أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الإنسان

نُسخ جديدة من الجينات القديمة حفّزت نمو الدماغ

الأبحاث تُظهر كيف تشحن الجيناتُ الخلايا العصبية شحنا فائقا عبر النمو البشري

   قد تساعد ثلاثة جينات متطابقة تقريباً على تفسير كيف صار نصف لتر من المادة الرمادية Gray Matter في أسلاف الإنسان الأول العضو البالغ الآن 1.4 لتر، والذي جعل نوعَنا ناجحًا ومميزًا. وقد تساعد الجينات التي حُدّدت حديثًا أيضًا على تفسير كيفية حدوث خلل في نمو الدماغ في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى اضطرابات عصبية Neurological Disorders.

   وتُضيف الجينات -المُنحدّرة من جين نمو قديم Developmental Gene تضاعَف وتغيَّر عبر مسار التطور Evolution- إلى قائمة متنامية من الحمض النووي DNA الضالعة في تطوّر الدماغ البشري (Science, 3 July 2015, p. 21). إذ إنها تميّزت لأنّنا تعلّمنا الكثير عن كيفية عملها السحري، كما يقول جيمس نونان James Noonan، وهو متخصص بعلم الجينات التطوري Evolutionary Genomicist من جامعة ييل Yale University. فقد أظهر الباحثون أنّ هذا الثلاثي يعزز عدد الخلايا العصبية Nerve Cells المحتملة في أنسجة المخ  Brain Tissue، حتى أنّ فريقا واحدا قد حدّد تفاعلات البروتين التي يُحتمل أن تكون مسؤولة عن ذلك. ويضيف نونان: “هذه بروتينات جديدة يمكن أن تعدّل مسارًا مهمًا جدًا في نمو الدماغ تعديلا قويا جدًا.”

   حتى الآن، كان يُعتقد أنّ الجينات الأربعة هي جين واحد، الجين NOTCH2NL، وهو بحد ذاته ناتج من عائلة الجينات NOTCH، التي تتحكم في توقيت النمو Development في كل الكائنات من ذباب الفاكهة إلى الحيتان. ولكن دراستين في العدد الصادر في 31 مايو من مجلة خلية Cell تتبّعتا سلسلة من الحوادث الوراثية في التاريخ التطوري الحديث التي أسفرت عن أربعة جينات NOTCH2NL وثيقة الصلة جدًا في البشر (انظر: الرسم البياني، اليمين).

  وقد تتبع ديفيد هوسلر David Haussler، اختصاصي المعلوماتية البيولوجية Bioinformatician من جامعة كاليفورنيا University of California في سانتا كروز وزملاؤه، مسارَ الجينات بعد اكتشفاهم أنّ مسار عائلة البروتينات NOTCH يعمل بشكل مختلف في العُضيّات المُخيّة Organoids – نماذج للدماغ النامي في أنبوب اختبار – للإنسان والمكاك Macaque. وقد كانت الجينات NOTCH2NL مفقودة في العُضيّة المكاكية، كما أظهرت التحليلات في وقت لاحق، وفي غيره من القردة غير البشرية Nonhuman apes أيضًا. ويشير هذا إلى أنّ الجينات NOTCH2NL ربما أدّت دورًا فريدًا في تطوّر الإنسان.

    ومن خلال مقارنة الحمض النووي المتعلق بالجينات NOTCH2NL في جينومات البشر والرئيسيات الأخرى، أعاد فريق هوسلر بناء التاريخ التطوري للجينات. وقد خلصوا إلى أنه خلال فترة نسخ الحمض النووي  ربما قبل 14 مليون سنة، نُسِخ جزء من الجين السلف عن طريق الخطأ. وقد كان “الجين” الجديد غير مكتمل وغير وظيفي، ولكن بعد نحو 11 مليون سنة – قبل أن تبدأ أدمغة أسلاف البشر بالتطوّر بوقت قصير، اندمج جزء إضافي من البروتين NOTCH2 بهذه النسخة، مما جعل الجين فعالاً. ويقول فرانك جاكوبس Frank Jacobs، وهو مؤلف أوّل مشارك في البحث، ومتخصص بعلم الجينات التطوري من جامعة أمستردام University of Amsterdam: “يشير هذا الحدث إلى ولادة الجينات NOTCH2NL الموجودة الآن في أدمغتنا.”

  وبعد ذلك، كُرّرت هذه الجينات النشطة NOTCH2NL مرتين متتاليتين، مما أسفر عن ثلاثة جينات NOTCH2NL نشطة في صف واحد في نهاية الكروموسوم البشري Chromosome 1 ونسخة واحدة غير نشطة على الطرف الآخر. ويمكن للنُّسخ الجينية أن تكون قوى تطورية فعّالة، لأنّ نسخة واحدة تستمر بعملها الحيوي، تاركًة للنُّسخ الأخرى حرية القيام بشيء جديد.

    وقد كشف بيير فاندرهايغن Pierre Vanderhaeghen، عالِم بيولوجيا الأعصاب التطوري Developmental Neurobiologist من جامعة بروكسل الحرة Free University of Brussels، عن مجموعة الجينات نفسها عندما وجد طريقة لفرز الجينات المكررة في الأنسجة الدماغية للجنين البشري. ولمعرفة وظيفتها، زاد فريقه من نشاط الجينات NOTCH2NL في أنسجة المخ المستزرعة. ووجدوا أنّ النسيج قد صنع المزيد من الخلايا الجذعية Stem Cells، كما ورد في الورقة الثانية المنشورة في  مجلة خلية Cell.

    وتُعزز هذه النتيجة أحد التقارير التي أُبلِغ عنها في وقت سابق من ربيع 2018 من قِبل فيلاند هوتنر Wieland Huttner، وهو عالم أعصاب Neurobiologist من معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الخلية الجزيئية والوراثة Max Planck Institute of Molecular Cell Biology and Genetics في دريسدن بألمانيا. فقد قرر هو وفريقه التركيز على الجين NOTCH2NL (الذي اعتقدوا أنه جين واحد) بعد أن وجد أنه نشط للغاية في خلايا دماغ الجنين. وعندما وضعوا جينًا بشريًا غير شائع في أنسجة دماغية من أجنة الفئران، رصدوا نمو المزيد من الخلايا الجذعية. ويشير ذلك إلى أنّ الجين البشري يؤخر تخصص هذه الخلايا، بحيث تكون لديها فرصة لإنتاج العديد من النسخ الذاتية الأخرى، حسبما ذكر الباحثون في إي لايف eLife في 21 مارس [2018].

   والآن، في ورقتهم المنشورة في مجلة خلية Cell، وصف فاندرهايغن وزملاؤه التفاصيل الجزيئية لكيفية عمل الجين NOTCH2NL لتعزيز تشكيل الخلايا العصبية. ووجد الباحثون أنّ البروتين NOTCH2NL يحصر Block خطوة رئيسية في مسار الإشارات Signaling pathway الذي يجعل الخلايا الجذعية تتمايز Differentiate وتتوقف عن الانقسام. ونتيجة لذلك، فإنّ الخلايا تستمر بإنتاج النسل، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج محصول أكبر من الخلايا العصبية. ويقول نونان: “هذه بيانات بيولوجية مقنعة حقاً.” ويضيف قائلا: “في دراسات أخرى للجينات المشاركة في تطور الإنسان، كان من الصعب جدًا ربط الاختلاف الجيني والنمط الظاهري Phenotype بالآلية البيوكيميائية المسؤولة.”

    ويقول هوسلر إنّ موقع الجينات NOTCH2NL الثلاثة النشطة ذو مغزى أيضًا. إنها تقع بالضبط في وسط الحمض النووي DNA الضالع في التوحد Autism وانفصام الشخصية Schizophrenia ومتلازمة تأخّر النمو Developmental Delay Syndrome. ومثل هذا الحمض النووي DNA المكرر مُعرّض  للفقد أو للنسخ عدة مرات إضافية أثناء النسخ، والسمة المميزة لهذه الاضطرابات هي عدم الاستقرار. وبالنسبة إلى غريغ راي Greg Wray، عالِم بيولوجي تطوري Evolutionary Developmental Biologist  من جامعة ديوك Duke University في دورهام بولاية نورث كارولاينا، فإنّ هذه الفكرة التي تُفسّر أمراض الدماغ هي أكثر النتائج الجديدة إقناعاً. ويقول: “من المحتمل أن تؤدي هذه الجينات دوراً مهماً في نمو قشرة الدماغ Cortical، حيث يؤدي سوء التنظيم إلى المرض.”

   أما راي، فهو أقل اقتناعاً بأنّ لهذه الجينات دورا فريدا في تطور الإنسان لأنّ المنطقة الكروموسومية  Chromosomal Region التي تقع فيها هي منطقة معقدة وصعبة السلسلة، ولأنّ الدليل على وجود اختلاف تطوري في وظيفة الجينات بين البشر والأنواع الأخرى هو أمر غير مباشر.

  إلا أن هوسلر يعتقد أنّ هذه الجينات ستثبت أنها لاعب رئيسي في توسع  الدماغ البشري. ويشير: “لم يفعل ذلك تغيير واحد بمفرده، ولكننا سنجد أنّ البعض أكثر جوهرية من الآخرى.” ويضيف: ” لدى الجينات NOTCH2NL فرصة في ذلك.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى