أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

التهجين قد يساعد بعض الطفيليات

دراسة الجينوم قد تفسِّر كيفية اكتساب داء البلهارسيات موطـيء قدم في أوروبا

بقلم: إليزابيث بينسي Elizabeth Pennisi في مونبلييه بفرنسا
ترجمة: مي منصور بورسلي

يُعد داء البلهارسيات (الشستوسومية) Schistosomiasis، الذي يُصيب أكثر من 230 مليون شخص، أكثر الأمراض الطفيلية انتشارًا في العالم بعد الملاريا. وقد ساد الاعتقاد أنّ المناطق المعتدلة كانت مستثناة من ذلك: فقد كانت ديدان البلهارسيا المسطحة شائعة فقط في الأماكن الدافئة في إفريقيا والهند وأمريكا الجنوبية. لذلك فوجئ عالِم الطفيليات جيروم بوزيير Jerome Boissier عندما اتصل أطباءٌ في فرنسا وألمانيا، في أسبوع واحد في عام 2014، للإبلاغ عن إصابة عائلتين لم تغادرا أوروبا قط بالمرض الذي يسبب ظهور أعراض كالحمى والقشعريرة وآلام في العضلات ونزول دم في البول.

وبعد تعقّب علماءُ الوبائيات الحالاتِ إلى نهر كافو Cavu River في جزيرة كورسيكا Corsica، وهي جزيرة فرنسية في البحر الأبيض المتوسط حيث سبح المصابون أثناء العطلة، وجد العلماء أنّ حلزون المياه العذبة المحلي كان المضيف الوسيط الضروري لدورة حياة الديدان المسطحة المعقدة. ولا يزال النهر موبوءًا: فقد أصيب ما لا يقل عن 120 شخصًا. كما ظهر المرض في مكان آخر في كورسيكا.

وقد أظهر بوزيير في أعمال سابقة، في جامعة بربينيان فيا دوميتيا University of Perpignan Via Domitia بفرنسا، أنّ الجاني ليس طفيلًا عاديًا للبلهارسيا، ولكنه خليط من نوعين. والآن، كشف فريقه عن ميزة الهجين: يبدو أنه أفضل من النوعين الأصليين في نقل العدوى إلى الحلزونات والمضيفين التعساء من الثدييات. ويمكن لمثل هذه الأنواع الهجينة، التي اكتُشفت في أنواع طفيلية أخرى أيضًا، توسيع نطاق الكائن الطفيلي؛ ويمكِّنه من أصابت ثدييات مضيفة أكثر، مما يُصعّب جهود السيطرة عليه. وتقول كريستينا فاوست Christina Faust، عالمة الأمراض البيئية من جامعة غلاسكو في المملكة المتحدة University of Glasgow، إنّ العمل الذي قدّمه جوليان كينكايد – سميث Julien Kincaid-Smith، طالب الدراسات العليا في فريق بوزيير، هنا الأسبوع الماضي في المؤتمر المشترك الثاني حول علم الأحياء التطوري Second Joint Congress on Evolutionary Biology: ” يُغيّر الطريقة التي نفكر بها في انتقال المرض.”

ويحتوي براز أو بول البشر وغيرهم من الثدييات المصابة بالبلهارسيا على البيض، الذي يفقس إذا وصل إلى المياه العذبة في الوقت المناسب. وبعد فقس البيض يتخذ الطفيلي من الحلزون مُضيفًا حيث تنضج وتتكاثر صغاره لاجنسيا، وتنتج يرقات صغيرة تخرج من قوقعة الحلزون. وإذا التقت تلك اليرقات حيوانا آخر من الثدييات ممن يخوضون في الماء، فإنها تحفر في جلده وتستقر في أوعيته الدموية، وتستكمل دورة حياتها. ويصيب البشرَ نوعان: الأكثر شيوعًا، شستوسوميسيس هيماتوبيوم (البلهارسيا الدموية) Schistosoma Haematobium الذي يسبب داء البلهارسيات البولي التناسلي Urogenital Schistosomiasis. وغالبا ما يستقر هذا النوع في الأوعية الدموية في جدار المثانة أو القنوات التناسلية، حيث يمكنها أن تُتلِف الأعضاء أو تُضعف الخصوبة. وعلى الرغم من فعالية الدواء المضاد للطفيليات برازيكوانتيل Praziquantel، إلا أنه قد تمر سنوات قبل تشخيص المرضى المصابين في البلدان المتقدمة.

أصيب ما لا يقل عن 120 شخصاً بالبلهارسيا في نهر كافو Cavu River. كما صار نهر آخر مجاور موبوءًا.

ويقول بوزيير إنّ شستوسوميسيس هيماتوبيوم ربما وصلت إلى أوروبا بعد أن سافر مصاب من مكان آخر إلى كورسيكا وتبوّل في نهر كافو٬ حيث كان هناك مضيف وسيط ينتظر: فالنهر هو موطن بولينوس تيرنكاتوس (الحلزون الملتوي) Bulinus Truncatus – وهو واحد من عدد قليل من أنواع الحلزون بولينوس الذي قد يعيل البلهارسيا القادمة في بعض البلدان الإفريقية والشرق أوسطية. ويقول دانيال كولي Daniel Colley، من جامعة جورجيا University of Georgia في أثينا، الذي يشير إلى أنّ السفر العالمي يزيد من احتمال التفشي: “هذا نداء للتذكير بأنّ هذا المرض قد يوطّد نفسه في أي مكان تكون الظروف فيه ملائمة.”

وقد ذكر فريق بوزيير قبل سنتين أنّ اختبارات الحمض النووي DNA على بيض الطفيلي أشارت إلى أنّ الوافد الجديد كان هجينًا من شستوسوميسيس هيماتوبيوم وشستوسوميسيس بوفيس (البلهارسيا البقرية) S. bovis، وهو نوع من البلهارسيا يصيب الماشية. ووفقا للحمض النووي للهجين، كانت السنغال هي المصدر الأكثر احتمالًا. ولم تكن الطفيليات المُهجّنة أمرا جديدًا؛ فقد اكتشفتها تاين  هايز Tine Huyse، المتخصصة بعلم الطفيليات من جامعة لوفين الكاثوليكية في بلجيكا University of Leuven، وزميل لها في السنغال عام 2008. ولكن كينكايد-سميث سافر إلى السنغال والكاميرون لجمع السلالات الأصلية، ليقوم الفريق بتربيتها في المختبر لإعادة إنتاج الهجين. وبعدها اختبر الباحثون قدرة الوالدين والهجين على إصابة الحلزونات، وجرذان الهامستر  كبديل للإنسان.

وذكر بوزيير أنّ الطفيليات البشرية الموجودة في إفريقيا لم تُصب الحلزون الكورسيكي٬ بل إن الطفيليات الهجينة قد تمكنت من ذلك بسهولة أكبر، فلم تزدهر في الحلزونات الكورسيكية فقط، بل أيضًا في الحلزونات بولينوس تيرنكاتوس من أسبانيا ونوع آخر من الحلزون ذي الصلة بها من البرتغال. كما تطور الهجين بشكل أسرع من أي من النوعين الأصليين في جرذان الهامستر بل وكانت أكثر اعتلالا.

 وقد ظهرت الأنواع المُهجّنة في طفيليات أخرى، بما في ذلك تلك التي تسبب الملاريا وداء الليشمانيات Leishmaniasis ومرض شاغاس Chagas disease. وفي علم الأوبئة لا يزال مدى أهمية هذه الهجائن غير مفهوم تماما إلا أنها مثيرة للقلق، كما تقول  هايز، ويبدو أنها صارت أكثر شيوعًا مع توسع السفر والهجرة. ومن المرجح أن تصيب الكائناتُ الهجينة العديدَ من الكائنات المُضيفة؛ مما يسمح لبعضها بـ “الاختباء” في الحيوانات غير البشرية، بعيدًا عن التعرّض للأدوية التي تُعطى للبشر. وتقول فاوست إنّ الجمع بين جينومين يعطي الكائن الطفيلي تنوعا وراثيًا يجعلُه أكثر ملاءمة للتكيف مع المضيفين الجدد والأماكن الجديدة.

 وعندما تعاون كينكايد – سميث وزملاؤه، مع معهد ويلكوم سانغر Wellcome Sanger Institute في هينكستون بالمملكة المتحدة، لسَلْسَلْة كامل الحمض النووي للنوع الهجين، وجد أنّ ثلاثة أرباع حمض الهجين النووي DNA  قد أتى من الطفيلي البشري والمتبقي من الطفيلي البقري. وقد يزيد هذا المزيج من قدرة الهجين على إصابة الحلزون الكورسيكي بالعدوى، ولكن مع فقدان ربع الجينات من شستوسوميسيس هيماتوبيوم “فمن المدهش قدرة الطفيلي على أن يصيب البشر،” كما قال كينكايد – سميث الذي نشر مع زملائه نسخة ما قبل الطباعة من دراسة الجينوم على أرشيف bioRxiv  بتاريخ 11 أغسطس. وحقيقة أنّ الحمض النووي من النوعين الرئيسيين قد امتزجا إلى حد كبير – تظهر أجزاء من كروموسومات  شستوسوميسيس بوفيس في أماكن مختلفة على طول كروموسومات  شستوسوميسيس هيماتوبيوم-  تشير إلى أنّ التهجين قد حدث منذ فترة طويلة بما يكفي للتزاوج بسلالتي الوالدين وببعضها البعض عبر عدة أجيال.

 “ومستوى المعلومات الجينومية [في الدراسة] مثير للإعجاب،” كما يقول كولي. لكنه حذَّر من إسقاط نتائج درجات العدوى للهجين الذي أُنتج في المختبر على ما يحدث في الطبيعة. ويقول: “لا نعرف كيف سينتهي الأمر على المدى الطويل من حيث تفاقم الانتشار أو إعاقة السيطرة على داء البلهارسيات.”

 ويبدو أنّ داء البلهارسيات سيبقى في كورسيكا. وعلى الرغم من عدم ظهور حالات بشرية في عام 2017 – بعد ما مجموعه سبع حالات في السنتين السابقتين – فلا تزال الديدان تظهر في الحلزونات نهر كافو. وقد ظهرت أيضًا في نهر سولينزارا Solenzara River المجاور، كما يقول بوزيير. ومن غير الواضح ما إذا كان الطفيلي يقضي فصل الشتاء في قواقع الحلزونات أو يلجأ إلى القوارض أو إلى بعض الثدييات الأخرى المضيفة، وكما قال كينكايد- سميث في الاجتماع: “هذا أيضًا أمر يحتاج إلى بحث.”

 موطئ قدم أوروبي

اكتُشف داء البلهارسيات Schistosomiasis في جزيرة كورسيكا الفرنسية في عام 2014؛ ويوحي تحليل الحمض النووي DNA أن مصدره السنغال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى