أشكالُ حياةٍ من صنع الإنسان تمشي على الأرض
تقرير خاص: العالم في 2076
أشكالُ حياةٍ من صنع الإنسان تمشي على الأرض
بقلم: جف هيكت
ترجمة: أماني عبدالملك
ظهرت الحياة على الأرض تقريبا حالما برد الكوكب بشكل كافٍ ليكون صالحا للعيش. وعلى حد علمنا لم يحدث ذلك مرة أخرى في الأربعة ملايين سنة التي تلتها. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تنتهي الفترة القاحلة الطويلة تلك خلال السنوات القليلة القادمة، إذ يقترب العلماء من هدف تصنيع حياة من لا شيء في المختبر.
لقد سبق وأن قام علماء الوراثة بتخليق جينوم حسب الطلب وغرسه في بكتيريا. كما قاموا بتعديل الشيفرة الوراثية لبكتيريا أخرى لتحفيزها على استخدام وحدات بناء غير طبيعية جديدة لصنع بروتينات. إلا أن جميع هذه المساعي تبدأ من كائنات حية وتعدِّلها فقط.
أما المساعي الأكثر طموحا فتبدأ باستخدام مكونات كيميائية غير حية- في بعض الأحيان أحماض نووية ودهون معروفة، ولكن في أحيان أخرى بتركيبات مختلفة كليا مثل أكسيدات المعادن ذاتية التجميع. ويهدف الباحثون إلى لتمهيد الطريق لهذه المواد الكيميائية لعبور عتبة الداروينية بحيث تبدأ بالتطور والاستنساخ الذاتي بشكل وراثي – ويعتبر ذلك هو المعيار الأساسي لوصف النظام بالحي. إذا أمكن إنجاز ذلك، فسيكون ما يترتب عليه هائلا.
وبشكل أساسي، ستستكمِل صورُ الحياة التخليقية synthetic life الانفصالَ الفلسفي – ذلك الانفصال الذي بدأه داروين مبتعدا عن نظرية الخلق. ويقول مارك بيدو Mark Bedau، فيلسوف العلوم من كلية رييد Reed College في بورتلاند-أوريغون: “سوف نثبت بشكل قاطع أن الحياة ليست إلا مجرد نظام كيميائي معقد.” ويعتقد معظم العلماء ذلك سلفا بالطبع، ولكن ممكن أن تثبت الحياة التخليقية النقطة بشكل لا يستطيع بقية العالم إنكاره. إضافة إلى ذلك، فإن تخليقها في المختبر سوف يثبت أن أصل الحياة حاجز يمكن تخطيه، مما يزيد من فرص العثور على حياة في مكان آخر في النظام الشمسي (انظر: العالَم في 2076: انهيار قنبلة السكان).
كما ستمنح نشأةٌ ثانية للحياة علماءَ الأحياء نقطة مقارنة مستقلة لفهم ما الذي يجعل الحياة تدب. وبما أننا صنّعناها، فسوف نتمكن من تعديلها وتغيير المكونات لمعرفة أي من الخصائص أساسية بحق.
ويقول ستيفن بينير Steven Benner -من مؤسسة التطور الجزيئي التطبيقي Foundation for Applied Molecular Evolution في فلوريدا- إن الأشياء التي سوف ينتهي بنا المطاف بتسميتها “الحياة الطبيعية” natural life مثقلة جدا ببلايين السنين من أحمال التطور Evolutionary baggage لدرجة يتعذر معها التفريق بين الضروري بالفعل للحياة وما الذي أصبح ضروريا لنوعنا خاصة. وسوف تعطي الحياة المُصنَّعة حديثا العلماءَ التجريبيين نظاما أصفى لاختبار احتياجات الحياة.
وستظهر الفوائد العَمَلية -على الأرجح- في المستقبل الأبعد. وسيكون أي نوع جديد من الحياة ضعيفا في البداية بحيث لا يمكنه البقاء على قيد الحياة من غير عناية في المختبر، حيث سوف يحظى اختصاصيو التقنية الحيوية -الذين يريدون إنتاج جزيئات محددة أو تحليل المخلفات السامة على سبيل المثال- بفرص نجاح أفضل لتعديل الحياة الطبيعية. ولكن على المدى البعيد يمكن أن تقوى الحياة الاصطناعية لدرجة كافية لتتمكن من النمو بذاتها. ففي تلك الحالة سوف تسمح لاختصاصيي التقنية الحيوية بالتحرر من قيود الحياة الطبيعية للتوصل إلى أهداف جديدة. فكما يقول لي كرونين Lee Cronin من جامعة غلاسكو University of Glasgow-المملكة المتحدة: “ نستطيع استكشاف جميع أنواع المنافع المحتملة.”
ولكن تجلب هذه المنافع مخاطر أيضا. إذ إن شكلَ حياةٍ حر مستقل، بالتعريف، لا يمكن التنبؤ به أو التحكم فيه تماما. سوف يتعين على اختصاصي التقنية الحيوية تصميم مفاتيح إيقاف للطوارئ في حال أصبحت الحياة الجديدة مسببة للأمراض أو مؤذية بأية طريقة أخرى. كما ينبغي على أصحاب القرار السياسي وعلماء الأخلاق التوصل إلى كيفية ووقت استخدامها. ويمكن أن يحاول الجمهور إحباط الصناعة برمتها في خضم الاتهامات المعتادة عن لعب دور الإله. ويتعين أن تبدأ نقاشات تبعات الحياة الاصطناعية قريبا. فيقول بيدو: “خلال وقت قصير قد تتحول هذه إلى مشكلة كبيرة.”