أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الكيمياء الحيويةعلم الجينات والوراثة

التعديل الوراثي التخلّقي يصل إلى الحمض النووي الريبي

الواسمات الكيميائية الموجودة على الحمض النووي الريبي تحرك السرطان أو تعزز الذاكرة

بقلم: كين غاربر، في شيكاغو بولاية إلينوي

ترجمة: صفاء كنج

انتقلت فكرة تأثير الواسمات الكيميائية في الجينات على تعبيرها الخارجي دون تغيير تسلسل الحمض النووي (اختصاراً: الحمض DNA ) من كونها مسألة مفاجئة في الماضي إلى أن صارت مادة مقبولة تُدرس في الكتب.

ظاهرة التعديل الوراثي التخلقي Epigenetics، وصلت إلى الحمض النووي الريبي المرسال (اختصاراً: الجزيء mRNA)، وهو الجزيء الذي يحمل المعلومات الوراثية من الحمض النووي إلى مصانع تصنيع البروتين في الخلية. وفي مؤتمرُ عقد في شيكاغو خلال يونيو 2019 ناقش الباحثون أدلة على أن التعديل الوراثي التخلقي في الحمض النووي الريبي (اختصاراً: الحمض RNA) مهم أيضاً للتعبير الجيني والأمراض، وشرحوا تعديلاً كيميائيّاً جديداً مرتبطاً بسرطان الدم، اللوكيميا Leukemia.

وقد وجد البحث أنّ واسمات التعديل الوراثي تزيِّن الجزيء mRNA مثلما قد تزين الأضواء سياج المنزل في أيام العيد. وقال بدرو باتيستا Pedro Batista، عالِم بيولوجيا الحمض النووي الريبي في المعهد الوطني للسرطان National Cancer Institute  (اختصاراً: المعهد NCI) في بيثيسدا بولاية ماريلاند، خلال المؤتمر إنّ الخلية تستخدم الواسمات: «لتحديد أين ومتى وكمية البروتين [المصاحب] الذي يجب إنتاجه». ويقول مايكل خاراس Michael Kharas، من مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطانMemorial Sloan Kettering Cancer Center في مدينة نيويورك، إنّ تعديلات الجزيء mRNA: «قد تؤثر في صلاحية الخلايا، سواء كانت الخلايا تنقسم، أم [في حالة] السرطان، أم الأمراض العصبية». ويضيف قائلاً: «هناك الكثير من الأمراض [الأخرى] التي قد تكون هذه التعديلات مهمة فيها، حتى تلك التي لا ينظر إليها الناس في بحثهم».

ونشرت تقارير عن الجزيء mRNA معدلة في سبعينات القرن الماضي، ولكن طواها النسيان بحلول عام 2008 حتى ألقى عليها نظرة جديدة كل من تشوان هيChuan He  من جامعة شيكاغو University of Chicago وسامي جافري Samie Jaffrey من جامعة كورنيل Cornell University وجدعون ريخافي Gideon Rechavi من جامعة تل أبيب Tel Aviv University،  وركزت فرقهم على تعديل واحد في الجزيء mRNA هو m6 A: وهو عبارة عن مجموعة ميثيلية – أو وحدة كيميائية بسيطة – مرتبطة ببعض القواعد الأدينية لجزيئات الحمض RNA. وأظهر فريق «هي» أن إنزيماً معروفاً يزيل هذا التعديل من الجزيء mRNA، مشيراً إلى أنّ التعديل m6 A له دور بيولوجي مهم، وطورت مجموعتا جافري وريخافي أدوات أتاحت رسم خريطة بيانية أظهرت سعة انتشاره. وقبل بدء العمل عرف الباحثون أن واسمات التعديل الوراثي على الجزيء mRNA موجودة، لكنهم «لم يعرفوا كيف يبحثون عنها فعليّاً»، كما تقول شاليني أوبيردورفر Shalini Oberdoerffer، الباحثة في المعهد NCI.

ومن بين ما لا يقل عن ستة من تعديلات الجزيء mRNA، نال التعديل m6 A النصيب الأوفر من البحث والدراسة. إذ توجه البروتينات المسماة بالبروتينات القارئة، مصير الجزيء mRNA الموسوم عندما ترتبط به، والذي قد يتغير جذريّاً.

وعلى سبيل المثال، يعزز التعديل m6 A التعبير الجيني اللازم للخلايا الجذعية الجنينية لتتميَّز بشكل صحيح وتتطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا الوظيفية. ولكن في الخلايا الجذعية للدم، يقيِّد التعديل m6 A التمايز. وفي سرطان الدم، وهو مرض يطرأ فيه خلل على خلايا الدم الجذعية، يُديم التعديل m6 A المرضَ عن طريق الحفاظ على الخلايا في حالة شبه جذعية. وفي عام 2017 أظهرت ثلاث مجموعات بحثية، بما في ذلك فريق خاراس، كل منها بشكل مستقل عن الأخرى، أن القضاء على الإنزيم الذي يضع التعديل m6 A على الجزيء mRNA يقتل خلايا الورم في سرطان الدم النخاعي الحاد. وتسعى حاليا ثلاث شركات على الأقل في مجال التكنولوجيا الحيوية إلى تطوير عقاقير تجريبية لتثبيط عمل هذه الإنزيمات.

وخلال المؤتمر قدم توني كوزاريديس Tony Kouzarides من جامعة كيمبريدج University of Cambridge بالمملكة المتحدة مداخلةً عن تعديل جديد لجزيء mRNA وإنزيم مصاحب يسبب سرطان الدم. وقال: «أظن أنه سيكون هناك العديد» من الصلات بينه وبين سرطان الدم.

وتبين كذلك أن إنزيم التعديل m6 A مهم جدّاً بالنسبة إلى الدماغ. فمن خلال قارئاته البروتينية، يتحكم في التوقيت الدقيق لتشكيل الخلايا العصبية الجديدة مثلما تبين أثناء تطور الفئران، ويمكّن المحاور العصبية من التجدد بعد إصابة العصب. كما يحسِّن التعديل الذاكرة. عندما عطَّل فريق «هي» عمل جين أحد البروتينات القارئة للتعديل m6 A لدى الفئران، مُنيت ذاكرة القوارض السليمة في الأصل بخلل. ولكن الفريق تمكن من عكس هذا التأثير بعد حقن فيروس يحمل الجين القارئ الطبيعي في تلك الفئران. وعندما حفَّز الباحثون كيميائيّاً الخلايا العصبية لتقليد إضافة ذاكرة جديدة، شاهدوا حركة حثيثة في تخليق البروتين الذي يعتمد على التعديل m6 A، كما نشروا في مجلة نيتشر Nature عام 2018.

قبل عدة سنوات اتبعت أوبيردورفر حدسها بأن الخلايا قد تستخدم وحدة كيميائية بسيطة أخرى، هي مجموعة أسيتيل، على الجزيء mRNA. وفي العام الماضي أفاد فريقها في مجلة سل Cell أن العديد من قواعد السيتوزين في الجزيء mRNA مؤستلة Acetylated. ويعزز التغيير عملية النقل Translation  من خلال تثبيت الجزيئات، وربما أيضاً عن طريق مساعدة الجزيئات mRNAعلى التوافق مع الأحماض النووية الريبية الناقلة الصحيحة – (اختصاراً: الجزيء tRNA)، وهي جزيئات الحمض RNA الصغيرة التي تقرأ الجزيء mRNA  وتضيف حمضاً أمينيّاً إلى سلسلة بروتينية متنامية. وعندما يكمل كل من الجزيء mRNA والجزيء tRNA أحدهما الآخر، يتلاحمان، الأمر الذي يحفز إضافة الحمض الأميني. ولكن النظام ليس دقيقاً – فأعداد تسلسلات الجزيء mRNAأكثر بكثير من الجزيء tRNA، لذلك قد تجد جزيئات tRNA (وترتبط) بطريقة ما ببعض من جزيئات mRNAغير المتطابقة معها.

توصل فريق أوبيردورفر إلى فكرة قد تشرح اللغز: تقع قاعدة الجزيء mRNA المؤستلة في كثير من الأحيان، حيث يجب على الجزيء tRNA أن يتعرف على الجزيء mRNA على الرغم من عدم التطابق. ووجد الباحثون أن وجود تعديل في الحمض RNA يعزز بشكل كبير نقل الجينات. لا تعتقد أوبيردورفر أن التعديل ضروري للتعرف الصحيح بين الجزيء mRNA والجزيء tRNA، لكنه قد يعزز الربط. وتقول: «أعتقد أننا سنتعلم أن الرمز الوراثي كما نعرفه ليس كياناً ثابتاً».

ومثل مجالات البحث الحديثة الأخرى، لا تزال هناك شكوك تحيط بالتعديل الوراثي التخلقي  في الحمض RNA (المعروف أيضاً بالتعديلات الكيميائية الحيوية الفوقية Epitranscriptomics). وفي عام 2016 أفادت مجموعة في مجلة نيتشر Nature بأنها عثرت على تعديل جديد يُعرف بالتعديل m1 A، في أكثر من 7000 موقع عبر جزء مكمل لخلية من الجزيء mRNA. ولكن بعد مرور عام ادعت مجموعة أخرى في المجلة نفسها أنه يوجد على الأكثر 15 موقعاً للتعديل m1 A على الجزيء mRNA. ويقول جافري: «لهذا السبب، الكل في مجتمع البيولوجيا الجزيئية يبدي بعض الشكوك في صحة هذه التعديلات [على الجزيء mRNA]».

وتبرز خلافات أخرى حول وظائف الإنزيمات الرئيسية والبروتينات القارئة. ولكن مجال دراسة التعديلات الكيميائية الحيوية الفوقية في الحمض RNA تتطور بسرعة. ويقول جافري: «نحن فقط بحاجة… إلى تطوير معارفنا أكثر حول هذه الأشياء. نحن بحاجة إلى البقاء منفتحي الذهن. المجال لا يزال جديدا».

sciencemag.org

 

نبذة عن الكاتب

كين غاربر صحافي في آن أربوربولاية ميشيغن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى