أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

تستعد طابعات الحمض النووي للقفز من كتابة الفقرات إلى تحرير الصفحات

الإنزيمات التي تكتب الحمض النووي يمكن أن تشحذ تخزين البيانات والبيولوجيا الاصطناعية

 شرح الصورة: تُبيّن البنية الجزيئية إنزيمًا (بنفسجيا) يكتب سلسلة من الحمض النووي DNA (أخضر)

 يستطيع العلماء قراءةَ تسلسلات الحمض النووي DNA بشكل أسرع من أي وقت مضى. لكن عملية كتابة الحمض النووي لم تواكب ذلك. وأولئك الذين يريدون حمضًا نوويًا مصنوعا حسب الطلب مثل علماء البيولوجيا التخليقية Synthetic biology يتدبّرون أمرهم باستخدام السلاسل القصيرة التي تُركّب في عملية كيميائية بطيئة ومكلفة.

ويبدو أن هذا آخذ بالتغيير. ففي الأسبوع الماضي أعلن باحثون من شركة ناشئة للتكنولوجيا الحيوية في اجتماع للبيولوجيا التخليقية في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، أنه باستخدام أقارب إنزيمات كتابة الحمض النووي في الكائنات الحية، يمكنهم بناء خيوط الحمض النووي بطول 150 “حرفًا” أو قاعدة نيوكليوتيدية. وهذا الرقم أعلى من خمسين نيوكليوتيدا سُجّل قبل بضعة شهور فقط، ومقارب تقريبًا للنهج الكيميائي القياسي.

ويقول جورج تشرتش George Church، الاختصاصي بعلم الوراثة في كلية الطب بهارفارد Harvard Medical School في بوسطن، والذي يعمل على تطوير تقنيات مشابهة: “هذ إنجاز مهم.” إذ تضع النتيجة، التي توصلت إليها شركة DNA Script ومقرها في باريس، تركيب الحمض النووي الإنزيمي، كما يقول: “على منحنى من المتوقع أن ينمو نموا كبيرا.” وإذا حصل ذلك، كما يرى تشرتش وآخرون، فقريباً سيتمكن الباحثون الذين يريدون إنشاء جينومات جديدة أو استخدام الحمض النووي كوسيلة تخزين عالية القدرة على حفظ كميات كبيرة من المعلومات، من إنتاج قطع طويلة من الحمض النووي بصورة أسرع وأقل تكلفة.

وعلى الرغم من أن تخليق الحمض النووي الكيميائي التقليدي كان مصغرًا وآليًا، إلّا أنّ التقنية الأساسية المعروفة بكيمياء الفوسفوراميد Phosphoramidite Chemistry لم تتغير تقريبًا منذ أن طُوّرت في أوائل الثمانينات القرن العشرين. وتنطوي التقنية على إضافة قواعد النوكليوتيد، واحدة بعد الأخرى، وتُطغى كل منها بمجموعة حماية تمنعها من التفاعل -للاستمرار بإطالة السلسلة- إلى أن يُزيل العلماء الغطاء لإضافة القاعدة التالية.

والنهج ليس مثاليًا، لأنه مع إضافة كل حرف هناك احتمال في حدوث خطأ بنسبة 0.5%. وكلما طالت السلسلة، زادت فرصة احتوائها على خطأ؛ مما أدى إلى الحد من طول خيوط الحمض النووي بفعالية إلى نحو 300 قاعدة. ونتيجة لذلك، يجب على الباحثين الآملين بكتابة جينات تحتوي على آلاف الأحرف، أن يخيطوا القطع معًا. إذ يَعِد التركيب الإنزيمي بالعمل بشكل أفضل عن طريق ضم البوليميريزات Polymerases، وهي الإنزيمات التي تستخدمها الكائنات الحية لتثبيت النوكليوتيدات معًا في تسلسلات طويلة خالية من الأخطاء.

وعلى الرغم من أن جهود تخليق الحمض النووي الإنزيمي لم تبدأ إلا في هذا العقد، إلّا أنّ نحو ست شركات تعمل اليوم على النهج، وفقا تشرتش. ويدفع آخرون بتقينات تخزين البيانات والتطبيقات الطبية الحيوية لتكون جاهزة عندما تتحسن معدلات طباعة الحمض النووي. ووفقاً لمايكل كامدار Michael Kamdar، الرئيس التنفيذي لموليكيولار أسيمبليز Molecular Assemblies، وهي شركة تركيب إنزيمي للحمض النووي في سان دييغو بكاليفورنيا، فإنّ سوق تخليق الحمض النووي التقليدي الكيميائي اليوم يبلغ نحو بليون دولار سنوياً. ويبلغ حجم سوق تخزين البيانات أكثر من أربعة عشر بليون دولار، على الرغم من أنّ الحمض النووي لا يناسب سوى جزء صغير منه. يقول سيلفان غارييل Sylvain Gariel، المؤسس المشارك ومسؤول التشغيل الرئيسي في شركة DNA Script: “سترى في غضون السنتين إلى الثلاث التالية، تطبيقات في السوق باستخدام تركيب الحمض النووي الإنزيمي، إن لم يكن من قِبَلِنا، فسيكون من شخص آخر.”

والتحول من التخليق الكيميائي إلى البوليميريزات يُلقي بتحديات خاصة. إذ تبدأ معظم البوليميريزات في الخلايا الحية مع قالب نموذجي ثم تنشئ واحدة تكميلية، وتربط As بـ Ts و Gs بـ Cs. وتعمل البلمرة المتخصصة بالخلايا المناعية، يطلق عليها ترانسفيراز ديوكسينوتيليوتيدل تيرمنال Terminal Deoxynucleotidyl Transferase (اختصارًا:TdT)، من دون قالب، مما يجعلها الخيار الأكثر شيوعًا للعلماء لاستخدامها في التخليق الإنزيمي. وكون البلمرة TdT تُضيف أحرف حمض نووي جديدة بشكل عشوائي، فقد اضطر الباحثون إلى إيجاد طرق لإجبارها على إضافة الأحرف المطلوبة فقط، واحدة تلو الأخرى. ويطبق فريق غارييل ذلك من خلال تجهيز كل قاعدة من الحمض النووي بمجموعة حماية خاصة، كما هي الحال في التخليق الكيميائي، تمنع البلمرة TdT من إضافة أكثر من حرف واحد إلى الخيط المتنامي. وبعد إضافة الحرف الصحيح وإزالة مجموعة الحماية الخاصة به، وتُكرَّر الدورة. ووفقًا لغارييل، فإنّ إضافة كل حرف يستغرق خمس دقائق فقط ويجري بدقة تصل إلى 99.5%.

ويقول ويليام إفكافيتش William Efcavitch، الشريك المؤسس وكبير المسؤولين العلميين في شركة Molecular Assemblies: “هذا رائع.” وهذه السرعة والدقة، جنبا إلى جنب مع 150 خيط طويل من النوكليوتيدات، جعل التخليق الإنزيمي تقريبا في نفس مستوى دورة تركيب الحمض النووي الكيميائي التقليدي ذات خمس إلى عشر دقائق.

ويعتقد العديد من الخبراء أنّ المنهج الإنزيمي قابل للقيام بالكثير من التحسينات. ويقول كامدار:”إن إمكانات التخليق الإنزيمي تفوق بكثير التخليق الكيميائي.” ويقول توماس يبرت Thomas Ybert، الرئيس التنفيذي لشركة DNA Script، إنه يتوقع أن تكتب شركته بالمحصلة ألف سطر في يوم واحد. وتأمل الشركة أيضًا بالبدء في بيع أجهزة تخليق الحمض النووي الإنزيمية الآلية بحلول أوائل عام 2020.

ويمكن لمثل هذه التحسينات أن تقلل من تكلفة كتابة الحمض النووي بمقدار واحد إلى اثنين من حيث الحجم، كما يتنبأ إفكافيتش. وبالنسبة إلى البيولوجيين التخليقيين، فإن هذا يُسهّل ويقلل من تكلفة تصميم واختبار جينات جديدة لتطوير كل شيء من المحفزات الجديدة إلى الأدوية. كما قد يُحدث ثورة في تخزين بيانات الحمض النووي التي يمكنها، نظريا، تخزين جميع معلومات العالم بحجم أصغر من الحقيبة.

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية بدت مثل هذه التطبيقات خيالية؛ لأنّ تخليق الحمض النووي الإنزيمي تخليقا سريعا وغير المكلف كان أمرا بعيدا في آفاق المستقبل. ويقول كامدار: “الواقع الآن هو أنّنا وصلنا إلى هذا الأفق.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى