أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةبيولوجياعلم الجينات والوراثة

حائر بشأن السرطان؟

إليك ما نعرفه حقًّا عن أسبابه

بقلم: جوناثان آر. غودمان
المترجم: ألطاف الزواوي

نُقصف باستمرار بوابل من القصص عن الأشياء التي قد تسبب لنا السرطان، وحتى الخبراء لا يبدون واثقين؛ إذاً ما أفضل طريقة لتقييم المخاطر؟

اللحوم الحمراء والهواتف النقالة وعبوات الشرب البلاستيكية والمُحلِّيات الاصطناعية، وخطوط الكهرباء، والقهوة… أي من تلك الأشياء جرى ربطها بالسرطان؟ فإذا لم تكن واثقاً، فأنت لست وحدك. فالمشكلة لا تكمن في قلة المعلومات، بل في أننا نقصف بمعلومات كثيرة، منها الصحيح والخاطئ، عما قد يسبب السرطان، لدرجة يصعب معها التفريق بين الخرافة والواقع.
مع ذلك، إنه شيء يتعين علينا فعله جميعاً؛ لأن السرطان يؤثر في كل فرد منا، سواء أصبت به أو لا، فإنك بالتأكيد تعرف شخصاً لديه هذا المرض. وبالنسبة إلى سكان المملكة المتحدة، فإن احتمال التشخيص بهذا المرض في فترة حياة الفرد هو شخص لكل اثنين. فالسرطان هو المسبب الثاني للموت بعد أمراض القلب والأوعية الدموية عالمياً، إذ يقتل ما يقارب شخصاً من كل ستة أشخاص.

السرطان ليس مرضاً واحداً، وأسبابه عديدة و معقدة، لكن هناك أموراً نستطيع فعلها للحد من مخاطر الإصابة، إذا ما أمكننا التعرف عليها. ليس ذلك سهلاً عندما يكون حتى الخبراء غير متفقين دائما على الأسباب. غير أن معرفتنا قطعت شوطاً طويلاً في السنوات الأخيرة بفضل الكم الهائل من الأبحاث في العوامل البيئية و مدى القابلية الجينية Genetic susceptibility. إذا، ما الذي نعرفه – ولا نعرفه – عن أسباب السرطان؟ وعندما نواجه برسائل مختلطة، كيف نستطيع تقييم المخاطر بأفضل طريقة بأنفسنا؟

اتضح مدى التباس هذا الموضوع عند الجمهور بشكل صارخ في استطلاع نُشر في العام الماضي [2018] طُبق على 1330 شخصاً في إنجلترا. وأفاد باحثون من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London وجامعة ليدز University of Leeds، بالمملكة المتحدة، أن أكثر من الثلث من الجمهور يخطئون في ربط الخواص المسببة للسرطان بالمُحلِّيات الاصطناعية والأطعمة المعدلة جينيًّا والشرب من العبوات البلاستيكية واستخدام الهواتف النقالة. واعتقد أكثر من 40% أن التوتر يسبب السرطان على الرغم من عدم وجود صلة مثبتة علميًّا. وما يدعو إلى القلق أكثر هو أن 60% من الأفراد يعتقدون أن حروق الشمس قد تؤدي إلى السرطان، و30% فقط لديهم وعي بالصلة القوية بين فيروس الورم الحليمي البشري HPV والإصابة بالمرض.

تفاجأ العديد من المعلقين بهذه النتائج، لكن ربما لم يكن يجب أن يتفاجؤوا. فبالنسبة إلى السرطان فإن الانفصال بين معتقدات الناس والنتائج العلمية له جذور عميقة. خذ، على سبيل المثال، الخلاف حول مادة الأسبرتام Aspartame. فخلال نصف القرن الماضي كان هذا المُحلِّي الاصطناعي موضع خلافٍ شديد، فتفاوت الرأي العام حول ما إذا كان يسبب سرطان الدماغ أم لا؛ هناك العديد من المقالات على الإنترنت تصف الأسبرتام كمسبب للسرطان. ومع ذلك، ليس هناك دليل قاطع على أن يتسبب في حدوث طفرات جينية تجعل تكاثر الخلايا خارج السيطرة، وهو السمة المميزة للسرطان. وينطبق ذات الشيء على موانع التعرق وفلورة الماء وخطوط الطاقة والعداد الذكي ومواد التنظيف وأشياء عديدة أخرى لا حصر لها.

«ثلث الناس لديهم اعتقاد خاطئ أن الشرب من العبوات البلاستيكية قد يسبب السرطان.»

سيكون من الخطأ الاستنتاج بأننا ببساطة سُذَّج وجاهلون. في الواقع، فإن الرأي العام ليس بلا أساس دائماً. والاعتقاد أن بإمكان الإصابات أن تسبب السرطان دُحض كخرافة من قبل خبراء السرطان، من ضمنهم مؤلفو الدراسة من كلية يونيفرسيتي كوليدج لندن وجامعة ليدز. ولكن بحثاً منشوراً في 2017 يشير إلى احتمال وجود صلة. وإضافة إلى ذلك، فهناك حالة عدم يقين حقيقية حول الخصائص المسببة للسرطان للعديد من المواد، على سبيل المثال، القهوة. وفي السنة الماضية حكم قاضٍ في كاليفورنيا بضرورة تحذير من السرطان على جميع مشروبات القهوة المباعة في الولاية بسبب احتوائها على الأكريلاميد Acrylamide الذي قد يكون مسبباً للسرطان؛ وبعد فترة قصيرة، ولحسن حظ محتسي القهوة في كل مكان، رفض المسؤولون في كاليفورنيا هذا الحكم. ومع ذلك، تحتوي القهوة على الأكريلاميد بكل تأكيد، وهي مادة وصفتها منظمة الصحة العالمية World Health Organization )اختصاراً: المنظمة WHO( «كمسبب محتمل للسرطان»، على الرغم من عدم وجود أي دليل واضح على أنها تزيد من مخاطر أي نوع من أنواع السرطان في البشر. ووجود هذه المادة في الأطعمة المقلية والمشوية والمخبوزة هو السبب في نصحنا بالامتناع عن تناول رقائق البطاطس المطهوة أكثر من اللازم والخبز المحروق و ما إلى ذلك. ولكن سواء أكان كوب قهوتك في الصباح يحتوي على الكمية الكافية من الأكريلاميد أم لا لجعله مسبباً للسرطان فهو ما ليس معروفاً، وذلك يعود إلى عدم وجود أبحاث كافية تحسم هذا الأمر.

وحتى مع وجود العديد من الأبحاث، لا تزال النتائج غالباً قابلة للنقاش. وهذا جزئياً بسبب أن كلا المنهجيين الرئيسيين المستخدمين لاختبار احتمال تسبب مواد معينة بالسرطان يحتويان على سلبيات. ويمكن للدراسات المختبرية التي تستخدم الحيوانات الحية أو خلاياها أن تكون دقيقة لكن نتائجها ربما لا تنطبق على البشر؛ وفي الوقت نفسه، من الصعب تفسير الدراسات التي تجرى على البشر وذلك بسبب وجود العديد من العوامل المربكة التي تؤثر في النتائج النهائية. وقد يؤدي ذلك إلى اختلاف الباحثين حول احتمال تسبب تصرفات أو مواد معينة للسرطان. كمثال، هناك توافق عام في الآراء على عدم وجود علاقة مباشرة بين السرطان وتدخين السجائر الإلكترونية أو تناول اللحم الأحمر، ومع ذلك، فقد أكدت دراسات منشورة في الأعوام القليلة السابقة وجود علاقة، في حين أشارت دراسات أخرى حديثة إلى «الحظ السيئ»، وهو مصطلح مربك قد يعني أن السرطان متصل بعوامل ليس بإمكاننا التحكم فيها، أو بكل بساطة أننا لا نعرف السبب.

«كل هذا الالتباس يخفي حقيقة مفادها أن هناك أشياء تستطيع عملها لكي تقلل من احتمال إصابتك بالسرطان.»

إضافة إلى ذلك، هناك مصالح شخصية متداخلة في أبحاث السرطان – ونحن على حق بكوننا متشككين. فقد حاولت صناعات التبغ تغطية حقيقة مفادها أن هناك علاقة بين التدخين و سرطان الرئة لعدة أجيال؛ وهناك أيضاً حقيقة مفادها أن الأعمال التجارية الكبرى تموِّل البحث الأكاديمي؛ مما يولد تضارباً في المصالح. في العام الماضي استقال المسؤول الطبي الرئيسي في أحد مراكز السرطان الرائدة في العالم، ميموريال سلون كيترينغ Memorial Sloan Kettering بنيويورك، إثر تقارير تفيد بفشله في الإفصاح عن الروابط المالية بين الشركات والأبحاث التي نشرت في مجلات بحثية مرموقة.

لقراءة المزيد، يمكنكم الحصول على نسختكم من مجلة العلوم عدد مايو-يونيو عبر الرابط

shop.aspdkw.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى