أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

مضادات الالتهابات تمنع النوبات القلبية من خلال النظرية المبررة، تشير نتائج الأجسام المضادة إلى نهج جديد لحماية القلب

بقلم: جينيفر كوزين- فرانكل Jennifer Couzin-Frankel 
ترجمة: مي منصور بورسلي

أكدت تجربة سريرية أُجريت على أكثر من 10 آلاف مريض نوبة قلبية شكوك علماء القلب منذ أمد طويل، بأنّ الالتهابات تساعد على تحفيز النوبات القلبية. فمن خلال إعطاء المرضى أجساما مضادة تستهدف جزيئا رئيسيا في المسار الالتهابي، خفّض الباحثون من حدوث أمراض القلب والسكتة الدماغية بنسبة 15%، كما ذُكر الأسبوع الماضي في الجمعية الأوروبية لاجتماع أمراض القلب European Society of Cardiology في برشلونة بأسبانيا، وفي مجلة نيو إنغلاند للطب The New England Journal of Medicine.

وقد لا تغيرُ النتيجةُ الممارساتِ الطبية على الفور، لأنّ التأثير كان متواضعا، والدواء غالي الثمن كما أنه يمكن أنّ يسبب آثارا جانبية خطيرة. ولكن النتيجة هي دليل على المبدأ، ومن المرجح أن يحفّز ذلك تطوير علاجات لأمراض القلب والأوعية الدموية تستهدف الالتهابات. ويقول تيرجي بيدرسين Terje Pedersen، طبيب القلب Cardiologist من جامعة أوسلو University of Oslo، الذي كان في الماضي مشككا  بارتباط أمراض القلب بالالتهابات: «يجب أن أهنئ القائمين على هذه التجربة.» وسجلت التجربة أيضا حالات أقل من سرطان الرئة بين الذين يتلقون العلاج، بما يتفق مع نتائج الأبحاث الأساسية مما يشير إلى أنّ المسار الالتهابي نفسه قد يبدأ أو يحفّز نمو الورم. (نُشرت هذه البيانات في مجلة ذا لانسيت The Lancet) . ويقول روي هيربست Roy Herbst، وهو أختصاصي علاج الأورام الطبي Medical Oncologist من مركز السرطان في ييل Yale Cancer Center بنيو هافن New Haven  في ولاية كونيتيكت  Connecticut: «من المؤكد أنّ باحثا في سرطان الرئة مثلي مهتم بمعرفة المزيد.» وبتمويل من شركة العقاقير العملاقة نوفارتيس Novartis، نمت دراسة كاناكينوماب لنتائج تخثر مضادات اللالتهابات Canakinumab Anti-inflammatory Thrombosis Outcomes Study (اختصارا: الدراسة CANTOS) بفضل جهود سنوات لتعقب دور الالتهابات، وهي سلسلة معقدة من الإشارات المناعية وخلايا الدم البيضاء المختلفة في أمراض القلب. ويشرح مارك كريغر Mark Creager، مدير مركز القلب والأوعية الدموية في مركز دارتموث هيتشكوك الطبي Dartmouth-Hitchcock Medical Center في ليبانون Lebanon، نيوهامبشير New Hampshire: «الآن، يعتقد الباحثون أنّ عملية تصلب الشرايين  Atherosclerosis كلها تبدأ كحدث التهابي.» وعلى سبيل المثال، كان طبيب القلب Cardiologist بيتر ليبي Peter Libby من مستشفى بريام آند وومانBrigham and Women’s Hospital  في بوسطن، من بين أوّل من أظهروا أنّ البلاعم  Macrophages والخلايا المناعية الأخرى يمكن أن تهاجر إلى الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى الالتهابات زمن ثم تكوّن لويحات في الشرايين Arterial Plaques في نهاية المطاف.  وبدأ طبيب القلب بول ريدكر Paul Ridker، أيضا من مستشفى بريام آند وومان ، اختبار هذه الفرضية في الأشخاص. وأظهر أنّ ارتفاع مستويات جزيئات الالتهابات في الدم مثل البروتين التفاعلي C-Reactive Protein  (اختصارا: البروتين CRP) يمكن أن يساعد على التنبؤ بأزمة قلبية. وإضافة إلى ذلك، وجد ريدكر أنّ عقاقير ستاتين Statin، المعروفة على نطاق واسع لاستخدامها لمنع النوبات القلبية عن طريق خفض الكولسترول، وخفض مستويات البروتين CRP أيضا، تُقلل من حدة الالتهابات، وهذا ما رآه ليبي في الحيوانات .

ولكن، على نحو مربك، بعض العقاقير المضادة للالتهابات لم تساعد القلب. ففي عام 2004، وجد القائمون على تجربة سريرية كبيرة أن مرضى التهاب المفاصل ممن أخذوا الدواء فيوكس Vioxx، وهو دواء مضاد للالتهابات غير ستيرويدي Nonsteroidal Antiinflammatory Drug (اختصارا: المضاد NSAID) قد تضاعفت لديهم المخاطر العادية للنوبة القلبية، فسُحب الدواء من السوق. بينما لم يكن لفئة أخرى من الأدوية المضادة للالتهابات الستيرويدية تأثير في صحة القلب.

وللمضادات الالتهابات الستيرويدية وغير الستيرويدية آثار واسعة. فقد تكهّن ريدكر وليبي أنه من أجل أن تقوم هذه العقاقير بدورها فعليها أن تكون أكثر تحديدا. وركّز الثنائي على الأجسام المضادة وحيدة النسيلة Monoclonal في كاناكينوماب، والتي تمت الموافقة عليه بالفعل لعلاج التهاب المفاصل اليفعي Juvenile Arthritis، لأنه يستهدف جزيئا يسمى إنترلوكين -1ب  interleukin-1b، الذي هو جزء من المسار الذي يؤدي إلى تصلب الشرايين. و كانت لدى مرضى النوبات القلبية، الذين سجلوا في كانتوس، مستويات عالية من البروتين CRP وأُعطوا أفضل العلاجات المتاحة، بما في ذلك علاج مكثّف بدواء ستاتين. كما تلقى نصفهم أربع حقن بالوريد من كاناكينوماب كل عام لمدة 3.5 سنوات، من واحدة من ثلاث جرعات مختلفة. وكانت نسبة خطر إصابة الاشخاص بنوبة قلبية ثانية ممن يتلقون الدواء الغفل Placebo نحو 4.5% في كل عام مقارنة بخطر إصابة أولئك الذين يتلقون  جرعة متوسطة من الدواء بنسبة 3.86%. وكانت أيضا حاجة المشاركين في كاناكينوماب على الأرجح إلى الخضوع لعملية قسطرة أو جراحة تحويل مسار للقلب أقل من 30% مما يشير إلى أن تخميد الالتهابات يساعد الشرايين على البقاء في صحة جيدة.

ويقول ريدكر وآخرون إن الانخفاض بنسبة 15% في أمراض القلب والأوعية الدموية والموت أمر مثير حقا، لأنه يأتي على قمة الفوائد المهمة بالفعل نتيجة لأفضل العلاجات القياسية. فقد كانوا سعداء خاصة بالانخفاض الأكبر في العلاجات المكثفة. ويقول ريدكر: «أنا لا أصدق» هذا هو «بالضبط ما كنا نأمل بالحصول عليه في السنوات الثلاثين الماضية.»

وكاناكينوماب باهض الثمن، نحو 16 ألف دولار لكل حقنة وريدية، ونحو 1% من الذين أخذوا الدواء ماتوا نتيجة عدوى خلال التجربة متعددة السنوات. وهذا ما يقرب ضعف معدل وفيات العدوى بين الذين أخذوا الدواء الغفل حتى ­وإن كان كثيرا منهم كبارا في السن ويعانون داء السكري.

وردا على سؤال حول ما إذا كان هذا العلاج سيُعطى لأشخاص لديهم ارتفاع في البروتين CRP ولم  يصابوا بأزمة قلبية أبدا، كان ردُّ ريدكر واضحا: لا أبدا. «أعتقد أنّ هذا سيكون علاجا للمرضى الذين يعانون مخاطر عالية جدا،» كما يقول.

وقد تأتي المزيد من المعلومات في غضون سنوات قليلة من تجربة أخرى يجريها ريدكر. فهو يختبر دواء ميثوتريكسات Methotrexate المضاد للالتهاب -ولكن الأقل استهدافا والأرخص بكثير – عدد مماثل من الأشخاص وبتمويل اتحادي.

وعلى القدر نفسه من الإثارة المصاحبة  لنتائج القلب، كان اكتشاف أن الأجسام المضادة خَفَّضت الإصابة بسرطان الرئة إلى النصف تقريبا أثناء الدراسة، من نحو 2% في الأشخاص الذين يتلقون العلاج الغفل إلى 1% في الأشخاص الذين يتلقون العلاج الفعلي. غير أنّ العدد الإجمالي للحالات كان صغيرا، إذ بلغ عدد حالات الإصابة بسرطان الرئة 129 حالة، وعوضا عن ذلك، لم تجر التجربة  لدراسة هذا المرض بالتحديد. ويأمل هيربست باختبار الدواء في تجربة سريرية أكثر تفصيلا.

ومع ذلك، يعتقد أطباء القلب أنّ نتائج القلب راسخة. ويقول ستيفن نيسن Steven Nissen من مستشفى كليفلاند كلينيك Cleveland Clinic في أوهايو Ohio، الذي شارك بجانب ريدكر: «إنها بوابة لمجموعة واسعة جدا من العلاجات التي ستُطوّر، هذا عظيم مثل أي أمر عظيم آخر رأيناه منذ فترة.»

صورة

تقليل حدة الالتهاب يقلل من حدوث النوبات القلبية التي تسببها الشرايين التاجية الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى