عند وجود تباين قوي بين الألوان الفاتحة والداكنة، إذ إن الشيبة لم تكن تتضمن من الأقطاب الكهربائية ما يكفي لإنتاج صور واضحة الحدود. إضافة إلى ذلك، سمحت له الشيبة بإدراك ظلال رمادية فقط بدلا من إدراك الألوان، لأنه لم يكن بإمكانها تمييز أطوال موجات ضوئية مختلفة.
وعلى الرغم من جوانب القصور هذه فقد غيّرت هذه الغرسة تغييرا حاسما كيفية تفاعل <تيرهو> مع العالم خلال أيام من إجراء الجراحة له، فللمرة الأولى خلال عقد من الزمن صار بمقدوره رؤية الأشياء وتسميتها مثل الأواني الفضية والفواكه وقراءة الرسائل المكتوبة بأحرف كبيرة القياس، والاقتراب من الناس في الغرفة وتعرّف من يحب منهم. كما صار بمقدور مريضين آخرين، زرعت لهما تلك الغرسات في وقت قريب من ذلك التاريخ، تعرّف مواضع الأشياء الوضاءة إذا وُضعت أمام خلفية داكنة اللون.
وقد اضطر <زرنير> إلى إزالة الشيبة بعد مضي ثلاثة أشهر، لأن تصميمها ترك المريض معرضا للأخماج(7) الجلدية: فقد كانت هناك بطارية خارجية بحجم الجيب توفر الطاقة للمضخات عبر شريط صغير يخترق الجلد تاركا جرحا مفتوحا. إضافة إلى ذلك، كان ينبغي على المرضى أن يبقوا قريبين من أحد الحواسيب الذي يضبط لاسلكيا تواتر الدفعات الإلكترونية، وغير ذلك من مظاهر الرؤية مثل الوضاءة والتباين.
ومنذ عام 2008 زاد <زرنير> الأمان الذي تتمتع به الغرسة ومن قابليتها للحمل. أما النموذج الأخير الذي زُرع في عشرة أشخاص فهو لاسلكي؛ فتحت الجلد يوجد سلك نحيل ينطلق من وشيعة(8) كهرطيسية تقع خلف الأذن على مسافة قصيرة من الشيبة المزروعة في القسم الخلفي من العين، كما أن وضع وشيعة كهرطيسية أخرى في صندوق بلاستيكي صغير على سطح الجلد قرب الأذن سوف يكمل الدارة الكهربائية التي توفر الطاقة للغرسة. ويمكن للمرضى أن يعدلوا شدة الوضاءة والتباين بالتعامل مع الأزرار على الوشيعة الخارجية. وللوصول إلى تحسين أكثر لهذه التقانة، يرغب <زرنير> في زرع ثلاث شيبات متجاورة في شبكية واحدة بحيث يصبح لدى المريض مساحة واسعة للرؤية.
ومع أنه يجب على المستقبِلات الضوئية الصنعية أن تثبت أنها مفيدة في أي شكل من أشكال العمى الذي ينجم عن تلف المستقبلات الضوئية (ونعني بها التهاب الشبكية الصباغي retinitis pigmentosa وتنكس المشيميةchoroideremia وبعض أنواع تنكس البقعة مثل الضمور الجغرافي geographic atrophy)، فإنها لا تفيد في مساعدة المصابين بالزرق glaucoma ولا في الحالات التي تؤدي إلى تَدرك degradation العصب البصري.
وقد حقق فريق آخر نجاحا يرقى إلى المستوى ذاته من النجاح الذي حققه <زرنير> في الدراسات السريرية. فقد طورت الشركة(9)Second Sight في كاليفورنيا غرسة شبكية، سَمَّتها Argus II، تستخدم أيضا لمعالجة التهاب الشبكية الصباغي، ولكن بأسلوب مختلف. وتلتقط الغرسة Argus II الصور من العالم الخارجي بواسطة آلة تصوير (كاميرا) ضئيلة الحجم تثبت على النظارات ثم تُحوّل تلك الصور إلى دفعات impulses كهربائية وتنقلها إلى قطب كهربائي يستقر على سطح الشبكية بدلا من أن يكون مغروسا ضمنها. وهكذا فإن الغرسة Argus II لا تعمل على شاكلة غرسة <زرنير>، فهي لا تحاكي التنبيه السوي للشبكية بواسطة الموجات الضوئية، ولكنها تنتج بدلا من ذلك بقعا من النقاط الوضاءة والداكنة التي ينبغي على المريض أن يتعلم كيف يفسرها.
إن استعادة الرؤية مرتفعة التكاليف حتى في المجال الرمادي. ففي الوقت الراهن، يكلف تركيب الغرسة Argus II مئة ألف دولار لكل عين وذلك حالما يتم اختبارها والموافقة على استعمالها، أما ثمن غرسة <زرنير> فمن المرجح ألا يقل عن ذلك. كما ينبغي على <زرنير> أن يجري دراسات سريرية إضافية قبل أن تسمح له المجالس الاستشارية الأوروبية بتدريب جراحين آخرين على هذه العملية. وقد نالت الغرسة Argus II الموافقة على بيعها في جميع أوروبا ولكنها لم تنل ذلك في الولايات المتحدة، ويشير نجاح الدراسات السريرية الأولى وسرعة تحسين التقانة إلى أن غرسات الشبكية قد تتوافر على نطاق واسع خلال سنوات معدودة.
|