المعهد الوطني للصحة يزيد اهتمامه بمتلازمة التعب المزمن
بقلم: مريديث وادمان Meredith Wadman، في فورت لودرديل، فلوريدا
ترجمة: مريانا حيدر
تمويل جديد يظهر التزاماً متزايداً بالمرض الغامض، لكن ليس الجميع على ثقة بأن الوكالة قد عكست مسارها
إن المتحدث الذي طال انتظاره، في أواخر الشهر الفائت في المؤتمر الدولي المخصص للمرض الغامض المعروف بمتلازمة التعب المزمن Chronic Fatigue syndrome (اختصارا: المتلازمة CFS)، لم يكن عالما في جعبته اكتشاف جديد مثير -على الرغم من وجود الإثارة في أجواء بفعل بحث جديد- بل كان مسؤولا من المعاهد الوطنية للصحة National Institutes of Health (اختصارا: المعاهد NIH)، يحمل أنباء جديدة لمجتمع لطالما تواجد على هوامش الأبحاث الطبية الحيوية. حيث كانت فيكي ويتمور Vicky Whittemore -نقطة ارتباط المعاهد NIH فيما يخص بالمتلازمة CFS في بيثيسدا في ماريلاند- قد قدمت وعدا قطعه مدير المعاهد NIH فرانسيس كولينز Francis Collins العام الماضي، عندما أعلن أن إنفاق المعاهد NIH لأجل الأبحاث على المرض غير المفهوم كثيرا يجب أن يرتفع إلى 15 مليون دولار تقريبا في 2017، مضاعفا القيمة التي قُدمت في عام 2016 والمقدرة بنحو 7.6 مليون دولار.
وإضافة إلى ذلك، قالت مبعوثة المعاهد NIH للمشاركين في المؤتمر أن الوكالة الطبية الحيوية سوف تلتمس اقتراحات حول المتلازمة من علماء خارج المعاهد لتنشئ عدة مراكز تعاونية للأبحاث البحتة والإكلينيكية، ومركز آخر لإدارة المعلوماتهم وبياناتهم حول المرض. إن دعوات تقديم الطلبات والتي ستترافق مع الأموال المخصصة ضمن زيادة الميزانية المقررة، وهي الأولى من نوعها في مجال المتلازمة CFS من ممول أبحاث طبية رئيسي في الولايات المتحدة منذ عام 2005. وقالت ويتمور في المؤتمر: “هناك تغير في توجه المعاهد NIH فيما يخص المتلازمة ME/CFS،” واستخدمت ويتمور المصطلح الذي يفضله العديد ممن لديهم هذا المرض المؤثر على أكثر من جهاز. (يشير ME إلى الْتِهابُ الدِّماغِ والنُّخاعِ الحَمِيْدُ المُؤلِمُ للعَضَل Myalgic encephalomyelitis،، وقد عُقد الاجتماع من قبل الاتحاد الدولي لمرضى المتلازمة ME/CFS.
ويوافق بعض العلماء العاملين على هذا المرض على ما سبق. فيقول إيان ليبكين Ian Lipkin، عالم مناعة في جامعة كولومبيا Columbia University الذي يعمل في اللجنة الاستشارية للمدير كولينز وهي المجموعة الأساسية من الاستشاريين الخارجيين: “إن مجرد حقيقة وجود ميزانية لهذا المرض يعني أن الوكالة تأخذ الأمر على محمل الجد، ولا يأتي التمويل فقط من الصندوق التفويضي الموضوع تحت تصرف فرانسيس كولينز، بل من المؤسسات المختلفة للمعاهد NIH.” وليبكين أيضا هو الباحث الرئيس في منحة مقدارها 766000 دولار من مؤسسة الأمراض المعدية Infectious diseases institute التابعة للمعاهد NIH، والتي تهدف لجمع عينات من مئات المرضى والأصحاء، للبحث عن دلائل حيوية يمكن استخدامها لتشخيص المرض، والبحث عن أدلة تشير إلى مسبباته.
لقد مضى نحو ثلاثة عقود من الزمن منذ أن قامت مجموعة من الباحثين تقودها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention (اختصارا: المراكز CDC) التابعة للولايات المتحدة بإطلاق مصطلح المتلازمة Chronic Fatigue Syndrome، بعد تقصي حالتين من حالات تفشي المرض في الولايات المتحدة. تتمثل الأعراض بالإرهاق الذي يسوء عادة بالإجهاد الجسدي أو العقلي أو العاطفي، وتتميز الحالة أيضا بذاكرة قصيرة الأمد، ومشكلات في التركيز وتعب شديد لا يخففه النوم، كما يشعر من يعاني هذا المرض بآلام عامة في العضلات والمفاصل، ومشكلات في الجهاز المناعي، وحالات صداع والعديد من الأعراض الأخرى، وكثيرا ما تتبع بداية هذا المرض الإصابة بمرض معدٍ.
ومنذ أن أطلق الاسم على المرض، فقد اعتبره العديد من الباحثين والأطباء مرضا نفسيا جسديا، إذ لا يوجد له دواء مُرخَّص من قبل إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration، كما لا يوجد أي فحص مُشخِّص له كمرص نفسي-جسدي Psychosomatic. ثم في عام 2015، دحض معهد الطب Institute of Medicine (اختصارا: المعهد IOM) سوء الفهم الذي يعتبر المرض حالة نفسية المنشأ، وذلك في تقرير استقى معلوماته من مراجعة لأكثر من 9000 مقالة تمتد على 64 سنة من الأدبيات الطبية، ويشير الباحثون قائلين: “من المدهش توفير تمويل ضئيل جدا للبحث لدراسة مسببات المرض وآليته، والعلاج الفعال لهذا المرض، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار عدد الأفراد المصابين به.” إذ يقدر المركز CDC أن المتلازمة ME/CFS تصيب أكثر من مليون أمريكي وغالبيتهم من النساء.
وكان لتقرير معهد الطب “أثر لا يصدق،”لأنه أثبت حقيقة ما يحسّف المرضى، “فقد أخبرهم أنهم ليسوا مجانين،” على حد قول عالم الوراثة رونالد ديفيس Ronald Davis -مدير مركز تكنولوجيا الجينوم Genome Technology Center في جامعة ستانفورد Stanford University في بالو ألتو في كاليفورنيا، والذي كان أيضا أحد مؤلفي التقرير الخمسة عشر. أصبح ديفيس مناصرا شغوفا لأبحاث المتلازمة ME/CFS، وحول دراساته الخاصة إلى هذا الموضوع بعد أن أُصي ابنه ذو الثلاثة والثلاثين بالمتلازمة ME/CFS عام 2008، وهو الآن طريح الفراش، ويتابع ديفيس: “لقد قام هذا التقرير بالكثير للمركز CDC والمعاهد NIH اللذين كانا يتجاهلان هذا المرض.”
ولم يمض وقت كثير بعد نشر تقرير المعهد IOM، حتى أصدرت المعاهد NIH تقييمها المكتوب، والذي أقرت فيه أن البحث أهمل الكثير من العوامل الحيوية وراء المتلازمة ME/CFS، وحثّ على المزيد من العلوم البحتة الموجَّهة إلى اختبارلآلية المرض. كما أعلن كولينز أيضا عن زيادة جهود المعاهد NIH فيما يخص المتلازمة ME/CFS. كذلك نقل الإشراف على البحث من مكتب أبحاث صحة النساء Office of Research on Women’s Health الصغير التابع للمعاهد NIH إلى المعهد الوطني للاضطرابات والسكتات العصبية National Institute of Neurological Disorders and Stroke (اختصارا: المعهد NINDS) ذو ميزانية 1.7 بليون دولار، ومؤخرا في الشهر الماضي استهل دراسة جماعية بدأت بتسجيل الأفراد [الراغبين في المشاركة] . سيخضع أربعون مريضا ممن ظهر عليهم المرض خلال خمس سنوات بعد إصابتهم بعدوى، لمجموعة من الفحوص في المركز الإكلينيكي Clinical Center، وهو مستشفى أبحاث تابع للمعاهد NIH. ستقيس التقييمات، بدءا من فحوصات تمارين الجهد إلى فحوص تصوير الرنين المغناطيسي للدماغ، الخواص الإكلينيكية والحيوية للمرض -الذي ليس له حتى الآن تعريف جامع شامل متفق عليه. وعلى سبيل المقارنة، ستتضمن الدراسة أشخاصا أصحاء (مجموعة تحكّم Control)، وأشخاصا تعافوا من داء لايم Lyme Disease الذي يمكن أن يسبب أعراضا مشابهة للمتلازمة ME/CFS.
ويظل بعض المرضى متشككين في خطوات المعاهد NIH، وفيما إذا كانت تعكس التزاما صادقا للقيام بأبحاث حول المرض. فقد انتقدوا ما يسمونه معايير التأهّل الضيقة المستخدمة من قبل دراسة المركز الإكلينيكي، كما اشتكوا أن تمويل المعاهد NIH -حتى بعد تقرير المعهد IOM- للأبحاث حول المرض نما بنسبة ضئيلة نحو 3 في المئة منذ عام 2015 إلى عام 2016. ويستشهد النقاد أمثال ديبورا واروف Deporah Waroff -محللة طاقة من وول ستريت متقاعدة أصيبت بالمرض عام 1989 – إلى أن مرض التصلب المتعدد Multiple sclerosis، وهو مرض مزمن يؤدي إلى عجز مشابه، يصيب ما هو أقل من نصف عدد الأمريكيين المصابين بالمتلازمة ME/CFS وفقا لتقدير حديث. إذ تتلقى أبحاث التصلب المتعدد تمويلا بمقدار 98 مليون دولار، أي 13 ضعف تمويل أبحاث المتلازمة ME/CFS الذي تقدمه المعاهد NIH. تقول واروف: “مايزال التهاب الدماغ والنخاع ME عائما دون موقع واضح، فلا يقع تحت أي مؤسسة تابعة للمعاهد NIH، ولذلك فلا إمكانية لمطالبة طرف ما بميزانية له. إذ يبقى هذا المرض في وضعية المتسوِّل عندما يتعلق الأمر بميزانية.”
هذا، ربما تبخرت أية نية حسنة كسبتها ويتمور عند ظهورها في فلوريدا، بعد موجة غضب الأسبوع الفائت عندما علم مرضى المتلازمة ME/CFS أن المعاهد NIH قد دعت إدوارد شورتر Edward Shorter -مؤرخ طبي من جامعة تورنتو University of Toronto- ليلقي محاضرة بتاريخ 9 نوفمبر في المعاهد NIH. وذلك لأن شورتر في السنة الماضية وصف تقرير المعهد IOM الذي يؤكد الأساس االبيولوجي للمرض على إنه “علم عديم القيمة؛ وغير المرغوب فيه في أسوأ حالاته.” إذ يُرجِع شورتر المرض إلى مزيج من سبعينات القرن العشرين “مزيج من قناعات سامة حول الشعور بالتعب طوال الوقت.”
ويدافع والتر كوروشيتز Walter Koroshetz مدير المعهد NINDS عن هذه المحاضرة في رسالة كتبها إلى مرضى المتلازمة ME/CFS فيقول إن “التضمين في الحديث العلمي لا يعني الموافقة.” كما كتب في رسالة الكترونية إلى مجلة Science أن محاضرة شورتر لم تكن “محاضرة رسمية حول المتلازمة ME/CFS، وقد صدر إعلان بنقيض ذلك، لكنه سُحِب. وتلك نهاية القصة.”
وقد يكون التقدم العلمي الملموس لفهم المتلازمة ME/CFS أفضل شيء لإنهاء الخلاف والانقسام. نشرت دراسة في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Science في أغسطس، كانت قد وجدت مستويات منخفضة من نتائج المُستَقلبات Metabolites في دم الأفراد المصابين بالمرض، بالمقارنة مع أصحاء من مجموعة التحكم، مما يقترح أن المرض قد يدفع الجسم إلى حالة منخفضة الطاقة شبهها البعض بالسُبَاتُ الشتوي Hibernation. ينتظر العلماء والمرضى بتوق نتائج دراسة مماثلة يكررها فريق ليبكين، وفي حال تكررت النتائج، فإن الاكتشاف المُحيِّر هذا قد يتوافق مع نظرية حديثة تقول أن الوظيفة غير النظامية للميتوكوندريا -العضية التي تؤمن الطاقة للخلية- هي ما يسبب ظهور المرض.
والإشارات إلى أن دواء من أجسام مضادة وحيدة النسيلة monoclonal antibody يدعى ريتوكسيماب Rituximab، وهو دواء يدمر الخلايا البائية B cells المنتجة للأجسام المضادة، قد يساعد بعض المصابين بالمتلازمة ME/CFS، وقد أشعل بعضا من التفاؤل. إذ يزداد قليلا خطر احتمال إصابة مرضى المتلازمة ME/CFS خطر بلمفوما الخلايا البائية B-cell lymphoma، فقد وجد باحثون نرويجيون بالصدفة أن علاج النساء اللواتي كن يعانين الحالتين معا -المتلازمة ME/CFS ولمفوما- بدواء الريتوكسيماب يُحسِّن بشكل كبير أعراض المتلازمة ME/CFS لديهن. ومضت المجموعة في إجراء دراسة غير مُعمّاة Non-blinded study على 29 مريضا مصابا بالمتلازمة ME/CFS، أفصح 18 منهم عن تحسن كبير أو متوسط في الأعراض. ويجري الباحثون الآن تجربة إكلينيكية موسَّعة وعشوائية randomized ومزدوجة التعمية Double-blind، وذلك لتجربة الدواء على 152 مريضا، ويخططون لتقييم فعاليته في أكتوبر القادم.
ويحافظ أويشتاين فلوغ Øystein Fluge على حذره –وهو أحد رؤساء التجربة النرويجية وعالم أورام في مستشفى جامعة برغينز هويكلاند Bergen’s Haukeland University في النرويج- إذ يقول: “تقول العديد من المواقع على الإنترنت أنه مرض مناعي ذاتي Autoimmune disease. لكننا لم نقل ذلك. فنحن نعتقد أن بعض الخواص تتوافق مع بعض آليات أمراض المناعية الذاتية. لكن هذا افتراض.فلسنا متأكدين من ذلك.” هناك أمر وحيد مؤكد فقط، بعد عقود من الإحباط مازال المرض المبهم أمرا غامضا بشكل يدعو للجنون.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.