أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

للمساعدة على حماية القلب، هل حان الوقت لإحالة اختبارات الكوليسترول إلى التقاعد؟

قياس بروتين الدم، ApoB، قد ينقذ العديد من الأرواح

إذا كنتُ أستطيع تشخيص [أمراض القلب] بشكل أكثر دقة باستخدام البروتين ApoB، وإذا كنت أستطيع معالجتها بفعالية أكثر باستخدام البروتين ApoB، فإنّ الفحص يُكلّف 20 دولارًا”

في المرة القادمة التي تذهب فيها لإجراء فحص طبي، ربما يرتكب طبيبك خطأ قد يعرض حياتك للخطر، كما يزعم ألان سنيدرمان Allan Sniderman من جامعة ماكغيل McGill University في مونتريال بكندا. فمعظم الأطباء يأمرون بما يعتبره الاختبار غير الصحيح لقياس خطر أمراض القلب: تقرير قراءات الكولسترول القياسية، والتي قد تشير إلى مستويات البروتينات الدهنية المنخفضة الكثافة Low-Density Lipoprotein (اختصارا: البروتينات LDL) أو البروتينات الدهنية غير عالية الكثافة Non–High Density Lipoprotein (اختصارا: البروتينات Non-HDL). ويجادل سنيدرمان في أنّ ما يجب أن يُطلب بدلا من ذلك هو فحص غير مكلف لبروتين الدم المعروف بالصَميم الشَّحْميّ البروتيني باء Apolipoprotein B (اختصارا: البروتين ApoB).

ويعتقد بعض الباحثين أنّ البروتين ApoB يُشير إلى عدد الجسيمات المُحمّلة بالكوليسترول Cholesterolladen Particles في مجرى الدم – وهو مؤشر أكثر دقة على التهديد الذي تتعرض له شراييننا من مستويات الكوليسترول المطلقة.

ويؤكد سنيدرمان أنّ الفحوصات الروتينية للبروتين ApoB، التي يقول إنها تكلف أقل من 20 دولارا، ستحدد الملايين من المرضى الذين يمكنهم الاستفادة من علاجات خفض الكوليسترول، وسوف تُجنّب العديد من الناس أخذ علاج غير ضروري . ويقول: “إذا كنتُ أستطيع تشخيص [أمراض القلب] بشكل أكثر دقة باستخدام البروتين ApoB، وإذا كنت أستطيع معالجتها بفعالية أكثر باستخدام البروتين ApoB، فإنّ الفحص يُكلّف 20 دولارًا.”

وقد قاد سنيدرمان وكادر من علماء آخرين حملةً لدعم إجراء فحص البروتين ApoB لسنوات، وقد تعززت ثقتهم به في المراحل الأخيرة بناء على إعادة تحليل البيانات السريرية إضافةً إلى الدراسات الوراثية الجديدة.

وفي اجتماع جمعية القلب الأمريكية American Heart Association (اختصارا: الجمعية AHA) في الشهر الماضي بأنهايم بكاليفورنيا California، على سبيل المثال، قدّم سنيدرمان منظورا جديدا فيما يختص بمسح فحص الصحة والتغذية الوطني (اختصارا: المسح NHANES)، وهو إحصاء شهير لصحة سكان الولايات المتحدة.

إذ إنّ إعادة الفحص الذي يقارن بين الأشخاص ممن لديهم مستويات مختلفة من البروتين ApoB ولكن أيضا لديهم قراءات الكوليسترول LDL نفسها، يُبلور أهمية قياس البروتين، كما يقول.

وسيعاني المرضى الذين لديهم أعلى مستوى من البروتين ApoB في جميع أنحاء الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة ملايين نوبات قلبية Heart Attacks وسكتات دماغية Strokes وغيرها من الأصابات القلبية الوعائية Cardiovascular Events خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة مقارنة بالأشخاص الذين لديهم أدنى المستويات، وفقا لما ذكره سنيدرمان.

وكما  يقول دانيال رايدر،Daniel Rader اختصاصي دهون الدم  Lipidologist من كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania Perelman School of Medicine، إنّ مسألة ما إذا كان الكوليسترول LDL هو أفضل مقياس لمخاطر القلب والأوعية الدموية الآن فالإجابة واضحة: “لا.”

ولكن الكثير من العلماء يختلفون. إذ يقول سكوت غرَندي Scott Grundy من المركز الطبي الجنوبي الغربي لجامعة تكساس University of Texas Southwestern Medical Center في دالاس ، الذي ساعد على صياغة عدة مجموعات من المبادئ التوجيهية لرعاية أمراض القلب: “تشير العديد من الأدلة إلى أنه ليس للبروتين ApoB قدرة تنبؤية أكبر بمستويات كوليسترول LDL في الدم.” وأنّ تغيير الممارسة السريرية سيكون تخريبيا. فالتوجيهات القياسية لمخاطر أمراض القلب تُقلل أو تلغي من دور البروتين ApoB، كما أنّ الخوارزميات التي تساعد الأطباء على اتخاذ قرار بخصوص أي المرضى يحتاج إلى علاج، لا تتضمن هذا البروتين.

ولدى الداعمين لإجراء فحص البروتين ApoB فرصةٌ جديدة للدفاع عن قضيتهم. فتقوم لجنة من الباحثين والأطباء بإعادة صياغة توصيات الولايات المتحدة الأكثر تأثيرا لعلاج الكوليسترول، التي نشرتها الكلية الأمريكية لطب القلب American College of Cardiology (اختصارا: الكلية ACC) و AHA، والتي من المقرر لها أن تُصدر تحديثا في العام المقبل.

كما يتم تحديث المُكافئ الأوروبي، على الرغم من أنّ النسخة الجديدة لن تكون جاهزة قبل سنتين إلى ثلاث سنوات، كما يقول طبيب القلب Cardiologist والأختصاصي الوبائي الوراثي Genetic Epidemiologist براين فيرينس Brian Ference من جامعة كامبريدج University of Cambridge بالمملكة المتحدة، الذي يشارك في إعادة الصياغة.

ولا أحد يتوقع أنّ هذه التنقيحات الأخيرة ستنبذ فحص الكوليسترول لصالح فحص البروتين ApoB، ولكن المدافعين عنه يقولون إنّ هناك تزايدا في المعلومات العلمية.

ويجري الكوليسترول خلال دمِّنا على شكل عدة أنواع من الجسيمات التي تحتوي على البروتين Protein-Containing Particles، بما في ذلك البروتينات الدهنية عالية الكثافة HDL، والبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة LDL، والبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة جدا (VLDL). فعندما تغادر جسيمات معينة، مثل LDL و VLDL، مجرى الدم وتتعثر في بطانة شراييننا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصلب الشرايين.

وكان يُستخدم فحص مستوى الكوليسترول الكلي على نطاق واسع كأول مؤشر لهذا الخطر، ولكن بعد أن اكتشف الباحثون أنّ أحد أشكال الكوليسترول، HDL، قد يكون وقائيا، أصبح الكوليسترول LDL هو المعيار. والآن، يفضل بعض الأطباء الكوليسترول Non-HDL، والذي يشمل أنواعا متعددة من الكوليسترول، بما في ذلك الكوليسترول LDL والكوليسترول VLDL.

ومع ذلك، فإنّ كل هذه التدابير تكشف عن كمية الدهون في الدم، بدلا من عدد الجسيمات التي تجمع الكوليسترول. وفي المقابل، يوفر فحص البروتين ApoB مقياسا مباشرا عن وفرتها لأن كل من جسيم الكوليسترول LDL والكوليسترول VLDL يحتوي على نسخة واحدة من البروتين.

ومع ذلك، حتى مؤيدي إجراء الفحص ApoB يعترفون أنّ سجل الكوليسترول LDL جيد جدا. ويوفر مؤشرا دقيقا بنحو 85% من الوقت لاحتمال تعرّض المريض لمرض القلب والأوعية الدموية، كما يقول فيرنس. ويُضيف، لكن هذا يعني أنه يُخطِئ بنسبة 15% من المرات.

ووجدت دراسة أجريت عام 2009 أنّ ما يقرب من نصف المرضى الذين أُدخلوا في المستشفيات بسبب النوبات القلبية كان لديهم مستويات طبيعية أو منخفضة من كوليسترول LDL. فلذلك، ومن خلال قياس الكوليسترول LDL وحده، يُخاطر الأطباء في إغفال الأفراد الذين يحتاجون إلى العلاج لخفض مستويات الكوليسترول في الدم، أوحاجة أولئك الذين يتناولون أدوية بالفعل إلى نظام أكثر شدة. وفي الوقت نفسه، قد لا يحتاج بعض الأشخاص الذين يتناولون أدوية خفض مستويات عالية وخطرة من الكوليسترول LDL إلى العلاج، كما يقول سنيدرمان. فهناك اختبار أكثر تمييزا لمخاطر القلب والأوعية الدموية يمكن أن يُجنّب هؤلاء الناس من الآثار الجانبية المحتملة إضافة إلى توفير المال.

وعلى الرغم من أنّ الستاتينات Statins المُخفّضة للكوليسترول رخيصة الثمن، إلاّ أنّ سنيدرمان يلاحظ أنّ الأدوية الجديدة التي تُعطى عندما لا تكون الستاتينات كافية، مثل مثبطات PCSK9، يمكن أن تُكلّف عشرات الآلاف من الدولارات سنويا.

والتحول إلى قياس ApoB من شأنه أن يحسّن التشخيص لأنه يعكس بشكل أفضل آلية أمراض القلب والأوعية الدموية، وفقا لسنيدرمان. ويقول رايدر: “إنّ البيانات تدعم حقيقة أنّ الجسيمات الدهنية LDL هي نفسها المتسببة والسيئة،” وليس الكوليسترول الذي تحتوي عليه. وكلما سرى عدد أكثر من هذه الجسيمات من خلال دم المريض، فإنها تعلق أكثر في الجدران الشريانية، مما يزيد احتمال الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ولما كان كوليسترول LDL والبروتين ApoB متشابكين، فإنّ كلا التدبيرين يعطيان النتيجة نفسها في الكثير من المرضى. ومع ذلك، فإنّ كمية الكوليسترول في الجسيمات يمكن أن تختلف. ولذلك يمكن أن تكون مستويات الكوليسترول LDL مضللة للمرضى الذين لديهم عدد قليل من الجزيئات الكبيرة أو العديد من الجزئيات الصغيرة.

ولا توجد أدوية حالية تُخفّض ApoB وحده فقط، مما يجعل من الصعب تمييز تأثيرها مقارنة بتأثير أدوية خفض الكوليسترول بشكل عام. ولكن في ورقة نُشرت في عام 2015، أعاد سنايدرمان وزملاؤه تحليل بيانات دراسة فرامنغهام للقلب Framingham Heart Study الشهيرة، التي كانت تبحث عن أسباب أمراض القلب والأوعية الدموية لما يقرب من سبعين عاما. ووجد الفريق أنّ المرضى الذين يمتلكون أفضل احتمالات البقاء على قيد الحياة لمدة عشرين عاما على الأقل كان لديهم مستويات منخفضة من ApoB ومن الكوليسترول Non-HDL. أما المرضى ذوو أسوأ الاحتمالات كانت لديهم مستويات عالية من البروتين ApoB، على الرغم من أن الكوليسترول Non-HDL كان منخفضا. وبالمثل، فإن إعادة تقییم بیانات مسح NHANES التي یقدمھا سنيدرمان في اجتماع AHA یشیر إلی أنّ البروتين ApoB یعتبر مؤشرا أفضل لمخاطر التعرض لأمراض القلب والأوعية الدموية.

ومما يشير أيضا إلى أهمية البروتين ApoB فهناك نوعٌ من التحاليل يستخدمه الباحثون لتمشيط البيانات الوراثية من أعداد كبيرة من المرضى بهدف تحديد التنويعات الجينية Gene variants التي تؤثر في سمة معينة. ومن ثم يتتبع العلماء تأثير المتغيرات في الصحة، وهي طريقة تسمى الاختيار العشوائي المندلي Mendelian Randomization لأنها تعتمد على حوادث الوراثة لإنشاء مجموعات المقارنة Comparison groups. ويقول فيرنس: “إنها في الأساس تجربة اختيارعشوائي تجريها  الطبيعة.” وفي دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية The Journal of the American Medical Association في سبتمبر، فصّل هو وزملاؤه تأثير التنويعات من جينتين تشارك في استقلاب الكوليسترول Cholesterol Metabolism: هما التنويع الجيني CETP ، والتنويع الجيني HMGCR.

وباستخدام البيانات من أكثر من 100 ألف مريض، وجد الباحثون أنّ الأفراد الذين لديهم نُسخ خاملة من الإنزيم المُرمَّز من قِبل التنويع الجيني CETP  أظهروا انخفاضات مكافئة في مستويات البروتين ApoB ومستوى الكوليسترول LDL، وكانوا أقل عرضة لأزمات القلب وأمراض الأوعية الدموية مثل السكتة القلبية أو الجلطة الدماغية مقارنة بالذين لديهم تنويعات أكثر شدة من الإنزيم. ولكن العلماءُ رأوا فرقا واضحا عندما حللوا المرضى الذين أنتجوا أيضا نُسخ غير نشطة من الإنزيم HMGCR. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء أظهروا مزيدا من الانخفاض في الكوليسترول LDL إلا أنّ مستويات البروتين ApoB ومخاطر القلب والأوعية الدموية لم تنخفض بذلك القدر. ويشير هذا التناقض إلى أنّ تقليل البروتين  ApoB له تأثير وقائي أكبر من خفض الكوليسترول LDL، كما يقول فيرنس.

فالصورة واضحة، كما يقول طبيب القلب الوقائي Preventive Cardiologist سيث مارتن Seth Martin من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University School of Medicine في بالتيمور بولاية ماريلاند. وأضاف: “إنّ مجموع الأدلة يشير إلى صالح البروتين ApoB ليكون مؤشرا مهما يمكن أن يُحدد الخطر حتى عندما نتحكم في الكوليسترول LDL “.

ولكن هل ستكون المكاسب جديرة بالتعطيل؟ تقول طبيبة القلب الوقائي Preventive Cardiologist وعالمة الأوبئة Epidemiologist جنيفر روبنسون Jennifer Robinson من جامعة أيوا University of Iowa في مدينة آيوا، والتي كانت نائب رئيس اللجنة التي صاغت آخر توصيات التقرير الصادر عن ACC/AHA في 2013: “لا يرغب طبيب الرعاية الأولية المسكين والموجود في خط المواجهة في التفكير في البروتين ApoB والكوليسترولNon-HDL .” وأضافت: “إنها معلومات كثيرة جدا، وعندما تعطي الناس الكثير من المعلومات سيتجاهلونها حتما.”

ويوافق كذلك طبيب القلب Cardiologist روبرت إيكل Robert Eckel من كلية الطب بجامعة كولورادو University of Colorado School of Medicine في أورورا، الذي كان أيضا عضوا في لجنة التقرير الصادر عن ACC/AHA. ويقول: “أنا لا أرى أنّ الفحص ApoB يُحدِث تغييرا كبيرا في الساحة.”

هذا ويتفق معه العديد من مؤيدي الفحص ApoB على مضض. لذا فإنّ فحص الكوليسترول LDL متجذر بعمق في الروتين الطبي، ويقول رايدر:”لن يتغير ذلك في وقت قريب.” ويقول سنيدرمان: “أنا أنتقل من اكتئاب إلى اكتئاب أسوأ.”

ولكن إذا بدأت التوجيهات في المستقبل بالتأكيد على القيمة التشخيصية لفحص البروتين ApoB وبدأت الشركات الصيدلانية في استهدافه، فيعتقد فيرينس أنّ ذلك سيدفع الأطباء في نهاية المطاف إلى الإنتباه إلى البروتين. “والحجة هي أنّ فحص الكوليسترول LDL جيد بما فيه الكفاية،” كما يقول. وأضاف: “ولكن مع توجهنا نحو الطب الأكثر تشخيصا، فإنه لا يعود كذلك.”

الصورة في الأعلى: في هذا الرسم التوضيحي للجُسيم الدهني منخفض الكثافة LDL، الصَميم الشَّحْميّ البروتيني باء Apolipoprotein B  (اختصارا: البروتين ApoB) (باللون الأزرق) مُحاطا بأشكال مختلفة من الكوليسترول Cholesterol (البرتقالي والأصفر) وغيرها من الدهون Lipids.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى