بقلم: غرايام لاوتون
ترجمة: محمد الرفاعي
لم تعد أبحاث إطالة العمر Longevity تسعى إلى تحقيق هدفها المتمثل في إطالة العمر فقط، بل تحاول الآن المحافظة علينا بصحة جيدة حتى النهاية. وربما يكون بالإمكان أخيرا الحصول على أدوية جديدة مضادة للشيخوخة لتتولى ذلك.
كان مايكل ويست Michael West يتحدث مع شخص جالس بجانبه في الطائرة. “سأل الرجل ما وظيفتي، وأنا أجبته،” يقول ويست. وبدا الرجل متأثرا، وتابع ويست معتقدا أن لديه مستمعا ودودا. “لكنه قال بعد فترة:’ أنت تكذب علي. لقد قرأت كل شيء ولم أسمع بأي من هذا. إن ما تقوله مذهل وثوري ولو كان حقيقة لكنت قد عرفته بالفعل‘.”
القصة غير المعقولة التي أخبر بها ويست جاره كانت عن علم الشيخوخة Science of ageing. وهذا يشير إلى أن علماء البيولوجيا عرفوا أخيرا ما الذي يجعلنا ننمو ونموت، وكيف أن علماء التكنولوجيا البيولوجية مثل ويست –الذي أسس بيوتيك فيرم جيرون biotech firm Geron عام 1990-باتوا قريبين من اكتشاف علاج؛ علاج للشيخوخة.
أدرك ويست أن العمل الذي كرس له حياته يعاني مشكلة في صورته. إذ يقول: “إعادة الشباب، عكس العمر – إني أؤمن حقا أن هذا ممكن،” لكنه يضيف: “لكن الهوة بين ما يعرفه العلماء وما يعرفه حتى المتعلمون من الجمهور واسعة”.
لا تقع في لبس: أنت تريد أن تعرف عن هذا. ففي غضون أسابيع ستتوفر حبوب دوائية مضادة للشيخوخة. وفي غضون عدة سنوات، قد تتوفر في الأسواق أول الأدوية المضادة للشيخوخة المثبت أثرها علميا. وتقفز شركات التكنولوجيا البيولوجية إلى اكتشافات تسويقية، ويراهن المستثمرون بأموال طائلة على ما يتوقع الكثيرون أن يكون أكبر صناعة في التاريخ. وبصفتي شخصا يقترب من الـ 50، فإنني أريد أن أعرف عن هذا الموضوع أيضا. فالتجاعيد والترهلات والشيب جميعها مظاهر خارجية للتدهور الداخلي الذي يعتريني بالفعل، وستتدهور الأمور أكثر من الآن فصاعدا.
قبل أن نبتعد أكثر، دعونا نلق نظرة على القلق الذي يترافق مع هذا الموضوع. يحفل التاريخ بالمخادعين والمروجين الذين ادعوا أن الشيخوخة ستعالج في المدى القريب وأنهم سيحيون ليشهدوا هذا الحدث، وأن الوصول إلى الخلود أمر ممكن. لكن، في هذه المرة الأمر مختلف حقا. إذ يقول ريتشارد ميلّر Richard Miller وهو اختصاصي في علم الشيخوخة Gerontologist بجامعة ميتشيغن University of Michigan: “في العقد الماضي اكتشفنا اكتشافا كبيرا،” ويضيف: “أثبتنا أنه يمكنك إبطاء عملية الشيخوخة باستعمال الأدوية. قبل عشر سنوات كان الناس يقولون’ هذا خيال علمي، لا يوجد ما يدعو إلى أن نعتقد إمكانية حدوث هذا‘. وثبت أن هؤلاء كانوا على خطأ؛ إذ يمكن تحقيق ذلك.” هذا ليس مجرد إبطاء للشيخوخة في الديدان، أو الفراشات، أو حتى الفئران، بل في البشر كذلك.
“إنه مختلف جدا عن الأمور القديمة، الذين لم يكونوا سوى حفنة من رعاة البقر، إنه أمر فظيع حقا،” كما يقول ديفيد جيمس David Gems من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University of College London مؤيدا. وهو على العكس من الكثير من علماء البيولوجيا المختصين بالشيخوخة ليست لديه مصالح اقتصادية في الأدوية المضادة للشيخوخة. “إنهم علماء جيدون يعملون وفقا للمقاييس المعيارية. وفي الوقت الحالي، يبدو الأمر رائعا.”
وأحد الاختلافات المهمة الآن هو تغير هدف البحث العلمي. كان من عادة أبحاث الشيخوخة أن تركز اهتمامها على إطالة فترة الحياة، لكن الحال مختلف حاليا. “لا أعتقد أن أي شخص في هذا المجال يريد لأي إنسان أن يعيش 200 عام،” كما أخبرتني جانيت لورد Janet Lord من جامعة بيرمنغهام في المملكة المتحدة University of Bermingham في مؤتمر علمي عقد مؤخرا. وأضافت: “ما نريد أن نغيره هو السنوات الأخيرة من الحياة التي يعيشها الناس بصحة معتلة.”
نعم، هذا صحيح: أبحاث إطالة العمر لم تعد تدور حول العيش فترة أطول. تقول ليندا بارتريدج Linda Partridge مديرة في معهد ماكس بلانك لبيولوجيا للشيخوخة بألمانيا Max Planck Institute for Biology of Ageing عن هذا: “الهدف هو الحفاظ على الناس أصحاء قبل مماتهم.” وتتابع قائلة: “وهذا أحيانا ما يسمى تقليص فترة الاعتلال Compressing morbidity.“
ولتوضيح الأمر بصورة أخرى، فالهدف هو إطالة “فترة الصحة”، أي عدد السنوات الخالية من المرض إلى نهاية الحياة. وهذا يعني المحافظة على متوسط الحياة المتوقع على حاله، وهو بالنسبة إلى الأطفال المولودين في 2019 في الدول المتقدمة 85 سنة، لكن سيكون بالإمكان المحافظة على صحة الإنسان ليبلغ عمره 84 سنة بدلا من إمضائه آخر عشر سنوات مُقعدا بفعل المرض.
إطالة فترة الصحة
إن إعطاء الناس أدوية تبطئ عملية الشيخوخة قد يؤدي أيضا إلى حياة أطول بطبيعة الحال. لكن ربما يكون ذلك نتيجة ثانوية مبهجة: غير أن هذا العلاج سيعتبر فاشلا إذا لم يعش الإنسان هذه السنوات بصحة جيدة. ويقول ميلر معلقا على ذلك: “عندما أخبر الناس أنني أعمل في مجال الشيخوخة، فإنهم غالبا ما يقولون إنني شخص سيئ وإن عليّ التوقف، فنحن لا نريد أن يمتلئ العالم بالكثير من المسنين المرضى.” ويضيف: “لكن هذه النظرة إلى الأدوية المضادة للشيخوخة غير صحيحة وقديمة، غير أنها شائعة جدا جدا. لكن هذا ليس الهدف المنشود. وإذا كانت هذه الأدوية فعالة، فإن هذا لن يحدث.”
إن إطالة فترة الصحة -أو “نوعية فترة الحياة”- ستكون إنجازا مهما يوازي في أهميته إنجاز مضاعفة متوسط العمر المتوقع الذي حدث عالميا خلال الـ 150 عاما المنصرمة. وهذا إنجاز مذهل، لكن فترة الصحة تأخرت عنه، فبين عامي 2000 و2015 ارتفع متوسط العمر المتوقع بمقدار خمس سنوات ليبلغ 85 سنة، غير أن عدد السنوات التي يعيشها الأفراد بصحة ارتفع 4.6 سنة فقط. ويقضي الأفراد نحو 20 % من حياتهم في حالة تعرف بـ ” اعتلال السنوات الأخيرة” Late life morbidity، وهي طريقة لوصف المعركة اليومية في مواجهة أعباء الأمراض المزمنة المتراكمة. وهذا أمر فظيع بالنسبة إلى الأفراد والمجتمعات على حد سواء. ويقول ويست عن ذلك: ” تصرف 80% من الأموال المخصصة للرعاية الصحية في الولايات المتحدة على الأمراض التنكسية.Degenerative diseases” ويضيف: ” إن التكلفة التراكمية تصل إلى عشرات التريليونات من الدولارات.”
وهذه ناحية أخرى يختلف فيها الطب المضاد للشيخوخة حاليا، فهو أقل اهتماما بمن ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية عندما ارتفعت بشكل كبير أعداد المواليد حينذاك، وصاروا يشكلون حاليا فئة المسنين التي تصارع المرض-مقارنة بما يخص إطفاء فتيل قنبلة اقتصادية في منظومة الرعاية الصحية. ويقول جواو بيدرو دو ماغالايس João Pedro de Magalhães من معهد الشيخوخة والأمراض المزمنة Institute of Ageing and Chronic Disease في جامعة ليفربول University of Liverpool بالمملكة المتحدة: “إن الشيب الذي يغزو مجموع السكان يمثل تحديا حقيقيا،” ويتابع قائلا: “علينا أن نطور تداخلات طبية وعلاجات تؤخر عملية الشيخوخة على الأقل.”
وعند مفترق الطرق هذا، فإن لدينا جميع الأسباب للاعتقاد أن فترة الصحة ستطول. تقول جوان مانيك Joan Mannick، وهي رئيسة المكتب الطبي في شركة ريس توربيو resTORbio “الشيخوخة تحدث نتيجة لبيولوجية جسمنا، وهذه البيولوجيا يمكن استهدافها بالأدوية.”. وشركتها من الشركات السباقة في هذا المجال، وهي تجري تجارب على الأدوية المضادة للشيخوخة، وتوشك على دخول المرحلة الأخيرة قبل أن يسمح باستعمالها على البشر.
والشيخوخة من وجهة نظر بيولوجية هي بشكل أساسي الخسارة المتزايدة في قدرة الجسم على إصلاح نفسه، وهي ناتج غير سار للتطور. فعندما نكون صغارا، فإن اهتراء وتمزق الخلايا والأعضاء يقلِّلان من قدرتنا على نقل جيناتنا إلى أبنائنا وأحفادنا، لذا فإن الانتخاب الطبيعي يعمل ضد انتخابه. وعلى الرغم من ذلك، فإن الزيادة السريعة في مدى العمر المتوقع كان أسرع من أن يلحق به) التطور. وتقول بارتريدج: “إننا نعيش في وقت يختلف كثيرا جدا عن العصور التي متنا فيها في ماضينا التطوري. لذا لم تتح الفرصة للانتخاب الطبيعي لتعديل الأجزاء المتأخرة من حياتنا.”
“أبحاث الشيخوخة لم تعد تتمحور حول العيش مدة أطول، بل حول الحفاظ على الأفراد أكثر صحة قبل مماتهم”
ومع فشل آليات الإصلاح في جسمنا تكثُر الأضرار. وتعج الأعضاء والأنسجة بكتل البروتين وغيرها من المُخلَّفات. وتتراكم الطفرات الجينية Genetic mutations. وتبدأ الكروموسومات (الصبغيات) بالتفكك. وتتحول بعض الخلايا إلى خلايا سرطانية، وغيرها إلى زومبي Zombies . وتضعف الدفاعات المناعية. وتصاب مصانع الطاقة في الجسم، الميتوكوندريا (المتقدرات) Mitochondria بالتلف. وتزحف عبر الجسم حالة التهابية خفيفة تسمى الالتهاب الشيخوخي Inflammaging.
هذه هي الأمور التي أشعر بها الآن. لكن، لن يلبث الأمر أن يتطور إلى تأثيرات أكبر مرتبطة بالعمر تتراوح بين أمراض القلب واعتام عدسة العين (الساد) Cataracts. وكلما كبرت في السن، تزايدت إصابتي بها. وتقول مانيك: “يزداد معدل وقوع كل مرض مزمن ازديادا أسيّا وبشكل مفاجئ تقريبا عند الوصول إلى عمر الـ 60.”
وبسبب العلم، صرنا نعرف ما يكفي عن عمليات الإصلاح هذه لنعيد تشغيلها بالشكل الصحيح عن طريق الأدوية. وإذا جرى كل شيء وفق الخطة، فإن هذه الأدوية ستكون في متناولي عندما أبلغ 70 عاما.
لكن، دعونا لا نستبق الأحداث. فمعظم العاملين في هذا المجال يتحفظون جدا عندما يتعلق الأمر بإطلاق تكهنات عن الموعد الدقيق الذي ستكون فيه هذه الأدوية قيد التداول، ولديهم أسباب معقولة: إنهم يتذكرون ما حدث المرة الماضية.
في تلك المرة، وفي عام 2013، أحبطت شركة الصناعات الصيدلانية العملاقة غلاسكو سميث كلاين GlaxoSmithKline إنجاز شركة تعمل في مجال مقاومة الشيخوخة كانت قد اشترتها قبل خمس سنوات بـ 720 مليون دولار. وكانت شركة سيرتريس للصناعات الصيدلانية Sirtris Pharamceutical تطور أدوية بالاعتماد على مركب طبيعي يسمى ريسفيراتول Resveratrol. استطاع هذا المركب خلال التجارب على فطر الخميرة Yeast أن يطيل مدى عمرها بنسبة بلغت 50%. وحينها، أخبر ديفيد سينكلير David Sinclair من كلية هارفارد الطبية Harvard Medical School ومؤسس شركة سيرتريس مجلة ساينس Science متحدثا عن الريسفيراتول: “إنه يكاد يكون مركبا إعجازيا كما ترون.” لكنه لم يكن ذلك.
” الاستثمار الأفضل هو في الأدوية الحالّة للشيخوخة Senolytics: إنها الأدوية التي تدمر الخلايا التالفة”
“لم يكن العلم مكتملا بعد،” كما علق جيمس بيير James Peyer من شركة أبولّو فينتشر Apollo Ventures، وهي شركة حاضنة Incubator للتكنولوجيا البيولوجية، وتختص بالأبحاث الواعدة في مجال إطالة العمر، ومن ثم تتعهدها لتصبح شركات، وأضاف: “لقد دمر هذا الأمر المجال حقا.”
وهذا يأخذنا إلى النقطة الأخرى المختلفة حاليا؛ فشركة سيرتريس كانت المسيطرة في هذا المجال، وربما تمت المبالغة في الترويج إعلاميا لادعاءاتها، لكنها على الرغم من ذلك لم تكن دون سند علمي. وبحسب ميلير فإن نحو 90 % من الأدوية التجريبية التي تنجح في الفئران تفشل في البشر، وحتى بالنسبة إلى تلك الأدوية التي تنجح فإنها نادرا ما تحقق هدفها المتمثل في الوصول إلى الأسواق. ويقول دو ماغالايس إن دواء واحدا من أصل 5000 ينجح في الوصول إلى نهاية الطريق. لذا لا يوجد ما يدعو للاعتقاد أن الأدوية المضادة للشيخوخة تمتلك حظوظا أوفر.
وشركة سيرتريس وضعت كل البيض الذي تملكه حينها في سلة واحدة، وذلك بالتركيز على الريسفيراتول وبعض المركبات الأخرى المشابهة له، أما حاليا، فهناك نحو 50 شركة تدرس عشرات المركبات وسبل التفاعلات الكيميائية المختلفة، هذا عدا أن التجارب على البشر على وشك أن ترى النور. ويقبل الجميع حقيقة مفادها أن معظم جهود هذه الشركات ستفشل، بيد أنهم في الوقت نفسه يؤمنون أن أحدها على الأقل سينجح، وسيكون ذا تأثيرات ستغير العالم. يقول دو ماغالايس: “إذا نجحت شركة واحدة فقط، آخذين بعين الاعتبار أن تأخير الشيخوخة سيكون ذا تأثير كبير في الطب والمجتمع، فإن هذا الإنجاز سيكون ثوريا.”
إن الاستثمار الأفضل هو في صنف من الأدوية يسمى حالّات الشيخوخة Senolytics، التي تتجلى مهمتها في البحث عن الخلايا التالفة التي تتراكم في الجسم مع التقدم في العمر وتدمرها. وهذا النوع من الخلايا يكون قد عانى أصنافا من أضرار لا سبيل لإصلاحها داخلة بذلك في حالة هرم Senescence وعجز، فتضغط زر الطوارئ، وتجثم في مكانها منتظرة التدمير.
وقد تطورت هذه العملية غالبا لتمنع الخلايا من التحول إلى خلايا سرطانية. لكن هذا عاد بنتائج عكسية. فتقول بارتريدج: “يتم التخلص عادة من الخلايا الهرمة، لكن هذه الآلية تضطرب في الشيخوخة فتتراكم هذه الخلايا مسببة أذى للأنسجة.” فتصبح هذه الخلايا كالزومبي(حية – ميتة): عصية على الإصلاح، وفي الوقت نفسه تعيث الفساد. وتنشر أنواعا من البروتينات الالتهابية التي تعتبر المسبب الرئيسي للالتهاب المرتبط بالشيخوخة. ويقول لاين كوكس Lynne Cox وهو مختص في الكيمياء البيولوجية من جامعة أوكسفورد University of Oxford: “الخلايا الهرمة ضارة جدا بك،” ويضيف: “فهي تدمر الأنسجة المحيطة بها”.
ويقول دارين باكير Darren Baker الذي يعمل في أحد أكبر مراكز البحث في هذا في المجال، وهو مايو كلينيك Mayo Clinic في مينيسوتا، إن هذه الخلايا تسبب عددا كبيرا من الأمراض المرتبطة بالعمر، ومعظمنا يعرفها كالسرطان والتصلب العصيدي Atherosclerosis، والداء السكري من النمط الثاني Type 2 diabetes، والفصال العظمي Osteoarthritis، وداء باركنسون Parkinson’s، وآلزايمر Alzheimer’s، وإعتام عدسة العين. وإذا ما أخذت خلايا هرمة من فأر مسن ونقلتها إلى آخر صغير في السن، فإنه سيشيخ قبل الأوان وسيصاب بأمراض المسنين.
والعكس صحيح. ويقول كوكس في هذا الصدد: “إذا أزلت الخلايا الهرمة من الفئران المسنة، فإنها تتحسن وتستعيد شبابها.” ويبدو أن الأوان لا يفوتك إذا تأخرت، فقد اختبر مختبر باكير الأدوية الحالة للشيخوخة على قفص مملوء بفئران كبيرة في السن. ومع أنها لم تستعد شبابها، فإن شدة هرمها خفّت. لذا فإن كوكس يرى في الخلايا الهرمة “أكثر أهداف التداخلات العلاجية أهمية” في جعبة الأدوية المضادة للشيخوخة.
ويوافق باحثون آخرون على أن العلم سيقودنا نحو الأمام. ويقول جيمس: “لقد توسع نطاق علاج الشيخوخة،” ويضيف: “وهناك عدد من الإشارات المبشرة حيال ذلك. وهذا يعطينا فهما أفضل للكيفية التي تنشأ فيها أمراض الشيخوخة المتعددة من سبب واحد. إن بإمكان هذا أن يغير الأمور.”
التخلص من القمامة
وإحدى أهم الميزات التي تتمتع بها الأدوية الحالّة للشيخوخة هي أن الأفراد لن يضطروا لتناول جرعاتها إلا بين الحين والآخر، ربما مرة كل 6 أو 12 شهرا، وذلك لكي يتخلصوا من القمامة الخلوية. أما الأدوية الأخرى المضادة للشيخوخة فربما يجب تناولها بشكل مكثف، وهذا ما يثير القلق فيما يخص سلامتها.
وإذا كنت تتساءل متى ستتوافر هذه الأدوية، فالإجابة: قريبا. ويقول بيير إنه على الرغم من وجود صعوبة في التوقع عندما يتعلق الأمر بتطوير الأدوية، فإننا بالانطلاق من مكاننا الحالي، ربما نوفر هذه الأدوية في العيادات في غضون ست سنوات. بل يمكنك حتى أن تحصل عليها الآن، لكن خطوة كهذه ستكون محفوفة بالمخاطر (انظر:جرب الأدوية المضادة للشيخوخة بنفسك).
وتدعم أخبار تتضمنها الدراسات الأولى على البشر للأدوية الحالّة للشيخوخة تفاؤل بيير. ففي يناير، نشر فريق يقوده باحثون من مايو كلينيك دراسة أولية استهدفت مرضا رئويا يسمى التليف الرئوي المجهول السبب Idiopathic pulmonary fibrosis. وهذه الحالة المرضية، كما يوحي الاسم غير معروفة السبب، غير أنها تتمثل في تراكم خلايا هرمة. وفي تلك التجربة، أعطي 14 شخصا جرعات من دواءين –أحدهما يستعمل في علاج سرطان ابيضاض الدم Leukaemia والآخر عبارة عن مادة صبغية نباتية تسمى كويرسيتن Quercetin-وذلك لمدة ثلاثة أسابيع. وقد تقبل المشاركون في التجربة الدواءين تقبلا جيدا وأظهرت أعراضهم بعض التحسن.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا بعيد جدا عن كونه إثباتا على قدرة هذه الأدوية على علاج أي شيء. لكن، في يناير أيضا، أعلنت شركة ينيتي بيوتكنولوجي Unity Biotechnology، التي تعد من أفضل الشركات المرشحة للنجاح في هذا المجال، عن نتائج واعدة في تجربة إكلينيكية (سريرية) على أدوية حالة للشيخوخة موجهة لعلاج مرض الفصال العظمي. والموافقة على تجربة إكلينيكية لحالة مرضية معينة هي خطوة أولى مهمة لأي دواء مضاد للشيخوخة (انظر: الشيخوخة ليست مرضا).
جرّب الأدوية المضادة للشيخوخة بنفسك
وإذا عَمِلْتَ على أدوية مضادة للشيخوخة، وكنت مؤمنا بأنها فعالة وآمنة، ألن يخطر لك حينها أن تجربها بنفسك؟ حسنا، معظم العلماء والاختصاصيين في التكنولوجيا البيولوجية يشاركونك ذات الفكرة. ويقول لاين كوكس Lynne Cox وهو اختصاصيّ في التكنولوجيا البيولوجية من جامعة أوكسفورد University of Oxford: “نعلم أن عملية القرصنة البيولوجية تحدث طوال الوقت،” ويضيف: “هناك الكثير ممن يجرب هذه الأدوية بنفسه.”
وأحد أكثر الأدوية شعبية في هذا المجال الميتفورمين Metformin، وهو دواء يستخدم في علاج داء السكري، وسجلّه الطبي يشهد بأمان استعماله وقدرته على إطالة الحياة ومدة الصحة في بعض النماذج الحيوانية، لكن على الرغم من هذا كله فشل مؤخرا في اختبار مهم على الفئران. ومن المواد الأخرى الشعبية السبيرميدين Spermidine، وهو مكمل غذائي طبيعي قادر على استعادة وظيفة الميتوكوندريا في الفئران الهرمة، وهناك أيضا مركب النيكوتين أميد مونو نوكليوتيد Nicotinamide mononucleotide الذي أظهر قدرة على إطالة مدى الحياة في الفئران.
أما أقصى حالات القرصنة البيولوجية فتتمثل في تناول بعض الأشخاص أحيانا دواء يستخدم في العلاج الكيميائي هو داساتينيب Dasatinib ومستخلصا نباتيا هو كويرستين Quercetin، ومزيج هذين المركبين يدرس كدواء حالّ للشيخوخة، وهو نوع من الأدوية التي تستهدف الخلايا التالفة. قال عنها أحد مستخدميها “إنها رخيصة جدا، ومتوفرة دائما، وسهلة الاستعمال.” وهناك شخص على الأقل استعمل هرمون النمو البشري سعيا إلى إعادة تشكيل غدته الزعترية ُThymus، وهي عضو مهم في الجهاز المناعي لكنه يضمر مع التقدم في العمر.
لم يختبر أيّ من هذه الأدوية في تجارب على البشر، لذا فإن الذين يستعملونه يضعون أنفسهم في خطر – وهذا الخطر لا يهدد صحتهم فقط. ويقول كوكس عن ذلك: “إنني قلق جدا بشأن القراصنة البيولوجيين، لأنه إذا مات أحدهم وهو يستعمل الأدوية الحالّة للشيخوخة، فسيضر الأمر بهذا المجال فترة من الزمن”.
لكن الخبر السعيد هنا هو وجود تداخلات آمنة تساعد على إطالة فترة الحياة، وهي متوفرة بين أيدينا جميعا. فقد ظهر مثلا أن الصيام المتقطع أمر مفيد، وأن التمارين الرياضية هي حالّة للشيخوخة. والسبيرميدين موجود في معظم الأغذية، لاسيما في طبق الناتو Natto الياباني المكون من فول الصويا المخمر. وعلى الرغم من أن ما ذكر يبدو أقل جاذبية من الحبوب الدوائية، فإنه آمن بالتأكيد.
وإذا فشلت هذه الخيارات التي تتصدر المشهد، فلا يزال في الجعبة غيرها الكثير. هناك شركتان أيضا هما كليارا بيوتيك Cleara Biotech، وسينوليتيك ثيرابيوتيكس Senolytic Therapeutics اللتان تطوران الأدوية. وهناك طريقة أخرى لمقاربة هذه المشكلة تتمثل في “تعديل الهرم” Senomodifiers، وهنا، لا تتمحور مهمة هذه الأدوية حول قتل الخلايا الهرمة بل إقناعها بمتابعة عملية الانقسام من جديد. والمثير للاهتمام في هذا المقام أن أحد الأدوية الواعدة المعدلة للهرم هو الريسفيراتول الذي فقد ألقه في تجربة سابقة.
وتلوح في الأفق جزيئات أخرى قادرة على بث الشباب مرة أخرى في خلايا الدم البيضاء كي تستعيد قدرتها المتمثلة في التخلص من الخلايا الهرمة. ويقول ريسون Reason، وهو المدير التنفيذي لشركة ريبير بيوتكنولوجيز Repair Biotechnologies: “إن الشركات تظهر في كل مكان. والجميع يفهم أن الأدوية الحالّة للشيخوخة هي منجم ذهب.”
وهناك ميدان آخر جذاب في هذا المجال، وهو ميدان جديد يرتكز على طريقة قديمة في مقاومة الشيخوخة: تقليل السعرات الحرارية. إذا كنت تلعب لعبة الكلمات بينغو في مؤتمر مختص بعلم الشيخوخة، فإن كلمة “حال للشيخوخة” ستكون الأولى على قائمتك. لكن هناك كلمة ثانية ستتبعها هي: “mTOR”. والـ mTOR هو مركَّب بروتيني في داخل الخلايا يؤدي دورا أساسيا في عملية الشيخوخة، وهو في الوقت نفسه ما نظر إليه العلماء المختصون بالشيخوخة ولفترة طويلة على أنه هدف يمكن التوجه إليه لإبطاء هذه العلمية.
وكلمة mTOR هي اختصار لـ “الهدف الميكانيكي للراباميسين” Mechanistic target of rapamycin – وهذه الكلمات تتكفل بأن تخبرك إلى أي مدى وصلت المعرفة الكيميائية البيولوجية أكثر من أن تخبرك عن المركب mTOR نفسه. وكلمة السر الأساسية هنا هي راباميسين، وهو دواء طوّر كمثبط مناعي للمرضى الذين يجرون عملية نقل أعضاء، ومن ثم اكتشف أنه يطيل فترة الحياة في الديدان والذباب والفئران. واكتشف علماء الكيمياء البيولوجية أنه يتفاعل مع مركب بروتيني داخل الخلية. وسموه المركب mTOR، وشمروا عن سواعدهم ليستكشفوا ما يمكن لهذا المركب فعله.
ويتضمن ما اكتشفوه دلالة ذات معنى منطقي في مجال البيولوجيا. فإحدى الطرق الموثوقة التي يمكن أن تجعل الحيوان يعيش فترة أطول تتمثل في تجويعه. وقد أثبت تقليل كميات السعرات الحرارية والصيام الدوري دورهما في إطالة مدة الحياة ومدة الصحة على حد سواء في كل حيوان جربا عليه، وغالبا ما يكون مرد ذلك تفعيل مسارات (سبل) تفاعلات ذات دور واق؛ المسارات أُضعفت تدريجيا بفعل الشيخوخة.
وتبين أن المركب mTOR هو صاحب الدور الرئيسي في منظومة هذه التفاعلات. وتقول مانيك التي تطور شركتها ريس توربيو أدوية بالاعتماد على الراباميسين: “لقد تطور هذا المركب من أجل النجاة في فترة الجوع،” وتضيف: “والعامل الأساسي هنا هو الإحساس بوجود الأغذية. فعندما تأكل يتفعّل المُركَّب مخبرا الخلايا بضرورة أن تنمو وتنقسم. وإذا لم تأكل، يتوقف عن العمل، مما يحفز المسار الواقي.”
وتشمل هذه السبل ما يعرف بالالتهام الذاتي Autophagy، وهو عملية تتخلص بها الخلايا من الجزيئات والعضيات الخلوية Organelle المعطوبة من أجل الطاقة. وتقول مانيك عن ذلك: “إنه تقريبا نظام التخلص من القمامة في الخلايا.” وهذا يؤدي إلى تقليل تجمع الفتات الخلوي الذي سيتراكم إن لم يتخلّص منه، وهو يقود بدوره إلى إبطاء علمية الشيخوخة أو حتى إلى عكسها. والمثير في الأمر هنا، أن منظومة المركب mTOR تبدو عالقة في وضع التشغيل عندما تتقدم الحيوانات في العمر.
لكن التجويع ليس ضروريا هنا: فالراباميسين واحد من عدد كبير من الأدوية التي تثبط المركب mTOR في الفئران حتى لو أُعطي لها في فترة متأخرة من الحياة. وكما هي الحال بالنسبة إلى الأدوية الحالّة للشيخوخة، فالعلم يولي وجهه نحو العلاجات على البشر.
لعبة إعادة التجديد
نشرت شركة ريس توربيو في العام الماضي نتائج تجربة إكلينيكية تهدف إلى معرفة ما إذا كانت مثبطات mTOR قادرة على عكس شيخوخة الجهاز المناعي. وفي تلك التجربة أُعطي 264 شخصا فوق الـ 65 عاما دواءين –والدواء هنا ليس الراباميسين، وإنما مركب أحدث قادر على العمل بطريقة مشابهة- متبوعا بحقنة إنفلونزا. وغالبا ما يفشل المسنون في الاستجابة للحقنة، وتشكل الإنفلونزا أحد أهم أسباب دخول المستشفيات والوفيات عند كبار السن. لكن أولئك الذين تلقوا مثبطات mTOR استجابوا بقوة أكبر للحقنة وتعرضوا لعدوى تنفسية أقل. وتكفّلت تجربة إكليينيكة أكبر بتأكيد هذه النتائج. وتأمل شركة ريس توربيو أن تكون قادرة هذا العام على تطوير عملها إلى المرحلة النهائية من التجارب السريرية، ومن ثم الحصول على الموافقة في عام 2021.
وإذا نجح أيّ من الدواءين فإن ذلك سيشكل علامة طبية فارقة: إذ سيمثل حينها الدواء الأول من جيل جديد من الأدوية التي صممت خصيصا لاستهداف الشيخوخة. وتقول مانيك عن ذلك: “إنها نقطة تحول،” وتضيف: “هذا يظهر ما الذي يمكننا القيام به إذا بدأنا باستهداف مسارات التفاعلات المؤدية إلى الشيخوخة. إن هذا قادر حقا على تغيير الرعاية الصحية.”
وعلى الرغم من احتمال فشل أدوية شركة ريس توربيو، فإن هناك الكثير من الأدوية القادرة على استهداف المركب mTOR أو المركبات الأخرى الموجودة في مسارات التفاعلات المسؤول عنها. ولمّا كانت هذه المسارات، كما تقول بارتريدج، متورطة في السرطان وأمراض القلب والأمراض العصبية التنكسية، فقد كانت دائما “محط أنظار الصناعات الصيدلانية.” وتستهدف هذه المسارات بالعديد من الأدوية المتوفرة حاليا لكل أنواع الأمراض.
واختبرت معظم هذه الأدوية بحثا عن خواصها المضادة للشيخوخة في برنامج يديره ميلر بالإنابة عن المعهد الأمريكي للشيخوخة US National Institute on Aging. ووضعت الأدوية الواعدة في ميزان الاختبار بتجربتها على الفئران في ثلاث مؤسسات مختلفة. وتم التأكد من فعالية ست منها، عدا التخلي عن بعض الأدوية الواعدة منها كدواء السكري الميتفورمين. ومعظم الأدوية الناجحة كانت مثبطات لسبل المركب mTOR، غير أن بعضها يعمل بطرق غامضة، ومن ثم لا يزال لدينا ما نجهله عن البيولوجيا الأساسية للشيخوخة، وكذلك فإن أمامنا الكثير لنستكشفه.
وهناك مقاربات علاجية كثيرة تناقش حاليا (انظر: إغراء الدم الشاب). وويست –الذي قابلناه في الطائرة في بداية هذا المقال-لديه شركة جديدة هي أيج إكس ثيرابيوتيكس AgeX Therapeutics، تعمل على استخدام الخلايا الجذعية لتستبدل الخلايا التالفة. وهناك شركات ناشئة أخرى تطور طرقا لإعادة تشكيل الغدة الصعترية وإعادة تأهيل الميتوكوندريا.
لكن هذا الأمر لا يزال حديث العهد. ويقول ميلر: “هناك الكثير من الخطوات على الطريق من الاستكشافات الأولية وصولا إلى ما يمكن أن أعطيه أنا شخصيا للعديد من الأفراد،” ويضيف: “لدينا أسباب قوية تخولنا أن نعتقد وجود طريق كهذه، غير أننا مازلنا في البداية.” وهناك فرصة لا بأس بها بأنني عندما أبلغ 60 عاما، لن أكون مضطرا للوصول إلى مرحلة الهرم، بل سأعيش عمرا ثالثا مديدا ومعطاء.
“شركة تكنولوجيا بيولوجية جديدة توشك على إطلاق دواء مضاد للشيخوخة في السوق الأمريكي”
لكن هذه الآمال قد تبوء بالخيبة. ويقول جيمس محذرا: “إن بيولوجيا الشيخوخة تتحرك بسرعة كبيرة. فالأمور تبدو معقولة جدا، لكنها تختفي بعد سنتين.” ومن المتوقع ألا يثبت أي دواء موضع البحث الآن فعاليته. وهناك خطر آخر يتمثل في أن تظهر هذه الأدوية مبكرا جدا قبل أن يتم التأكد منها. وبالنسبة إلى البعض في هذه الصناعة، فإن الانتظار خمس سنوات لكي يمر دواء عبر التجارب هي فترة طويلة.
وفي غضون أسابيع، فإن شركة جديدة يقودها مستثمر ناجح في التكنولوجيا البيولوجية، وبسجل أكاديمي يشهد له، ستطلق دواء مضادا للشيخوخة في السوق الأمريكي. وما زال الستار مسدلا على التفاصيل، غير أن الدواء سيكون من مثبطات المركب mTOR التي لم تخضع لتجارب إكلينيكية شاملة. بل إنه بالكاد اختبر على البشر. وعلى الرغم من ذلك، فإن الشركة تقول إنه اعتمادا على التجارب على الفئران، فسيكون قادرا على إضافة ثماني سنوات إلى مدة الحياة، وسيحقق الهدف المنشود من إطالة فترة الصحة.
والدواء عبارة عن مزيج من مواد موجودة مسبقا “ومصنفة على أنها آمنة بشكل عام” من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration. وبما أنه يمتلك هذه المواصفات فلم يكن هناك حاجة إلى اختباره في تجارب إكلينيكية، ويمكن أن يباع كمكمل غذائي. ومعنى هذا أن الشركة لا يمكنها تقديم ادعاءات صحية مباشرة وبيّنة، بيد أن اسم المنتج سيكون له دلالات قوية على مفعوله، وحينها ستكون الدعاية الإعلامية –إن تمت الموافقة عليه-كشيء من قبيل: “يعدل المسارات المرتبطة بالتقدم الطبيعي للعمر، ويحسن فترة الصحة.” هل سأشتري شيئا كهذا؟ سأجربه، إن استطعت شراءه.
وتسبب إعلان الشركة عن هذا مؤخرا في مؤتمر علمي بإشاعة جو من التوتر. وعبّر الكثير من العلماء عن رفضهم واستيائهم، متخوفين من أنّ تكون هناك جولة أخرى من الدعاية الإعلامية وخيبة الأمل تضر هذا الميدان بكامله وتنفر المستثمرين منه. وتقول لورد: “بعضنا غير مرتاح حيال الشركات التي تأتي وتقفز إلى الأمام دون الحصول على الأدلة في البشر،” وتضيف: “سيسيء هذا إلى السمعة. آخر شيء نريده هو أن يشوه هذا المجال بكامله.” وأعادت مانيك صدى ذلك قائلة: “يمكننا فعل الكثير من الأمور الجيدة، لكن يجب علينا أن نفعلها بالشكل الصحيح.”
لذا، فهذه القصة التي سمعتها سابقا يصعب تصديقها على الأرجح. لكن، من أجل مستقبلنا جميعا، فإني صدقا لا آمل ذلك.
الشيخوخة ليست مرضا
تحقق الشركة الرائدة في مجال الأدوية المضادة للشيخوخة يونيتي بيوتيكنولوجي Unity Biotechnology نجاحا في مسعاها لتصميم دواء لعلاج الفصال العظمي Osteoarthritis. لكن الفصال العظمي ليس الشيخوخة بل مجرد نتيجة لها. وحتى لو استطاع هذا الدواء التغلب على كل الصعوبات التي تعترض طريقه، فلن يستطيع دخول الأسواق بصفته دواء مضادا للشيخوخة ومناسبا للاستعمال لكل الأغراض، بل بكونه دواء للفصال العظمي فقط.
سيكون هذا تقدما على الطريق بالتأكيد لكنه ليس بأي حال من الأحوال خط النهاية. أما بيير من الذي يستثمر بدوره في شركات التكنولوجيا البيولوجية الناشئة، فيقول: “إن الهدف من هذه الصناعة هو إنتاج دواء قادر على إطالة فترة حياة الإنسان عن طريق منع الأمراض المتعددة،” ويضيف: “لكن، لا يمكنك إجراء تجربة إكلينيكية لإثبات مثل هذا الأمر.”
وهنا تكمن كبرى العقبات في هذا المشروع برمته: لا يمكنك أن تستهدف الشيخوخة كمرض لأنها ببساطة ليست مرضا.
ولكي يدرج الدواء في أي تجربة إكلينيكية، لا بد من وجود “استطباب” له، أي مرض بحد ذاته يمكن أن يظهر هذا الدواء فعالية ضده. لكن الشيخوخة ليست استطبابا، أو ليست مما يمكن أن تستفيد منه شركات التكنولوجيا البيولوجية على أقل تقدير. ولم تعتبر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الشيخوخة مرضا إلا مرة واحدة فقط، وذلك في تجربة ضيقة النطاق على دواء للداء السكري، الميتفورمين، الذي كان فيما مضى الأمل في مجال الأدوية المضادة للشيخوخة لسنوات كثيرة. لكن عالَم التكنولوجيا البيولوجية أسقطه من حساباته بسبب الوقت المطلوب لإنهاء تجربته. ويقول ميلّر عن هذه التجربة: “إن اختبار هذا الدواء يكون بإعطائه فترة طويلة جدا بين 20 إلى 40 سنة، ومن ثم العودة للنظر في نتائجه بعد 50 سنة، لكن هذا غير عمليّ إطلاقا، فلا أحد سيفعل ذلك أبدا.”
ويمكن الحصول على استطباب بالوكالة، غير أنّ أمرا كهذا سيتطلب تقدما علميا كبيرا. فلا توجد حاليا طريقة يجمع عليها العلماء لقياس العمر البيولوجي لشخص ما على الرغم من وجود الكثير من الآليات المقترحة لذلك، وهذا يعني عدم وجود طريقة تمكننا من معرفة فيما إذا كان دواء مضاد للشيخوخة يعمل أم لا.
ويقول بيير إنه لكي تعبر هذا المستنقع، عليك أن تختار بعناية مرضا مرتبطا بالعمر، ومن ثم تثبت أن دواءك يؤدي فعله حياله. وبعد ذلك يمكنك أن تنطلق يمنة ويسرة إلى الأمراض الأخرى. وهذه هي السياسة التي تنتهجها معظم الشركات الرائدة.
الموافقة الشاملة
يقول بيير إن السلطات في هذا الوقت قد تستنتج أن دواء ما يعمل على طيف من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، وتعطي بذلك موافقة شاملة Blanket approval له. ويضيف إن هناك سابقة تخص دواء مضادا للسرطان يسمى مثبطات PD-1 (PD-1 inhibitors). عملت هذه الأدوية بادئ الأمر على الورم الميلانيني Melanoma، ومن ثم اختبرت على مجموعة مختلفة من السرطانات. ويقول بيير: “بعد نجاح، ونجاح، ونجاح، قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية: ’ لقد فهمنا. لستم بحاجة إلى إجراء المزيد من التجارب الإكلينيكية، امضوا قدما واستعلموا هذا الدواء على كل الأورام الصلبة‘.”ويضيف: “وسيتبع دواء إطالة العمر المنوال نفسه.”
إغراء دم الشباب
لا يزال الأمل حيا في الأوساط العلمية المختصة بمقاومة الشيخوخة بطريقة حديثة تعتمد على اكتشاف قديم. ففي سبعينات القرن الماضي بدأ العلماء تجريب عملية بشعة تسمى التعايش التلاصقي Parabiosis، وفيها يوصل جهازا الدوران في حيوانين معا، ويستمر هذا أحيانا أسابيع دون توقف، وبذلك يتشارك الحيوانان الدم. كانت الغاية من تطوير التعايش التلاصقي دراسة الأجنة الملتصقة Conjoined twins، بيد أنها استطاعت أن تلمّح إلى تأثيرات مثيرة للاهتمام على صعيد إطالة العمر. وفي هذه الحالة، فإن الفئران الهرمة التي تلصق بأخرى شابة تستعيد شبابها، أما الشابة فتشيخ قبل الأوان.
وأجريت تجارب أحدث في جامعة ستانفوردStanford University بكاليفورنيا أكدت بدورها هذا التأثير. وقال عن ذلك مارك ألين Mark Allen، وهو المدير التنفيذي لشركة إيليفيان Elevian: “لقد اكتشفوا أشياء مذهلة،” ويضيف: “استطاعت الحيوانات الهرمة التي حصلت على الدم الشاب أن تعكس، اعتمادا على قياسات كثيرة، الشيخوخة البيولوجية في القلب والدماغ والرئتين والعظام والعديد من الأعضاء. وحدث العكس في الحيوانات الشابة.” بل حتى إن حقن بلازما الدم Blood plasma من شباب –أو بلازما من الحبل السري البشري-أعاد الشباب للفئران الهرمة.
هذا هو المحرك الذي يقف خلف صيحة “الدم الشاب” التي تصدرت العناوين حول العالم، والذي نبّه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى التحذير من مغبة نقل البلازما العلاجي غير المنظم.
أما الشركتان الرائدتان في هذا المجال –وهما إيليفيان وألكاهيستس Alkahests-فليستا مهتمتين بنقل الدم؛ إذ يعيب عملية النقل أنها غير عملية، لذا فالشركتان تبحثان عن السبب الموجود في الدم الذي يسبب هذا الأثر. تركز شركة إيليفيان اهتمامها على بروتين يسمى البروتينGFR11، وتقول إن مستواه يتراجع مع تقدم العمر، وإنه ذو أثر في إعادة الشباب في الفئران. أما شركة ألكاهيستس فإن في جعبتها دواء يوقف تأثير بروتين دم يزداد مع التقدم في العمر ويرتبط بمجموعة من الأمراض. وأعلنت حديثا عن نتائج مبشرة من تجربة على هدفها المبدئي، وهو إحدى الحالات المرضية في العين.
نبذة عن الكاتب:
غرايام لاوتون Graham Lawton كاتب في مجلة نيو ساينتست، مقيم في لندن