أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةالكيمياء الحيويةبيولوجياعلم الجينات والوراثة

دراسة وقائية عملاقة تمتلك رسالة جادة

النتائج المشتركة تفترض أن "نهاية الإيدز" من خلال العلاج ستكون أصعب مما كان متوقعًا

بقلم:  جون كوهين، من سياتل بواشنطن

المترجم: تامر صلاح

تبدو الوصفة لإنهاء وباء فيروس نقص المناعة المكتسب HIV  كما لو كانت وصفة واضحة: إطلاق اختبارات واسعة النطاق. فقد عولج على الفور أولئك الذين كانت نتيجة فحصهم إيجابية بالأدوية المضادة للفيروسات القهقرية  Anti-retroviral drugs (اختصاراً: العقاقير ARVs)، والتي تخفض مستويات الفيروس إلى درجات لا يمكن اكتشافها، وبذلك لن يُعدي هؤلاء الأشخاصُ الآخرين. وسينخفض عدد الإصابات الجديدة، وسينحسر الوباء.

لكن الدراسات الضخمة والمكلفة التي أجريت في السنوات القليلة الماضية فشلت في إظهار إمكانية كبح هذه الاستراتيجية جماح انتشار الفيروس بشكل موثوق به؛ مما أثار إحباط الباحثين. فأحدثُ وأكبرُ دراسة على الإطلاق، عرضت في سياتل بواشنطن الأسبوع الثاني من مارس في مؤتمر حول الفيروسات القهقرية والعدوى الانتهازية Conference on Retroviruses and Opportunistic Infections، حقّقت فائدة متواضعة. لكن بشكل مثير للارتباك، لم يكن هناك أي انخفاض في العدوى بمجموعة الدراسة كما كان من المتوقع حدوثه.

يبدو أن القضاء على وباء فيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز  HIV/AIDS  أصعب مما كان متوقعًا. «فالعقاقير ARVs في حد ذاتها ليست الرصاصة السحرية”، كما يقول كولينز إيوجي Collins Iwuji، عالِم الأوبئة Epidemiologist في كلية بريغتون ومدرسة ساسكس الطبية  Brighton and Sussex Medical School  بالمملكة المتحدة الذي ساعد على إدارة إحدى الدراسات السابقة، وهي تجربة أُجريت في جنوب إفريقيا أطلق عليها اسم تاسب TasP، اختصارا لـ«العلاج والوقاية.»

الدراسة الجديدة التي تُدعَى «تأثيرات السكان على العلاج المضاد للفيروسات القهقرية للحد من انتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة» Population Effects of Antiretroviral Therapy to Reduce HIV Transmission (اختصارا: الدراسة PopART)، قد شملت مليون شخص بالغ في زامبيا وجنوب إفريقيا. وعندما بدأ البحث في أواخر عام 2013 كانت الأبحاث قد أظهرت أن العقاقير ARVs لا يمكنها فقط تجنب الأمراض، لكنها أيضًا تمنع المصابين من إصابة الآخرين بالعدوى. غير أنه لم يكن من الواضح ما إذا كانت هذه الفوائد ستُعمم من فرد إلى مجتمع بأسره.

قسّمت الدراسة PopART  21 مجتمعاً تقسيماً عشوائيًّا إلى ثلاث مجموعات. وسنويًّا تلقت المنازل كلها في إحدى المجموعات الاختبار HIV وعلاجاً فوريًّا للمصابين (المجموعة أ)؛ واختبرت المجموعة الأخرى الاختبار نفسه لكن تقديم العلاج اتبع المبادئ التوجيهية للدولة ولم يُقدم إلا للأشخاص المصابين بالفيروس HIV ممن ظهر لديهم بالفعل بعض التلف المناعي  immune damage (المجموعة ب) ؛ ولم تحصل المجموعة الثالثة على أي تدخل من الدراسة (المجموعة ج).

وبعد ثلاث سنوات وجد التحليل الذي جمع عينات من أكثر من 12 ألف شخص في كل من المجموعات الثلاث أن المجموعة ب أظهرت عدوى أقل بنسبة %30 من الإصابات الجديدة من المجموعة ج. لكن في المجموعة أ، حيث من المفترض أن عددًا أكبر من الأشخاص قد عولجوا، وجد الباحثون أن عدد حالات العدوى الجديدة كانت أقل بنسبة 7% من عددها في المجموعة ج، وهو فرق غير ذي دلالة إحصائية. يقول ريتشارد هايس  Richard Hayes، من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي London School of Hygiene  & Tropical Medicine، الذي ترأس فريق الدراسة  PopART : «عندما رأينا النتائج لأول مرة اعتقدنا أنها عكس ذلك، وأن نتائج المجموعة أ كانت هي نتائج المجموعة ب. وتابع قائلا: “كان لدينا أربعة إحصائيين يراجعون البيانات. مع الأسف النتائج صحيحة.»

ويضيف: «أمامنا الكثير مما يجب القيام به» لشرح النتيجة غير المتوقعة. فمن بين العوامل التي ربما زادت من خطر العدوى في المجموعة أ هو هجرة الأفراد المصابين، أو عناقيد الشبكات الجنسية التي تضم أشخاصًا مُعدين بشدة، أو زيادة تقبل المخاطرة الجنسية  Sexual risk taking.

ويقول فرانسوا دابيس  François Dabis الذي يرأس الوكالة الفرنسية لأبحاث مرض الإيدز والتهاب الكبد الفيروسي French Agency for Research on AIDS and  Viral Hepatitis في باريس والباحث الرئيسي في الدراسة TasP، إنه متحمس لأن الدراسة  PopART وجدت على الأقل تأثيرًا في المجموعة ب. وقارنت الدراسة  TasP العلاج الفوري مع العلاج وفقا للمبادئ التوجيهية لجنوب إفريقيا. فأظهرت النتائج التي نشرت العام الماضي عدم وجود أي مجموعة تستفيد من العلاج الفوري على الإطلاق، ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن الكثير من الأفراد الذين ثبتت إصابتهم بالمرض لم يطلبوا الرعاية المجانية المتاحة.

أما الدراسة SEARCH، وهي دراسة كبيرة أُجريت في كينيا وأوغندا واستخدمت المعارض الصحية لإجراء اختبارات واسعة النطاق؛ فقد حققت نجاحاً أكبر في علاج المصابين. ولكن باحثي الدراسة SEARCH أفادوا الصيف الماضي بأنهم أيضًا خرجوا خاليي الوفاض. ففي منتصف التجربة تبنى كلا البلدين المبادئَ التوجيهية الجديدة لمنظمة الصحة العالمية (WHO) التي توصي بأن يحصل جميع المصابين بعدوى الفيروس HIV على العلاج فوراً؛ مما أدى عمليًّا إلى خسارة الدراسة فعليا لمجموعة التحكّم (الضابطة) Control group. (توصيات منظمة الصحة العالمية عقّدت التحليلات في الدراسة PopART والدراسة TasP كذلك.) هذا، وقد وجدت دراسة رابعة في بوتسوانا – طبّقت الاختبارات والعلاج على نطاق واسع- انخفاضاً بنسبة 30 % في الحالات الجديدة، لكن عدد الأفراد المشاركين كان أقل بكثير وبالكاد وصلت الأرقام إلى ما هو ضروري لاستخلاص دلالة إحصائية.

ترحب ديان هافلير Diane  Havlir ، من جامعة كاليفورنيا University of  California في سان فرانسيسكو، أحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة SEARCH، برسالة واحدة واضحة من الدراسات: الاختبار الواسع النطاق لديه القدرة على تحديد معظم المصابين بالعدوى، وهو عنصر أساسي في أجندة «القضاء على الإيدز.» وتقول هافلير: «نحن على بعد خطوة واحدة ولدينا بيانات للخطوات التالية.»

لا أحدَ مستعداً للتخلي عن العلاج الشامل، ويقول دابس: «نحن لا نسير في الاتجاه الخاطئ. وجلُّ ما نقوله هو إن تحقيق خفض في معدل الإصابة أكثر تعقيداً مما توقعنا.» ومثل العديد من الآخرين يقول إن تقديم العقاقير ARVs كوقاية قبل التعرض للأفراد المعرضين لخطر كبير من الإصابة هو مكون رئيسي مفقود في هذه الدراسات.

وتقول هافلير: «لكن علينا أن نكون متواضعين.» فالدراسات الأربع التي كلفت معا أكثر من 200 مليون دولار، فشلت في توضيح سؤال مركزي: ما النسبة المئوية للمصابين المحتاجين إلى بدء العلاج بالكامل للقضاء على الفيروس HIV؟

وبناءً على نمذجة رياضياتية، حددت حملة القضاء على الإيدز التي يروج لها برنامج الأمم المتحدة المشترك المعنيّ بفيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز 2020 هدفاً  للوصول إلى 90 % من المصابين لمعرفة حالتهم، وعلاج 90 % من تلك المجموعة، وخفض الفيروس إلى مستويات غير قابلة للكشف في 90 % من الذين عولجوا. وقد حققت المجموعة أ  و المجموعة ب في الدراسة  PopART’s هذا الهدف الثلاثي، كما فعلت الدراسة SEARCH ودراسة بوتسوانا.

لكن ربما لم يكن ذلك كافيًّا، يقول كيفين ديكوك  Kevin  DeCock، عالم الأوبئة الكيني من المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها U.S. Centers  for  Disease   Control   and   Prevention ، الذي كان عضواً في مجلس الاستشارات العلمية بالدراسة   PopART’s إن الشعار «‘90-90-90‘… تمت ترجمته إلى أهداف برنامج عمل»، ويبقى أن نُوثِّق فاعلية المكافحة الوبائية. نحن لم نتجاوز الخطر بعد.»

Sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى