أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

كم خطوةً يجب أن تخطو كل يوم؟ حسناً، الجواب ليس 10,000 خطوة

بقلم: هيرمان بونتزر

ترجمة: محمد الرفاعي

عليك أن تنسى القاعدة التي تقول إن علينا المشي 10,000 خطوة. فعلوم الرياضة الحديثة والبيولوجيا التطورية تحدد كمية التمرين التي يحتاج إليها الجسم البشري  فعليّاً

سباق سباين تشالينجر Spine Challeneger هو سباقٌ شاق، إذ  يمتد في الشتاء القارس عبر أصعب 174 كيلومتراً من منطقة بينينيس Pennines، التي تشكل العمود الفقري الجيولوجي لإنجلترا، ويجب أن يُقطع في غضون 60 ساعة. وأولئك الذين ينجحون في ذلك يصعدون ما يصل إلى 5400 متر، وهو ما يعادل تسلق جبل مونت بلانك Mont Blanc مرتين.

وقد لمح المشاركون في سباق 2017 –أو السريعون منهم على أقل تقدير-دوم لايفيلد Dom Layfield، وهو رجلٌ أربعينيٌ قويٌ لا يمكن إيقافه، وهو ينطلق مختفيّاً عنهم بين الغيوم المنخفضة والأمطار المتجمدة. لكنهم تركوه يمضي، معتقدين أنه حديث العهد بهذا السباق، وأنه استهان بصعوبته وأنّ طاقته لن تلبث أن تخبو؛ غير أنهم كانوا مخطئين. فبعد 28 ساعة متواصلة من الجري المستمر والتسلق، أنهى السباق متصدراً بفارق ساعةٍ عن أقرب منافسيه، ومحققاً بذلك رقماً قياسيّاً.

وإذا كان التمرين دواءً–وهو أمرٌ اعتدنا سماعه-فإن سباق السباين تشالينجر يعتبر جرعةً مفرطةً. ولكي تقطعه يجب عليك أن تخطو 20 ضعف العشرة آلاف خطوةً التي يطمح معظم الأفراد إلى تحقيقها يوميّاً. وعلى الرغم من ذلك، فإن المئات من هؤلاء الماراثونيين الخارقين ركضوا حول العالم، وأعلاهم شأناً تعين عليه أن يتغلب على المنافسين الأشداء. وفي الوقت عينه، تكتظ المصاعد بأفراد لا يريدون أن يفكروا في صعود الدرج. وفي واقع الأمر لا يتجاوز ما يقطعه الأمريكي العادي يوميّاً حاجز الـ 5000 خطوة، ولا يزيد الرقم في المملكة المتحدة على ذلك.

ولدى نوعنا البشري علاقةُ حبٍ وكرهٍ للتمرين. فالكثير من الأفراد يفشل في أداء ما يكفي منه، غير أن بعضهم يمارس الكثير منه. حسناً، ما هي الجرعة المثلى؟ أو، دعونا نطرح السؤال بطريقة الجيل الذي يعتمد على أجهزة فيتبيت Fitbit لقياس الخطوات المقطوعة يوميّاً: كم خطوةً يجب أن نقطع يوميّاً لنستفيد من هذا الدواء المذهل على نحو أمثل؟

«إننا غالباً ما نتحاشى التمرين. والأنا الكسول داخلنا هو من يتولى اتخاذ القرار غالباً»

في عام 2019 التقيت بدوم عندما كنا ندرس لنيل الدكتوراه أثناء تشريح الجثث في كلية هارفارد للطب Harvard Medical School. كنا نثرثر عندما نعمل، وحينها اكتشفنا حبنا المشترك للجبال. حينها ولدت صداقتنا بين الشحوم والفورمالين Formalin. ومنذ ذلك الوقت أمضينا العديد من الأيام السعيدة نتسلق ونتزلج ونركض معا. وكان الأمر الثابت خلال تلك الفترة هو أن دوم كان الأسرع، وكان ذلك ينهكني. لذا، فإني أتفهم شعور باقي المتسابقين في سباق سباين تشالينجر. وبصفتي عالماً يعمل في نقطة تقاطع علوم تطور الإنسان والطاقة والصحة، فإنني أجد نفسي أتساءل عما قد تخبرنا به إمكانات نوعنا الجسمية الهائلة عن الطريقة التي تعمل بها أجسامنا.

لقد تطورنا من سلالة كسولة. كل الكائنات تستريح إذا تسنى لها ذلك، موفرةً السعرات الحرارية الثمينة للنجاة والتكاثر. وفي الواقع، فإنه بغض النظر عن الزاوية التي ستنظر منها إلى الأمر، نجد أنّ القردة العليا تعيش حياةً قليلة الحركة بشكلٍ مخيف، فهي تنام 18 ساعة يومياً. ولكن، عندما بدأ أسلافنا بالصيد والجمع منذ ما يربو على 2.5 مليون سنة، وُضِعت حينها أولويةٌ تطورية قصوى للجهد الجسمي.

وهذه النشاطات تتطلب الكثير من الجهد؛ لأنها تستغرق ساعاتٍ يوميّاً للبحث عن الطعام. وبناءً عليه، فقد كان الأفراد النشطون يجدون الطعام أكثر من غيرهم ومن ثم تكون لهم ذريةٌ أكبر، وتبع ذلك توريثُ رغبتهم في الحركة والنشاط. وتطور الدماغ البشري على مرّ الأجيال ليكافئ العمل المجد، مطلقاً الإندورفين Endorphin والإندوكانابينويد Endocannabinoid –وهما دواءان طبيعيان يصنعهما الجسم للشعور بالسعادة-استجابةً لتمارين التحمل Endurance exercise. ومن رحم هذا كله ولِدت «نشوة العداء» Runner’s high، واستقرت في أدمغتنا مجاورةً رغبتنا العتيقة في الراحة. وقد حل التوازن بين هذين الدافعين عن طريق نمط حياةٍ يتطلب العمل الجاد، لكنه في ذات الوقت يكافئ الكسل الذي يُخطط له بشكلٍ حكيم.

وما فتئت هاتان الصافرتان تصدحان من طرفين متقابلين في أدمغتنا المتطورة تغرينا بالراحة أو النشاط. ولكن، حديثاً، وفي طرفة عينٍ تطوريةٍ، تغيرت بيئتنا. وفي المساكن البشرية المكتظة التي نعيش فيها حاليا، رمينا بعيداً الجوع والخوف وباقي المخاوف التي كانت تطارد أسلافنا الصيادين والجامعين دافعةً إياهم إلى الحركة. وبات من السهل علينا أن نأكل حتى التخمة؛ ما سَبَّب لنا أمراض القلب والبدانة وداء السكري، وسائر طواعين هذا العصر. وكان بإمكاننا في ماضينا الباليوليثي Palaeolithic أن نعرف ما تحتاج إليه أجسامنا بالاستماع إلى ما تريده. أما في عالمنا الحديث؛ فقد بات الاعتماد على دارات المكافئة العصبية لتحديد الجرعة المثلى من النشاط أشبه بتفويض ابنتي ذات الأربعة أعوامٍ بالحصول على كميةٍ صحيةٍ من القرنبيط والمثلجات.

مساوئ الكسل

يبدو أن بيئتنا الحديثة الغريبة عرّت علاقتنا المتناقضة مع التمرين. فبعضنا، كدوم وغيره من العدائيين الخارقين التنافسيين، يسعون دائماً إلى الحصول على جرعاتٍ كبيرةٍ من التمرين، ملبّين بذلك نداء رغبتنا المتطورة في أداء التمارين. غير أننا غالباً ما نحاول تجنب هذا الأمر. والأنا الكسول داخلنا هو من يتولى اتخاذ القرار غالباً.

عُرِفت فوائد التمارين الصحية ومخاطر الكسل منذ قديم الزمن. حتى إن سقراط نفسه، الذي ليس له شهرةٍ في مجال الرياضة، عاب على تلاميذه قلة لياقتهم. ويرغب الكثير من الناس اليوم في أداء المزيد من النشاط لتحسين صحتهم. ولكن، ما كمية النشاط المناسبة؟ لنتمكن من الحصول على فكرةٍ أفضل عن كمية التدريب التي يجب إنجازها، فإن علينا أن نفهم بشكلٍ دقيق ما الذي يحدثه التمرين في أجسامنا. وقد استغرقت الإجابة عن هذا السؤال وقتاً طويلاً، غير أن بحثاً جديداً قد ينير طريقنا.

أولاً، هناك فوائد جلية: التمرين يحافظ على عضلاتنا وقلوبنا قويةً، وأوعيتنا الدموية مرنةً، ويحسن لياقتنا الهوائية Aerobic fitness. وعندما ترتفع وتيرة خفقان القلب، فإنّ الضغط الذي يسببه الدم على الشرايين أثناء الجريان فيها يزيد من إنتاج أحادي أكسيد النتريت Nitric oxide، وهذا بدوره يساهم في إصلاح الأوعية الدموية ويجعلها مرنةً. ومن المهم أن نحافظ على لياقتنا الهوائية والجهدية Strength fitness عندما نكبر. فكبار السن الذين يستطيعون الجري مسافة  365 متراً على الأقل في اختبار المشي المؤلف من ست دقائق يقل لديهم خطر الموت بمقدار النصف خلال عقد من أقرانهم الذين لا يستطيعون قطع 290 متراً.

غير أن فوائد التمرين لا تقف عند حد تقوية عضلاتنا وقلوبنا، بل إن له دوراً كابحاً مفيداً في كل الجسم. إذ يقلل التمرين من الالتهاب المزمن Chronic inflammation، ويعدل مستويات الهرمونات التكاثرية كالتستوستيرون Testosterone والأستروجين Oestrogen والبروجستيرون Progesterone، فضلاً عن أنه يقلل من ردة الفعل الفيزيولوجية تجاه التوتر. وهذا الكبح ذو أثرٍ كبير على الصحة. فالالتهاب المزمن والتوتر يقتلان دون تمييز؛ لأنهما يزيدان خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان وداء السكري والأمراض العقلية، وغير ذلك من الأمراض.

والباحثان ديفيد رايتشلين David Raichlen، من جامعة جنوب كاليفورنيا University of South California، وجين أليكسندر Gene Alexander، من جامعة أريزونا University of Arizona، وغيرهما، يكشفان الكيفية التي تحافظ بها التمارين على أدمغتنا بصحةٍ جيدة. فالتمارين الهوائية تزيد تدفق الدم إلى الدماغ مطلقةً مركباتٍ تُحفِزُ على إنتاج خلايا دماغية جديدة وتحافظ على القديمة منها. فالجري وركوب الدراجة والمشي كلها تدفع الدماغ إلى تنسيق خليطٍ من الإشارات التي تتضمن التوازن ومعرفة الطريق والحركة، مما يحفظ على وعينا مصاناً. ومرةً أخرى، فإنّ هذا الأمر مهم عندما نتقدم في العمر، ذلك أنه يساعد على خفض خطر الخرف Dementia وباقي أشكال تدهور الوظائف المعرفية Cognititve.

«لا يتغير عدد السعرات الحرارية التي تصرفها يوميّاً إذا كنت نشيطاً، لكن تتغير الطريقة التي تصرفها بها»

وعلى عكس ما قد يتوقع المرء، فإن التمرين لا يزيد كمية الطاقة اليومية المصروفة بشكلٍ كبيرٍ. وتشير الدراسات في مختبري، التي أجريتها مع رايتشلين وآخرين، إلى أنّ جماعة الصيادين والجامعين الهادزا Hadza hunter-gatherers  في تنزانيا يستهلكون يوميّاً  كمية السعرات الحرارية نفسها التي يستهلكها الفرد في أمريكا وأوروبا، على الرغم من أنهم أكثر نشاطاً بمقدار 5 إلى 10 مرات. ولا يرجع ذلك إلى كون التمرين أقل استهلاكاً للطاقة عند جماعة الهادزا (وهو ما تحققنا منه). ولكن حقيقة الأمر هي أنّ أجسامهم تأقلمت مع نمط حياتهم المفعم بالنشاط الجسمي عن طريق تقليل الطاقة المصروفة على نشاطاتٍ أخرى، وهذا أدى إلى الحفاظ على مصروف السعرات الحرارية اليومي ثابتاً. ويبدو أن الأمر ذاته ينسحب على الناس في كل مكان: لا يتغير عدد السعرات الحرارية التي يصرفها جسمك يومياً إذا كنت نشيطاً، لكن الطريقة التي تصرفها بها تتغير.

قد يكون سماع هذا الأمر خبراً سيئاً بالنسبة إلى من يعتمد على التمرين لإنقاص الوزن، غير أنني أؤمن بأن هذا سيساعدنا على فهم سبب أهمية النشاط في عالمنا الحديث. وأقول إنّ عملية «إدارة الاستقلاب» Metabolic management هي التي تفسر التأثير المثبط للتمارين المنتظمة؛ لأنّ جسمنا يجد فائضاً من السعرات الحرارية تحت تصرفه في حياتنا التي تخلو من النشاط. ونتيجة لهذا الأمر، فإنّ النشاطات الفيزيولوجية كالالتهاب وردة الفعل الخاصة بالقتال أو الهرب Fight-or-Flight في حال الخطر، التي تكون عادةً قصيرة الأمد ومتقطعة، تصبح في حالة تفعيلٍ وثورانٍ دائم. وتُنتِج أجهزتنا التناسلية بشكلٍ مشابهٍ لما سبق كميةً كبيرةً من الهرمونات الجنسية – منتجةً ضعف ما نجده في جماعاتٍ بشريةٍ كجماعة الهادزا. إذ تساعد التمارين على تنظيم هذه الأمور وغيرها من النشاطات الشديدة. وعن طريق إجبار أجسامنا على الاقتصاد في استهلاك الطاقة، فإننا نعينها على الوقاية من الأمراض التي تصيبنا في هذا العالم المتطور.

غير أنّ الرياضة حالها حال كل الأشياء الجيدة، لها جانبٌ  سلبي. فالإفراط في ممارستها سيتسبب بتأثيراتٍ تثبيطيةٍ على وظائف أساسيةٍ. وهذا قد يشرح بدوره بعض النتائج المثيرة للانتباه والمستقاة من العديد من الدراسات الكبيرة، ومفادها أن معدلات الوفاة تكون أعلى لدى من يمارس التمارين بشكلٍ شديدٍ قليلاً مقارنةً بالأفراد الذي يتمرنون مرتين أسبوعيّاً. ونعلم كذلك أن التمارين الشديدة التي يمارسها نخبة الرياضيين قد تؤدي إلى متلازمة التمرين المفرط Overtraining syndrome، وهي خليط من المشكلات يتضمن نقص المناعة والخصوبة. وتتعطل فيها الكريات البيضاء، وتطول مدة نزلة البرد؛ هذا فضلاً عن انخفاض الرغبة الجنسية. وإضافة إلى ذلك كله تعاني النساء توقف الإباضة؛ أي إنه عند هذه المرحلة لا يكون التمرين مفيداً بل تبدأ أضراره بالظهور.

حسناً، إذاً، كم يجب علينا أن نتمرن كي نحصل على فوائد الرياضة دون أضرارها؟

إذا أردنا أن نجيب عن هذا السؤال؛ فقد يجدر بنا أن نسترشد بالجماعات البشرية التي مازالت تعتمد الجمع والالتقاط للحصول على الطعام، فالطريقة التي تتعامل بها أجسامنا مع التمرين تطورت لتواكب الاحتياجات الجسمية للصيد والجمع والالتقاط. في هذا الصدد، فإنه في جماعاتٍ كالهادزا، يمضي البالغون ما يربو على ساعتين يوميّاً من التمارين المتوسطة والشديدة، أي التمارين المجهدة أكثر من عملية التجوال الاعتيادية. ومعظم هذه التمارين تكون على هيئة مشيٍ شديد: كالتحرك بسرعةٍ في منطقةٍ ذات هضاب باحثين في المناطق الممتدة أمام أعينهم عن الطعام. ولكن هناك المزيد من النشاطات الأخرى. فالنساء مثلاً تمضي ساعةً أو أكثر يوميّاً وهن يحفرن في الأرض الصخرية للحصول على درنات Tuber النباتات البرية الغنية بالنشاء. والرجال يتسلقون الأشجار لقطع الأغصان بغرض العثور على بيوت النحل للحصول على العسل. وأما الأطفال؛ فيجُرّون الحطب ودلاء الماء الكبيرة إلى المخيم. وهناك تجمعاتٌ بشريةٌ من السكان الأصليين يؤدون أعمالاً مشابهة.

نادراً ما نصل في عالمنا المعاصر إلى مستوى الصيادين والجامعين

من المستبعد أن يخطُر ببالك أن تقايض حياتك الحالية بحياة الصيادين والجامعين. وسبب ذلك هو ببساطةٍ قدرتهم المحدودة على الحصول على الدواء مما يعني أن أبناءهم سيموتون جرّاء أمراض إنتانيةٍ حادةٍ يمكن علاجها؛ مما يقلل متوسط أعمارهم. ولكن، عند الحديث عن الحالات الصحية التي من المرجح أن تودي بحياة معظم الناس في العالم المتقدم، فإن الصيادين والجامعين سيكونون حينها مثالاً يُحتذى به في الصحة العامة. ففي هذه الحالة ستصل أعمار رجال ونساء هذه جماعات إلى 60 و 70 عاما دون أي علامةٍ على الإصابة بالمشكلات التي ننظر إليها على أنها من العلامات الحتمية التي يجلبها التقدم في السن. وسيمتلك هؤلاء أكثر القلوب صحةً على وجه الكوكب، ولن يعانوا داء السكري، وسيبقون أقوياء رشيقين عندما يتقدمون في العمر. فهؤلاء ببساطة يحصلون على جرعة التمارين اليومية التي طورها البشر لحاجتهم إليها، والفوائد الصحية التي يجنونها جليّة.

حتى إن الرياضيين الأقوياء قد يستفيدون من مقارنة كمية تمرينهم بمعايير الصيادين والجامعين. وصديقي دوم يطمح إلى الوصول إلى نمطٍ رياضيٍ مؤلفٍ من ساعتين يوميّاً من الجري، شبيهٍ بالنمط الخاص بجماعة الهادزا للحفاظ على قدرته في ركض الماراثونات الطويلة جدّاً. وإن بذل قدرا من التمرين أكثر من ذلك، فإنه يبدأ بالشعور بعلامات فرط التمرين تعتريه. غير أن جداول الرياضيين ذوي المستوى الأولمبي غالباً ما تكون ممتلئةً بساعاتٍ أطول من القدر المذكور بكثير: فالسباحون قد يتدربون لخمس أو ست ساعاتٍ يوميّاً خلال فترات التدريب المكثف. لكن، في ضوء كميةٍ كهذه من التدريبات، وفي خضم السباق المحموم بين الرياضيين للحصول على أكبر قدرٍ من التمرين، فإن بعضهم قد يميل إلى الإغراء بالأدوية المحسنة للأداء. فالستيرويدات Steroid وبعض الأدوية المشابهة تقلد الهرمونات التي يكبحها الجسم عندما يشتد التمرين. وهنا يتعاطى الرياضيون هذه الأدوية ليزيلوا آثار التمرين المفرط دافعين بذلك أنفسهم إلى ما وراء حدودهم التطورية.

بأقصى سرعةٍ ممكنة

أما بالنسبة إلى بقيتنا، الذين كبرنا كسالى قليلي الحركة في بيئتنا المتمحورة حول الرفاهية، فإن ساعتين من التمرين يوميّاً تبدو رقماً كبيراً. ولكن من يقدر على تحقيق هذا الرقم من النشاط سيجني فوائد كُبرى. ففي دراسةٍ على سُعاة البريد في غلاسكو بالمملكة المتحدة، وجدت أن من يمشي أكثر من 15,000 خطوة يوميّاً حاملاً البريد، وهو ما يعادل ساعتين من المشي السريع، ستكون صحته القلبية والاستقلابية Cardio-Metabolic health على قدم المساواة مع الصيادين والجامعين – وهذا الأمر يحدث في مدينةٍ هي الأدنى من ناحية العمر المتوقع في أرجاء البلاد. وليس هذا فقط، فقد تابعت دراسةٍ أكبر في الولايات المتحدة نحو 4,840 بالغاً لدراسة أثر التمارين في تخفيض خطر الوفاة خلال السنوات الخمس إلى الثماني المقبلة من عمر المشاركين في التجربة. وفي نهاية التجربة لم تكن النتيجة بالمُفاجِئة، فقد وجِد أن معدلات الوفاة عند النشطين أقل. وقد استطاعت 25 دقيقة يومياً من التمرين المتوسط والشديد تقليل الوفاة ضمن الإطار الزمني المذكور بنسبة 25% مقارنةً بالأقل نشاطاً. وظهر أنه كلما زاد التمرين، كانت النتائج أفضل. وكانت معدلات الوفاة عند البالغين الذين كانوا نشطين لـ 100 دقيقةٍ أو أكثر هي الأدنى: أقل بنسبة 80 % مقارنةً بمن يمضي يومه متسمراً أمام شاشة التلفاز.

وبالاعتماد على هذه الدراسات وغيرها نجد أن سقف التوصيات الصحية الحالي أدنى من المطلوب. في الولايات المتحدة يوصي مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها Center for Disease Control and Prevention بما لا يقل عن 25 دقيقة من التمارين المعتدلة إلى الشديدة كل يوم. (إلا أن ما يربو على 90% من الناس يفشلون في تحقيق هذا.) والـ 10,000 خطوة التي يصبو إلى تحقيقها محبو أجهزة عد الخطوات –التي اخترعها مُصَنِعٍ ياباني لعداد الخطوات كحيلةٍ تسويقيةٍ عام 1965- تعطينا كميةً من التمرين قد تُقارن بغيرها. والسبب في ذلك أنّ معظم هذه الخطوات لا يمكن أن يُحسب كنشاطٍ فيزيائيٍ متوسطٍ أو شديد (ألقِ نظرةً على فقرة «كم عدد الخطوات؟»). غير أن هذه الكمية من التمرين يمكن اعتبارها بدايةً جيدة –فحتى الخطوات التي لا تتطلب إلا قليلا من الجهد قد تدفع جسمك للحركة على الأقل-لكن علينا أن نضع أكثر من ذلك نصب أعيننا. فالفوائد تتراكم أكثر كلما ازداد التمرين، والجرعة المُثلى تبدو أقرب إلى مستوى جماعة الهادزا. وتكون كمية التمارين الأكبر مفيدةً على وجه الخصوص للذين يمضون أيامهم أمام الحاسوب. وقد وجدت دراسةٌ حديثةٌ شملت 150,000 بالغٍ أسترالي أن الأمر تطّلب ساعةٌ من التمارين الشديدة لعكس التأثيرات الصحية السيئة نتيجة الجلوس لساعاتٍ عدة خلال العمل.

ولكن، إذا كنت ترى أنّ خطة التمرين اليومية المكونة من 15,000 خطوة أو ساعتين من المشي السريع هدفٌ صعب المنال؛ فيجب ألا أن تقع ضحية الإحباط. فكميةٌ قليلةٌ من هذا الدواء أفضل من لا شيء. فقد توصلت الدراسات إلى خلاصةٍ مفادها أنه حتى القدر المتوسط من التمارين يأتي بنتائج صحيةٍ كبيرةٍ مقارنةً بالأشخاص البليدين. فمدة 30 دقيقةً من التمرين الإضافي ستؤتي أُكُلَهَا مع أقلنا حركةً، مُخَفِّضَةً بذلك معدل الوفيات إلى النصف، ومضيفةً سنوات حياةٍ ذات نوعيةٍ صحيةٍ عالية.

من وجهة نظرٍ تطورية، فإن معظمنا يمكنه أداء المزيد من التمارين. إنه حقاً لدواءٌ قوي، ويجب علينا ألا نخشى تجرّعه بأنفسنا. ليست هناك إلا جرعتان خطيرتان فقط، أولاهما «عدم وجود جرعة» والثانية «عندما تفقد الحياة بهجتها». لذا، إذا وجدت سبيلاً لكي تبقى نشيطاً وتُحفِز دارة المكافأة في دماغك، فإنك على الطريق الصحيح. وجرعة التمرين الأفضل هي التي تدفعك طالباً المزيد.

كم عدد الخطوات؟

إن الكمية المُثلى من التمرين التي يجب عليك ممارستها تعادل ما يربو على 15,000 خطوة تخطوها على شكل مشيٍ سريعٍ أو حتى أسرع من ذلك. أما الخطوات التي لا تصل لمستوى نشاطٍ «متوسط إلى شديد»؛ فستُحسَبُ على أنها أقل من ذلك. وهاك تقديراً تقريبيّاً لكيفية حساب عدد الخطوات.

الخطوات (نشاط متوسط إلى شديد)

50: صعود أربعة طوابق

150: الجري مسافة تعادل طول ملعب كرة قدم

1250: كيلومتر من المشي السريع

1500: المتوسط التقريبي لما يقطعه البالغ في أمريكا أو المملكة المتحدة

3000: القدر الأقل الموص به في الولايات المتحدة

3000: المكافئ التقديري لـ 10,000 خطوة يحسبها جهاز عد الخطوات

7500: ساعة من الجري، الرقص أو ركوب الدراجة

15,000: الجولة اليومية التي يقطعها ساعي البريد في غلاسكو

19,000: الهدف الأسبوعي الموص به في المملكة المتحدة للبالغين

200,000+: الماراثونات الطويلة جدّاً

New Scientist

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى