الميثان في المريخ يرتفع وينخفض مع المواسم
العلماء يناقشون مُسبِّبات الدورات السنوية والارتفاعات الحادّة العرضية
من المراعي إلى المستنقعات، فإن انبعاثات الميثان على الأرض هي رائحة الحياة. فماذا تفعل نفحات الغاز في المريخ Mars القاحل؟ فقد قادت عمليات الكشف عن ذلك، إضافة إلى لمحات من الارتفاعات الكبيرة في المعدلات، إلى إثارة النقاش حول المصادر البيولوجية وغير البيولوجية للغاز. وفي ديسمبر 2017، أعلن علماء وكالة ناسا NASA في اجتماع للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي American Geophysical Union (اختصارا: الجمعية AGU) بنيو أورليانز في ولاية لويزيانا عن تطور جديد في الحكاية: دورة موسمية في وفرة الميثان Methane المريخي الذي يرتفع بانتظام إلى ذروته في أواخر الصيف الشمالي.
ويقول كريس وبستر Chris Webster، الذي يقود أداة الاستشعار عن الميثان على مركبة كيوريوسيتي الجوالة التابعة لوكالة ناسا ويعمل في مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory في باسادينا Pasadena بولاية كاليفورنيا: “الشيء المثير للصدمة هنا هو التباين الكبير.” وأضاف: “لقد دفعنا إلى محاولة تخيل كيف يمكننا خلق هذا التباين الموسمي.”
وهو تباين في صفة خافتة جدا. فمنذ الهبوط، في عام 2012، فتحت كيوريوسيتي بضع صمامات في ثلاثين مناسبة لليل المريخ وأخذت تستنشق الهواء البارد والرقيق. بعد ذلك تضيء الليزر على عينة الهواء في حجرة صغيرة ذات مرايا، وتقيس الامتصاص في أطوال موجية محددة للاستدلال إلى الميثان. وقد ذكر وبستر في الاجتماع مستويات صغيرة تكاد تختفي من الغاز في الخلفية: 0.4 أجزاء لكل بليون (الوحدة: ppb)، مقارنة بالأرض، 1800 جزء لكل بليون.
والمصدر الذي أتت منه هذه النفحة هو جوهر الغموض. فالميكروبات (بما في ذلك تلك التي تعيش في أمعاء الأبقار والأغنام) هي المسؤولة عن معظم ميثان الأرض، ومن المعقول أنّ الغاز المريخي يمكن أن يأتي من الميكروبات كذلك- إمّا الميكروبات المعاصرة أو القديمة، إذا كان الميثان الذي أنتجته محبوسا تحت السطح. ولكن يمكن للميثان أن ينتج أيضا بطرق لا علاقة لها بالأحياء. فالتفاعلات الحرارية المائية Hydrothermal مع الصخور الغنية بالأوليفين Olivine-Rich Rocks تحت الأرض يمكن أن تولد ذلك، كما التفاعلات التي تحركها الأشعة فوق البنفسجية Light Ultraviolet (اختصارا: الأشعة UV) التي تضرب النيازك Meteoroids المحتوية على الكربون والغبار، والتي تسقط باستمرار من الفضاء على الكوكب.
والآن، أضف إلى لغز الميثان التباينَ الموسمي الذي كشفته المركبة الجوالة كيوريوسيتي، مع مستويات تدور بين نحو 0.3 جزء لكل بليوم و 0.7 جزء لكل بليون على مدى أكثر من سنتين مريخية.
“لقد دفعنا إلى محاولة تخيل كيف يمكننا خلق هذا الاختلاف الموسمي.”
كريس وبستر Chris Webster، مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory
ويقول فرانسوا فورغيت الذي يصف مناخ المريخ في مختبر الأرصاد الجوية الديناميكية Laboratory of Dynamical Meteorology بباريس، من المتوقع حدوث بعض التغيرات الموسمية في جو معظمه ثاني أكسيد الكربون Carbon Dioxide (اختصارا الغاز CO2). وفي فصل الشتاء الجنوبي يتجمد بعض من الغاز CO2 خارجا على الغطاء القطبي الجنوبي الكبير، مما يجعل الجو العام أرق. وهذا يعزز تركيز أي غاز ميثان متبقٍ، والذي لا يتجمد، وبحلول نهاية الصيف الشمالي يجدُ الهواء المخصب بالميثان طريقَه شمالا إلى موقع المركبة كيوريوسيتي، كما يقول فورغيت. ويمكن أن تؤثر التغيرات الموسمية في العواصف الترابية ومستويات الأشعة فوق البنفسجية أيضا على وفرة الميثان، إذا كان الغبار بين الكواكب هو مصدره الرئيسي.
ولكن، كما قال وبستر في الاجتماع، الإشارة الموسمية هي ثلاث مرات أكبر من أن تفسرها تلك الآليات. وربما يُمتص الميثان يُبعث – أيا كان مصدره – من المسام في الصخور السطحية بمعدلات تعتمد على درجة الحرارة. فهناك تفسير آخر، إذ يقول مايك موما Mike Mumma، عالم الكواكب Planetary Scientist في مركز غودارد للرحلات الفضائية Goddard Space Flight Center بغرينبلت بولاية ماريلاند:”تفسيرٌ لا أحدَ يتحدث عنه، لكنه في ذهن الجميع، ” وجود نشاط بيولوجي. “وأنت تتوقع أن تكون الحياة موسمية.”
والتذبذبات الموسمية هي لغز داخل لغز أكبر: فادعاءات الارتفاعات العرضية في مؤشرات الميثان هي ارتفاعات أعلى بضعف واحد أو اثنين من الخلفية. وفي عام 2009 بلّغ موما وزملاؤه عن أحد أكبر الارتفاعات عندما اكتشفوا علامات طيفية لعمود ميثان يحتوي 45 جزءاً لكل بليون التقطها تليسكوب في هاواي Hawaii. وقد اكتشف كيوريوسيتي أيضا، حفنة من الارتفاعات في المعدلات، إلى نحو 7 أجزاء لكل بليون. ولتفسير هذه الأحداث، يفضل وبستر فكرة النفث المفاجئ من مصدر عميق تحت الأرض.
ويبجث علماء آخرون باتجاه السماء. ويقول مارك فريز Marc Fries، أمين قسم الغبار الكوني في مركز جونسون للفضاء Johnson Space Center بهيوستن بولاية تكساس، إن مصدر طفرات الميثان يمكن أن يكون من حطام الشُّهب الصغيرة الذي يقع عندما يعبر الكوكب مدار مذنب ويكنس الغبار الغني بالكربون والحطام الذي يُسقطه المذنب. ويقول فرايز إنه عندما تتبخر جزيئات الغبار على ارتفاعات عشرات الكيلومترات، فإنّ التفاعل الكيميائي نفسه الذي ينتج الميثان من الغبار بين الكواكب على السطح سيحدث بسرعة أكبر، مدفوعا بالأشعة فوق البنفسجية التي تكون أقوى في الارتفاعات العالية. ووجد فريز وزملاؤه أنّ جميع ادعاءات الارتفاعات الحادة للميثان على مدى العقدين الماضيين قد وقعت في غضون أسبوعين من زخات الشهب المريخية المعروفة. “يمكن أن يكون ذلك سببا، ويمكن أن يكون من قبيل الصدفة،” كما يقول.
ويقول المتشككون إنّ تفاعلات الغلاف الجوي قد لا تحدث بسرعة كافية، وإنّ زخات الشهب لا تودع مواد أكثر من تدفق الخلفية للغبار بين الكواكب. وفي عام 2014، عندما أوشك أن يصطدم المريخ مع المذنب سيدينغ سبرنغ Siding Spring، كانت المركبة المدارية لبعثة الغلاف الجوي والتطور المتقلب للمريخ التابعة لناسا Mars Atmosphere and Volatile Evolution Mission (اختصارا: البعثة MAVEN) تراقب وترصد أيونات المغنيسيوم Magnesium Ions كبديل للغبار الواقع على الغلاف الجوي العلوي. ويعتقد فريق مافن أنّ المواجهة ألقت بـ 16 طنا من المواد في الغلاف الجوي للمريخ – ومن المقدر أنه لا يسقط أكثر من 3 أطنان من الغبار بين الكواكب يوميا، وأقل بكثير من عشرات الآلاف من الأطنان التي يقول فرايز إنها لازمة لإنتاج قفزة كبيرة في معدلات من الميثان. ويقول ماتيو كريسماني Matteo Crismani، عضو الفريق العلمي لبعثة مافين وباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء Laboratory for Atmospheric and Space Physics بجامعة كولورادو University of Colorado في بولدر Boulder: “لا أرى كيف يمكن إنتاج غاز الميثان الذي يحتاج إليه فرايز.” ولكن فرايز يؤكد أنّ زخات الشهب متغيرة للغاية، فقط لأن لقاء سيدينغ سبرنغ كان وشيكا لا يعني أنه كان غنيا بالغبار والحطام.
وتصادف أنّه ستكون لدى فرايز فرصة لاختبار الفرضية. ففي 24 يناير، سيكون للمريخ مرور قريبٌ – أقل من عُشر المسافة بين الأرض والقمر- من مدار المذنب C/2007 H2 Skiff. وأما موما فيشكُّ في فكرة فرايز، لكنه مع ذلك سوف يراقب الميثان باستخدام تليسكوبه في هاواي في الأيام التي ستتلو اللقاء. كما تخطط فرق مافين و كيوريوسيتي للرصد. ويقول كريسماني: “هذه فرصة عظيمة لاختبار هذه الفرضية.”
ولن تكون إحدى المركبات الفضائية جاهزة تماما للمشاركة، على الرغم من أنها في أفضل وضعية بصورة عامة لحل مناقشة الميثان. ففي أبريل 2018، ستستقر المركبة المدارية إكسومارز لتتبع الغاز ExoMars Trace Gas Orbiter (اختصارا: المركبة TGO ) في مدارها النهائي وتبدأ بالرصد العلمي، وتحدد تركيزات الميثان عبر الكوكب. وقال جيرونيمو فيلانويفا، عضو فريق العلوم في غودارد: “من المحتمل أن يمنع الغبارُ الجوي المركبةَ المدارية من الوصول إلى حساسيتها المعلن عنها في الأصل لعدة عشرات من الأجزاء لكل تريليون،” كما يقول جيرونيمو فيلانويفا Geronimo Villanueva، عضو الفريق العلمي في غودارد. ولكنه يتوقع من المركبة TGO أن تقترب من حساسية كيوريوسيتي وأن تكون قدرتها على اصطياد مصادر الميثان في الفضاء والزمان منقطعة النظير.و”سوف تسمح لنا المركبة TGO بالبحث عن هذا الجزيء باستخدام عيون جديدة،” كما يقول.