خلط اللقاحات قد يؤدي استجابة مناعية أفضل
النتائج المستخلصة من الدراسات الخلط بين اللقاحات تدابير تدعم الاستفادة من كافة الموارد المتاحة وتجنب الآثار الجانبية
بقلم: غريتشن فوغل
ترجمة: مي بورسلي
في مواجهة نقص الإمدادات من لقاحات كوفيد-19 (COVID-19) والآثار الجانبية غير المتوقعة، تبنت بعض البلدان استراتيجية غير مثبتة: المزج بين اللقاحات بسبب نقص اللقاحات. إذ تتطلب معظم اللقاحات المصرح بها جرعتين تفصلها أسابيع أو أشهر، لكن كندا والعديد من الدول الأوروبية توصي الآن بالتطعيم بلقاح مختلف للجرعة الثانية لبعض المرضى. وتشير البيانات المبكرة إلى أن الطريقة، وليدة الضرورة، قد تكون مفيدة حقاً.
في ثلاث دراسات حديثة، وجد الباحثون أن اتباع جرعة واحدة من اللقاح الذي تصنعه أسترازينيكا AstraZeneca بجرعة من لقاح فايزر-بيونتيك Pfizer- BioNTech يحفّز استجابات مناعية أقوى، كما ظهرت خلال اختبارات الدم. وتشير دراستان إلى أن الاستجابة الناتجة من خلط القاحات ستكون على الأقل وقائية بنفس مستوى جرعتين من لقاح فايزر-بيونتيك، أحد أكثر اللقاحات فاعلية ضد كوفيد-19.
وقد اختبر عدد قليل فقط من التنويعات المختلفة من التطعيمات. ولكن إذا ثبت أن خلطها سيكون آمناً وفعالاً، فقد يؤدي ذلك إلى تسريع الجهود المبذولة لحماية بلايين البشر. ويقول كريستوبال بيلدا إنييستا Cristóbal Belda- Iniesta، الاختصاصي بالأبحاث الإكلينيكية (السريرية) من معهد كارلوس الثالث الصحي Carlos III Health Institute: “هذا الاحتمال يفتح آفاقًا جديدة للعديد من البلدان”. ويمكن للحكومات، على سبيل المثال، أن توزع على الفور جرعات جديدة دون أن تقلق من توفير جرعات ثانية من اللقاح نفسه بعد أسابيع أو أشهر.
لدى أوروبا وكندا حافز إضافي. فقد تلقى ملايين الأشخاص هناك جرعة أولية من لقاح أسترازينيكا قبل أن توصي الحكومات بعدم إعطائها للفئات العمرية الأصغر بسبب خطر الإصابة باضطراب تخثر نادر؛ مما تركهم في حيرة حول ما يجب فعله بعد ذلك: إعطاء جرعة ثانية أو أخذ لقاح مختلف؟
وفي دراسة إسبانية ساعد بيلدا إنييستا على قيادتها، تلقى 448 شخصًا جرعة من لقاح فايزر-بيونتيك بعد ثمانية أسابيع من جرعة أولى من أسترازينيكا، تبين أن لديهم استجابة قوية من الأجسام المضادة بعد أسبوعين من الجرعة الثانية، ولم تظهر عليهم سوى آثار جانبية قليلة. وفي شهر مايو أفاد هو وزملاؤه على موقع ذا لانسيت The Lancet للطباعة المسبقة للأوراق البحثية أن جميع عينات الدم الـ 129 التي خضعت للاختبار لم تعرض أي ارتفاع في كمية البروتين الشوكي للفيروس التاجي Coronavirus الذي هو المفتاح البروتيني السطحي لسارس-كوف-2 (SARS-CoV-2) لإصابة الخلايا بالعدوى.
وبالمثل، وجد ليف إريك ساندر Leif Erik Sander، الخبير بالأمراض المعدية من مستشفى جامعة شاريتيه Charité University Hospital في برلين، وزملاؤه أن 61 من العاملين في مجال الرعاية الصحية تلقوا اللقاحين بالترتيب نفسه، ولكنه تفصل بينهما مدة 10 إلى 12 أسبوعًا، أنتجوا أجسامًا مضادة مرتفعة بمستويات مماثلة للمجموعة المقارنة (التحكم) Control group التي تلقت جرعتين من فايزر-بيونتيك خلال فترة ثلاثة أسابيع القياسية، ولم تظهر ارتفاعا في الآثار الجانبية. والأكثر تشجيعًا هو أن الخلايا التائية T-cells لديها، والتي يمكن أن تعزز استجابة الجسم المضاد وتساعد أيضًا على تخليص الجسم من الخلايا المصابة بالفعل، استجابت استجابة أفضل قليلاً مقارنة بمن تلقى جرعتين من فايزر-بيونتيك. كما توصَّل فريق أجرى دراسة أصغر في أولم بألمانيا إلى نتائج مماثلة. وكلتا المجموعتين نشرت مسودتي الدراستين على موقع ميد أركايف medRxiv.
يقول دان باروش Dan Barouch من مركز بيث دياكونيس الطبي Beth Israel Deaconess Medical Center، والذي ساعد على تطوير لقاح كوفيد-19 – بجرعة واحدة فقط – الذي صنعته شركة جونسون أند جونسون Johnson & Johnson: “قد يكون لقاحان مختلفان أقوى من أي لقاح بمفرده”. ويستخدم هذا اللقاح ولقاح أسترزينيكا ذو الجرعتين فيروسًا غديًا غير متكاثر Nonreplicating adenovirus باعتباره “ناقلًا” Vector لإدخال رموز الحمض النووي DNA للبروتين الشوكي Spike protein للفيروس سارس-كوف-2 في خلايا المتلقي. وتستخدم اللقاحات من شركة فايزر-بيونتيك وموديرنا Moderna بدلاً من ذلك الحمض الريبوزي المرسال Messenger RNA (اختصارا: الحمض mRNA) للبروتين الشوكي، والذي تمتصه الخلايا وتستخدمه لصنع البروتين.
قد يمنح خلط نوعين من اللقاحات الجهاز المناعي طرقًا متعددة للتعرف على العامل المُمْرض Pathogen. ويقول ساندر: “لقاحات الحمض mRNA جيدة حقًا في إحداث استجابات للأجسام المضادة، واللقاحات القائمة على النواقل هي أفضل في استثارة استجابات الخلايا التائية”. ويتفق ماثيو سناب Matthew Snape، الخبير باللقاحات من جامعة أكسفورد University of Oxford، على أن نتائج خلط التطعيمات واعدة حتى الآن، لكنه يحذر من أننا لسنا متأكدين بعد ما إذا كان أي تحسن في استجابة الخلايا التائية ناتجًا من فترات أطول للجرعة بدلاً من الخلط.
والدراسات الحديثة غير مكتملة لأنها غير مصممة لتقييم الحماية الفعلية من كوفيد-19. وسيتطلب هذا متابعة مجموعات كبيرة تتلقى خليط لقاحات مختلفة لمعرفة من يصاب بالعدوى والمرض على مدى عدة أشهر. يُعتقد أن قياس الأجسام المضادة والخلايا التائية التي تقوم عليها الدراسات تتوافق مع الحماية الواقعية، لكن الدراسات لا تزال جارية لتحديد مدى موثوقية هذه الارتباطات بالضبط.
ومع ذلك، فإن النتائج تدعم التغييرات الأخيرة في السياسة. وسمحت إسبانيا بخلط لقاحين للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 60 عامًا. كذلك نجد أن دولًا أخرى فرضت حدودًا عمرية لمتلقي لقاح أسترازينيكا، بما في ذلك كندا وألمانيا وفرنسا والنرويج والدنمارك، قد وضعت توصيات مماثلة.
كما يدرس سناب وزملاؤه ثماني تنويعات للقاحات على يقرب من 100 شخص: جرعة أولى من لقاح أسترازينيكا أو لقاح فايزر-بيونتيك. تليها جرعة من اللقاح الآخر أو من نفسه، بفواصل زمنية من 4 أو 12 أسبوعًا. ففي شهر مايو، ذكرت المجموعة في مجلة ذا لانسيت The Lancet أن الأشخاص الذين تلقوا لقاح الحمض mRNA بعد أربعة أسابيع فقط من تلقي لقاح أسترازينيكا عانوا آثارًا جانبية أكثر بكثير من أولئك الذين تلقوا جرعتين من اللقاح نفسه. ولم تُنشَر بعد البيانات المتعلقة بالاستجابة المناعية لهؤلاء الأشخاص. وقد توسع البرنامج ليشمل جرعة ثانية من لقاح الحمض mRNA من شركة موديرنا أو لقاح البروتين الشوكي مباشرة من نوفافاكس Novavax.
يقول سناب إن البحث يجب أن يشمل أيضًا اللقاحات المستخدمة على نطاق واسع خارج أوروبا، مثل تلك التي تعتمد على النسخ المعطلة من الفيروس سارس-كوف-2، والتي طورتها الشركات الصينية، والصيغة الروسية التي تستخدم فيروسات غدية مختلفة في كل من الجرعتين. ويخلص سناب إلى أن الخلط بين الجرعات: “سيكون واقعًا للعديد من البلدان حول العالم بهدف تحقيق أقصى استفادة من اللقاحات المتاحة لهم”.
©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved