أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

كيف نفكر في … المنطق

هل عبارة "إن هذه الجملة خطأ" صحيحة أم خطأ؟ إن الصعوبة التي يواجهها عقلنا المشوش في الإجابة عن هذا السؤال يعود إلى جوهر ما هو المنطق وما ليس هو.

بقلم: دوغلاس هيفن Douglas Heaven
ترجمة: أ. د. محمد قيصرون ميرزا

 

كلُّ الرجال فانون، لذا سقراط فانٍ. وبابتداع المنطق، فقد لخص أرسطو الفكر الغربي وأرسله مدويًّا في رحلة امتدت إلى 2000 سنة على الطريق إلى العلم.

والقليل مما نعرفه عن العالَم يأتي من الرصد المباشر (انظر: كيف نفكر في … الحقيقة العلمية). وهو مبنيّ في الأغلب على استنتاجات نصل إليها من أشياء أخرى نعرفها. فلم يضطر أرسطو إلى تعريف جسد للاستنتاج أن سقراط كان فانيا. ولم ير كريك Crick وفرانكلين Franklin وواتسون أيّ لولب من الحمض النووي DNA سوى نمط حيود الأشعة السينية الصادرة عنها على شكل X. لأنّ الجزيئات التي تصدر عنها أنماط حيود أشعة سينية على شكل X  تكون لولبية. وللحمض النووي DNA نمط حيود أشعة سينية على شكل X. ومن ثم, فإن الحمض النووي DNA لولبي.

يعطينا المنطقLogic ، من القياس المنطقي Syllogism لأرسطو وما تلاه، سقالات للتعليل الموثوق به الذي يساعدنا على هيكلة أفكارنا. غير أن المنطق بحدّ ذاته لا يضمن الحقيقة. كلّ الأشياء الصفراء مصنوعة من الجبن: القمر أصفر، فالقمر مصنوع من الجبن. إذا كانتْ افتراضاتك خاطئة فإن استنتاجاتك على الأغلب خاطئة أيضا.

ولتصوير الفكر الإنساني فوضويا بدقة أكثر، فقد بدأ المناطِقَة في القرن التاسع عشر بالتخلي عن اللغة الطبيعية بكل مافيها من غموض محتمل. فقد طوّر جورج بوولGeorge Boole ، وهو رياضياتي إنجليزي عصامي علّم نفسه بنفسه، نوعا من علم الجبر تكون لمتغيراته فيه قيما صادقة – صح أم خطأ – بدلا من قيم رقمية.

وقد مهد هذا الطريق للمئة سنة التالية. وأسلوب بوول اليوم هو طريقة يشتغل(on)  – لا يشتغل (off)، أو نبضات 1 و 0، وهو في صميم تركيب كل حاسب رقمي. ويقول غابي: “إن المنطق الرياضياتي قد أدى مباشرة إلى الحوسبة، ويخدم المنطق علم الحاسوب بالطريقة نفسها التي تخدم الرياضياتُ الفيزياءَ.”

وهذا ما يمكن أن نطلق عليه المنطق التطبيقي. ويبحث الكثير من علماء المنطق في العديد من أقسام الفلسفة في الجامعات بكل إصرار وينقبون أكثر عما يمكن للمنطق أن يقوله فعلا عن الحقيقة.  وأحد كبريات المشاريع الجارية حاليا هو افتراض أطلق عليه أرسطو “أكثر مبدأ مؤكد”: الأشياء إما صحيحة أو غير صحيحة. ومع الأسف فإن هذا يتسبب في فشل المنطق التقليدي من حين إلى آخر. خذْ عبارة “هذه الجملة خطأ”: هل هذا صح أم خطأ؟

 لا صح ولا خطأ Neither true nor false

 يتجاوز منطق القيم المتعددة هذه المعضلة بالسماح لعبارات بأن تكون إما صح أو خطأ أو محتمل – وأكثر. ويوفر علم منطق التناقضات Paraconsistent logics طرقا لمعالجة عبارات صحيحة وخاطئة في الوقت نفسه، تلك التناقضات التي يمكن أن تنتج منها حماقات في علم المنطق التقليدي.

ومع تطور المنطق، فإنه يقترب أكثر فأكثر إلى ما يجري في رؤوسنا فعلا، والمحيّر أنه أصعب للفهم. وقد عانى المنطق أيضأ وجود الإنترنت ووسائل التواصل الأخرى التي فاقمت الحوارات العاطفية. ويقول غابي: “إن النقاشات غير المنطقية الآن أشد تأثيرا من تلك المنطقية.”

ويهدف مشروعه المحبب إليه إلى إخراج المنطق من رأسنا وجعله أقرب إلى قلوبنا بواسطة تطوير منظومة رسمية للمنطق إضافة إلى قواعد للتعليل، يمكنها التقاط الجوانب العاطفية من الحوار، بما فيها الهجمات الشخصية، ويميل إليها “الحسّ العام”، والمغالطات التي تبدو صحيحة ظاهريا، وما إلى ذلك. ويقول غابي أيضا: “إن كلّ الأشياء التي كانت تعتبر مغالطات منطقية حتى الآن بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة،”  وهذه هي المرحلة التالية في تطور المنطق كمرشدنا إلى الحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى