أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بيولوجيا

التنبؤ ببنية البروتين صار أسهل وأسرع

نهج ذكاء الاصطناعي متاح لجميع علماء البيولوجيا البنيوية والباحثين في اكتشاف الأدوية

بقلم:    إليزابيث بينيسي

ترجمة: مي بورسلي

البروتينات هي “مينيونات” (مثل الفيلم الكارتوني) الحياة، تعمل بمفردها أو معًا لبناء الخلايا وإدارتها وتزويدها بالوقود وحمايتها وتدميرها في النهاية. لتعمل، هذه السلاسل الطويلة من الأحماض الأمينية تلتف وتطوى وتتشابك في أشكال معقدة يمكن أن تكون بطيئة، بل مستحيلة، للتفكيك. فقد كان العلماء يحلمون ببساطة بالتنبؤ بشكل البروتين من تسلسل الأحماض الأمينية – وهي قدرة تفتح عالمًا من الرؤى حول طريقة عمل الحياة. فهذه المشكلة قائمة منذ 50 عامًا؛ يقول جون مولت John Moult، الاختصاصي بالبيولوجيا البنيوية من جامعة ميريلاند University of Maryland،Shady Grove: “الكثير من العلماء بذلوا جهدا لفهمها”… لكن الحل العملي صار أخيرا في متناول أيديهم.

قبل عدة أشهر، في نتيجة بحثية لاقت ترحيبا وامتدحت بأنها نقطة تحول، أظهر اختصاصيو البيولوجيا الحسابية أنه يمكن للذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (اختصارا: الذكاء الاصطناعي AI) التنبؤ بدقة بأشكال البروتين. وحالياً، تمكن ديفيد بيكر David Baker ومينكيونغ بايك Minkyung Baek من جامعة واشنطن بسياتل وزملاؤهما من جعل آلية التنبؤ بالهيكل القائم على الذكاء الاصطناعي AI أكثر رسوخا وصارت متاحة للباحثين. ومنهجهم، الموصوف على النسخة الإلكترونية من مجلة ساينس Science، لا تعمل فقط على البروتينات البسيطة، ولكن أيضًا على البروتينات المعقدة وقد أتاح مطورُها الكودَ الحاسوبيَّ Computer code مجانًا  للراغبين في استخدامه.

منذ أن نُشرت هذه الطريقة على الإنترنت، فقد استخدمها الفريق لنمذجة أكثر من 4500 تسلسل بروتيني مقدمة من باحثين آخرين. وحاول سافاس سافيديس Savvas Savvides، الاختصاصي بالبيولوجيا البنيوية من جامعة غينت Ghent، ست مرات أن يصمم بروتينًا مستعصيا. ويقول إن النمذجة بيكر وبايك، المسماة روز تي تي أي فولد RoseTTAFold، قد “مهّدت الطريق إلى حل شكل البنية”.

ففي خريف عام 2020 أبهرت شركة ديب مايند DeepMind، وهي شركة ذكاء اصطناعي AI مقرها المملكة المتحدة وتمتلكها شركة غوغل Google، المجال بتنبؤاتها البنيوية في مسابقة كل سنتين (Science, 4 December 2020, p. 1144). ويطلق على المسابقة اسم التقييم النقدي لتوقع بنية البروتين Critical Assessment of Protein Structure Prediction (اختصارا: المسابقة CASP)، وتستخدم المسابقة بنيات تحددت حديثًا بإجراءات مختبرية شاقة باستخدام تقنيات من مثل علم البلورات بالأشعة السينية Crystallography كمعايير. غير أن برنامج شركة ديب مايند، ألفا فولد 2 (AlphaFold2)، حقق “أمورا مدهشة حقًا، فقد توقع  بنية البروتين بدقة على المستوى الذري”، كما يقول مولت الذي ينظم المسابقة CASP.

لكن بالنسبة إلى العديد من اختصاصيي البيولوجيا البنيوية، كانت النمذجة AlphaFold 2 محبطة : “مثيرة ومذهلة ولكنها أيضًا محبطة جدا”، كما يقول ديفيد أغارد David Agard، الاختصاصي بالفيزياء البيولوجيا البنيوية من جامعة كاليفورنيا University of California في سان فرانسيسكو. ولم تنشر شركة ديب مايند حتى الآن منهجها أو كودها الحاسوبي للآخرين للاستفادة منها. وفي منتصف يونيو، بعد ثلاثة أيام من نشر مختبر بيكر مسودة البرنامج روز تي تي فولد، غرّد ديميس هاسابيس Demis Hassabis، وهو الرئيس التنفيذي لشركة ديب مايند، قائلا إنّ تفاصيل النمذجة AlphaFold كانت تخضع وقتها لمراجعة الأقران بهدف النشر في إحدى الدوريات العلمية وإن شركة ستتيح “للمجتمع العلمي وصولًا مجانيًا واسع النطاق إلى النمذجة AlphaFold”.

وكان عرض شركة ديب مايند الذي استغرق 30 دقيقة أثناء المسابقة CASP كافياً لإلهام بايك لتطوير طريقتها. مثل النمذجة AlphaFold، تُستخدم قدرة الذكاء الاصطناعي AI على تمييز الأنماط في قواعد بيانات واسعة من الأمثلة، مما تنتج منه تكرارات أكثر استنارة ودقة أثناء تعلمه. وعند تزويد النمذجة ببروتين جديد، تنطلق النمذجة Rose- TTAFold في التحليل على طول “مسارات” Tracks متعددة. ويقارن أحد المسارات تسلسل الأحماض الأمينية للبروتين مع جميع التسلسلات المماثلة في قواعد بيانات البروتين. ويتنبأ مسار آخر بالتفاعلات الزوجية بين الأحماض الأمينية داخل البروتين، أما المسار الثالث فيجمع البنية ثلاثية الأبعاد المفترضة. وتتزاوج النمذجة بين المسارات لتحسين النمذجة، باستخدام ما ينتج من كل مسار لتحديث المسارين الآخرين.

وطريقة شركة ديب مايند، على الرغم من أنها لا تزال غير واضحة، تتضمن مسارين فقط، كما تعتقد بايك وآخرون. وتقول غيرا بهابها Gira Bhabha، الاختصاصية بالبيولوجيا الخلوية والبنيوية من كلية الطب بجامعة نيويورك New York University School of Medicine، إن كلا المنهجين يعملان جيدا. وتقول: “إن التقدم في مختبري ديب مايند وبيكر مذهل وسوف يغير الطريقة التي يمكننا بها استخدام تنبؤات بنية البروتين لتطوير البيولوجيا”. وكتب متحدث باسم شركة ديب مايند في رسالة بريد إلكتروني: “من الرائع رؤية أمثلة مثل هذه حيث يبني مجتمع طي البروتين على النمذجة AlphaFold للعمل نحو هدفنا المشترك لزيادة فهمنا للبيولوجيا البنيوية”.

لكن النمذجة AlphaFold حلت بنى البروتينات المفردة فقط، بينما تتوقع النمذجة Rose- TTAFold أيضًا البنى المعقدة للبروتينات، مثل بنية الجزيء المناعي إنترلوكين -12 (Iiterleukin-12) الملتصق Receptor . وتعتمد العديد من الوظائف البيولوجية على تفاعلات البروتين البينية المعقدة، كما يقول تورستن شويدي Torsten Schwede، الاختصاصي بالبيولوجيا البنيوية الحاسوبية من جامعة بازل University of Basil. ويتابع قائلا: “القدرة على التعامل مع البروتينات المعقدة مباشرة من معلومات التسلسل تجعلها جاذبة جدا للعديد من الأسئلة في الأبحاث الطبية البيولوجية”.

يقر بيكر، عموما، بأن بنى النمذجة AlphaFold 2 أكثر دقة. ولكن سافيديس يقول إن طريقة مختبر بيكر تلتقط “جوهر وخصوصيات بنية البروتين” أفضل، مثل تحديد سلاسل الذرات البارزة من جوانب البروتين – وهي سمات أساسية للتفاعلات بين البروتينات. يضيف أغارد أن منهج بيكر وبايك أسرع ويتطلب قوة حوسبة أقل مقارنة بمنهج الشركة ديب مايند التي اعتمدت على خوادم غوغل الضخمة. ومع ذلك، كتبت المتحدثة باسم شركة ديب مايند أن أحدث خوارزمية أسرع بأكثر من 16 مرة من تلك التي استخدمتها في المسابقة CASP في عام 2020. وبناء على ذلك، كتبت: “ليس من الواضح لنا أن النظام الموصوف هو مجرد تقدم في السرعة”.

وفي 1 يونيو بدأ بيكر وبايك بتحدي منهجهما بمطالبة الباحثين بإرسال تسلسلات البروتينات الأكثر إرباكًا. فقد وصل ستة وخمسون تسلسلا محيرا في الشهر الأول، وقد تمكنت النمذجة من التنبؤ ببنيتها جميعا. كما أرسلت مجموعة أغارد تسلسل أحماض أمينية لا يشبه البروتينات المعروفة. وفي غضون ساعات، أرسلت مجموعته نمذجة بنية البروتين “وبذلك، ربما وفرت علينا عامًا من العمل”، كما يقول أغارد. وحاليا، يعرف هو وفريقه مناطق تحور البروتين الذي سيستخدمونه لاختبار الأفكار حول كيفية عمل البروتين.

ولأن مجموعة بايك وبيكر قد نشرت الكود الحاسوبي على الإنترنت، يمكن للآخرين الآن تحسينه؛ وقد نزل العديد الكود بما يعادل 250 مرة منذ 1 يوليو. ويقول جينبو شو Jinbo Xu، الاختصاصي بالبيولوجيا البنيوية الحاسوبية من معهد تويوتا التكنولوجي Toyota Technological Institute في شيكاغو: “سيبني العديد من الباحثين أساليب التنبؤ البنيوية استناداً على عمل بيكر”. ويوافق مولت على ذلك قائلا: “عندما يكون هناك إنجاز علمي خارق كهذا، بعد عامين ستجد الجميع يستخدمونه أيضًا إن لم يكن قد حسنوه إلى ما هو أفضل مما سبق”.

©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى