أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

كيف نبقي الأضواء مضاءة دون أن نحرق الكوكب

إن التخلص من الوقود الأحفوري لنعتمد على الطاقة المتجددة %100 صار حلما في متناول اليد - بفضل التكنولوجيا الجديدة التي تُبقي طنين الماكينات دائرا حتى عندما في غياب الرياح والشمس

لكي يكون لدينا أي فرصة لوقف تغير المناخ السريع والخارج عن السيطرة، نحتاج إلى إخماد انبعاثات الكربون إلى ما يقارب الصفر بحلول منتصف القرن. وهذا يعني التخلص من الوقود الأحفوري القذر وبسرعة. وقد يختلف عدد قليل من العلماء مع هذا، ولكن هناك توافقا محدودا في الآراء -حتى وإن كان توافق ثمين- حول كيفية القيام بذلك. فالطاقة الناتجة من الانشطار النووي باهظة الثمن وغارقة في الجدل. ويظل الاندماج النووي الذي يُسخِّر بشكل مباشر الطاقةَ من ذلك النوع من التفاعلات التي تغذي الشمس حُلما بعيد المنال. وفي الوقت نفسه لا يمكن الاعتماد على الطاقة المتجددة، لأنها لا يمكن الاعتماد عليها لتلبية جميع متطالباتنا من الطاقة.

أم هل يمكن الاعتماد عليها؟ لقد تطورت تكنولوجيات الطاقة النظيفة بسرعة في العقد الماضي أو نحوه. وفي الآونة الأخيرة اندلع نقاش حاد بين خبراء الطاقة حول ما إذا كانت “مصادر الطاقة المتجددة بنسبة %100” هي الآن في متناول أيدينا، وإذا كان الأمر كذلك فكيف نحقق ذلك. ويقول دان كامين Dan Kammen، باحث في مجال الطاقة من جامعة كاليفورنيا University of California في بيركلي: «يمكننا حقا أن نفسد هذا الأمر. لأننا نستطيع أن نحقق هذا التحول فهذا لا يعني أننا سنفعل ذلك.” إلا أن الطريق الذي يجب أن نسلكها – والعقبات التي نواجهها – صارت واضحة بشكل متزايد.

وفي السنوات الأخيرة اكتسبت ثورة الطاقة المتجددة زخما بفضل الأسعار المنخفضة. ومع توفر الطاقة النظافة بتكلفة رخيصة ازداد تركيب الأجهزة المُولِّدة لها. فقد أضاف العالم 98 غيغاوات من الطاقة الشمسية العام الماضي – أكثر من أي مصدر طاقة آخر. وكان أكثر من نصف هذا الرقم، وهو 53 غيغاوات في الصين التي ظلت ولفترة طويلة أكبر مستهلك للفحم القذر في العالم.

وفي كاليفورنيا، خامس أكبر اقتصاد في العالم، توفر مصادر الطاقة المتجددة بالفعل أكثر من ثلث الكهرباء، وستتجاوز %50 قبل عام 2030. وتسعى ألمانيا إلى الحصول على %80 على الأقل من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050. وحتى دول النفط والغاز وضعت أهدافا طموحة للطاقة المتجددة – على سبيل المثال، تخطط الإمارات العربية المتحدة لتحويل %44 من قوتها إلى مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

هذا رائع، لكنه ليس كافيا. ويتطلب التصدي لتغير المناخ أكثر من مجرد تجديد شبكة الطاقة الكهربائية. ومن الأمور الحاسمة أيضا تحويل الخدمات التي تعمل حاليا على الوقود الأحفوري، من النقل والتدفئة إلى الصناعات الثقيلة. وبعد زيادة كفاءة الطاقة في جميع المجالات، فإن  تحويل أكبر عدد قدر ممكن من المركبات المستهلكة لكميات كبيرة من الوقود من الوقود إلى الكهرباء هو أرخص طريقة للحد من الاحترار العالمي إلى الهدف 2 درجة سيليزية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، وذلك وفقا لوكالة الطاقة الدولية.

%24.5 الإنتاج العالمي للكهرباء من مصادر متجددة في عام 2016

المصدر: Renewable 2017 Global Status Report, Renewable Energy Policy Network for the 21st Century (تقرير الوضع العالمي للطاقة المتجددة لعام 2017، شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين).

Renewable 2017 Global Status Report, Renewable Energy Policy Network for the 21st Century

هذا مشروع ضخم، وقد بدأ للتو (انظر: كهربة!). وحتى لو كنت فقط ستحول بعض القطاعات التي تعتمد على حرق الوقود الأحفوري إلى الشبكة الكهربائية، فإن الأرقام مهولة. الآن العالم يحصل فقط على ربع الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. ففي أوروبا يقدر خبراء الشبكات الكهربائية أن الجيل المتجدد يجب أن يتضاعف أربع مرات بحلول عام 2050 (انظر: الجيل الجديد).

ومثل هذا التحول يفرض تحديات اقتصادية. فتركيب المصادر المتجددة يكلف عدة أضعاف قيمة المولدات الأحفورية، وسيسرّح العمال مع اختفاء وظائف الصناعة الأحفورية. كما أن انخفاض تكاليف التشغيل وانخفاض أسعار الجملة سيقلل من القيمة التجارية لمصادر الطاقة المرنة Flexible power sources، وهو ما يعني وجوب تغيير الطريقة التي تُتداول بها الكهرباء في سوق الجملة. لكن في نهاية المطاف، تتمثل القيمة الاقتصادية للطاقة المتجددة بخفض الإنفاق على الوقود الأحفوري وتجنب الكارثة البيئية التي تضر بالنمو الاقتصادي.

وفي عام 2015 روّض مارك جاكوبسون Mark Jacobson من جامعة ستانفورد Stanford University المشكلة العويصة، ونشر مخططا لتحويل الولايات المتحدة حصريا إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية بحلول عام 2050 – وليس فقط من أجل الكهرباء، ولكن لجميع احتياجات البلاد من الطاقة. وقد حسب هو وزملاؤه أنه سيتطلب زيادة قدرها 25 ضعفا في الطاقة المتجددة على مدى السنوات الخمس وثلاثين المقبلة. وبعد ذلك وسعوا بعد ذلك خريطة الطريق الحائزة على جوائز إلى 139 دولة مما يمثل %99 من الانبعاثات العالمية.

ولم يقتنع الجميع. ففي الصيف الماضي [2017]، نشرت مجموعة من الباحثين بقيادة كريستوفر كلاك Christopher Clack، مؤسس شركة فايبرنت كلين إنرجي Vibrant Clean Energy، ردة فعل لاذعة، بحجة أن خطة جاكوبسون استندت إلى “افتراضات غير معقولة وغير مدعومة بشكل كافٍ.” فقد رفع جاكوبسون دعوى قضائية ضد كلاك ودورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences، التي نشرت البحث الأصلي ونقده، بتهمة التشهير. وقد زعم أن هجوم فريق كلاك يسيء فهم افتراضات النمذجة كأخطاء، وأن المجلة انتهكت قواعدها  الخاصة للنشر ولم يحظ ذلك بقبول. وبعد تعرض جاكوبسون لنقد شديد لما اعتبره الكثيرون محاولة لإخماد النقاش، أسقط الدعوى القضائية في فبراير.

الجيل الجديد New Generation

للحصول على %100 من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول منتصف القرن، يتعين على أوروبا أن تقيم مقدارا ضخما من المصادر الإضافية للطاقة البديلة

إن ما يدور حوله هذا الخلاف والوصول إلى نسبة %100 من المصادر المتجددة هو  في الواقع حقيقة لا مفر منها: فالمصادر الأكثر وفرة للطاقة المتجددة، وهي الرياح والشمس، متقلبة. فالشمس تغرب والريح تهدأ، والفصول تتغير من عام إلى آخر. ويمكن أن تنخفض إمدادات الطاقة المتجددة بشكل غير ملائم عندما يكون الطلب المحلي في ذروته.

ويمكننا التأقلم مع هذا الأمر إلى حدٍ ما عن طريق تعديل شبكة اليوم الكهربائية. لكن تحدي التباين يطبق علينا عندما تتجاوز نسبة الطاقة المتجددة من %70 إلى %80، وذلك وفقا لنمذجة شركة هاواي الكهربائية Hawaiian Electric Company. وهاواي هي الولاية الأمريكية الوحيدة التي يتطلب منها بالفعل الحصول على %100 من الطاقة المتجددة بحلول منتصف القرن (انظر: قصص النجاح) – وهو طموح يصفه نائب رئيس الشركة كولتون تشينغ Colton Ching بأنه مطلب “كبير وصعب وجريء.”

لهذا السبب يفضل كلاك وبعض زملائه عدم استبعاد مصادر أخرى منخفضة الكربون مصممة لإنتاج الطاقة عند الطلب: مفاعلات نووية ومولدات الفحم أو الغاز التي تعيد التقاط ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه. لكن بناء وإدارة أي منهما باهض جدا، ولا سيما النووي غير المحبذ على وجه الخصوص من قبل الجمهور. ويقول دوغ هاوسمان Doug Houseman، خبير الشبكات الذكية الذي استشار أكثر من مئة شركة طاقة رئيسية: “كنت ضابطا تدرب على المفاعلات النووية في البحرية الأمريكية، وأنا من أشد المؤيدين. لكن المناخ السياسي هو بحال يكون فيه احتمال أن نكون قادرين على بناء مفاعلات نووية كافية احتمالا مهملا.”

وبالنسبة إلى عدد متزايد من شركات الطاقة لا يوجد خيار سوى السعي بقوة إلى الوصول بمصادر الطاقة المتجددة إلى نسبة %100. إذ يقول إرنستو سيورا Ernesto Ciorra، كبير مسؤولي الابتكار من شركة الطاقة والغاز الضخمة اينل Enel: “ليس هناك مستقبل لأي شيء ليس من المصادر المتجددة.” والجميع يعترف أنه سيكون تحديا. إذن كيف يمكننا القيام بذلك؟

إن أحد طرق التعامل مع التقلبات اليومية في إمدادات الطاقة المتجددة يتمثل بإيجاد طرق ذكية لتحويل الطلب إلى امتصاص فائض الرياح والطاقة الشمسية عندما يكون العرض مرتفعا، وتأجيل الاستهلاك عندما لا يكون كذلك (انظر: إدارة التوقعات). والطريقة الأخرى للتكيف، بالطبع، هي ببساطة تخزين الفائض حتى نتمكن من استخدامه عند ذروة الطلب.

إدارة التوقعات Managing expectations

لقد شكَّل التقلب المتأصل للطاقة المتولّدة من الطقس تحديا كبيرا لمشغلي شبكات الكهرباء، التي يجب أن توازن بين العرض والاستهلاك بشكل مستمر. هذا سوف يزداد صعوبة فقط، إذ سيأتي المزيد من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. كيف سنقوم بإدارة الانخفاضات الحادة في العرض من دون مصادر يومنا هذا المرنة: توربينات الغاز الطبيعي الكربوني التي يعلو إنتاجها وينخفض حسب الرغبة؟

الرهان الأرخص هو استراتيجية تعرف بإدارة الطلب Demand management – التلاعب في الطلب على الطاقة في أوقات معينة للحفاظ على توازن الشبكة. مثلا، مشغلو الشبكة الوطنية في المملكة المتحدة يحفزّون بالفعل الشركات على تقليص استخدام الطاقة في أوقات ذروة الطلب أو رفع الاستهلاك عند ارتفاع الإمدادات. وهذه العملية تزداد تطورا. ففي هذه الأيام تعمل العدادات الذكية Smart meters وتقنيات تعلم الآلة Machine learning على تمكين مشغلي الشبكات من التحكم بعدد الأجهزة المنزلية المرتبطة بالشبكة عبر الإنترنت. وفي المستقبل سيُفعَّل عدد لا يحصى من الأجهزة تلقائيا عندما تكون الطاقة المتجددة متوفرة بكثافة وتقليل عدها عندما لا تكون مستويات الطاقة مرتفعة.

وتتمثل الحيلة بجعل عمل إدارة الطلب تحقق متطلبات المستهلكين، كما تقول ليندسي أندرسون Lindsay Anderson من جامعة كورنيل Cornell University في إيثاكا بنيويورك. وهذا لا يعني فقط تعديل الأحمال بذكاء لتجنب أي إزعاج، بل أيضا صياغة أسعار لمكافأة استخدام الطاقة المتجددة. وتقول: “ويمكن للعديد من التعديلات أن تكون غير مرئية للمستهلك في حين أنها تقدم فائدة كبيرة للشبكة. ولدينا التقنيات التي نحتاج إليها. علينا فقط أن نستخدمها بطرق مبتكرة.”

وتعد البطاريات فائقة الشحن، مثل منشأة ليثيوم أيون المترامية الأطراف التابعة لشركة تسلا، والتي انتهي من تركيبها مؤخرا في جيمستاون بأستراليا، هي الخيار الأكثر وضوحا. وتبلغ طاقة البطارية 100 ميغاوات، وهي أقوى بطارية في العالم حاليا على الأقل. ويمكن أن تشغِّل حتى 30000 منزل – حتى وإن كان لمدة ساعة واحدة فقط.

وللإنصاف، فقد بُنيت  بطارية تسلا كاحتياطي لجنوب أستراليا الذي عانى سلسلة انقطاع التيار الكهربائي في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، فإن أوجه القصور توضّح أنه على الرغم من قدرة البطاريات على احتواء ما يكفي من الكهرباء للتعامل مع فترات الذروة اليومية في الطلب، فإن تكلفتها تجعلها جوابا باهظا لمسألة التقلبات الشهرية والموسمية، والتي تعد أكبر عقبة في الطريق إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة بنسبة %100.

الضّخ إلى الأعلى Pumped up

ليست لدينا حتى الآن أجهزة قادرة على تخزين عدة أشهر من الطاقة المتجددة بسعر معقول، وهو ما سنحتاج أليه. لكن بعض الحلول المُختَبرة بشكل جيد يمكنها أن تقطع بنا شوطا طويلا، ولدينا مجموعة من الخيارات المبتكرة التي يمكن توسيع نطاقها.

وإحدى تقنيات التخزين الموثوق بها والقادرة على فعل المزيد هي الطاقة الكهرومائية. تعد الخزانات المائية احتياطات ضخمة تخزن الأمطار ومياه الثلوج الذائبة، وهي جاهزة لتوليد الطاقة عن طريق التوربينات المولِّدة للطاقة عند ذروة الطلب. ويمكن لبعض محطات الطاقة الكهرومائية أيضا أن تستخدم الطاقة الزائدة خارج أوقات الذروة لضخ المياه مرة أخرى إلى أعلى الخزان، فتقوم بإعادة شحن الخزان، وتكون جاهزة لتشغيل توربينات طاقة أخرى. وتمثل هذه التكنولوجيا المائية الضخمة الغالبيةَ العظمى من التخزين العالمي للكهرباء، ومع ذلك يوجد مجال كبير للنمو.

لا عجب في عودة مثل هذه التقنية مرة أخرى إلى الواجهة في بعض أجزاء العالم. فقد ضاعفت الصين قدرتها المائية الضخمة خلال العقد الماضي إلى أكثر من الضعفين وهي في طريقها إلى مضاعفة هذا مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، فإن تحسينات التكنولوجيا تسمح للأماكن التي تفتقر إلى جغرافيا جبلية أو مياه عذبة وفيرة بالانضمام إلى هذا النمط. فأستراليا، على سبيل المثال، تُقيِّم حاليا فكرة إنشاء محطة توليد ساحلية ضخمة لتخزين الطاقة عن طريق رفع مياه البحر من خليج سبنسر إلى خزان على ارتفاع 260 مترا فوق مستوى سطح البحر على الهضبة المجاورة.

طاقة متقطعة Intermitten power

طاقة الرياح والطاقة الشمسية هما المصدران الأكثر توفرا من الطاقة الكهربائية المتجددة، ولكنها أيضا متغيرة، كما يتضح من بيانات ألمانيا لعام 2017.

غير أن استغلال الطاقة المائية للتخزين أمر معقد بسبب مخاوف بيئية أخرى. فمعظم المياه التي تحرّك التوربينات المولِّدة للطاقة يجب أن تحافظ أيضا على النظم الإيكولوجية للنهر وري المحاصيل  وريّ ظمأ المدن. وهناك حاجة إلى إغراق مساحات من الأراضي لبناء الخزانات، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى تشريد المجتمعات المستقرة.

ربما تكون البدائل الواعدة هي تحسين التقنيات التي تحوّل فائض الكهرباء إلى وقود هيدروجيني قابل للاحتراق، أو ميثان، أو حتى وقود ديزل صناعي، والتي، خلافا للكهرباء، تكون ملائمة للتخزين بكميات كبيرة. فتحويل الطاقة إلى غاز، يعرف اختصارا بالتقنية PtG، يبدأ باستخدام الكهرباء لشطر المياه إلى هيدروجين وأكسجين. ويمكن لغاز الهيدروجين النشط أن يغذي السيارات والشاحنات أو الغلايات الصناعية.

ويمكن أيضا ضغط كمية محدودة من الهيدروجين وضخّها عبر شبكات أنابيب الغاز إلى مواقع تخزينها الكبيرة، فتكون جاهزة للاستخدام عند ذروة الطلب. كما يمكن للهيدروجين أن يتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون لإنتاج غاز الميثان المتجدد، والذي يمكن أن يحل محل الغاز الطبيعي الأحفوري.

تخزين غير محدود Unlimited storage

وفي عالم مليء بحقول الغاز المنضبة، فإن إمكانات التخزين غير محدودة أساسا. ويقول جيري ميرفي Jerry Murphy، الباحث في مجال الطاقة الحيوية من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج كورك University College Cork، إن موزعي الغاز في أيرلندا يحتفظون بالفعل بإمدادات تكفي لعدة أسابيع عن طريق حقن الغاز الطبيعي في حقل غاز كينسيل المُنضّب قبالة الساحل من كورك. ولا يوجد سبب يمنعنا من الاستفادة من مواقع مماثلة لتخزين الغاز المتجدد.

غير أن التقنية PtG تظل تقنية ناشئة، وبعض الخبراء لا يجدونها مُجدية، لأن أجهزة التحليل الكهربائي الهيدروجيني -وهي الأجهزة التي تستخدم الكهرباء لشطر الماء- أقل كفاءة في استخدام الطاقة وأغلى من البطاريات بعدة مرات. ولكن آخرين يعتقدون أن هذا قد يكون خطأ في قراءة اقتصادات تخزين الطاقة على المدى الطويل. إذ ترتفع تكاليف البطارية ارتفاعا مذهلا عندما تتضاعف كمية الطاقة التي سيتم تخزينها، كما يقول كين دراغون Ken Dragoon، مدير شركة فلينك إينرجي كونسالتينغ Flink Energy Consulting في بورتلاند بأوريغون. إذ يتعين عليك أن تشتري ضعف سعة البطارية لتخزين ضعفي الطاقة، في حين أن مضاعفة كمية الغاز الناتجة من الطاقة الفائضة من أجهزة التحليل الكهربائي تعني تشغيل المعدات نفسها مرتين فقط. ويقول دراغون: «وعند نقطة معينة، يصبح استخدام التحليل الكهربائي أقل تكلفة.» وكمية التخزين اللازمة لنظام الطاقة المتجددة بنسبة %100 لا تزال بعيدة جدا عن هذا التحول الاقتصادي.

ويمكن لهذه الأنواع من الحلول التغلبُّ على التغيرات القصيرة الأجل في قدرة توليد الطاقة المتجددة على مدى ساعات أو أيام، بل وحتى رفع الضغط الناتج من التباين بين الفصول. أما بقية أنواع الحلول فتتطلب نهجا مختلفا: تقاسم الكهرباء على نطاقات واسعة بدلا من تخزين الكهرباء محليا. فالرياح تهب دائما في مكان ما، وحيث لا تهب فهناك شمس مشرقة. إذا تمكنت من نقل ما يكفي من طاقة الرياح والطاقة الشمسية من مكان إلى آخر ، فإنك تحتاج إلى كمية أقل من الاحتياطي. وسيتطلب ذلك شبكة كهربائية فائقة تمتد عبر القارات لنقل الطاقة بكفاءة أكثر مما نفعل اليوم.

والتكنولوجيا موجودة بالفعل: على عكس من خطوط التيار المتردد التقليدية، حيث تتدفق الكهرباء بالقرب من سطح خط الطاقة ، فإن التيار المباشر (المستمر) العالي الجهد High-voltage direct current (اختصارا: التيار HVDC) يستخدم المقطع العرضي الكامل، ومن ثم يصادف مقاومة أقل على طول الطريق. ويمكن نقل كمية كبيرة من الطاقة من دون خسائر كبيرة على مدى آلاف الكيلومترات، ويمكننا تطبيق ذلك ما كنّا جاهزين. ويمكن بناء شبكات كهربائية قارية فائقة بمجرد ما أن تعطي شركات الطاقة الضوء الأخضر، كما يقول راجيندرا آيار Rajendra Iyer، من وحدة التيار HVDC التابعة لشركة جنرال إلكتريك: “حلول شبكة التيار المباشر موجودة. ويمكن تطبيقها في أي وقت.”

هم بالفعل يقومون بذلك في الصين التي بنت سلسلة من خطوط هائلة لتزويد مدنها الساحلية الكبرى بالطاقة. وفي هذا العام تتوقع شركة الشبكة الحكومية الصينية نشر أول تكنولوجيا تيار مباشر DC تبلغ مليونا ومئة ألف فولت: عبر خط يبلغ طوله 3324 كيلومترا وبسعة 12 غيغاوات، أي ما يقرب من نصف متوسط ​​الاستهلاك في إسبانيا، وذلك من مزارع الرياح والطاقة الشمسية في شمال غرب الصين غير المستفاد منها حاليا. كما تدعم هذه التكنولوجيا “ذات الجهد العالي” اقتراح الصين إنشاء شبكة فائقة عالمية تجعل الطاقة المتجددة ثابتة ووفيرة ومجدية. تخيلْ إتاحة الطاقة الشمسية من الصحراء إلى جميع أنحاء آسيا وأوروبا وستفهمُ حينها طموح الصين.

إن الأمر يبدو وكأنه لا يحتاج إلى أي تفكير. ولكن إقامة شبكة كهربائية قارية فائقة تواجه تحديات جيوسياسية وثقافية. ويجب أن تكون الدول راغبة في وضع ثقتها في الطاقة المستوردة – ولا يختلف الوضع كثيرا عن اعتماد اليوم على النفط والغاز المنتج في أجزاء قليلة فقط من العالم، ولكنه أيضا ليس مجرد تعقيد طفيف في وقت يتزايد فيه التوتر الدولي. إن الخلاف الذي أخَّر تأجيل خط أنابيب غاز نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا، والذي يبتلي الآن الخط الثاني التابع له، ينذر بعوائق جغرافية سياسية تواجه الشبكات الكهربائية الفائقة.

الحاجز الآخر هو مقاومة الجمهور. فمعارضة المجتمعات المحلية التي تمر بها خطوط الطاقة الكهربائية الجديدة هي أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت شركات الطافة في أوروبا، حتى الآن، تفتقر إلى التخطيط لشبكة كهربائية قارية فائقة.

ربما لا تحتاج أوروبا إلى مثل هذه الشبكة. إذ تشير دراسة فنية أطلق عليها اسم المشروع أي هاي واي eHighway 2050، أُجريت في عام 2015، إلى أن أوروبا يمكن أن تتحول إلى الطاقة المتجددة بنسبة %100 عن طريق مدّ الروابط بين البلدان المتجاورة بدلا من إرسال خطوط طويلة عبرها. لكن التخلي عن الشبكة الكهربائية الفائقة قد يزيد من تكاليف الطاقة، وحتى الروابط الأقصر التي تخطط لها أوروبا تواجه معارضة محلية متضافرة. ففي عام 2013 وافقت شركة الشبكة الكهربائية الألمانية على مد ثلاث روابط للتيار  HVDC لموازنة طاقة الرياح في بحر الشمال والطاقة الشمسية من جنوب ألمانيا. وتعهد مشغلو الشبكات بأنهم سيكونون جاهزين قبل إغلاق آخر محطات الطاقة النووية في البلاد كما هو مخطط له في عام 2022. ولكن تحت ضغط الجمهور فرضت الحكومة الألمانية أن الكابلات الكهربائية يجب أن تمر من تحت الأرض، مما يؤخر المشروع حتى عام 2025 على الأقل.

إن هذا النوع من الصراع، إلى جانب التحديات الفنية والاقتصادية التي تواجه كلاّ من التخزين الفائق الشحن Super-charged storage والشبكات الكهربائية الفائقة، يجعل التحول إلى طاقة متجددة بنسبة %100 يبدو مُثبِّطا إلى أقصى الحدود. ومع ذلك، فإن العديد من العلماء أكثر تفاؤلا من أي وقت مضى. ولا يزال جاكوبسون متفائلا، ويرى آخرون التغيير في اتجاه الريح أيضا. ويقول كامين أحد مؤلفي الورقة التي انتقدت خطة جاكوبسون: “لم يعد هذا الأمر مجرد أشخاص مثلي يدافعون منذ زمن طويل عن مستقبل متجدد، ولكن انظم إلينا أيضا متشككون ومهندسون أكثر تركيزا في العالم الحقيقي، يعتقدون أن ذلك عمل خيالي.”

إن السؤال الحقيقي، كما يقولون، ليس ما إذا كنا نستطيع الحصول على الطاقة المتجددة بنسبة %100، ولكن ما إذا سنصل إلى ذلك في الوقت المناسب. فالتحول السريع يعني التخلي عن مولدات الوقود الأحفوري الجديدة، وتسريع منشآت الطاقة المتجددة، والحفاظ على الابتكار لمواصلة خفض تكاليف التخزين والنقل، وإعادة التفكير في أسواق الطاقة.

وكما يقول جان بابتيست باكيل Jean-Baptiste Paquel، المستشار الأقدم في الاتحاد ENTSO-e، وهو اتحاد شركات الشبكات الأوروبية الذي يتخذ من بروكسل مقرا له: “إذا كنت ترغب في إجراء هذا التغيير وجعله في متاحا، فأنت بحاجة إلى الدفع من أجل كل هذه الحلول.”

كهربة! Electrifying!

إن الحصول على %100 من طاقتنا الكهربائية من مصادر متجددة يشكل تحديا هائلا، ولكنه يخلق أيضا فرصة أكبر لتقليص الكربون. فالمواد التي نستخدمها اليوم تمثل نسبة خُمس الانبعاثات الكربونية العالمية من الطاقة. لذلك إذا كنا جادين بشأن إزالة الكربون، فنحن بحاجة إلى تحويل المزيد منه إلى الشبكة الكهربائية.

يبدو أن تحويل السيارات إلى الطاقة الكهربائية أمر بسيط. إذ تدور محركات السيارات الكهربائية بكفاءة أعلى من محركات الغاز، وبطاريات الليثيوم أصبحت رخيصة بشكل كاف وذات عمر طويل. كما أن مبيعات السيارات الكهربائية بالفعل ترتفع أسيا على منحنى تصاعدي، والصين تقود العالم على هذا الطريق. وفي الوقت نفسه، تقوم الاقتصادات الرئيسية مثل فرنسا والمملكة المتحدة بواجبها فستحظر السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري والديزل من عام 2040.

أما شاحنات النقل، التي تنتج أكثر من %7.5 من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة، يصعب تحويلها إلى الطاقة الكهربائية. وتحويل العمليات الصناعية التي تعتمد على حرق الغاز هو أمر أكثر صعوبة،  لأن الغاز طريقة سهلة لتوصيل الكثير من الحرارة. فهناك حل: تحويل الكهرباء إلى غاز الهيدروجين ووقود الميثان الاصطناعي.

أما بالنسبة إلى شاحنات النقل في أوروبا، على سبيل المثال، فإن دعما ماليا يعادل جزءا صغيرا من ذلك الذي بذل لتطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية سيجعل هذا الوقود الكهربائي قادرا على المنافسة مع الديزل بحلول عام 2020، وفقا لجيري ميرفي Jerry Murphy من جامعة يونيفرسيتي كوليج كورك في أيرلندا. ويمكن للصناعة الثقيلة، بما في ذلك مصانع الصلب التي تنفث %7 من انبعاثات الكربون العالمية، أن تعمل على الهيدروجين أيضا. وفي الواقع، فإن شركة الطاقة والصلب السويدية فاتنفال Vattenfall تُصمِّم أول مصنع للفولاذ في العالم يعمل بالهيدروجين المتجدد.

والتحول إلى الطاقة الكهربائية مهمة ضخمة. لكن التطور الأخير في الصين، أكبر تلوث للكربون في العالم، لهو أمر مشجع. وبين عامي 2000 و 2016، تضاعفت حصة الكهرباء من الطاقة الكلية هناك من 11 إلى %22، وسوف تتعدى %50 بحلول عام 2050، وفقا لما قاله شو يينبياو Shu Yinbiao، رئيس مجلس إدارة شركة الشبكة الكهربائية الحكومية الصينية.

قصص النجاح Success stories

وبينما تضع المزيد والمزيد من البلدان أهدافا طموحة للطاقة النظيفة، فإن بعضها يقوم بالفعل بتشغيل شبكات كهرباء تُغذّي مصادر الطاقة المتجددة بنسبة تقارب من %100. عادة ما يعتمد نجاحها على الجغرافيا. لكن هناك عوامل أخرى مساعِدة أيضا. وتدين كوستاريكا والنرويج بنجاحاتهما إلى إمدادات ثرية من الطاقة المائية، نتيجة للجبال والأمطار الوفيرة. وآيسلندا البركانية تنعم -على نحو مضاعف- بالطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية. غير أن القادة الحقيقيين لتنامي الطاقة المتجددة والجديرين بالرصد هم من البلدان التي لا تتمتع بمثل هذه المزايا الجغرافية والماضية قدما على الرغم من ذلك. فالعوامل الثقافية والسياسية التي تدفع تحولات الطاقة لديهم جديرة بأن تكون دروسا مهمة.

لقد عززت الدنمارك إمدادها من طاقة الرياح من أقل من %5 من الكهرباء في عام 1990 إلى أكثر من %40 اليوم، وتتجه نحو الطاقة المتجددة والتدفئة بحلول عام 2035. ويعود جزء كبير من الفضل في انتقالها السريع إلى أخلاقيات“تعاوني مجتمعي” قوية تحتضن مفاهيم حماية البيئة، كما يقول بنيامين سوفاكول Benjamin Sovacool من جامعة ساسيكس بالمملكة المتحدة University of Sussex. ويضيف قائلا إن إجماعا طويل الأمد حول تغير المناخ هو أساس سياسة ثابتة وطويلة الأجل وثابتة لمعالجة الأمر.

أما هاواي، فهي الولاية الأمريكية الوحيدة التي لديها سياسة للوصول إلى إنتاج %100 من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. وقد دفع ارتفاع تكلفة البترول المستورد إلى التحرك في ذلك الاتجاه. ولكن كذلك حقيقة أن هاواي، مثل الدنمارك، لديها مجموعة سكانية صغيرة نسبيا ومتماسكة اجتماعيا. ويقول كولتون تشينغ من شركة هاواي للكهرباء: “إننا نعرف بعضنا البعض. وهذا الصِّغَر يسمح لنا باتخاذ القرارات، وأن نكون فطنين، وأن نوافق على أمور من شأنها أن يكون اتخاذ القرار بشأنها أكثر صعوبة في دولة أكبر.” وربما يكون هناك في ذلك درس بالنسبة إلى المناطق الأكبر والأكثر تنوعا: العمل بجهد أكبر للتوصل إلى توافق في الآراء.

بيتر فيرلي Peter Fairley كاتب مستقل في شؤون الطاقة والبيئة، يقيم في فيكتوريا بكندا.

مصادر بحثية رئيسية:

Low-cost solution to the grid reliability problem with 100% penetration of intermittent wind, water, and solar for all purposes by Mark Z. Jacobson et al; PNAS, December 2015, 112 (49), p15060-15065.

Evaluation of a proposal for reliable low-cost grid power with 100% wind, water, and solar by Christopher T.M. Clack et al; PNAS, June 2017, 114 (26), p6722-6727.

100% Clean and Renewable Wind, Water, and Sunlight All-Sector Energy Roadmaps for 139 Countries of the World by Mark Z. Jacobson et al; Joule, September 2017, 1 (1), p108–121.

Burden of proof: A comprehensive review of the feasibility of 100% renewable-electricity systems by B.P Heard et al; Renewable and Sustainable Energy Reviews, September 2017, 76, p1122-1133.

Matching demand with supply at low cost in 139 countries among 20 world regions with 100% intermittent wind, water, and sunlight (WWS) for all purposes by Mark Z. Jacobson et al; Renewable Energy, August 2018, 123, p236-248.

Smart Energy Europe: The technical and economic impact of one potential 100% renewable energy scenario for the European Union by David Connolly et al; Renewable and Sustainable Energy Reviews, July 2016, 60, p1634-1653.

100% renewable electricity in Australia by Andrew Blacker et al; Energy, August 2017, 133, p471-482.

Renewables Global Futures Report: Great debates toward 100% renewable energy by the Renewable Energy Policy Network for the 21st Century (REN21).

Renewables 2017 Global Status Report by the Renewable Energy Policy Network for the 21st Century (REN21).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى