“كذبة زرقاء رقيقة: فشل الأعمال البوليسية عالية التقنية”
“Thin Blue Lie: The Failure of High-Tech Policing”
المؤلف: مات سترود Matt Stroud
255 صفحة
منشورات: Metropolitan Books/Henry Holt & Company
28 دولارا أمريكيا
ترجمة: آية علي
على مدار العقدين الماضيين سيطرت التقنية على العمل البوليسي؛ ويرتدي الضباط كاميرات الجسم لتسجيل مهامهم، ويحملون أسلحة مُستحدثة مثل أجهزة الصعق التي تبدو كما لو أنها أتت مباشرة من أفلام “ستار تريك”. وتراقب دوريات الشرطة “البؤر الإجرامية الساخنة” Criminal “hot spots” التي تحدّدها البيانات الكبيرة Big data. ويتعقّبون المشتبه فيهم باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأجهزة محاكاة موقع الخلية Cell-site simulators وتقنية مراقبة الفيديو المعزّزة ببرمجيات التعرّف على الوجه Facial recognition software. فهل جعلتنا كل هذه التقنيات المُكْلِفة أكثر أمانًا؟
لا يبدو ذلك، وفقا لكتاب ” كذبة زرقاء رقيقة: فشل الأعمال البوليسية العالية التقنية”؛ الذي يكشف فيه مات سترود Matt Stroud بشكل فاضح وحاد ” مُجمّع الشرطة الصناعي” Police industrial complex -الشّبكة المكونة من وكالات إنفاذ القانون والشركات الهادفة للربح والسياسيين الذين يشيدون على نحو متصاعد بالتقنية كطريقة لإصلاح الشرطة الأمريكية. وعلى الرغم من قدرة الأدوات المبتكرة على المساعدة على حل الجرائم، غير أنّ أقسام الشرطة غالبا ما تتبنى تقنيات جديدة دون إجراء اختبارات أو وجود مُدخلات كافية من المجتمعات المعنيّة. والنتيجة هي أنّ “الإصلاحات” قد تؤدي إلى تفاقم ذات المشكلات التي كانت مُصمّمة لعلاجها.
يبدأ سترود، وهو صحافي استقصائي يتمتع بنظرة ثاقبة تجاه التفاصيل، الكتاب بانفجار، أو بالأحرى بصعقة. وبعد تطوّعه لأن يتعرّض للصعق، يصف ألما رهيبا يدوم لخمس ثوانٍ فقط، لكن “شعرت كما لو أنّه استمر إلى الأبد.” وبعد ما طرحه السلاح أرضا، تُعتبر تجربة سترود بمثابة مجاز عن الحكاية المثيرة للقلق حول أجهزة الصعق بالليزر التي صارت من المعدات الأساسية لأجهزة الشرطة. فقد طُوِّرت أجهزة الصعق في الأصل كبديل غير مميت للأسلحة النارية، وقد عملت شركة تيزر إنترناشونال Taser International على تسويقها بدأب لمراكز الشرطة، وهي شركة ناشئة متعطشة أثارت الطلب على منتجها من خلال التأييد التي تلقته من مشاهير الشرطة، وكذلك العروض التوضيحية الدرامية التي تظهر متطوعين أِشدّاء وأقوياء البنية يسقطون أرضا. ووصف مدرّبو الشركة أجهزة الصعق بالآمنة، وشجعوا أفراد الشرطة على استخدامها على نحو مبكّر وغالباً لمنع تصاعد حدّة المواقف الخطيرة. فقد اشترت أقسام الشرطة الكبيرة الجهاز، وصارت شركة تيزر محبوبة وول ستريت Wall Street.
بعدها بدأت الجثث بالتراكم. لم تؤدّ الصواعق إلى خفض استخدام الأسلحة النارية كما كان يُسوَّق لها، بل صارت بدلا من ذلك أداة جديدة لانتهاكات الشرطة، تستخدم ضد أشخاص لا يمثلون تهديدا بسبب عدم اتباعهم لأوامر الشرطة. وقد توفّي بالفعل بعض ضحايا الصعق، وهي وفيات رفضت شركة تيزر إنترناشونال علانية تحمّل مسؤوليتها، مستشهدة بتقارير تشريح الجثث التي، وفقا لسترود، لم تدعم مزاعم الشركة. يصرّ سترود على أنّ الشركة لم تُخضع أدوات الصعق لاختبارات دقيقة وصارمة للتأكد من سلامتها. ووفقا لسترود، فإن المديرين التنفيذيين للشركة قاموا، في محاولة منهم للحفاظ على المبيعات والأسهم المرتفعة، باتّباع الطرق المختصرة وتضليل العامة والشرطة، وربحوا الملايين في غضون ذلك. وفي الوقت نفسه، أنفق دافعو الضرائب، الذين دفعوا فاتورة سوء تصرف الشرطة، أكثر من 172 مليون دولار في تسويات دعاوى قضية تتعلق باستخدام هذه الصّواعق.
ومع ذلك، يُعتبر دافعو الضرائب أيضا أحد المحركات الأساسية التي تقود عملية اعتماد السياسات البوليسية عالية التقنية. وتشير استطلاعات الرأي إلى إعراب الجمهور عن تأييدهم الكبير لاستخدام الابتكارات مثل كاميرات الجسم والطائرات دون طيار والتحقيقات البوليسية التنبّؤية التي تعتمد على الخوارزميات. وعلى عكس معظم الوكالات الحكومية التي تفتقر إلى الموارد اللازمة لتبنّي أحدث التقنيات، استفادت أقسام الشرطة من النفقات المتضخمة، خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر. فقد أُنفقت الكثير من الأموال على أجهزة المراقبة والبيانات الكبيرة. ففي نيويورك، أنفق قسم الشرطة الملايين على بناء “غرفة إرهاب عالمية” Global Terrorism Room آمنة ومخفية، يعمل بها 125 ضابطًا يمشّطون تقارير الاستخبارات ويصلون إلى قواعد البيانات ويستخدمون القياسات البيولوجية Biometrics لتحديد التهديدات.
وسواء كان الأمر لمكافحة الإرهاب أم مجرد جريمة عادية، يلتزم تطبيق القانون الحديث بما يطلق عليه سترود “الحلوليّة التقنية” Technological solutionism، وهي الاعتقاد أنّ التقنية تمثّل دائما أفضل إجابة. فحتى أكثر المهام بساطة، مثل الأماكن التي تُرسل إليها دوريات الشرطة، صارت مسندة الآن إلى برامج حاسوبية تحدّد الأحياء ذات معدلات الجرائم المرتفعة. ومع ذلك، فإنّ المخرجات التقنية لا تقل جودة عن المدخلات؛ فالخوارزمية التي تحسب عمليات الاعتقال بسبب المخدرات لا تكتشف مكان حدوث جرائم المخدرات، بل من يُضبطون بسببها، وهم -كما هو متوقّع- من الفقراء والأقليّات الضعيفة. لا حاجة إلى أن يشعر طلبة الجامعات بالقلق من شيء.
تُعتبر كاميرات الجسم أحدث الصيحات في الأعمال البوليسية. ولكن على عكس معظم الابتكارات الحديثة التي عادة ما تسهّل للشرطة عملية مراقبتنا، ربّما تمنحنا كاميرات الجسم أخيرا القدرة على مراقبة الشرطة بشكلٍ أفضل. وعندما أُعلن عن اقتراح لتمويل كاميرات الجسم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، أوضحت النائبة العامة آنذاك لوريتا لينش Loretta Lynch أن الأجهزة “تحمل وعدًا هائلا برفع الشفافية” و “تعزيز المساءلة”. لكن الدرس الذي يقدّمه كتاب “كذبة زرقاء رقيقة” هو أنّ التطلع إلى التقنية لحل مشكلات الشرطة عادة ما يكون بمثابة أملٍ أجوف.
NewYork Times