حقيقة التوابل: هل حان الوقت لترك مشروب اللاتيه بالكركم؟
تسبب التوابل ضجة كبيرة من حيث استخدامها كمواد رخيصة وسهلة الاستخدام لعلاج مختلف الأمراض بدءًا من داء السكري وحتى الخرف. ولكن هذه الادعاءات غير صحيحة دائمًا.
يعتبر الكركم مع الخبز فطورا استثنائيا. ولكن، عندما قدم مارك والكفيست Mark Wahlqvist هذا الفطور إلى مجموعة من الأشخاص كبار السن في تايوان، صارت لديه آمال عالية. فقد كان هؤلاء الأشخاص مشخصين مسبقا على أنهم قريبون من داء السكري، وهو ما قد يؤثر في قدراتهم العقلية. وعندما سمع أن التوابل قد تكون لها فوائد معرفية، قرر أن يختبر هذه الفرضية. ويقول والكفيست، وهو الآن عضو في معاهد أبحاث الصحة الوطنية National Health Research Institutes في تايبيه بتايوان: “إن فكرة أن الكركم ربما يحمي الدماغ فكرة جديدة.”
أما بالنسبة إلى أولئك الذين يتبعون أواخر الأخبار في مجال الطعام، فإن قابلية التوابل على تحفيز الدماغ بعيدة كل البعد عن أن تسبب الدهشة؛ فما هي إلا فائدة واحدة في قائمة المنافع المفترضة للكركم، والذي اشتهر بأنه غذاء ممتاز فعال ورخيص. ونتيجة لذلك، فقد صارت تلك العلبة التي تجمع الغبار على رف التوابل مصدرَ جذب للزبائن في المقاهي العصرية التي تبيع “اللاتيه الذهبي” Golden lattes.
تتنافس التوابل الأخرى على الشهرة أيضا. ويزخر الإنترنت بادعاءات حول قوى الشفاء التي تمتلكها التوابل بدءا من القرفة حتى الزعفران، وهو ما يشير إلى أنها تستطيع المساعدة على علاج كل الأمراض من الاكتئاب وحتى أمراض القلب والسرطان. بل إن هيلاري كلينتون تبعت هذه الدعايات؛ فبعد قراءتها أن الفلفل الساخن يمكنه تقوية جهاز المناعة، كانت تأكل أحد أنواع الفلفل كل يوم خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 في محاولة منها لزيادة قدرة التحمل لديها. ولكن السؤال هو هل هذا الذي نأكله مجرد دعايات فارغة.
%300 معدل الزيادة في عمليات البحث في غوغل عن الكركم بين 2012 و 2016
المصدر: Google Trends, US.
تعود أصول وعود المنافع الطبية للتوابل إلى الطب التقليدي؛ ففي الطب الشمولي الأيورفيدي Ayurvedic medicine، والذي استمرت ممارسته لأكثر من 300 سنة فيما يعرف اليوم بالهند، يُخلط الكركم مع الحليب كعلاج للزكام، أو يصنع كمعجون يوضع كعلاج موضعي للالتواء أو التهاب المفاصل. وتستخدم الآن أكثر من 300 عشبة ونوع توابل في الطب الصيني، إذ تعتبر القرفة خيارا مرغوبا لأولئك الذين يرغبون في التخلص من آلام العضلات، وينصح به لضبط التعرق الزائد، كما ينصح به لوعكات أخرى مختلفة. ويمكن للتوابل أن تضاف إلى الطعام أو أن تُنقع في سائل كشراب طبي، ويمكن أن تستخدم الطريقتان مع بعضهما.
ويقول والكفيست إن هذا الافتتنان بالخصائص العلاجية بدأ بالانتشار عندما دخلت الأعشاب والتوابل أوروبا من آسيا وإفريقيا في العصور الوسطى، كما نما وترعرع عندما استقر المزيد من المهاجرين في أوروبا في القرن العشرين. ولكن، في السنوات القليلة الماضية، وبزيادة رغبة الناس في الأطعمة الوظيفية (وهي الأطعمة التي تمتلك منافع صحية تفوق قيمتها الغذائية)، وصل الاهتمام بالتوابل إلى حد مغالى فيه؛ فقد زادت واردات أوروبا من التوابل والأعشاب بمقدار 6.1 سنويا ما بين 2012 و2016، وارتفعت عمليات البحث في غوغل عن الكركم بنسبة %300 في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة. كما بلغ مجموع مبيعات المكملات الغذائية من الكُرْكُمين (عرق الكركم)، وهو المادة الفاعلة في الكركم، أكثر من 20 مليون دولار في عام 2014.
كما أن العلماء بدؤوا يعون فكرة أن التوابل قد تكون فعلا ذات أهمية. ويقول والكفيست: “إذا كان يمكن لمكونات طعام رخيصة نسبيا أن تخفف من أثر داء السكري والخرف على سبيل المثال، سيكون هذا تقدما مرحبا به.” وقد زاد عدد الدراسات المنشورة حول الأعشاب والتوابل بشكل كبير خلال العقد الماضي، إذ تنشر أسبوعيا نحو 50 ورقة علمية حول التفاعلات الحيوية للكركمين وحده. ولكن على الرغم من هذه البيانات المتزايدة، فإن النتائج محيرة إلى حد كبير.
وفي دراسة يبدو أنها الأكبر حتى الآن، تتبع لامينغ لي من جامعة بكين في بكين، الصين، وزملاؤه 480 ألف شخص سليم بالغ في الصين لنحو سبع سنوات. ووجدوا أن الأشخاص الذين تناولوا الفلفل الحار كل يوم تقريبا كانوا أقل عرضة للموت في تلك الفترة بنسبة %14، وذلك مقارنة بالذين استهلكوا الفلفل الحار أقل من مرة في الأسبوع (انظر: نصيحة ساخنة).
وإذا كانت هذه الآثار حقيقية، فما الذي يجعل التوابل تمتلك كل هذه الفوائد الصحية؟ تستند العديد من الادعاءات إلى الفكرة القائلة إن التوابل تحتوي على مضادات الأكسدة.
عندما تكسر أجسادنا الطعام الذي نأكل، فإنها تنتج جزيئات خبيثة تسمى “الجذور الحرة” Free radicals تساهم في المرض والتقدم بالسن. ومن ثم، فإن الناس غالبا ما يعتقدون أن مضادات الأكسدة تزيل هذه الجزيئات.
تزخر التوابل بعديدات الفينول Polyphenols، وهي مجموعة من المركبات النباتية التي يعتقد أن لها خصائص مضادة للأكسدة. وهذا هو ما أثار فضول إليزابيث أوبارا Elizabeth Opara من جامعة كينغستون Kingston University في المملكة المتحدة. وتقول: “يبدو أنك عندما تصنف الأطعمة المختلفة حسب قدرتها على مضادة الأكسدة، تأتي الأعشاب والتوابل في القمة.”
كانت أوبارا وفريقها متحمسين ليعرفوا ما إذا كانت أساليب الطبخ المختلفة تؤثر في هذه الخصائص من مضادة الأكسدة. وفي اختباراتهم فحصوا الأعشاب والتوابل ومن ضمنها القرفة والقرنفل والبقدونس والمريمية والزعتر، ووجدوا أن استخدام الميكروويف والغلي البطئ والطهو البطيء، وهي جميعها تشتمل على تسخين سائل، زادت من الآثار مضادة الأكسدة. أما الشيّ والقلي، واللذان يستخدمان الحرارة الجافة، فإنهما يقللان من الآثار مضادة الأكسدة.
ولكن، لا تتناول اللاتيه الذهبي بعد؛ ذلك أن الأبحاث المتأخرة وجدت أن استهلاك الأعشاب والتوابل لم تؤد إلى زيادة في النشاط مضاد الأكسدة في دم الأشخاص. وتقول أوبارا: “تشير الأبحاث الآن إلى أن عديدات الفينول إذا كان لها أي أثر، فإنها ليست مرتبطة بكبح مضادات الأكسدة.” وهذا الأمر يسلط الضوء على مشكلة كبيرة في العديد من الأبحاث المجراة على التوابل، وهي أنها غالبا ما تجري في المختبرات، وما قد يبدو واعدا في عينة من الخلايا نادرا ما يحمل هذا الأثر في جسم الإنسان.
ومع ذلك، تبدو بعض الدراسات الأخرى في البشر أكثر وعدا. ففي الدراسة التي قام بها والكفيست وفريقه، والتي قدموا فيها الفطور إلى بعض كبار السن، أراد والكفيست وفريقه أن يروا ما إذا كانت الكميات المعتاد أكلها من الكركم والقرفة قد تساعد في حالات ضعف الذاكرة التي تنشأ عند المصابين بمقدمات داء السكري. تشير بعض الدراسات إلى أن القرفة قد تقلل من مقاومة الإنسولين، وهو ما سيسمح بالتحكم في مستويات السكر في الدم ويحمي من التنكس العصبي المرتبط به. وفي هذه الدراسة، أعطيت مجموعة من 48 شخصا مصابين بمقدمات السكري واحدا من أربعة أنواع فطور: غرام واحد من الكركم، أو غرامان من القرفة، أو كلا النوعين من التوابل، أو توابل زائفة، وذلك مع حصة من الخبز الأبيض (والذي يمثل حشوة غير فاعلة غذائيا، والتي تمكن الباحثين من عزل الأثر المحتمل للتوابل).
لقد حصل الأشخاص الذين أكلوا فطور الكركم على تحسنات في ذاكرتهم العاملة خلال الساعات الست التالية. وتُستخدم اختبارات الذاكرة من هذا النوع في توقع انخفاض الأداء المعرفي. ولم يكن هناك أي تغيّر في الذاكرة عند المجموعات الأخرى.
أما مسألة وجود علاقة بين التوابل والذاكرة، فإنها لا تعني أنها تسبب التغييرات في الذاكرة؛ فيمكن لعوامل أخرى لم يأخذها الباحثون بالحسبان أن تكون الفاعلة. كما يمكن للدراسة أن تكون اشتملت على أشخاص يأكلون طعاما صينيا، وهو ما قد يؤثر في النتائج. بل إن أعضاء الفريق لا يعلمون إذا كانت النتائج طويلة الأمد، ولا يعلمون كذلك كيفية تأثير الكركم في الذاكرة هنا.
20 مليون دولار
قيمة المكملات الغذائية المحتوية على الكركمين التي بيعت في الولايات المتحدة عام 2014
المصدر: Journal of Medicinal Chemistry, Vol 60, p 1620.
ربما كان بإمكان المركبات الكيميائية في الكركم أن تزودنا بمعلومات إضافية؛ فتقييم أثر التوابل كغذاء يمكن أن يكون صعبا، خصوصا أنها تستهلك بكميات قليلة كجزء من نظام غذائي أكبر بكثير. ولذلك، فقد قام غاري سمول Gary Small من جامعة كاليفورنيا University of California في لو أنجلوس، وزملاؤه بتركيز أبحاثهم على قدرات المكملات الغذائية المحتوية على الكركمين. وصار الكركمين، والذي يشكل 3% من الكركم، تعبيرا متداولا في حد ذاته، وصار يباع على نطاق واسع كمكمل غذائي. اختبرت أكثر من 120 تجربة سريرية نجاعة الكركمين مقابل العديد من الأمراض، بدءا من داء آلزايمر ووصولا إلى خلل الانتصاب.
وفي دراسة نشرت سابقا هذه السنة، نظر فريق سمول في الآثار طويلة الأمد للكركمين في القدرات المعرفية في الأشخاص ذوي الأعمار المتوسطة أو أكبر، والذين يعانون مشكلات بسيطة في الذاكرة تتعلق بالعمر. أخذت مجموعة منهم مكونة من 40 شخصا حبة دوائية تحتوي على 90 ميلليغراما من الكركمين مرتين يوميا، وحصلت مجموعة أخرى على علاج غُفل. وأعطيت المجموعتان اختبارات معرفية كل ستة أشهر ولمدة 18 شهرا، كما حصل البعض على مسوح للدماغ.
ووجد الفريق أن عمل الذاكرة والتركيز العقلي عند الأشخاص الذين أخذوا الكركمين تحسنا بشكل ملحوظ، بينما لم يكن هناك فرق عند الآخرين. كما انخفضت كمية اللُّويحات وتشابك البروتين (والتي يُظَنُّ أنها سبب الاختلال في القدرات المعرفية) في مناطق بالدماغ لها علاقة بتعديل المزاج والذاكرة. ويقول سمول: “كنت متفاجئا وسعيدا أنها نجحت في عينة صغيرة نسبيا.”
ويشك سمول في أن الكركمين قد يكون حفز استجابة مقاومة للالتهاب. والالتهاب هو الاستجابة التي يقوم بها الجسم عند التعرض للأذية أو العدوى، ولكن نمط الحياة الحديث قد يجعل هذه العملية تحدث بشكل غير مناسب عن طريق تحفيزها بشكل مستمر. وهذا يعتبر سببا محتملا في العديد من الأمراض بدءا من أمراض القلب وحتى الاكتئاب.
تقليل التورم في الخلايا العصبية الناتج من تقليل الالتهاب قد يساعد الخلايا العصبية على العمل بشكل أفضل، وقد يكون ذلك مرتبطا بتقليل تشابك البروتين الذي لاحظه فريق سمول. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يظن أن الحبوب الدوائية من الكركمين قد تكون بديلا بالنسبة إلى الأشخاص الذين يصارعون من أجل القيام بتغييرات على نمط الحياة، من مثل تحسين نظامهم الغذائي أو زيادة التمرين. ويقول سمول: “من الصعب على الناس أن يغيروا من سلوكهم. لا نطلب إلى الناس هنا إلا أن يتناولوا بعض الكبسولات بضع مرات في اليوم.”
ويعمل الآن هو وفريقه على اتباع هذه الدراسة بدراسة أخرى أكبر من أجل التأكيد على هذا الأثر الذي وجدوه. كما أنهم وجدوا تحفيزا معتدلا في المزاج في المجموعة التي أعطيت الكركمين، وهو أمر يريدون تحريه أكثر عن طريق فحص مشاركين يعانون اكتئابا بسيطا. وفي بعض الحالات تشاهد اللويحات وتشابك البروتين في الناس الذين لديهم مزاج منخفض ولكن ليس عند أولئك المصابين بالخرف. ويقول سمول: “نود أن نفهم هذا الأمر أكثر.”
ولكن هذا الاقتناع بالكركمين لا ينطبق على الجميع؛ ففي السنة الماضية، نشرت كاثرين نيسلون Kathryn Nelson من جامعة ميناسوتا هي وزملاؤها، والذين يعملون على التحقق من المواد الكيماوية الجديدة التي قد تستخدم كأدوية في المستقبل، دراسةً نقدية لاذعة عن الفوائد الصحية المفترضة للكركمين. وكتبوا فيها: “قد تكون الأبحاث في الكركمين دخلت في قسم عميق من ثقب أسود مبالغ فيه من المنتجات الطبيعية، حيث تتجاوز الجهود الفائدةَ بسرعة.”
وأحد الانتقادات الكبرى هي ما يسمونه “الجانب المظلم” للتوابل؛ إذ يبدو أن لها آثارا في الكثير جدا من الدراسات، وهو ما قد يكون نتيجة إيجابية كاذبة. وتقول نيلسون: “إن كانت مادة كيميائية ما فاعلة في كل الاختبارات، فإن هذا يعتبر نذيرا بالخطأ.” بل إنها تعني أنه قد لا تكون في الحقيقة فاعلة في جميع هذه الاختبارات.
وعندما يبحث العلماء عن مواد كيميائية مرشحة لأن تكون أدوية، فإن التجارب المختبرية الأولية تبحث ما إذا كانت المادة الكيميائية قادرة على الارتباط ببروتين له علاقة بالمرض. ولكن بعض المواد الكيميائية تعطي إشارات كاذبة. والكركمين هو أحدها. فعلى سبيل المثال، يستطيع الكركمين تخريب الأغشية الخلوية مما يجعلها تبدو كأنها تتفاعل مع بروتينات موجودة على سطح الخلية. وفي العديد من المحاليل يبدو كذلك أنها تصدر إشعاعا فسفوريا Fluoresce، وهذا البريق الفسفوري هو ما يبحث عنه العلماء كعلامة على الفعالية. كما بدا أن الكركمين له أثر في دراسات الأدوية في العديد من الأمراض، ولكنها مع ذلك لم تقد إلى أي علاج مؤكد.
وهناك تساؤلات حول ما إذا كان الجسم يمتص كمية كافية للقيام بأي فعل. وتقول نيلسون: “حتى عندما تعطي الأشخاص وصولا إلى 12 غراما من الكركمين يوميا، لماذا لا تجده في مجرى الدم لديهم؟”
سحب الأدلة Retracted evidence
للخطأ البشري دور في هذه المسألة أيضا؛ فالعديد من الأوراق العلمية التي ألفها بارات آغاروال Bharat Aggarwal، والذي كان سابقا يعمل في جامعة تكساس University of Texas، شكَّلت قاعدة التجارب السريرية التي تنظر في أثر الكركمين في السرطان، ولكن أُعيد سحب الأدلة.
وبالنسبة إلى القرفة، فإن إحدى دراسات المراجعة Review studies التي راجعت دراسات التجارب العشوائية Randomised trials على أثر القرفة على السكري لم تقبل بأغلب الدراسات المعروفة عن الموضوع بسبب احتمال وجود تحيز فيها. ومن الدراسات الضئيلة الباقية توصلت الدراسة إلى أنه لا يوجد دليل قوي على وجود أي آثار صحية.
وهذا لا يعني أن التوابل عبارة عن قضية خاسرة، ولكننا نحتاج إلى أدلة أكثر بكثير من أجل أن نأخذها على محمل الجد. وقد تكون هناك آثار نافعة ولكننا ببساطة لم نكتشفها بعد. فعلى سبيل المثال، يعتبر الأرتيمسينين Artemisinin أحد أكثر الأدوية نجاحا في علاج الملاريا. وهذا الاكتشاف الحائز على جائزة نوبل لم يكن ليتم لولا أن فُحِص 2000 نوع من العلاجات الصينية.
50 ورقة بحثية جديدة تنشر عن الكركمين كل أسبوع
المصدر: Journal of Medicinal Chemistry, Vol 60, p 1620.
ويجب أن يكون هناك نطاق أكبر بالنسبة إلى الاستخدامات الموضعية للتوابل؛ ذلك أن المكونات الفاعلة لا تحتاج إلى أن تُمتص لمجرى الدم من أجل أن تعمل. ويبحث العديد من الفرق في الخصائص المضادة للميكروبات والمحتمل وجودها في التوابل، بل وإن البعض يضمنها في مغلفات الأغذية لحفظ الطعام. وتقول نيلسون: “يستخدم الناس الكركمين على شكل مكمل غذائي، ولم يكن هذا ما يقوم به الطب التقليدي في الأصل.”
إضافة إلى ذلك، فهناك أسباب جيدة أخرى للوقوع في حب مكونات رف التوابل؛ فصحيح أن التوابل قد لا تكون فعلا دواء رخيصا لكل داء، كما تقول الدعايات، ولكنها الآن أضيفت إلى التوجيهات الغذائية الوطنية في كل من الولايات المتحدة وأستراليا، والتي ركزت سابقا على المكونات الرئيسية كاللحم والكربوهيدرات والفواكه والخضار. لماذا؟ لأن إضافة التوابل إلى الطعام طريقة سهلة للتخفيف من الملح، والذي قد يزيد من ضغط الدم. كما أن النظام الغذائي المتنوع ينصح به بشكل واسع على أنه الطريقة الأكثر صحية للأكل، والتنوع في نهاية المطاف هو توابل الحياة.
جرعة مميتة Lethal ingestion
قد يكون الإحساس بالحرقة الشديدة، والذي تحصل عليه عندما تأكل الفلفل الحار أمرا بالغ المتعة، ولكن هل يمكن لأكل التوابل أن يكون مميتا؟ إن هذا ممكن. وفي حالة نادرة، تناول رجل فلفل الناغا جولوكي، والذي يعتبر أكثر أنواع الفلفل تسببا بالحرقة على الإطلاق، كجزء من مسابقة، وبدأ يشعر بأعراض المرض وشكا من ألم بالصدر. وتبين بعدها أن قوة التقيؤ قد مزقت مريئه واحتاج بذلك إلى جراحة. وقد كان ليموت على الأرجح لولا التدخل الطبي.
يمكن لجوزة الطيب التي تتُعاطى أحيانا كمخدر ترفيهي Recreational drug، أن يكون مصدرا للخطر. وتحتوي جوزة الطيب على الميريستيسين، وهو غاز متطاير يمكنه أن يسبب آثارا من مثل الهلوسة وآثار شبيهة بالأمفيتامين عندما يتكسر في الجسم. وقد انتهى المطاف بأحد الطلاب الباحثين عن النشوة الرخيصة في المستشفى، وذلك بعد أن خلط 50 غراما من التوابل بمخفوق الحليب. وحتى هذه الجرع العالية تكون بعيدة الاحتمال من أن تكون قاتلة، ولكن هناك بعض حالات الوفاة التي أبلغ عنها من تناول جرعة مفرطة من التوابل.
وصحيح إن هناك احتمالا ضئيلا لأن تبتلع كمية كبيرة من التوابل بالخطأ، “لا أن أحدا يحتاج إلى أن يقلق بشأن أكل الكثير من الكاري،” كما تقول كاثرين نيلسون Kathryn Nelson من جامعة مينسوتا University of Minnesota. والمكملات الغذائية من التوابل، والتي تحوي جرعا أكبر من المكونات الفاعلة، يمكنها أن تسبب مشكلات عن طريق التفاعل مع الأدوية. فالكركمين على سبيل المثال يظن أنه يقلل تجلط الدم، ويجب تجنبه في الأشخاص الذين يتناولون أدوية مانعة للتجلط.
ويغلب أن يتناول الأفراد المكملاتِ الغذائية دون وصفة طبيب، وقد يعتقدون أن المكملات الغذائية تباع كعلاجات طبيعية ومن ثم فهي غير مؤذية. ولكن في أغلب الحالات، لم تصل الأبحاث العلمية بعد إلى تقرير فوائدها وأعراضها الجانبية.
نصيحة موثوق بها Hot tip
المكون الفعال في الفلفل الحار هو المركب المسبب بالشعور بالحرقة الكابسيسين، والذي يظن أنه يساعد على درء آكلات العشب عن أكل الفلفل المحتوي على الكابسيسين.
والجريؤون كفاية لأكلها سيجدون أنها تذيب الدهون. وكان ماسايوكي سايتو Masayuki Saito من كلية تينشي Tenshi College في اليابان وزملاؤه ينظرون في كيفية تفعيل الكابسايسين للدهون البُنّية Brown fat، وهي النوع من الدهون الذي يحول الطعام مباشرة إلى حرارة للجسد، بخلاف الدهون البيضاء، والتي تخزن الطاقة من الطعام. وتشير الأبحاث إلى أن البرودة تحفز الدهون البُنيّة على تحويل المزيد من الطعام إلى حرارة، ما ينتج منه فقدان للوزن. ويبدو أن الكابسيسين يحاكي هذا الأثر. في تجربة أجراها فريق سايتو، وجدوا أن الدهون البنية في الرجال الشباب الأصحاء الذين أعطوا 1.5 ميلليغرام من الكابسيسين صارت مفعَّلة وحرقت المزيد من الطاقة مقارنة بالأشخاص الذين تلقوا علاجا غفلا Placebo.
ولكنك لست مضطرا لتناول الفلفل الحار من أجل أن تحصل على الآثار الأخرى من الكابسيسين. ففي دراسة أجريت على أكثر من 550 بالغا يعانون الخدر وإحساسا بالحرقة بسبب مشكلات في الأعصاب، وجدت مايجا هانبا Maija Haanpää من المستشفى المركزي لجامعة هيلسينكي Helsinki University في فنلندا وزملاؤها أن وضع لزقة تحتوي على الكابسيسين على منطقة مصابة، فإنها ستوفر تخلصا من الألم بكفاءة أدوية الفموية نفسها، ولكنها أسرع ولها أعراض جانبية أقل.
فإذا كنت تزرع فلفلا أسود حارا كفاية، فإن قدرته على التسبب بالخدر قد تستخدم أيضا كمُسكِّن. وفي السنة الماضية زرع أكثر أنواع الفلفل حرارة في المملكة المتحدة، والذي حصل على 2.48 مليون وحدة على مقياس سكوفيل Scoville scale، أما الرقم السابق فقد كان 1.6 مليون. والآن، ينظر باحثون من جامعة نوتنغهام ترنت Nottingham Trent University في المملكة المتحدة إذا ما كان بإمكانهم استخلاص الزيت من الفلفل الحار واستخدامه ليسبب الخدر في الجلد. ويمكن لهذا أن يكون مفيدا بشكل خاص كبديل أرخص للمسكّنات المحلية الموجودة في الدول النامية.
ساندرين سيرستيمونت Sandrine Ceurstemont كاتبة مقيمة في المغرب.