أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

أوروبا تختار أهدافًا لبعثات فضائية كبيرة في العقود المقبلة

الأقمار الجليدية والكواكب النجمية والكون المبكر من ضمن موضوعات بعثات فوياج 2050 التي تبلغ تكلفتها بليون يورو

بقلم:    دانييل كليري

ترجمة: مي بورسلي

تتطلب بعثات الفضاء  Space missionsالكبيرة الصبر والتخطيط الطويل. وكلها تبدأ بهدف مُحدَّد مسبقا. فقد اتخذت وكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency( اختصارا: الوكالة إيسا ESA) الخطوة الأولى هذه في الأسبوع الثاني من يونيو 2021 عندما كشفت عن الموضوعات العلمية التي ترغب في دراستها من خلال بعثات تبلغ تكلفتها بليون يورو والمقرر إطلاقها بين عامي 2035 و2050. وهي تشمل إلقاء نظرة فاحصة على الأقمار حول المشتري Jupiter وزحل Saturn ودراسة محيطاتها، وكذلك دراسة الغلاف الجوي للكواكب النجمية Exoplanets المعتدلة، واستخدام أدوات جديدة لدراسة تشكّل النجوم Stars والمجرات Galaxies والثقوب السوداء Blackholes الأولى في الكون.

وهذه الاختيارات تعكس المجالات التي يرجح أن تحقق ” إنجازات علمية خلال هذا النطاق الزمني”، كما تقول ليندا تاكوني Linda Tacconi من معهد ماكس بلانك لفيزياء أجرام خارج الأرض Max Planck Institute for Extraterrestrial Physics، التي ترأست لجنة الاختيار.

هذا، وتُحدث الوكالة إيسا قائمة بعثاتها العلمية كل عقد أو نحو ذلك. ويشتمل البرنامج الحالي، المسمى كوزمك فيجن (رؤية كونية) Cosmic Vision، على ثلاث بعثات رئيسية من المقرر إطلاقها بحلول عام 2034: مركبة فضائية لدراسة أقمار المشتري الجليدية Jupiter’s Icy Moons، وتلسكوب الأشعة السينية X-ray telescope، وكاشف موجات الجاذبية Gravitational wave detector.

وفي عام 2019 انطلقت المنافسة على الجولة التالية، والمسماة فوياج 2050 (Voyage 2050)، بما يقرب من 100 بعثة أو موضوع مقترح من فرق الباحثين (Science, 25 October 2019, p. 410). واختير العشرات من الباحثين للمشاركة في لجان لتصفية الاقتراحات إلى ثلاث فئات، والتي وافقت عليها لجنة برنامج العلوم Science Programme Committee التابعة للوكالة إيسا في الأسبوع الثاني من يونيو 2021. فعلى الرغم من أن الموضوعات لا تحدد بعثات معينة، إلا أن البعض يشير بوضوح إلى المفاهيم التي عمل عليها الباحثون لسنوات.

الفئة الأولى، تدعو إلى البحث عن الحياة في المجموعة الشمسية بزيارة أحد أقمار كوكب المشتري أو زحل التي يُعتقد أن قشرتها المتجدة تُخفي محيطات مائية مخبّأة، بما في ذلك يوروبا Europa وإنسيلادوس Enceladus وتيتان Titan وغانيميد Ganymede. وتقول أثينا كوستينيس Athena Coustenis من مرصد باريس Paris Observatory في ميدون، إن مثل هذه المحيطات، الدافئة والغنية بالمعادن الضرورية للحياة، ” قد تقدم أدلة مهمة على ظهور الحياة على الأرض”. لدى كل من الوكالة ناسا NASA والوكالة إيسا بعثات قادمة مُخطّط لها للاقتراب من بعض هذه الأقمار، لكن الوكالة إيسا ترغب في الاقتراب الأكثر باستخدام مركبة هبوط أو درون (طائرة من دون طيار). وتقول كوستينيس إن تطوير التكنولوجيا المطلوية يجب أن يبدأ الآن. وتتابع قائلة: “اليوم، لا نعرف كيف نهبط ونحفر في تلك المحيطات، ولا كيف نحمي مركبات الهبوط من الإشعاع، ولا كيف نتواصل معها”.

أما الفئة الثانية؛ فتدعو إلى إطلاق مسابير Probes جديدة لدراسة الكون المبكر. وأحد الاحتمالات هو البعثة التي ستبنى على  بعثة الوكالة إيسا بلانك Planck، التي رسمت خريطة الإشعاع الميكروي Microwave radiation المتبقي من الانفجار الكبير (العظيم) Big bang لمعرفة المزيد عن توسع الكون وكيف عملت الكتل الأولية من المادة على تشكّل المجرات. ويمكن للتقدم في مطياف الميكروويف Microwave spectrograph أن يسمح للمهمة باختبار النموذج القياسي للكوزمولوجيا Standard model of cosmology والبحث عن دليل على وجود ثقوب سوداء بدئية Primordial black holes أو جسيمات المادة المعتمة Dark matter المقترحة مثل الأكسيونات Axions.

الخيار الآخر للفئة الثانية هو إطلاق خليفة لمقياس التداخل الليزري الهوائي الفضائي  Laser Interferometer Space Antenna (اختصارا: المقياس LISA)، وهو أسطول من ثلاث مركبات فضائية تطير في تشكيل مُحدّد، من المقرر إطلاقه في عام 2034. ويهدف المقياس LISA إلى اكتشاف موجات الجاذبية ذات الأطوال الموجية الطويلة، مثل تلك الناتجة من اندماج الثقوب السوداء الضخمة — أحداث لا تستطيع أجهزة الكشف على الأرض رصدها. إذ يمكن لبعثة جديدة أن تسبر أطوال موجية أطول، وتكشف عن كيفية تشكل نوى المجرات فائقة السطوع للكوازارات Quasars في الكون البعيد، وما إذا كانت الثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات تنمو بابتلاع النجوم والغازات أو بالاندماج في عمالقة أخرى.

أما الفئة الثالثة؛ فتدعو إلى دراسة النجوم أو الكواكب في مجرة درب التبانة. فإذا قررت الوكالة إيسا دراسة الكواكب النجمية، فسيتمثل أحد الخيارات بفحص وهج الأشعة تحت الحمراء المتوسطة من الكواكب النجمية المعتدلة بحثًا عن غازات الغلاف الجوي التي يمكن أن تحمل بصمات الحياة. وأحد المفاهيم المتجادل حولها هو مقياس التداخل الكبير للكواكب النجمية Large Interferometer for Exoplanets (اختصارا: المقياس LIFE)، وهو أسطول من أربعة تلسكوبات تدور في مدارات وتسلط ضوءها على مركبة خامسة ليس فقط لزيادة وضوح الرؤية، ولكن أيضًا لإلغاء وهج النجم، بهدف الكشف عن الأشعة تحت الحمراء الباهتة المتوهجة من الكواكب المحيطة. ويقول ساشا كانز Sascha Quanz من الجامعة ETH Zuric، الذي يرأس فريق المقياس LIFE: “هذا ما نحتاج إليه حقًا لفهم الكواكب النجمية”. وتقول تاكوني إن موضوع الكواكب النجمية كان “مقنعًا جداً” ، لكنه يقر بأن هناك الكثير من الشكوك التي تدور حول مثل هذه البعثة المكلفة، بما في ذلك ما إذا كان هناك ما يكفي من الكواكب النجمية، التي يمكن الوصول إليها ضمن نطاق مثل هذه البعثة، للحصول على عينة جيدة.

وإذا اختارت الوكالة إيسا نجوم مجرة درب التبانة بدلاً من ذلك، فقد يكون أحد الخيارات هو البناء على اكتشافات التلسكوب غايا Gaia التابع للوكالة، والذي يرسم خريطة مواقع بليوني نجم وحركتها لفهم كيفية تطور مجرة درب التبانة، بحيث تنكب البعثة الجديدة على رصد ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة، لرسم خرائط خمسة أضعاف عدد النجوم وبدقة تبلغ عشرة أضعاف. ويقول ديفيد هوبس David Hobbs من جامعة لوند Lund University، الذي يرغب في استخدام النجوم كمتعقبات Tracers لهالة من المادة المعتمة غير المرئية التي تساعد على تماسك المجرة: “إنها تخبرك بكيفية تحرك المجرة”.

كما تخطط الوكالة إيسا لبناء بعثة لدراسة قمر بمحيط أولاً، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه بعد إطلاق المركبة مستكشف أقمار المشتري الجليدية  Jupiter Icy Moons Explorer في عام 2022، سيتوفر للفِرق البحثية ذات الخبرة والمَعْنِية بمثل هذه الدراسات الوقتُ اللازمُ للعمل في بعثة جديدة. إذ يقول فابيو فافاتا Fabio Favata، رئيس الاستراتيجية والتخطيط والتنسيق في الوكالة إيسا، إنه في نهاية 2021 ستشكل الوكالة لجنة من الخبراء لاختيار القمر المستهدف وتحديد ما هو ممكن تقنيًا ضمن النطاق الزمني والتكلفة المُخصصة للبعثات. وسيتبع ذلك دراسات جدوى Feasibility studies من المقاولين، وبعد ما قد يصل إلى خمس سنوات من الدراسة، ستدعى الفرق إلى اقتراح بعثات لهذه الفترة الزمنية. وبعد عام أو عامين، ستبدأ العملية مرة أخرى للاختيار الموضوع التالي. ويقول فافاتا إن بناء مثل هذه البعثات يعني “إيجاد حل وسط بين الطموح والقيود المالية والزمنية… يستغرق الأمر سنوات من العمل حتى تتقارب الخطط والأفكار أخيرًا”.

 

©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى