المحاصيل المعدلة وراثيا قد تنجح في الظل
أخبار بالتفصيل
بيوتكنولوجيا النباتات
نباتات التبغ المُعدَّلة وراثياً تُسرّع البناء الضوئي عندما يخفت الضوء الساطع مما يزيد من الإنتاج
بقلم: إيريك ستوكشتاد
لا يعني قيام النباتات بالبناء الضوئي أنها لا يمكن أن تصاب بنوع ما من أنواع حروق الشمس – عطب ناتج من التعرض الزائد للضوء. ولهذا السبب تعتمد كل النباتات على آلية تحمي فيها نفسها من ضوء الشمس المفرط السطوع، وذلك عبر تحويل الفوتونات إلى حرارة غير مؤذية. ولكن وبشكل مشابه لشخص يتأخر في نزع نظارته الشمسية بعد دخوله إلى الداخل، فإن إيقاف هذا الدرع الشمسي النباتي يتأخر أيضاً عندما يمر ظل ما فوق الورقة، وتكون نتيجة هذا الأمر هي بقاء البناء الضوئي منخفضاً.
ومن أجل الحصول على بناء ضوئي محسن -وبالنتيجة محاصيل أكثر وفرة- تلاعب علماء الأحياء بالنباتات بشكل ذكي لتتأقلم بسرعة أكبر مع الظل، حيث أنتجت الاستجابة السريعة المعدلة وراثياً ضمن نباتات التبغ زيادة في الكتلة الحيوية تصل لنحو 20 ٪. إن دراسة إثبات المفهوم التي وصفت في الصفحة 857 [من مجلة ساسنس لهذا الأسبوع] هي تجربة رائدة وهي أول تجربة ميدانية مقنعة في المجال المُحتدم في التعديل الهندسي لعملية البناء الضوئي، كما يقول روبيرت فوربانك Robert Furbank عالم بيولوجيا النبات التكاملية في الجامعة الوطنية الأسترالية Australian National University في كانبيرا.
لقد حسن الاستنسال التقليدي للنباتات من منتوجات المحاصيل الشائعة بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، خلال الثورة الخضراء زاد نورمان بورلاو Norman Borlaug وآخرون إنتاج المحاصيل المنتجة إلى الضعف تقريباً، وذلك عبر إنتاج نباتات بجذوع قصيرة قوية يمكنها أن تحمل كمًّا أكبر من الحبوب. وفي هذه الأيام، يمكن لمنتجي السلالات أن يجعلوا المحاصيل تحوِّل نحو 50 ٪ إلى 60 ٪ من كتلتها الحيوية لتصبح بذورا. إلا أن تحقيق أي المكاسب لم يعد يتزايد وظل دون 1 ٪ للسنة الواحدة، وذلك لأن نمو النبات محدود بفعالية عملية البناء الضوئي ذاتها.
حاولت فرق البحث تجاوز عنق الزجاجة هذا بعدة طرق عدة. إذ كان أحد آمالها التي سعت إليه طويلا هو أن تأخذ نمطاً عالي الطاقة من البناء الضوئي والموجودة في الذُرَة و في ثلاثة محاصيل أخرى، ويدعى مسار الكربون 4 C4 pathway، وتُدخله على محصول الرز، وهنالك هدف آخر ألا وهو تحسين الإنزيم رابيسكو RuBisCO، إنزيم بطيء جدا يحفز المراحل الأولى من تحويل ثنائي أكسيد الكربون إلى جزيئات عضوية نافعة.
أما مؤخرا، فقد فكر بعض الباحثون في تبسيط أحد جوانب البناء الضوئي وهو ما يُدعى الحماية الضوئية photoprotection، فكيف تحمي النباتات نفسها من الضوء الساطع، ولتوازن عملياتها الاستقلابية، فإنها تعتمد على آلية تدعى التبريد الكيميائي غير الضوئي Nonphotochemical quenching (اختصارا: الآلية NPQ)، وفي هذه الآلية، تحوّل الكلوروبلاستاتُ الفوتوناتِ بعيدا عن الجسيمات التي تقتنص الضوء، وتعيد إطلاقها ببساطة على شكل حرارة. أما في ظروف الإضاءة الخافتة، يمكن للنباتات أن توقف آلية التبريد كي تعزز فعالية البناء الضوئي، لكن على الرغم من أن النباتات يمكنها أن تزيل الدرع خلال بضع دقائق، إلا أن تخفيض أو إضعاف آليات الدفاع قد يستغرق ساعات، مما يحد من البناء الضوئي في الظل.
لا يشكل التأخير الزمني مشكلة عند النباتات البرية التي يمثل البقاء والتكاثر عندها الهدف الأهم، أما بالنسبة إلى المزارعين الذين يريدون زيادة الكتلة الحيوية لأقصى حد فإن هذا التأخير الزمني يمثل عائقاً. ففي عام 2004، أجرى عالم وظائف النبات ستيفين لونغ Stephen Long من جامعة إيلينوي University of Illinois في أوربانا وزملائه بعض الحسابات التي تفترض أن نظام التبريد الذي يعمل في ظروف نموذجية في حقل متوسط النطاق يمكنه أن يخفض كمية ثنائي أكسيد الكربون المحولة إلى سكريات بنسبة تصل إلى 30 ٪.
بعد قراءة بحث لونغ، راودت عالم الوراثة كريشنا نيوغي Krishna Niyogi -من جامعة كاليفورنيا في بيركلي- فكرة عن كيفية إيقاف آلية التبريد بشكل أسرع، وكانت الاستراتيجية تقتضي إضافة نسخ إضافية من ثلاثة جينات تكون بروتيناتها مسؤولة عن إيقاف الحماية، إذ يجب أن تسرع المستويات الأعلى من البروتين من استجابة النبات للظل. أخذ نيوغي ولونغ ومشرفوهم في أبحاث ما بعد الدكتوراه هذه الجينات من نوع من نبات الخردل أرابيدوبسيس ثاليانا Arabidopsis thaliana، الذي دُرِس بشكل موسع، وأدخلوا هذه الجينات إلى نباتات التبغ، والتي تتميز بسهولة تعديلها وراثياً، وبعد إجراء الاختبارات المخبرية والاختبار في البيوت الدفيئة، زرعوها في حقل اختبار قرب جامعة إيلينوي، وكانت النتيجة أن زاد حجم أوراق التبغ المعدل وجذوعه وجذوره، وزاد وزنه من نحو 14 ٪ إلى 20 ٪ عن النباتات غير المعدلة بعد 22 يوماً.
يقول نيوغي: “إن الحصول على زيادة مماثلة في تجربة ميدانية كان أمراً مذهلاً.” أتت هذه الفائدة من دون آثار جانبية واضحة، على الرغم من أن الباحثين لم يتمكنوا من اختبار ما إذا كانت النباتات المُعدَّلة قد خسرت شيئاً من مقاومتها للأمراض أو تحملها لجهد الإنتاج في هذه التجربة. إن السؤال الأهم هو ما إذا كانت تعديلات مماثلة في المحاصيل الغذائية ستعني إنتاجاً أكثر قابلاً للاستهلاك، ولمعرفة ذلك، بدأ نيوغي ولونغ بوضع الجينات في نخبة السلالات المُستَنْسَلة من الأرز والذُّرَة، ومحاصيل أخرى لاحقة، حيث تنبأ لونغ أيضاً أن الباحثين سيجدون طرقاً لإيقاف التبريد بشكل أسرع حتى، وربما ينتجون أيضاً مزيداً من الكتلة الحيوية، إذ يقول: “نعتقد أن هذا الأمر قد يكون أهم مما توصلنا إليه الآن.”
ومن الممكن أيضاً أن نحصل على التأثير ذاته من دون نقل الجينات بين الأصناف، مما قد يسهل الحصول على الموافقات المُنظِّمَة للعمل، أو قد يحسن من تقبل المستهلك لهذه المحاصيل. وتُثبِّط النباتات عادة أي نسخة إضافية من جيناتها الخاصة، لكن تعديل الجينات أو المحفزات باستخدام تقنية CRISPR أو أي تقنية أخرى يمكن أن يتجاوز هذا العائق، مما يسمح للباحثين بالعمل باستخدام المادة الوراثية للصنف ذاته. وبغض النظر عن آلية فعل ذلك، فإن تعزيز البناء الضوئي يمكن أن يساعد الباحثين على الرد على منتقدي التقنيات الحيوية عند النباتات الذين يشتكون من أن النباتات المُعدَّلة وراثياً لم ترفع من إنتاج المحاصيل، على حد قول داريو ليستر Dario Leister، هو عالم أحياء جزيئية عد النباتات في جامعة لودويغ-ماكسيميليان Ludwig-Maximilian University في ميونيخ بألمانيا، ويتابع قائلا: “إن إنتاج نباتات تعطي محصولاً أكبر هو أمر يجب أن يفرح به الجميع.”
ترجمة مريانا حيدر
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.