أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

السجائر الإلكترونية تثير تساؤلات حول مخاطرها الصحية طويلة الأمد

أبحاث أجريت على البشر والحيوانات تستكشف الأضرار المزمنة المحتملة في القلب والرئتين

بقلم: جنيفير كوزان-فرانكل

ترجمة: صفاء كنج

نُشرت في الآونة الأخيرة تقارير إخبارية عن إصابات في الرئة ناتجة من السجائر الإلكترونية، لكن هذه الأجهزة التي تتيح أخذ أنفاس من النيكوتين تثير قلقًا أقل صخباً: ما إذا كان المستخدمون معرضون لتأثيرات صحية طويلة المدى ربما لا تظهر لديهم إلا بعد عقود. بدأت الأبحاث على الحيوانات والبشر حالياً تتقصى عما إذا كانت السجائر الإلكترونية تعرض الرئتين والقلب والشرايين لمخاطر مزمنة، والكيفية التي قد تؤدي بها المواد الكيميائية التي تحويها إلى تعطيل العمليات البيولوجية الصحية في الجسم.

السجائر الإلكترونية هي أجهزة تعمل بالبطاريات تحتوي على مادة النيكوتين ومواد أخرى، مثل المذيبات التي تذيب النيكوتين والنكهات التي تحسِّن مذاقه وجاذبيته؛ وبتأثير الحرارة يتحول المزيج إلى رذاذ يستنشقه المستخدمون. يروج المصنعون للسجائر الإلكترونية بصفتها أدوات تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين، على الرغم من أن البيانات بهذا الصدد ما زالت غير جازمة. ولكن هناك أمراً واحدًا واضحًا وهو أن ملايين الشباب الذين لم يكونوا يدخنون السجائر التقليدية باتوا الآن يدخنون السجائر الإلكترونية. وبالنظر إلى أن السجائر الإلكترونية تختلف أكثر في تركيبتها الكيميائية عن السجائر التقليدية، يقول جيمس شتين James Stein، وهو اختصاصي طب الوقاية من أمراض القلب في جامعة ويسكونسن University of Wisconsin بماديسون: “نحن نطلب إلى العلوم الطبية أداء مهمة ضخمة وثقيلة” لتحديد تأثيراتها الصحية في الأفراد. .

يعتقد شتين وآخرون أنه ليس لديهم من خيار سوى المحاولة. في شهر نوفمبر 2019، أعطى المعهد الوطني للقلب والرئة والدم National Heart, Lung, and Blood Institute  دفعة قوية للأبحاث المتصلة بالتاثيرات الحادة والمزمنة عندما أعلن عن تخصيص أموال إضافية للأبحاث الجارية على السجائر الإلكترونية، التي خصص لها المعهد 23 مليون دولار عام 2019.

كانت السجائر الإلكترونية متوفرة في شكل من الأشكال منذ عقود ولكن شعبيتها بدأت في الصعود منذ نحو خمس سنوات وذلك بفضل الآلاف من خيارات النكهة والطرق الجديدة لاستخدامها التي تحاكي من كثب طريقة التدخين التقليدية. هناك حالياً نحو 13 مليون شخص في الولايات المتحدة يستخدمونها، وكذلك ملايين آخرون حول العالم. في شهر مارس (2019)، برز أحد المخاطر عندما بدأت تظهر إصابات الرئة الحادة، وقارب عدد الحالات الأمريكية المسجلة 2300 حالة، مع 47 حالة وفاة. يقول بيتر شيلدز Peter Shields، طبيب الأورام المتخصص في سرطان الرئة بمركز جامعة أوهايو الشامل للسرطانOhio State University’s Comprehensive Cancer Centre  في كولومبوس: “لقد فوجئنا جميعًا” بهذه الإصابات في الرئة. إنها لا تشبه في شيء ما شُخص لدى مدخني السجائر التقليدية. ويشتبه المسؤولون الصحيون حالياً في أن الإصابات مرتبطة بزيت غني بالفيتامين “هـ” Vitamin E الذي يضاف إلى السجائر الإلكترونية التي تحتوي على رباعي الهيدرو كنابينول Tetrahydrocannabinol (اختصاراً: المركب (THC.

 والتجارب التي أجريت على حيوانات المختبر تقدم بالفعل أدلة حول الآثار طويلة الأمد لاستخدام السجائر الإلكترونية. في سبتمبر 2019، وصفت ورقة بحثية في مجلة التحقيقات الإكلينيكية The Journal of Clinical Investigation فئراناً عُرضت للسجائر الإلكترونية لمدة أربعة أشهر، أي نحو ربع فترة حياتها. تقول فرح خيرادماند Farrah Kheradmand، اختصاصية أمراض الرئة في كلية بايلور للطب Baylor College of Medicine في هيوستن بتكساس، التي قادت الأبحاث إنه في البداية “لم يكن هناك على الإطلاق انتفاخ في الرئة Emphysema، لا شيء” لدى الحيوانات التي استنشقت رذاذ السجائر الإلكترونية. جاءت هذه النتيجة منسجمة مع أبحاث سابقة أُظهرت أن منتجات الاحتراق هي سبب التهاب الشعب الهوائية لدى المدخنين.

بعد ذلك عرض ماثيو ماديسونMatthew Madison ، طالب الدراسات العليا لدى خيرادماند، عليها شرائح من أنسجة رئة الحيوانات. ففوجئت وأعادت النظر في الأمر. كانت الخلايا المناعية المسماة الماكروفاجات (الخلايا البلعمية) Macrophages منتفخة بالدهون، وهي حالة شاذة. خمنت خيرادماند في البداية أن الخلايا التهمت الغليسرين النباتي المستخدم كمذيب للسوائل المستخدمة في السجائر الإلكترونية. ولكن عندما فتح العلماء خلايا الماكروفاجات، وجدوا أنهم مخطئون. تقول خيرادماند: “لم يغمض لي جفن … من أين تأتي هذه الدهون؟”.

وكشفت تجارب أخرى عن تفسير محتمل. تحمي الماكروفاجات الجسم من العدوى Infection، لكنها تساعد أيضًا على إعادة تدوير المادة الخافضة لتوتر السطح الرئوي Lung surfactant، وهو مزيج من البروتينات والدهون التي تغلف الأجزاء الداخلية من أكياس الهواء في الرئة وتساعد على تبادل الغازات. تقول خيرادماند إن الغليسرين النباتي ومذيبا آخر في السجائر الإلكترونية هو البروبيلين غليكول Propylene glycol، “قادران ليس فقط على إذابة النيكوتين، وإنما إذابة أي شيء يصادفانه في طريقهما – بما في ذلك الفاعل بالسطح الرئوي”، وتشير أبحاثها إلى أن الماكروفاجات كانت ممتلئة بنوع الدهون الموجود في المادة الخافضة لتوتر السطح الرئوي. بدت الفئران المصابة بصحة جيدة ولكن عندما عرّضتها خيرادماند لفيروس إنفلونزا نفقت تلك التي كانت خلايا الماكروفاجات لديها متورمة، الأمر الذي يشير إلى ضعف قدرتها على مكافحة العدوى.

وما يمثل مصدراً آخر للقلق بصورة محيِّرة هو ما إذا كان يمكن لاستنشاق الرذاذ من السيجارة الإلكترونية أن يؤدي، مثل التدخين، إلى الإصابة بالسرطان. يعتقد العلماء أن السجائر الإلكترونية قد تحوي مواد أقل تسبباً بالسرطان من التبغ، ولكن في شهر أكتوبر 2019، أفاد فريق من كلية الطب بجامعة نيويورك New York University School of Medicine في مدينة نيويورك في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences أن فئراناً عُرضت للسجائر الإلكترونية طوال 54 أسبوعاً كانت أكثر عرضة لخطر الإصابة بسرطان الرئة، وأظهرت تغيرات في خلايا المثانة تنذر بظهور السرطان في تلك المنطقة.

لا أحد يعرف ما إذا كانت النتائج التي ظهرت على الفئران قد تظهر لدى البشر. لكنها تكشف عن “بعض الأمور التي يتعين علينا أن نتقصاها”، كما يقول توماس أيزنبرغ Thomas Eissenberg، وهو عالم نفساني يشارك في إدارة مركز دراسة منتجات التبغ Centre for the Study of Tobacco Products بجامعة فرجينيا كومنولث Virginia Commonwealth University في ريتشموند ويعمل محاميا يتلقى أتعاباً نظير التقاضي ضد شركات تصنيع التبغ والسجائر الإلكترونية.

وأيزنبرغ ممن يدفعون نحو إجراء مزيد من الأبحاث على البشر، كما تقدم بطلب للحصول على تمويل للعمل مع زملاء سيدرسون القصبات الهوائية باستخدام المناظير لمدخني السجائر الإلكترونية الأصحاء ومتابعتهم صحياً.

ويقول إنه، على سبيل المثال، على خلاف الجلد أو القناة الهضمية المتكيفين على مواجهة الهجمات الخارجية “فلا يوجد لدى الرئتين آلية دفاع قوية”. ويضيف قائلا إنه “بمجرد دخول أشياء إلى الرئتين، يمكنها أن تسبب الكثير من المشكلات”. ويريد أيزنبرغ البحث عن الميكروفاجات الممتلئة بالدهون التي شاهدتها خيرادماند في حيوانات المختبر. ويضيف: “أنا قلق بشأن الحلق والمجرى الهوائي العلوي”. قد يؤدي الغليسرين النباتي والبروبيلين غليكول إلى جفاف الأنسجة، وتُستنشق هاتان المادتان عبر “أغشية تحاول البقاء رطبة … أتساءل عما قد تكون عليه الآثار طويلة الأمد لهذا الجفاف”.

شيلدز من الباحثين القلائل الذين تحروا بالفعل تأثير السجائر الإلكترونية في الرئة البشرية. في أكتوبر 2019، نشرت مجموعته ورقة بحثية في مجلة أبحاث الوقاية من السرطان Cancer Prevention Research قارنت بين 15 متطوعًا أصحاء استخدموا السجائر الإلكترونية بدون النيكوتين لمدة أربعة أسابيع بـ 15 شخصًا لم يدخنوا السجائر أو يستنشقوا السجائر الإلكترونية على الإطلاق. (أجرى الدراسة البحثية قبل بروز مخاوف بشأن إصابات الرئة الحادة) أظهر تنظير القصبات لدى المتطوعين مستنشقي أبخرة السجائر الإلكترونية علامات الحد الأدنى لالتهاب أنسجة الرئة وسائل الرئة ولكنها علامات قابلة للقياس. وهو يعمل الآن على استقطاب أكثر من 145 شخصًا لتجربة أكبر تشمل مدخنين ينتقلون إلى السجائر الإلكترونية، وكذلك مستخدمي السجائر الإلكترونية منذ مدة طويلة. تتعلق الدراسة بالبحث عن علامات الالتهاب؛ وأنماط التعبير الجيني؛ وتوازن البكتيريا في الرئتين والفم والحلق؛ وغيرها من العلامات الدالة على صحة الرئة والمرض. يقول شيلدز: “ليس لدي أي فكرة عما سنراه”.

ونظراً لأن تدخين السجائر يسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، يتساءل الباحثون عما إذا كان لاستنشاق بخار السجائر الإلكترونية تأثيرات مماثلة. وجدت دراسة نُشرت في نوفمبر 2019 في مجلة الكلية الأمريكية لأمراض القلب American College of Cardiology بعض التحسن في صحة القلب لدى 74 مدخنًا تحولوا إلى السجائر الإلكترونية. لكن كلتا العادتين تدخلان إلى الرئة مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية التي تُمتص عبر بطانة الرئتين. وما زالت هناك مخاوف بشأن غير المدخنين الذين بدؤوا يستنشقون أبخرة السجائر الإلكترونية، وكذلك المدخنين الذين يحاولون الانتقال إلى السجائر الإلكترونية للتخلي عن عادتهم، ولكن ما يحدث هو أنهم في نهاية المطاف يحصلون على النيكوتين بشكليه.

يعمل شتين حالياً على استقطاب 440 متطوعًا، وجميعهم إما يستخدمون السجائر الإلكترونية حصريًا، أو يدخنون السجائر التقليدية والإلكترونية، أو لا يستخدمون أياً منها. ويجمع فريقه القياسات الفسيولوجية قبل وبعد استنشاق الرذاذ أو التدخين، بما في ذلك معدل ضربات القلب وضغط الدم وسُمك الشرايين ومدى تصلبها، والوظيفة الهوائية Aerobic function، أي كل ما يتعلق باستخدام الجسم للأكسجين، أثناء الركض على جهاز الجري. سيجمع الباحثون أيضًا بيانات عن السجائر الإلكترونية بحد ذاتها، لمعرفة ما إذا كانت المنتجات المختلفة تختلف في تأثيراتها الصحية.

مرت عقود طويلة قبل أن يكشف العلم بوضوح المخاطر طويلة الأمد للسجائر على صحة الإنسان. ويأمل شتين وآخرون أن يتحقق ذلك في وقت زمني أقصر بكثير بالنسبة إلى السجائر الإلكترونية. لكنه يكتفي حالياً بالقول: “ليس لدينا أي فكرة عما هو الضرر”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى